حكومة المعارضة ومعارضة الحكومة!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 6264 - 2019 / 6 / 18 - 11:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اعلنت كتلة سائرون (التيار الصدري والحزب الشيوعي)، تيار الحكمة( عمار الحكيم)، كتلة النصر (حيدر العبادي)، وقوى سياسية اخرى بلغ مجموعها ستّ قوى عن اقترابها من إعلان تشكيل كتلة نيابية معارضة لحكومة عادل عبد المهدي في مجلس النواب خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة".
لنتفحص قليلا ما حقيقة هذه "المعارضة". الاحزاب التي تريد اعلان نفسها " معارضة" هي ذات الاحزاب التي شكّلت وتوافقت على كل حكومات ما بعد 2003. بدءا باتئلاف الاحزاب الشيعية في عام 2005 ليضمنوا تفوق" الاحزاب الشيعية" ضد الاحزاب السنية او القومية الكردية، ليشكلوا بعدها وفي كل فترة انتخابية تحالفات جديدة. عقد ونصف هذه الاحزاب ذاتها، ,ما تفرع عنها وما انشطر منها من احزاب، شكلوا كتل انتخابية و حرصوا كل الحرص على ضمان لهم مواقع برلمانية ومواقع وزارية على امتداد السنين المنصرمة الى الحد الذي لم يترددوا في ان يعبروا الى " الضفة الاخرى"، الى الفريق الخصم من اجل ان يكون لهم حصلة في الحكومة.
عدد من الاحزاب القومية العربية المتلفحة الان برداء الاسلام السياسي السنّي تتآلف مع الحشد الشعبي( تحالف البناء)، رغم اعتراف الاول بانفسهم ما اقترفته ميلشيات الحشد الشعبي في المناطق الغربية، ورغم سخط الشباب اعضاء الحشد الشعبي، من الشباب الذين قاتلوا في الموصل، وهم يرون " قادتهم- قادة الحشد" قد بدأوا بالاتفاق مع من قالوا عنهم بالامس انهم هم من ساند داعش. الصدريون يتحالفون مع الحزب الشيوعي العراقي (تحالف الاصلاح). تحالفات جديدة وصادمة لجمهور نفس تلك الاحزاب، هو من اجل هدف واحد: نيل حصة اكبر من الحكومة. تحاصصوا وتوافقوا على توزيع مؤسسات الدولة من الاعلى الى الاسفل، تقاتلوا وتحاربوا، من حرب اهلية في ال 2006 الى داعش 2014، وصولا الى حرق المزارع في 2019. كلها من اجل ضمان حصة اكبر من الثروة والمواقع. عقد ونصف وهم يتشاطرون، ويتمزقون ويتوحدون، وميلشيات اكبر تفرّخ ميلشيات اصغر، واحزاب قديمة تنشطر الى احزاب جديدة. وهم هم ذاتهم على سدة الحكم.
بعد ان قاموا بتزوير الانتخابات، ورشوة المصوتين، وعقدو تحالفات انتخابية، وحصلوا على مقاعد برلمانية و ضمنوا لهم وزارات، يتصارعون الان على المدراء العامين، ويتذمرون من ديكتاتورية الصدر- العامري في اتخاذ القرارات، لانهم لم يتركوا لهم ما يكفي من الحصص. الان توصلوا جميعا و"بربطة المعلم" الى وجوب ان يعلنوا انفسهم "معارضة": صدريون يناقشون فشل الحكومة، و رئيس وزراء سابق لم يحل لا مشكلة بطالة ولا كهرباء ولا ماء، يشتكي من "ضعف اداء الحكومة"، شيوعيون مترددون بالمطالبة بتغيير الحكومة، وكأن الحكومة اذا تغيرت (راح تصير قمرة وربيع).
ولهذا يريدون اعلان انفسهم" كمعارضة". معارضة تتشكل من احزاب الحكومة ذاتها، معارضة لديها اعضاء برلمان ووزراء حكوميين، ونواب رئيس جمهورية. احزابا تريد ان تكون هي الحكومة وهي المعارضة في ان واحد. وكل ما يعنونه بال"معارضة" هو فقط تغيير وجه عادل عبد المهدي بوجه اخر. سحب الثقة من حكومة لتشكيل حكومة جديدة منهم هم انفسهم لا غير! الاحزاب الموجودة في البرلمان، والتي هي ذاتها شكلت كل الحكومات السابقة. طبقة من احزاب جل همها وكل صراعاتها يدور حول مصالحها ومنافعها الاقتصادية وحصصها من السلطة. ليس بين كتلة واخرى وحزب واخر، بل حتى في داخل احزابها وكتلها يدور الصراع حول نسبة " الحصص". ان اعتراضات الاعضاء السابقين لقوات بدر ضد هادي العامري للمطالبة بحقوق مالية استأثر بها الاخير، ومضيهم لتشكيل تنظيم جديد. ومعاقبة الصدر لاربعة من مساعديه، و قيام اتباعه بحرق مشاريعهم الاقتصادية لانهم خرجوا عن طوعه، الى ان اعلنوا فروض الطاعة ليقبل توبتهم، كلها تدور حول " حجم الحصص" ومقادير الاموال التي يجنوها ، والتي تمكنوا فقط من الوصول اليها بحكم وفقط بحكم وجودهم في الحكومة..فاذا كانت هذه الصراعات تجري داخل البيت الواحد، فما عسى الخلافات تكون بين اطراف متناحرة، ومتصارعة حول " حصص اكبر"!
لنذكرهذه "الحكومة - المعارضة" بانهم لا يمكن ان يكونوا في البرلمان ولديهم مقاعد وزارية ومدراء عامين ويتحاصصون على السلطة من الاعلى الى الاسفل، ويريدون تسويق انفسهم ك"معارضة".
المعارضة في مكان اخر تماما. انها القوى التي لم تدخل العملية السياسية التي قامت على اساس الاحتلال، القوى التي رفضت تعريف نفسها على اسس طائفية وقومية، القوى التي لم تقبل بتطييف واسلمة المجتمع، المعارضة التي لم تقبل المشاركة في سياسة المحاصصة وتقاسم الثروات على اسس طائفية، المعارضة الحقيقية هي القوى التي وقفت ضد السياسات النيوليبرالية والداعية الى اخلاء مسؤولية الدولة، المعارضة هي التي دعت وتدعو الى انهاء الميلشيات ودورها، وقوانينها. المعارضة الحقيقية التي تعمل مع الجماهير ليلا ونهارا من اجل تغيير ليس العملية السياسية بل النظام السائد برمته والذي يوضح حقيقة الرأسمالية الطفيلية واحزابها على مختلف تياراتها الاسلامية، الشيعية منها والسنية، والاحزاب القومية على مختلف تفرعاتها العربية والكردية والتركمانية.
لقد عبرت الجماهير عن معارضتها الحقيقية وعلى امتداد عقد ونصف، وباوضح ما يمكن في احتجاجات 2011 و2015، و2018، وحجبت كل ثقة عن احزاب هذه الحكومة التي تريد ان تصبح ايضا معارضة، حين عزفت عن التصويت لهم وبشكل واضح في نيسان الماضي.