التطبيع ....الطعن من الخلف


وسام رفيدي
الحوار المتمدن - العدد: 4739 - 2015 / 3 / 5 - 20:09
المحور: القضية الفلسطينية     

التطبيع ....الطعن من الخلف
بيننا وبينهم الحق في العودة

لم يعد المطلب الفلسطيني الرسمي والمستهجن شعبياً بالعودة إلى ما قبل 29 أيلول شعاراً مطلباً فقط، فنفر من الفلسطينيين _يشكلون اتجاهاً على أية حال رغم هامشيتهم- حولوه إلى ممارسة محمومة وغريبة، بالعودة إلى إقامة العلاقات والنشاطات التطبيعية مع الصهاينة، بالضبط كما كان الحال قبل 29 أيلول 2000.
عادت ذات الشعارات البائسة والزائفة لتطل برأسها: نوصل موقفنا للآخر ونتعرف إلى موقفه/ نؤثر في الرأي العام الإسرائيلي/...و:وكأن شيئاً لم يكن، وحتى لو كان هذا الشيء حمامات دمٍ لأبناء شعبنا واتضاح عنصرية وزيف ما يسمى بمعسكر السلام الإسرائيلي الذي اخذ علينا تمسكنا بالحق في العودة بما يشكله ذلك من إحراج له.
يمكن رصد العديد من الأنشطة التطبيعية منذ تسلم شارون للسلطة في شباط. وليست المسألة بحاجة لكثير من الذكاء لاكتشاف أهمية التزامن التالي: كان "اليسار الصهيوني" في السلطة، وجزر من أبناء شعبنا المئات فتجند كل "السلاميين" الصهاينة خلفه دعماً وتفهماً وحملوا علينا في بيانهم الشهير لتمسكنا بحق العودة ومقاتلة المحتلين! فاندحر التطبيعييون واصدروا البيانات النادبة للحظ والمعبرة عن الحرج والمستخلصة للدروس..وأوقفوا التطبيع. ثم انهزم "اليسار الصهيوني" وجيء بشارون فنشط التطبيع من جديد وهذه المرة تحت سعار"عزل شارون" ..أما لمصلحة من سعزل فلمصلحة "اليسار" إياه الذي ينفذ الآن سياسة شارون نفسها! إنها العودة لذات السياسة العقيمة والمدمرة في الرهان على يسارييهم ضد يمينييهم ، دون ملاحظة الإجماع القومي الذي تبلور في الانتفاضة الأخيرة وقبلها في محادثات كامب ديفد حول حق العودة تحديداً.
هل نتجنى إذن إن قلنا أن جماعة التطبيع ليسوا أكثر من طابور خامس يعمل كسمسار لحزب العمل المنهار؟ فالنشاط المحموم منذ شباط الماضي حتى اللحظة يظهر إلى أي حد إندلق التطبيعيون بهمة عالية!
لقاءات على مستوى شخصيات رفيعة من الجانبين تحضرها حنان عشراوي من مؤسسة مفتاح، أكاديمياتٍ ينشطن لتجنيد فتياتٍ لعمل نسائي مشترك مع محاميات وعضوات كنيست من الصهاينة، أكاديميون ينظمون الدورات المشتركة للشبيبة وحتى في أقصى ظروف الحصار يدبرون "بعلاقاتهم" تصاريح لفلسطينيين ليتوجهوا إلى تل أبيب ، مدارس البطريركية اللاتينية مستمرة بتنظيم "حوارات سلامية" تصل حتى اليابان، وتلك المدارس غارقة في نشاطٍ تطبيعي منذ سنوات على جبهة المعلمين، إصدار ملحق صحفي خاص للترويج لنشاط معسكر "السلام الإسرائيلي" ..وأخيراً لقاءات بروكسل للشبيبة التي حضرها فدا واجتماع حفنة من الصحفيين مع رئيس دولة الاحتلال.
وأخذاً بعين الاعتبار لسذاجة العديد من المشاركين، والجشع الشخصي لهم في التمتع بالأسفار والإقامة في الفنادق- وهذا كله توفره العديد من الأنشطة- فإن المنظمين ليسوا من السذاجة بمكان.
وإذا كان لسان حال السذاجة يعلن" ما المشكلة أن نلقاهم ونقول ما نريد حتى أقصى الموقف الوطني"فإنه لا يدرك أن الصهاينة يسعون لذلك بالذات: قل ما تشاء فالمهم أنك تحاور لا تصارع ، فالهدف تحويل العلاقة من الصراع إلى الحوار.[ دون تجاهل المكاسب الاستخبارية خاصة عندما يتعلق الأمر بأنشطة شبابية]. ولا يصعب تخيل المستفيد من الحوار على جثة الصراع ضمن موازين القوى الحالية.
أما القائمون على الأنشطة فليسوا بسذجٍ على أية حال، إنهم يسعون تحديداً إلى دحر منطق الصراع فالمسألة بالنهاية تبدو شبيهة بما ذهب إليه السادات : اللقاءات تزيل الحواجز النفسية التي تمنع التفاهمات المشتركة والمراعاة المتبادلة للاحتياجات.
هل نكتفي بالقول إن التطبيعييون لم يتعلموا درسي الانتفاضة الأهم: جذرية التناقض بين المشروعين، الصهيوني الإقتلاعي والفلسطيني التحرري وكذلك اتضاح الإجماع الصهيوني في العداء لجوهر الحقوق الوطنية نعني به حق العودة وإعلان "اليسار الصهيوني" قال ذلك صراحة...
وفي ذلك على ما نعتقد تبسيط يخل بالمنطق. فجماعة التطبيع يدركون تماماً أن نشاطهم المحموم منذ شباط يهدف إلى خدمة عودة حزب العمل للسلطة، راعي التطبيع منذ عصام السرطاوي حتى أكاديميو الحوار في جامعة بيرزيت مطلع الثمانينات. أما ما يتمخض عنه كل هذا النشاط فهو أحياناً بعض الفعاليات التي يجري نفخها إعلامياً فيما هي وكل ما سبقها لسنين وسنين لا تساوي واحدٍ على الألف مما قدمه اليسار الفرنسي الحقيقي للثوار في الجزائر ، أو ما قدمه الشيوعيون البرتغاليون عندما هربوا بسلاحهم من معسكر الاستعمار والتحقوا بالثوار الانغولييون. فلا يبالغن أحد في جدوى اعتصام على ارض أو مسيرة عند حاجز.
إن التضامن الحقيقي ليس هنا وهذا يقودنا إلى المسألة الأهم، فمن حيث المبدأ ليس هناك من عاقل لا يسعى لاختراق جبهة الآخر ولكن على أية قاعدة يريد هذا الآخر أن يخترق احتلال بلده لوطننا ليتضامن معنا. أمن خلال أنشطة تريح ضميره والسلام أم بالانحياز لجوهر حقوقنا وهو هنا حق العودة؟ في هذا فقط تكفير عن جريمة ارتكبت بحق شعبنا.
إن الالتزام بحق العودة نعتقده هو تحديداً القاعدة التي يجب أن تنهض عليها العلاقات مع الآخر في التجند ضد الاحتلال الصهيوني إذ أن الانحياز لحقنا في العودة افتراق عن صهيونيته حصراً أما التمسك بالصهيونية وجوهر مشروعها في فلسطين ةادعاء التضامن معنا فذلك ليس أكثر من زيفٍ وخداعٍ وهنا اختراق حقيقي لجبهتهم لا التجند كطابور خامس لخدمة حساباتهم التكتيكية الحزبية.