سعدي يوسف اسير عقدة العروبة !


عدنان كريم
الحوار المتمدن - العدد: 4649 - 2014 / 12 / 1 - 16:52
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     


أثارت آخر " قصائد" سعدي یوسف (مصرُالعروبةِ... عراقُ العجَم ! ) ، مجموعة من الردود و النقاشات في الوسط الثقافي العراقي و الکردستاني . والزوبعة لا تني تتواصل مثیرة ردودا افسحت و بفضل الفیسبوك ، مجالا رحبا لبیان الفضاء الثقافي العراقي المسموم بنتانة الطائفیة و الحقد الشوفیني الأعمی و نفي الآخر.
وکما هو معتاد في هکذا فضائات مسمومة ، لا یتم نقد القصیدة أو النص فقط بل یطال مشرحة النقاد و (معلقي البوك ) شخصیة الشاعر وماضیه والحزب الذي إنتمی إلیه سعدي یوسف بل و حیاته الشخصیة و یتم البحث عن مکنونات کلامه في سني عمره حتی !.
کما جاء معظم الردود في الوسط الثقافي الکردستاني ممزوجآ بروح شوفینیة ، متشنجا منافحا عن الکرد فقط دون أن یهمهم تطاولاته الأخری والنفس الطائفي الممزوج بالمقالة/ القصیدة بل حاول البعض ربط تلک الإشکالات الفکریة بعمر الشاعر وما شابه ذلك و هو تجن لا یربطه رابط بالنقد الثقافي للنص و لیس غیره.
لیس سعدي یوسف بماضیه الشعري الوضاء وتراثه الثقافي بحاجة إلی الإطراء فقد بات الشاعر ، مع بعض مجایلیه، في علیاء الشعر العربي المعاصر لمرحلة ما بعد الرواد ( السیاب و البیاتي و الملائکة ) .
في نصه الأخیر ( مصر العروبة ...عراق العجم ) یثیر الشاعر جملة من القضایا و یصدر احکاما بصددها یتطلب وقفة بل وقفات عدة لکل مهتم بالشأن السیاسي والثقافي في العراق و لکتابات سعدي یوسف.
یلاحظ القاريء جدارا سمیکا بناه سعدي یوسف من حوله في هذا النص حیث وضع الشاعر نفسه في معمة وتخبط لا یحسد علیه و لا ینجو من سهام تجریحه أحد. ویبدو إن ثنائیة العرب – العجم یجذب شاعرنا لیغیبه عن الوعي. وهنا أعني بالوعي النقدي الذي یعلو ولا ینزلق نحو ذلك المنحدر الذي یصف فیه الشعب الایراني ( او الفرس من بین الشعوب الإیرانیة ) بنعت یعرف هو قبل غیرنا مدی دونیته أي ( العجم ) .
لیس بوسع أحد نفي تلک اللوثة الطائفیة التي مسخت کل زوایا الوجود الأجتماعي في العراق منذ الأطاحة بالنظام البعثي ، کما أنه لا مفر من الأقرار بأن النظام العراقي منذذاک بات ضمن حصة النظام الإسلامي في إیران وجزء من محوره. ویمثل ذلک خیارا إرادیا لأغلبیة شیعة العراق کشعب و سائر تیاراته السیاسیة کأحزاب.
لقد تمکنت التیارات الشیعیة من دق إسفین خطیر في الوسط العربي العراقي وشقه بین الشیعي و السني. ولیس ذلک بأمر غریب لکل من یطلع علی تاریخ الحرکات السیاسیة الشیعیة المعاصرة و خاصة منذ ١٩٥٨. إلا أن المکون العروبي و السني (حیث بات الإثنین صنوین ) لا یشذان عن تلك القاعدة من حیث الإحتماء بالمذهب بل وأکثر من ذلك حیث بات السنة و التیارات القومیة العربیة في العراق خاصرة رخوة للإسلام السیاسي القاعدي و منبتا لشتی التیارات المتطرفة و الأرهابیة حیث بات من الصعب التمییز بین مواقف و توجهات القوی القومیة العربیة والتیارات الإرهابیة في مختلف المحطات التي تلت الغزو الأمریکي للعراق.
لا یکمن جذر المعضلة في نعت سعدي یوسف النظام الحاکم في العراق بتبعیته لنظام ولایة الفقیه في ایران ووقوفه تابعا لسیاسات و مسلک ایران حیث لا ضیر في ذلک بل و هو عین الصواب بل في منهجه في التصدي لتلک الحقیقة. فشتان بین تعریة نظام آیات الله في العراق من وجهة نظر تعکس تطلعات إنسانیة سامیة لبناء مجتمع مدني دیمقراطي و بین التمسك بالعروبة التي لعبت دورا محوریا في سحق إسس و بنیات المجتمع المدني علی ید البعث .
فالمباهاة بالعروبة و الإستنجاد بها لرفع الحیف عن العراق وإعادته نحو سابق زمانه هو ما یشکو منه سعدي یوسف من فقر منهجي و ضبابیة في الرٶیا لا یحسده حاسد علیه.
