حرکة التغییر في کردستان العراق : خلفیتها و إفاقها 2 من 2


عدنان كريم
الحوار المتمدن - العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16 - 12:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حرکة التغییر بین صیاغة الخطاب السیاسي العراقي و إستنساخ تجربة الإئتلاف الکردستاني
لا جدال في الطابع الکردستاني لحرکة التغییر ( قیاسا لعراقیة الحرکات و الأحزاب ) ولا یشکل ذلك مثلبة لها إلا إنها لیست حرکة قومیة بالمعنی الحرفي للکلمة کما یظن البعض مهاجما إیاها وفق ذلك أو یمالیها البعض الآخر حسب الظن ذاته. ولا أعني بالطابع الکردستاني الحیز الجغرافي لنشاط و تواجد الحرکة بقدر ما أعني أهدافها و إطار عملها و موطن تحقیق شعاراتها التي تتمحور في کردستان العراق. إلا إن قادة الحرکة لا ینتابهم أدنی شك بأن الظهور کحرکة سیاسیة کردستانية نشطة وقویة بوسعها لعب دور فاعل في المعادلات السیاسیة الراهنة یتطلب منهم المشارکة النشطة وبزخم قوي في اللعبة السیاسیة علی الصعید العراقي العام. وهنا یبرز عقب آخیل حرکة التغییر.
فباديء ذي بدء لا بد من القول بأن التعادل و التناسب بین طرفي المعادلة العراقیة و الکردستانیة و تشخیص ماهیة العلاقة بینهما والتأثیر و التأثر المتبادل للسمتین المذکورتین و جملة أخری من الإشتراطات المتعلقة بهذه المسألة هي من إحدی القضایا الشائکة والعقد الجوهریة للمرحلة الممتدة منذ 2003 بالنسبة للحرکات السیاسیة الکردستانیة کما إنها تمثل إحدی العقد السیاسیة التي تواجه المسألة الکردیة في العراق في هذه المرحلة مثلما کان ذلك أحد المیادین الرئیسیة التي یظن الرأي العام الکردستاني بأن أداء الحزبین الکردیین الکلاسیکیین وقادتهم کان فیها الأضعف.
کانت الإنطلاقة علی صعید کردستان بالنسبة لحرکة التغییر سهلة نسبیا إن تمت مقارنته بالمیدان العراقي . فقادة الحرکة لیسوا أهل مکة وأدری بشعابها فقط بل کانوا أنفسهم ذو باع طویل في تفاصیل السیاسة الکردستانیة ومجاهیلها بل ولدوا من رحم تداعیاتها وکانوا من أفرازاتها و تیارا و مکونا أساسیا منها . کما تحظی الحرکة بنفوذ قل نظیره لتیار لم یکن أطلق علی نفسه إسما رسمیا بعد حینما کان یهتف بشعاراتها مئات الآلاف من ابناء کردستان بشوق و لهفة قل نظیرها منذ أیام الإنتفاضة في 1991. ولم یکن بلورة الخطاب السیاسي لهذه الحرکة علی صعید کردستان یتطلب جهدا خارقا و إستکشافا لمجهول بل کان یکفي إمتلاك الإرادة وإعلان النوایا ووضع الأصبع علی الجرح الکردستاني النازف . فالمجتمع الکردستاني کان یموج غداة إنبثاق حرکة التغییر بالسخط و التململ الشعبي من نهج مبتور و سیاسة لا تبالي بالحد الأدنی لمصالح الأکثریة الساحقة للشعب الکردي و خاصة الفئات المتضررة من سیاسات النظام البائد. فما