بخصوص أعداء دولة المواطنة؟.


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 5719 - 2017 / 12 / 6 - 22:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



بالنظر إلى أوضاع دولنا، نلحظ أن ثمة شرخ عميق بين أشكالها المتعينة، وبين ما يجب أن تقوم به من مهام تتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية، حماية الحريات وحقوق المواطنة، تأمين الأمن والاستقرار وحماية مواطنيها ومن يقيم على أراضيها، ضمان حقوق العمل والحد من ظاهرة البطالة والتضخم، قيادة مشاريع التنمية المستدامة الاقتصادية والبشرية، حماية الملكية المادية والمالية والفكرية، تأمين السلام الاجتماعي، تطوير العلوم والفنون والآداب، حماية البيئة والتراث الوطني وثقافة الأقليات. وإذا كانت شرعية السُلط السياسية تقاس بمدى التزامها بالمهام التي أوردناها. فإن أنظمتنا العربية تفتقد إلى الحدود الدنيا للشرعية. ما يعني أن استمرارها له علاقة بالسيطرة المباشرة على عوامل القوة وأدوات القمع والتسلط، وأيضاً على موارد الدولة والطاقات البشرية. فالسُلط السياسية العربية وكما بات واضحاً، اشتغلت على تحويل الدولة إلى مجال للنهب والتسلط والقمع، وأيضاً على صهر الدولة في بوتقة السلطة.
من جهة أخرى فإن انهيار التجربة السوفيتية، ونزوع الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة، واتساع تأثير مفاعيل العولمة. أسهم في نشوء تحولات عميقة في بنية الدولة وأشكال تجلياتها. ويتضح ذلك في سياق تراجع دورها الاجتماعي، وتحويلها إلى أداة لسيطرة الشركات العملاقة ورأس المال العالمي العابر للحدود والجنسية.
أما زعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين فإنه رأى إن«الدولة التي تنبثق من الثورة البروليتارية تبدأ فوراً بالاضمحلال. ففي النظام الاشتراكي سوف يحكم الجميع كلاً بدوره ويعتادون بسرعة على ألا يحكمهم أحد .... وعلى أثر ذلك نشر الفوضويين أن لينين يبتعد أكثر فأكثر عن مذهبهم الأصلي ويقتربون أكثر فأكثر من المثل العليا الشعبية... وأعلن زعيمهم صيف 1917 بأن لينين تراجع عن زيغاناته الماركسية وينوي أن يقيم في روسيا نظاماً فوضوياً مؤسساً على تدمير الدولة ». مارسيل ليبمان اللينينية في ظل لينين/ ج1/
وكما بات واضحاً فإن تجارب الاشتراكيات المحققة اقترنت برأسمالية الدولة، وبفائض من القهر والاحتكار والأحادية السياسية. وترافق ذلك مع تحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات سلطوية أيديولوجية. وكان للنموذج الستاليني بشكل خاص تأثيراً واضحاً على العديد من الأنظمة العربية وأخرى غير عربية. وجميعها شيدت صروح «دولة السلطة» التي ابتلعت الدولة وتقيأتها سلعاً وقهراً. فكانت تلك السلطات من ألد أعداء الدولة بأبعادها المتعلقة بقضايا المواطنة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحريات السياسية.
أما فيما يتعلق بالمؤسسات المالية العملاقة، والشركات العابرة للحدود والجنسية، فإنهم يناصبون الدولة عداءً من نوع مختلف. ويكشف عن ذلك اشتغالهم على تقليص دور الدولة التنموي وتهميش مؤسساتها السيادية وتحويلها إلى مجال مفتوح للاستثمار والمضاربة والنهب. واحتاج ذلك كما هو معلوماً إلى ضبط السياسات المالية والنقدية، والبنى التحتية المصرفية والمالية، وفق أشكال تخدم مصالحها. كما أنه احتاج في غير دولة وتحديداً الطرفية إلى تهميش الهيئات النقابية والحقوقية. وهدف الجهات المذكورة ليس تدمير الدولة، لكن تحويلها إلى منصة للدفاع عن مصالحهم، وأداة لتمكين هيمنتهم. وفي كثير من الأحيان كان يتم تحقيق ذلك من خلال العلاقة مع سلطات سياسية قمعية وناهبة لثروات شعوبها. وجميعها عوامل ساهمت بتوسيع الفجوة بين المواطن والدولة. وأيضاً بتُفاقم عداء المتضررين من تناقضات النظام الرأسمالي بنسخته النيو ليبرالية للدولة. ما يعني تصاعد حدة التناقض بين الفئات الاجتماعية المُفقَّرة من جهة، وبين الدولة التي ابتلعتها السلطة المهيمنة وسيطر عليها المال المعولم والشركات العابرة للحدود والقومية. ما شكّل مدخلاً لاستهداف الدولة. ويتقاطع ذلك في سوريا وغير دولة عربية في اللحظة الراهنة مع تناقضات وصراعات محمولة على تدخلات دولية وإقليمية، تُنذر بتمزيق المجتمع، وتقسيم الجغرافيا السياسية.