ییتساءل سعدي : ما معنی ان یتحکم في البلد أکراد و فرس؟
یعلم سعدي یوسف جیدا إن من یحکم في العراق هم من بني جلدته من العرب. ولکن سعدي یستشیط غضبا لأنهم لیسوا عروبیین وکل من لیس عروبي هو لیس بعربي في عرفه. أولیس هٶلاء عرب من بني تمیم و خفاجة ؟ هل یحق لسعدي یوسف ان یوزع بطاقات الإنتماء الإثني حسبما یشاء ؟
إن من یحکم العراق هم عرب إختاروا المنهج الإسلامي علی الطریقة الإیرانیة مثلما إختار غیرهم من بقیة عرب العراق الخدق السني المقابل. فما هو الفرق الجوهري بالنسبة لسعدي بوصفه ( الشیوعي الأخیر ) ؟ أولیس النهجین متساویین من حیث المنطلقات الفکریة و المنهجیة و من حیث تداعیات سیاساتهم علی العراق؟ فلنفترض جدلا بأن الحکم کان ذات سمة سنیة – عروبیة یری في العراق العمق الستراتیجي للأمة العربیة ، فهل کان تضاد هکذا نظام و تناقضه مع العقل و المنطق و مع تطلعات العراقیین تتلاشی ؟
لقد جرب العراقیین شتی صنوف التیارات القومیة العربیة منذ حزب الإستقلال و مرورا بحرکة العقداء الأربعة و مراحل البعث بإختلاف تلاوینها والتي لم تثمر سوی الخراب و الدمار و الحروب و الدکتاتوریة و السجون ولیس ذلك فحسب بل یمثل ظهور الحرکات الإسلامیة الشیعیة إحدی ثمار تلك الحقب الدمویة لتسلط الفاشیة القومیة العربیة في العراق و ردا مشوها علیها.
وفي تناوله للکرد و ( ‌قردستان کما یحلو للشاعر ان یسمي کردستان ) یعاني سعدي الأممي من نفس الإزدواجیة و الفصام.
لقد عرفنا سعدی یوسف شاعرا کبیرا. کنا فی زمن الطاغیة وفی غمرة نضالنا من اجل الحریة نلجأ الیه و لقصائده کمثقفین وناشطین سیاسیین في کردستان. غنی لکردستان في قصائده و لشعبه.
من حق سعدي یوسف کشاعر ان یکون ضد الاحتلال الامریکي و کل تبعاته ومنها ما تمخض عنه من حکومة و نظام طائفي مقیتین. نظام یملی علیه سیاساته من ایران الدکتاتوریة کما أسلفنا. الا ان ما لا یمکن السکوت علیه هو سعدي الطائفي و الشوفیني الذي وصل به الحقد لنعت کردستان ب ( قردستان ) لانه لا یتفق ( أی سعدی یوسف ) مع سیاسات مسعود البرزاني کما هو شأننا نحن الکثیرین من الاکراد. هل یستعیر سعدي ( الشیوعي الاخیر ) ادبیات البعث ؟ حتی البعثیین لم یسقطوا في هذا الدرك السفلي في معاداتهم للاکراد و نعتهم بتلك النعوت. هل الاکراد مسٶلین عن خیار العراقیین وهم یصوتون بالملایین لأحزاب دینیة طائفیة شیعیة و سنیة ؟ ثم ماذا یعنی الحکم علی الهویة و سلب حق الکردي کفرد في تبوأ منصب ما في العراق؟ الیس تلک اسمی أشکال العنصریة و الشوفینیة؟ هل سأل سعدي یوسف نفسه : لماذا یتم حرمان الأکراد من حقهم في الآنفصال من الکیان الطائفي البغیض في العراق ( کما یصفه هو عینه ) و یتم بعدها و حینما یختار الکرد العیش ضمن العراق الموحد معاملتهم کقردة حسب سعدي؟ ألا ترون بأن العروبة و الطائفیة وجهان قبیحان لعملة صدئة لا مکان لها غیر مزبلة التاریخ؟ وهنا لا أستثني الشوفینیة الکردیة اینما وجدت و بانت طبعا.
هل سأل سعدي نفسه: وماذا جنینا من العروبة طوال ٧ عقود في العراق غیر المقابر الجماعیة والسجون والحروب المتتالیة؟ ألیس هناك من خیار للعراقیین الا بین الطائفیة والشوفینیة والعروبة؟
انظروا أي درک وصله سعدي یوسف صاحب ( کیف کتب الأخضر بن یوسف قصیدته الأخیرة
أیة شوفینیة ؟ أیة حقد طائفي ؟

هل العراق عربي کما یدعي سعدي یوسف ؟ تلک عقدته الجوهریة التي لا فکاک منها. الیس بوسع سعدي الأممي و الشیوعي الأخیر ان یتصور العراق کعراق فقط ؟ عراق المواطنة المتساویة للجمیع بشتی قومیاتهم و مذاهبهم وأجناسهم؟ لقد عاش سعدي یوسف عقودا من عمره في الغرب ( المستعمر ) حیث جرب دولة المواطن و المساواة الحقوقیة فلماذا لا خلاص له من شرك تلك العقدة المستعصیي علیه؟
یٶکد سعدي بأن : الدولة الحديثة، بتأسيسِها الأوربي، الاستعماري، ليست دولة الفقيه.
