استعصاء المشروع الديمقراطي في سوريا


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 5686 - 2017 / 11 / 2 - 21:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


حتى اللحظة لم يحظى السوريون بفرصة تُمكنهم من وضع الأسس والمقدمات الضرورية لبناء مشروعهم الوطني الديمقراطي. فالقمع السلطوي، وعسكرة «الثورة»، وطغيان الحركات الإسلامية الجهادية والإرهابية، والتدخلات الخارجية، حوَّل ربيعهم السلمي إلى جحيم، وقوَّض آمالهم في التغيير الوطني الديمقراطي.
ونشير في السياق ذاته إلى أن دور السوريين المستقبلي يتوقف على فاعليتهم، وشكل النظام ونمط الدولة الذي يشتغل على توضيبه أطراف إقليمية ودولية متناقضة. لكن في اللحظة التي سيتمكنون فيها من المشاركة في تحديد تفاصيل مستقبلهم. فإنهم سوف يُفاجئون بذاتهم المحطمة، وبتداعي مكونات مجتمعهم وتمزّق نسيجيه، وأيضاً بتخلع وتحلل ما كان يبدو أنه تماسكاً اجتماعياً. فأوضاع المجتمع وما يحمله من قيم وعادات وثقافة، بات رهينة تصدعات يصعب رأبها في المدى المنظور. فلا الدولة بقيت كما كانت، وكذلك المجتمع والعمران. فهل سيكون السوريون قادرون على تجاوز تداعيات صراعاتهم، وحروب غير دولة على أرضهم؟ وهل سيكون بمقدورهم استنهاض منطق العقل، بعد أن سيطرت على منابعه لغة الصراع. من المؤكد أن ذلك يكتنفه صعوبات جمَّة. لكنه يبقى الخيار الأنجع لوضع المقدمات الأساسية والأطر العامة لبناء المشروع الوطني الديمقراطي، وهو يتعلق بعوامل متعددة:
أولاً: بالنظر إلى عامة السوريين نلحظ أن تفكيرهم حالياً يتمحور حول نقطتان أساسيتان: تأمين احتياجاتهم الأساسية، والتوصُّل إلى إنهاء الصراع. وكلاهما يشكِّل مدخلاً إلى ممارسة النشاط السياسي. أما فيما يتعلق بالمعارضة السياسية، فإنَّ ما تطرحه من مشاريع سياسية يقتضي التدقيق في ماهيتها السياسية، وبنيتها الفكرية وأشكال اشتغالها، وروافعها الاجتماعية. وذلك نتيجة الالتباس والتباين الذي يتخلل موقفها من المشروع الوطني الديمقراطي. وأسباب ذلك تتجاوز حدود الانتماءات الأيديولوجية والسياسية إلى طبيعة علاقتها بالدول الداعمة لها وبالحركات الجهادية وبموقفها من بنية السلطة وطبيعة علاقة الأخيرة بالدولة. ويستدعي ذلك التأكيد على أن التأسيس لمشروع وطني ديمقراطي، يستوجب من حوامله السياسية امتلاك إرادة حرة وفكر منفتح على المجتمع ومكوناته السياسية كافة، وأيضاً آليات اشتغال مرنة تمكِّنها من التعامل مع التحولات السياسية الإقليمية والدولية، وأيضاً الميدانية. وإذا قاربنا آليات تفكير واشتغال مكونات المعارضة. نرى أنها تتماهى في كثير من تجلياتها مع بنية وطبيعة النظام الأحادية والشمولية وآليات اشتغاله الأمنية والإقصائية. ما يجعل منها وجهاً آخر للنظام، ويضعها في تناقض بين ما تطرحه من مشاريع ورؤى سياسية، وبين بنيتها ونمط تفكيرها.
ثانياً: فيما يتعلق ببنية النظام، فإن اشتغال الفئة الحاكمة على بناء منظومة سياسية وأيديولوجية أحادية تعتمد على منظومة أمنية تهيمن على مفاصل المجتمع وتفاصيله. أسس إلى بناء مملكة الصمت وإشاعة مناخ من الخوف والرعب، وتجفيف منابع الحياة السياسية. وفي الوقت الذي كان يتم فيه التغاضي عن التمدد الديني الدعوي الذي تحوَّل لاحقاً إلى حواضن للسلفية الجهادية. كان يتم قمع التيارات العلمانية واليسارية، وأيضاً تخلى الحكومة عن سياسيات التنمية البشرية والاقتصادية ذات الملمح الاجتماعي. فكان الاحتكار والفساد ونهب الموارد الوطنية، من سمات السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية. ما دفع إلى تلاشي النشاط السياسي والفاعلية المدنية, وانفجار النزعات المتطرفة.
ثالثاً: أمَّا عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية. فإنها ترتبط بالمناخ السياسي والاجتماعي السائد، وتحديداً بمستوى حرية الرجل. ونشير إلى أن غياب الحريات وانتشار القمع والكبت، كان على الدوام ينعكس على أوضاع الرجل والمرأة. بالمقابل فإن فقدان الرجل لحريته السياسية، وتفاقم سلطته الذكورية. كان له دور كبير في تهميش المرأة واستغلالها.
أخيراً: شكَّل تقاطع العوامل الخارجية المتداخلة والمتناقضة، مع آليات اشتغال السلطة السياسية الإقصائية، وتغوّل الأجهزة الأمنية، وتناقضات وإشكاليات تعاني منها المعارضة، وأيضاً إخراج السوريين من دائرة الفعل السياسي، وعجز المعارضة والنظام عن تمثيل السوريين والدفاع عن مصالحهم. مدخلاً لإفشال أي تحول وطني ديمقراطي. ومعلوماً إن الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية. اشتغلت على توظيف مكونات المعارضة والسلطة لخدمة مصالحها. وقد اتضح بشكل قاطع إن هدف «الدول الداعمة للثورة السورية» هو إجهاض أي تحول ديمقراطي محمول على قوى شعبية. فكان خيار عسكرة «الثورة»، وبعدها توظيف الحركات الجهادية أفضل سبيل إلى: أولاً: إجهاض الحراك الشعبي السلمي. ثانياً: تدمير عوامل قوة الدولة، وتفكيك البنى الاجتماعية وإعادتها إلى أشكالها الأولية في سياق الدفع إلى إنشاء كانتونات طائفية وإثنية وعرقية على أنقاض كيانات قطرية مأزومة. ثالثاً: إعادة إنتاج أنظمة قهرية تحافظ على علاقة التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي.