عن إشكالية التغيير السياسي في سوريا


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 13:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



تضع تحولات الأوضاع السورية السياسية عموماً، والميدانية بشكل خاص، مع تحولات أخرى ذات أبعاد إقليمية ودولية، السوريين جميعاً أمام معطيات جديدة سيكون لها تأثير ملحوظ على مستقبل الدولة السورية، ودورها الإقليمي والدولي، وأيضاً على طبيعة نظام الحكم، ومستويات التغيير السياسي وأشكال تجلياته. ويكشف عن ذلك عوامل متعددة منها:
أولاً: خسارة المعارضات المسلحة، وأخرى سياسية مرتبطة بها، كافة أوراقها والآليات التي تمكّنها من التأثير على مجريات العملية السياسية التفاوضية، وأيضاً موقف شرائح واسعة من السوريين. وأسباب ذلك يعود إلى: عجزها عن التآلف حول رؤية ميدانية وسياسية شاملة وموضوعية تعبّر عن حقيقة الأوضاع السورية وآفاق تحولاتها الممكنة. ولذلك علاقة مباشرة بتفاقم حدة الانقسامات داخل الكتل السياسية المعارضة وفيما بينها، ارتباط تضخم العقلية البراغماتية مع النزعة الأنوية الإقصائية، طغيان مظاهر الولاءات الشخصية والفساد المالي والسياسي، سيطرة الفصائل الإسلامية المتطرفة على مداخل ومخارج قراراتها، ارتهان فصائلها المقاتلة ومكوناتها السياسية إلى أطراف دولية وإقليمية متباينة المصالح والسياسات. ما أسهم بإفلاس خطابها السياسي، وتسارع وتيرة هزائم الفصائل المقاتلة. وكان آخر تلك الهزائم، وليس آخرها. خسارتها آخر معاقلها في جنوب سوريا. وجميعها يدلل على أن المعارضات السورية، وتحديداً تلك التي اعتمدت الخيار العسكري، باتت في أسوء مراحلها وأكثرها تهالكاً. ما يعني أنها فقدت أوراق قوتها كافة أمام النظام. وأيضاً مبررات وجودها أمام أطراف دولية وإقليمية اشتغلت على توظيفها لتغيير النظام السوري بالقوة. علماً أن تبدّل مواقف غير دولة من المسألة السورية، وأيضاً ما يخص العلاقة بأطراف الصراع. ساهم بشكل ملحوظ بوصول الأوضاع السورية إلى حالتها الراهنة. وسيكون لذلك تأثير ملموس على أوضاع الدولة السورية بالمدى المنظور.
ثانياً: فيما يتعلق بدرجة تأثير نظام الحكم في العملية السياسية فإنها ترتبط بـ: مرونة النظام السياسية، موقفه من التغيير السياسي المفروض من الخارج. موقف السوريين من النظام ومن التحولات السياسية، وكيفية تعاملهم معها. مواقف الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة له، وأخرى في المقلب الأخر. مآلات العمليات العسكرية بمناطق خفض التصعيد.
ونشير في السياق ذاته إلى أن تمسك النظام بالنزعة الأحادية. ما زال يعيق إمكانية الانفتاح السياسي الديمقراطي. ويكشف عن ذلك السياق التاريخي لطبيعة علاقته القمعية للتشكيلات المدنية، والمعارضات السياسية. واشتغاله على تجفيف منابعها المجتمعية.
ثالثاً: من الأهمية بمكان التأكيد على خطورة تأثير العامل الخارجي على مستقبل الدولة السورية وشكل نظامها السياسي. ويدلل على ذلك، أن التفاهمات والتسويات الدولية والإقليمية، السياسية والميدانية. تكشف عن جوهر الصراع بين الأطراف الخارجية الدولية والإقليمية. وليس مهماً بالنسبة لتلك الأطراف مصالح السوريين، ودرجة التوافقات بين الأطراف السورية.
في السياق ذاته فإن الحضور الروسي المتزايد، والمتزامن مع احتمال إخراج القوات الإيرانية وفصائل تدور في فلكها من غير جبهة، تحديداً الجنوبية. يقابله تسريبات عن «تراجع واشنطن عن الدفع باتجاه إطلاق المرحلة الانتقالية، الكف عن المطالبة برحيل الأسد، انسحابها من شرق الفرات، تسهيل عملية الإصلاحات التي ترسمها موسكو لإدخال بعض الإصلاحات الدستورية تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 2021 ». هذا في وقت تعمل فيه إسرائيل على تحضير المناخات المناسبة لتمرير صفقة القرن بالتزامن مع إنهاء ملف الصراع السوري.
أما مصير إدلب، فمن الممكن أن يجري تجاوزه في سياق التفاهم بين واشنطن وموسكو وأنقرة. وفي إطار يمكن من خلاله تسوية العلاقة بين الحكومتين السورية والتركية.
إذا حاولنا الربط بين العوامل السابقة للوصول إلى تصور أولي لشكل النظام السياسي المحتمل تشكيله بسوريا. يمكننا القول أنه سيكون أقرب إلى النموذج الديمقراطي التوافقي. ومن المحتمل أن يكون النموذج المذكور، منسجماً مع ومعبراً عن مكونات المجتمع السوري الأولية. أي يمكن أن يتم الاشتغال على تمثيل المكونات المجتمعية سياسياً. ما يثير احتمال انزلاق السوريين، أو دفعهم لأزمات سياسية ومجتمعية متداخلة ومتراكبة.
ما يعني أنه بدلاً من خروج السوريين من أزمتهم الراهنة إلى مناخ يسوده الحرية التي تُعتبر شرطاً ضرورياً لبناء نظام سياسي ديمقراطي يلحظ مصالحهم الأساسية، ويعبِّر عنهم سياسياً، ويحترم انتماءاتهم ومعتقداتهم وهوياتهم الثقافية. فأنَّ ثمة معطيات دولية وإقليمية وأخرى داخلية. تشير إلى إمكانية نشوء أزمة سياسية ذات طبيعة مختلفة، يفاقم من تداعياتها: تراجع تأثير الأحزاب السياسية العلمانية واليسارية ومؤسسات المجتمع المدني، نكوص مجتمعي إلى ولاءات مشيخية عشائرية إثنية ومعتقدات مذهبية وطائفية كان المجتمع السوري بدأ بتجاوزها قبل الأزمة إلى أشكال أخرى من الانتماءات المدنية، تفاقم التدخلات الدولية والإقليمية، احتمال تحويل الدولة ذات الطابع المركزي إلى دولة ذات طابع سياسي لا مركزي. وبسبب ما يعانيه السوريين من أزمة استثنائية. فإن ذلك يمكن أن يساهم بتعميق الأزمة الكيانية للدولة، ويفاقم من بعثرة مواردها ومقدراتها.
ما عرضناه آنفاً يدفعنا للتأكيد على أولوية: فتح المجال العام لمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، والتشكيلات السياسية المدنية والعلمانية، تحرير طاقات السوريين حتى يتمكنوا من المساهمة بترسيخ نظام حكم رشيد يضمن تحقيق العدالة الانتقالية والمجتمعية، ومن التحكم بخياراتهم الوطنية كافة.
إن ديناميكية السوريين وقدرتهم على استعادة دورهم السياسي في تحديد بنية الدولة السورية وشكل الحكم فيها، سيبقى الفيصل. وذلك سيفتح المجال مجدداً أمام تشكّل أوضاع أخرى مختلفة يصعب التكهن بتجلياتها.