هي دولة ٌ لإدارة كيانٍ جغرافيّ ( قد يكون متعددَ الإثنيّات، وقد لايكون) .
هل الدولة مٶسسة لإدارة کیان جغرافي فعلا ؟ و هو کذلك . إذن لماذا لا تستسیغ ذلك حینما یصل الأمر بك للحدیث عن العراق ؟ هل لا مفر من أن یکون العراق عربیا ؟ أولیس ممکنا الحدیث عن عراق دیمقراطي ، مدني عابر للطوائف و المذاهب والأدیان ؟ عراق و کفی ؟
یتحدث سعدي قائلا : ما معنى أن تكون اللغة العربية ممنوعةً في إمارة قردستان عيراق البارزانية بأربيل ؟ لیأتي إخبار الصحف بعدها بأیام مٶکدة بأن قصائده تم منعها في مناهج الدراسة في کردستان. ألا یدل ذلک بأ اللغة العربیة لازالت تدرس هناك . وهنا لا بد من شجب ذلك القرار بما یمثله من رد فعل متسرع لا یطیقه منطق.
لماذا یختزل سعدي المثقف المطلع علی تناقضات اقلیم کردستان و الصراعات الفکریة و السیاسیة العمیقة فیها الشعب الکردي بالبارزاني ؟ هل نسي وطأة هذه العبارات حینما کنا نشمئز من انفسنا حین کان ینعت الکتاب العروبیین بلادنا ب: عراق صدام ؟
لقد وصل الأمر ب ( الشیوعي الأخیر ) کما یسمی نفسه أن یصف کردستان ب ( قردستان ) لأنه یختلف مع سیاسات حکومة الاقلیم . أي درك عفن وصله مثقفون نادوا بالأممیة ؟ أین سعدي الذي غنی لتطلعات الشعب الکردي و نشدانه الحریة ؟ لقد استوطن الحقد العروبي جموع هائلة من المثقفین العراقیین العرب ( وهنا اقصد بالجنسیة ) و باتوا یتسابقون مع البعث بل و یتجاوزونه.
ماذا جنی الشعب الکردي عندما یحلم بدولة المواطنة و یسعی لتجاوز عراق العروبة و الکیمیاوی و المفخخات و آیات الله و دولة الخلافة ؟ دولة مقتدی الصدر و عصائب أهل الحق و البغدادي و عزت الدوري و مشعان الجبوري ؟ بوسع سعدي کمثقف و شاعر ان یختلف مع سیاسات الاقلیم کما هو شأننا ولکن لیس من حقه الدعوة لسلب حق المواطنة من الکردي لکونه کردیا .
أو صار الکردي زائرا منحتموه حق الاقامة ؟ هل یسکن الکرد في کردستان کزوار أو کمقیم؟
آنني ضد حرق الکتب ولکن لن یطیق من ینشد الحریة هذه النزعات الشوفینیة المقیتة . من یقرأ هذه القصیدة یظن و کأنه یقرأ وصایا علي الکیمیاوی و صدام ولیس مثقف یدعي الشیوعیة و الأممیة.
والغریب کما هو جلي في التعلیقات المرفقة بالقصیدة والمنشورة ب ( إیلاف ) انك لا تجد أحدا یرفع صوته لیقول : لا تنعتوا شعبا بتلك الأوصاف. کفاکم.
الکردي حائر فعلا مع العراقیین !!!! فعندما یرفح صوته بترك تلك القذارة الشوفینیة العروبیة الطائفیة و نشدان الاستقلال و الانفصال عن مستنقع العراق ، ینعتونه بالانفصالي أما عندما یختار العیش مع عراق سوق النخاسة و آیات الله عینها ینعتونه بالقرد و یستکثرون علیه ما أحله لهم حتی صدام و علي الکیمیاوی !!!!
ولکن أقولها بفم ملآن : بئسا لقادة اقلیم کردستان حینما اختاروا العیش المشترك مع هکذا عراق !!!!!!
وأخیرا هل یحق لسعدي یوسف الحکم علی راهن الثقافة المصریة من خلال تبوأ أدبائه وکتابه مناصب رفیعة و هو یدري بأن ذلك لا یستقیم مع الحد الأدنی للذائقة النقدیة و الثقافیة السلیمة ؟ هل قرأ الشاعر کتاب جمال العیطاني ( حراس البوابة الشرقیة ) الذي کتبه و هو یرافق قطعات الجیش العراقي في ١٩٧٤ وهو یمجد عملیات إبادة الأکراد ؟ جمال الغیطاني الذي یحلو لسعدي یوسف الإشادة به کرمز للمثقفین العرب .