الذكرى الأربعين لرحيل الرفيق الدكتور غسان الأشقر


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 6155 - 2019 / 2 / 24 - 18:44
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     


كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في الذكرى الأربعين لرحيل الرفيق الدكتور غسان الأشقر

نفتقدك يا غسان: نفتقدك أيها الراحل الكبير، يا أعز الرفاق.

في ذكراك الأربعين نكرم تاريخا كنت فيه المنارة التي دأبنا على الاهتداء بنورها،

بعطائك وتفانيك ونكران ذاتك كنت تجسّد قوّة المثال الذي ينبغي أن يكون عليه القائد الشيوعي الطليعي.

مهرجاننا اليوم هو تعبير صادق عمّا يعتمل في قلوبنا وضمائرنا وذاكرتنا الجماعية من عمق مشاعر الاعتراف والتقدير للمزايا الكفاحية العظيمة التي كنت تتمتع بها،

وهو مناسبة لشحذ همم الشيوعيين والوطنيين وطاقاتهم من أجل مواصلة النضال على الدرب الذي مشيت عليها أيها الرفيق ، من اجل القضية التي امضيت حياتك في سبيل تحقيقها، قضية الانتصار لمثل وقيم التقدم والتحرر الوطني والاجتماعي، على طريق بناء الاشتراكية.

فتكريمك أيها الرفيق تكريم لفكرك الأممي، فيتحول المهرجان إلى مناسبة تضامنية مع نضال شعوب العالم وقواها الثورية التي تقض مضاجع الأمبريالية في عقر دارها، في فنزويلا البوليفارية ونيكاراغوا وكوبا كاسترو وتشي غيفارا ، رافعين الرايات الحمراء ضد قوى الرأسمال المعولم . رأس حربة كانوا وما زالوا في مواجهة التهديدات والعقوبات وكل اشكال الحصار الهادف لإسقاط هذه الدول ونهب ثرواتها كجزء من الحرب العدوانية الكونية التي تشنها الإمبريالية الأميركية سياسياً وعسكرياً وتجارياً واقتصادياً وبالحديد والنار وعبر تجويع الشعوب وقهرها حفاظاً على نظامها وقيادتها المهددة للعالم ، و في محاولة لمعالجة أزمة نظامها الرأسمالي ولو على حساب حلفائها : فأميركا أولاً .

وتكريم الرفيق غسان هو انتصارلقضايا شعوبنا العربية ومقاومتها من أجل التحرّر الوطني والاجتماعي في مواجهة المشروع الإمبريالي حيث نالت منطقتنا العربية نصيبها من هذه الحرب المفتوحة التي تستهدف تقسيم كل بلدان وشعوب المنطقة معتمدة على أدواتها في الكيان الصهيوني وفي أنظمة الخيانة والتطبيع الذي وصل إلى ذروته في مؤتمر وارسو فكان ممثلو هذه الانظمة جنبا إلى جنب مع نتنياهو وفي الوقت الذي يقوم جيش احتلاله بارتكاب ابشع المجازر بحق أطفال مسيرات العودة،

في ذكراك الأربعين أيها الرفيق نوجّه اسمى آيات التحية لشهداء هذه المسيرات والخزي والعار لملوك التطبيع ادوات تنفيذ صفقة القرن.

في ذكراك الأربعين ننتصر معا لثورةالشعب السوداني ضد حكم الاستبداد والافقار مطالبين باطلاق سراح كل المعتقلات والمعتقلين في سجون نظام البشير وفي مقدمهم الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب.

كنت أيها الرفيق واسطة العنقود في عكار الذي أمضى عقوداً من حياته مناضلاً صلباً في صفوف الحزب، هاجسك الأساسي دعم قضايا العمال والفقراء ضدّ الطغمة المالية اللبنانية ونظامها السياسي الطائفي، ومن موقعك السياسي والوطني كنت المقاوم للاحتلال الصهيوني كما كنت رأس حربة وصوت الأحرار ضد نظام التبعية والاستزلام وادواته في كل المعارك الانتخابية النيابية في زمن الوصاية السورية على لبنان.