کان من منظمي حرکة التغییر إلا وضع الأصبع علی مواضع الجرح الکردستاني النازف و مسببي هذه المرحلة من محنة الکردي وتوظیف ذلك بشکل نشط من أجل إنطلاقة حرکتهم . و تلك هي جوهر و فلسفة العمل السیاسي : تشخیص دینامیات الحرکة الشعبیة و مکامن إنطلاقتها ومواضع قوتها وبلورة مطالیبها الملحة وتأطیرها في سیاقات سیاسیة و عملیة وبناء الحرکة السیاسیة علیها وإضفاء اللمسات الخاصة علیها وقولبتها طبعا في إطار خاص ثم إعادة تسویقها ثانیة في البازار السیاسي . نجحت حرکة التغییر بنسب لا یستهان بها في المضمار الکردستاني وإن کانت لا تزال محاصرة بأسئلة وجودیة وجوهریة وآنیة کثیرة في شتی مناحي السیاسة و الفکر والتنظیم و الممارسة في هذا الصعید ایضا . فهناك مجاهیل و مواطن کثیرة من الغموض سواء لدی المواطن الکردستاني أو النخبة و الطبقة السیاسیة بصدد هذه الحرکة مثلما یدور جدل کثیر بین النخبة السیاسیة الکردیة بصدد تاریخ قیادتها : فهل تستمر في طرح رؤاها و طروحاتها السیاسیة من خلال نفي الآخر أي من خلال المنهج السلبي وتعریف الذات من خلال إستکشاف الصورة المشوهة للآخر وهما هنا الحزبان الکردیان (( الرئیسیان )) أم بات من الضروري تخطي هذه المرحلة أو دمج المنهج المذکور و تطعیمه ببیان صورة الذات و تفاصیل البرنامج الإیجابي للحرکة بغض النظر عن ماهیة سیاسة حکام الاقلیم ؟ ما هي الصورة الأکثر إنطباقا مع متطلبات هذه المرحلة من الحیاة السیاسیة في الاقلیم من الناحیة التنظیمیة هل هي بناء حزب سیاسي ذو أطر و ارکان سیاسیة و (( فکریة )) محددة تستند في افقها السیاسي إلی برنامج تشمل شعاراتها واهدافها و سبلها التکتیکیة و هدفها الستراتیجي الأبعد أم بناء حرکة تنظیمیة فضفاضة تشتمل علی منابر مختلفة و تتفاعل فیها رؤی و تیارات فکریة تجمعها وحدة الهدف السیاسي بمعناها الشامل وخاصة بعد التمییع الذي إنتاب الحیاة الحزبیة في کردستان و إنکسار صورتها وبهاءها قیاسا بالعصر الذهبي لثمانینات القرن الماضي؟ . هل باتت صورة الأحزاب الجماهیریة ( مودیلا) و طرازا ملائما لهذه المرحلة أم ینبغي بناء حزب یلتف حول أطاراته النخبة السیاسیة إلا إنها تغرس جذورها بین الجماهیر الشعبیة من خلال تجسید تطلعاتها ؟
لا أود هنا الإستفاضة في سیاق بحث التحدیات التي لازالت تواجه حرکة التغییر من أجل الحفاظ علی دیمومتها في کردستان و الشکوك التي ینتاب الجماهیر الکردیة بصدد هذه الحرکة بالرغم من الثقة التي أولوها إیاها أثناء الإنتخابات البرلمانیة في تموز الماضي بأمل العودة إلیها في فرصة أخری إلا إن ما یتسم بسمة أکثر إلحاحا في هذا الصدد هو الخطاب السیاسي لحرکة التغییر علی الصعید العراقي علی أبواب الإنتخابات البرلمانیة المزمع إجرائها في العراق في کانون الثاني 2010.