هكذا ساهم الرفيق غسان في بلورة مفهومه المقاوم للتحرير والتغيير. فالتحرير لا يقتصر على الأرض بل يتعداه إلى تحرير القرار السياسي والاقتصادي – الاجتماعي من اوصيائه في الخارج ومن شبكة العلاقات الرأسمالية ونمط الاقتصاد الريعي غير المنتج الذي يلفظ أنفاسه بعد ان وضع اللبنانيين أمام خطر الانهيار المالي الوشيك.

لقد تشكلت حكومة سيدر، حكومة لم نعطها الثقة قبل ان تتشكل، وخلال نيلها ثقة المجلس النيابي وبعدها، فكنا أوّل من رفع الصوت عاليا محذّرين من مخاطر الأزمة الاقتصادية الراهنة التي باتت تتجاوز كل الخطوط الحمراء، والتي يتحمّل مسؤوليتها التحالف السلطوي - المالي الحاكم .

حذرنا مراراً وتكراراً وقلنا أن سياسة شراء الوقت لم تعد تنفع وأن اقتصاد البلد أصبح قاب قوسين أو أدنى من ولوج باب الانهيار، إلى ان وصلت الدولة إلى وضع لم تعد قادرة فيه على دفع الرواتب والأجور وتامين الخدمات العامة للبنانيين .

واستباقاً لتداعيات مثل هذا الإنهيار المحتمل، ومنعا لأولئك الذين أوصلوا البلد إلى هذا المصير الأسود من أن يتحكّموا بإدارة تبعات الانهيار وتجييرها لمصالحهم التحاصصية الخاصة، بادرنا بالتنسيق والتعاون مع قوى وأحزاب ونقابات وشخصيات وجمعيات وتيّارات مدنية وديمقراطية وازنة. إلى تنظيم التظاهرات تحت شعار إلى الشارع للأنقاذ في مواجهة سياسات الانهيار فإذا كان من انهيار وشيك فلتقع اعباؤه على عاتق التحالف السلطوي - المالي. لا على عاتق العمال والفقراء واللبنانيين عموما، وهدفنا من هذا الحراك أن يتحوّل إلى حراك شعبي معبّر عن مصالح الفئات الاجتماعية المتنوّعة ليصبح قوّة ضاغطة قادرة على تعديل موازين القوى لفرض الاصلاحات السياسية والاقتصادية الاساسية الممهّدة لتفكيك وإسقاط الدولة الطائفية وإقامة الدولة الديمقراطية المدنية على أنقاضها.

ثلاثون عاماً وهم يغدقون الوعود الوردية، ولم يتحقّق أي شيء منها، بل ما تحقق هو استفحال الركود الاقتصادي والبطالة وسيطرة الاحتكارات وتزايد الهجرة والفقر والاقصاء الاجتماعي وعدم المساواة،

وها هم اليوم، يحاولون الكرة من جديد، فيستمرون باطلاق الوعود عبر إجراءات مؤتمر "سيدر" وتوصيات ماكنزي، لدغدغة آمال اللبنانيين بمضاعفة معدّلات النمو، وخفض عجز الموازنة وفاتورة الدين العام، وضبط التوظيف الزبائني والعشوائي، ووضع ملف الكهرباء على طريق الحلّ السريع، والحدّ من الخلل القياسي في عجز الميزان التجاري وعجز ميزان المدفوعات.

ولنقلها بالفم الملآن: لا أمل بأن يتكفّل الجلّاد، هو نفسه، بمعالجة الضحية، بعد أن إنغمس في تعذيبها وتقطيع أوصالها على مدى ما يزيد عن ثلاثة عقود، لا سيما أن الجلّاد بات يفتقد راهنا إلى دعم راعيه الخارجي، وأصبح يتطلّع إلى السطو على المزيد من المال العام لأغراضه الخاصة.