منطلقات حرکة التغییر علی الصعید العراقي
لم یترك التحالف الکردستانی(( تراثا )) یعتد به علی صعید العمل في الساحة العراقیة للقوی الکردیة الأخری أو ترك بالأحری ملفا یغوص بالتعقیدات. فتعثر الخطاب السیاسي للتحالف الکردستاني وإنفراط عقد تحالفاته السیاسیة ومساوماته المتواصلة أمام القوی السیاسیة الشیعیة في الإئتلاف العراقي الموحد مقابل وعود یطلقونها الیوم لیتنصلوا منها غدا وأزمة نموذجهم في الحکم علی الصعید الکردستاني وغیرها الکثیر من العوامل ساعدت في التفریط بالمنجزات التي تحققت لاقلیم کردستان غداة سقوط النظام العراقي السابق والتي کان ینبغي ترسیخها وتکریسها وشرعنتها في السنین التي تلته نظرا لظهور معادلات ملائمة جدا علی صعید میزان القوی لصالح القصیة الکردیة . إلا إن حساب الحقل تفاوت مع حساب البیدر کثیرا. فبدلا من تعزیز تلك المنجزات و تحقیق أکثر ما یمکن من المکتسبات لجماهیر کردستان بدأ العد التنازلي لتراجع السلطة المرکزیة العراقیة عن وعودها السابقة بهذا الشأن وبات التلکؤ والتذرع والتملص من تطبیق الإتفاقات المبرمة سواء في الدستور العراقي أو البیان الوزاري هو سید الموقف للسلطة المرکزیة في بغداد . وهکذا ففي الوقت التي کانت الجماهیر الکردیة تنظر اساسا بعین الشك والریبة إلی تحالف الحزبین الکردیین مع الإئتلاف الشیعي بالرغم من النفوذ القوي للتحالف الکردستاني ضمن ذلك الإئتلاف في مرحلتها الاولی ، فقد سجل تعزیز نفوذ السلطة المرکزیة و النتائج التي تبعت صدور تقریر بیکر – هامیلتون و ما شهدته السیاسة الأمریکیة من تغیرات و تراجع مد الإرهاب إلی ضمور واضح فی دور ومکانة التحالف الکردستاني وتراجع دوره في رسم السیاسة العراقیة عامة وترجمة أجندته الکردستانیة في بغداد بشکل أخص. کل ذلك تزامن بضورة خاصة مع تصاعد النقمة الشعبیة و الإحتجاج في الشارع الکردستاني و شیوع الفساد و البیروقراطیة وبروز شریحة حزبیة تغتني علی حساب الملایین التي تکافح الأمرین في ظل إزدیاد لا مثیل له في قدرات الاقلیم المالیة .
و هکذا تبدأ حرکة التغییر تحرکها علی الصعید العراقي في ظل معادلات غیر مساعدة . فلا منجزات و مکاسب ثابتة و لا ستراتیجیة واضحة یستنیر بها و لا افق سیاسي واضح یحدد أبعاد و ملامح التحرك الکردستاني في هذا المیدان الحیوي .
فحرکة التغییر وهي تخطو بإتجاه المشارکة في الإنتخابات العامة في العراق بصورة مستقلة عن التحالف الکردستاني محاصر بکم هائل من الإسئلة الجوهریة التي تختلف عما جری في کردستان. فهنا لا بد من تحدید موقف واضح بصدد جملة من القضایا الجوهریة التي نسردها علی سبیل المثال فقط و لیس حصرا :
أولا :هل ینحو الحرکة بإتجاه البقاء في صفوف المعارضة لما یفرزه الإنتخابات من سلطة لیس من المستحیل معرفة قواها الأساسیة و ترکیبتها الرئیسیة منذ الآن أم تسعی للمشارکة فیها مبدئیا ؟
ثانیا : ما هو خیار الحرکة في الصراع التي لم تحتدم بعد ولکنها تجري بصورة کامنة و سوف تشتد عاجلا أم آجلا بین التیارات العلمانیة بمختلف إتجاهاتها و بین القوی الدینیة و الإسلامیة تحدیدا؟
ثالثا :ما هو موقف الحرکة من السیاسة الأمریکیة الراهنة في العراق و تجاه القضیة الکردیة و کیف تنظر قیادة الحرکة للإتفاقیة العراقیة – الأمریکیة تحدیدا ؟
رابعا : ما هو مدی و حدود التعاون إن لم نقل التحالف مع التحالف الکردستاني و القوی الکردستانیة الأخری في هذا الصدد ؟
خامسا :ما موقف الحرکة من المناطق المتنازع علیها ؟
کل ذلک عدا جملة أخری من القضایا السیاسیة و الاجتماعیة و الإقتصادیة التي تواجه العراق علی المدیین القریب والعاجل .
وهکذا فإن هذه الحرکة السیاسیة الفتیة التي تمکنت من إکتساح الحیاة السیاسیة في کردستان العراق وقلب المعادلات الراهنة فیها محاصر علی صعید العراق بکم هائل من الأسئلة التي یبدو إنها تختلف کثیرا عن التجربة التي یظن قادتها إنهم برعوا في التصدي لها علی مستوی کردستان . وسیکون الشهور القادمة و ما یخبئه القدر الإنتخابي من مفاجئات حاسما وإختبارا قاسیا لهذا التیار السیاسي حیث یبدو صعبا التکهن بأدائها مسبقا في هذا المضمار.
کانون الاول 2009