هم يريدون فرض المزيد من التقشّف على أجور العمال والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، بدلا من ان يتقشفوا من ارباحهم ، عبر ضرب مفاعيل سلسلة الرتب والرواتب، وتقليص التقديمات الاجتماعية ومعاشات التقاعد، وزيادة تعريفات وأسعار الخدمات العامة الأساسية لا سيما المحروقات والكهرباء والمياه، وكذلك معدلات الضريبة على القيمة المضافة، هذا بالاضافة إلى خصخصة غالبية المرافق العامة مما يعزّز فعليا تحكّم الشركات الاحتكارية الخاصة بآليات إنتاج وتوزيع وتسعير الجزء الأكبر من تلك الخدمات.

لا شيء تغيّر ، يتكلمون عن الانهيار ولا يعملون شيئا سوى القروض ورفع الفوائد وزيادة العجز والمديونية والفساد . وهم مرتاحون فأموالهم في الخارج بالدولار واليورو، والكارثة ان وقعت فستقع على العاملين بالليرة اللبنانية وتعويضاتهم ومعاشاتهم التقاعدية ، ذلك ان النظام السياسي يمنع المحاسبة، فهو نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية المولد للفساد . فالاحزاب الطائفية عاجزة عن محاربة الفساد بحكم طائفيتها التي تشكل بيئته الحاضنة له، ويبقى الفاسد مغطى بزعيمه الطائفي ان لم يكن هذا الأخير هو الفاسد بعينه، ثلاثون عاما ولم يحاسبوا بعضهم البعض، والحزب الذي يـأتي اليوم ليحارب الفساد، عليه ان يخرج من نظام المحاصصة والشراكة الطائفية والمذهبية كي ينجح في معركته . وحتى لا يقع البعض في الأوهام فما شهدناه في جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة حيث أعطاها الثقة 110 نواب بعد ان تبادلوا تهم الفساد في ما بينهم مقدمين مثالا حيا عما وصل اليه الفساد السياسي في لبنان.

لا شيء تغيّر، يفرضون الضرائب ولا يقدمون شيئا بالمقابل. ثلاثون عاما ولا ماء ولا كهرباء ولا فرص عمل ولا أجور ولا سكن ، ولا تعليم، لذلك قلنا لا ثقة لحكومة سيدر فنحن لسنا بحاجة لإجراءاته. يكفي تحسين الجباية من13.6 % من الناتج المحلي إلى 16.4 % أي رفعها بنسبة 3% لتحصيل مليار وربع المليار$ سنويا ، اي 12 مليار $ خلال عشر سنوات وهو ما يوازي قيمة قروض سيدر . لقد فضلت الحكومة عدم الاصلاح والسير في الاستدانة بدلاً من تحسين الجباية وفرض الضرائب العادلة على الثروات المتراكمة.

أما الخمسة مليارات $ المتبقية والمطروحة في سيدر تحت عنوان الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، فهي أموال الهندسات المالية التي أعطاها مصرف لبنان إلى بضعة مصارف "من دون مقابل"! ولم يسأل أي رئيس أو وزير أو نائب سؤالاً واحداً عنها. ولو أردنا إقراض خمسين ألف دولار لكل من المؤسسات الصغيرة التي تحتاج لهذا المبلغ لكان باستطاعة المليارات الخمس تمويل 100 ألف مؤسسة صغيرة!!.

وهذا يعني أنهم مستمرون في استجلاب الدائم للقروض من الخارج للحؤول دون الاصلاحات، وعبر الاكتتاب بسندات الخزينة وبفوائد مرتفعة وكل ذلك لزيادة أرباح المصارف واغتناء الطغمة الحاكمة من مراكمة الريوع والعمولات والنهب المتمادي للمال العام، مع التهديد الدائم بانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية والاستمرار في نهب اللبنانيين وتهجيرهم من هذا البلد.

هم لا يقيمون وزناً لأحد، يطالبهم العمال والموظفون والمعلمون والأجراء والمزارعون والمتعاقدون والمتقاعدون بمطالبهم فلا يستجيبون ، بينما يستجيبون لمطالب أصحاب المصارف حتى أصبحت دولتنا دولة الريوع بدل ان تكون دولة الرعاية.

خلاصة الأمر . لهم مشروعهم في مقررات سيدر، ولنا مشروعنا البديل: ومشروعنا واضح وضوح الشمس مطلب رئيسي : عدّلوا النظام الضريبي ، عدّلوه وآتونا بالأموال المنهوبة بكل بساطة، فللسلطة الحاكمة نقول تريدون المال ،:

اخضعوا الفوائد على الودائع المصرفية لضريبة تصاعدية تصل إلى 15% على كبار المودعين

ارفعوا الضريبة على الأرباح إلى 35%

اقتطعوا ثلث أرباح المصارف من الفوائد على ديونها لخزينة الدولة لخمس سنوات

أوقفوا كل اشكال الإعفاءات الضريبية

الغوا الفوائد على سندات الخزينة العائدة لمصرف لبنان

افرضوا على كل رئيس ووزير ونائب ان يصرح عن حساباته المالية في لبنان وفي الخارج

كافحوا التهرب الضريبي وأوقفوا مزاريب الهدر والفساد في المرافق العامة

افرضوا علىكل من يعمل في لبنان أي تكن جنسيته الضريبة عن اعماله واتخذوا الإجراءات القانونية التي تضمن حماية اليد العاملة اللبنانية.

من هنا تبدأ الأصلاحات الحقيقية للأزمة الأقتصادية الاجتماعية التي لا علاج لها إلاّ في إطار الحلول السياسية والخروج من نمط الاقتصاد الريعي الذي افقر الفقراء وزاد في غنى الأغنياء، حتى بات 1% من المودعين لديهم 50% من قيمة الودائع. واصبح مصرف لبنان مفلس تقنيا ، فديونه للمصارف توازي 70 مليار $ ، بينما لديه 40 مليار $، زائد قيمة الذهب 10 مليار $.

أما المدخل الرئيسي لتحقيق مطالب العمال والأجراء وسائر القطاعات الشعبية والنقابية والوظيفية على اختلافها فهو في ان تتوحد جميعها حول هذا المطلب الرئيسي الجامع والمشترك وتضعه في رأس أولويات مطالبها الخاصة بها فتعديل النظام الضريبي هو المصدر الرئيسي لتأمين الأموال المطلوبة لتحقيق مطالبها الخاصة بها والعامة والتي ندعمها ونؤيدها جميعها ، من تأمين الكهرباء إلى المياه والتغطية الصحية الشاملة وحقوق المتقاعدين والمتعاقدين وتحسين نوعية التعليم الرسمي والحق بالسكن وتوفير فرص العمل وتعديل الأجور.

أما المطلب الرئيسي الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول فهو حماية البيئة، حماية صحة اللبنانيين من التلوث المنتشر في الغذاء والمياه والهواء والمولد للأمراض السرطانية الناتجة من النفايات والمحارق والكسارات.

فإلى تصعيد المواجهة ، وتوحيد كل الجهود والطاقات و توسيع دائرة الحراك بمختلف الاتجاهات: باتجاه حراك نقابي مستقل في كل القطاعات، وحراك مناطقي وبلدي وطلابي ونسائي ومهني واعلامي، وإلى بناء الأطر الشعبية في المدن والقرى، وبالتعاون مع القوى الديمقراطية والمدنية، لتعديل موازين القوى وخلق وتطوير الكتلة الشعبية والاجتماعية التي تلتقي على هذه القواسم المشتركة، مع توسّل كل أشكال النضال الديمقراطي العام.

نفتقدك اليوم في الشارع أيها الرفيق

باسم صمودك واخلاصك وصدق التزامك سنبقى على خطاك عهدا ووفاء لمسيرتك وتضحياتك وحتى تحقيق أحلامك وسنمضي ، سنمضي إلى ما نريد : وطن حر وشعب سعيد



منيارة – مطعم خان الصايغ في 24/ 2/ 2019