رئيف بدويّ أو عندما تكون القسوة نظاما


رجاء بن سلامة
الحوار المتمدن - العدد: 4325 - 2014 / 1 / 4 - 12:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يوجد العنف الاستثنائيّ العارض، ويوجد العنف المنظّم. وتوجد القسوة. وربّما تكون القسوة أوغل في العنف، أو ربّما تكون النّمط الذّاتيّ المصاحب للعنف المنظّم. عنف القوانين يمكن أن تسهر على إدامته وخدمته قلوب قاسية، تنسج خيوطا من العزلة حول من ستنزل به العقوبة الشّديدة. فالفارق كبير بين أن تحاكم من أجل رأيك وتقمع، وتجد السّند من الأسرة والمجتمع المدنيّ والهيئات المهنيّة، وبين أن تحاكم من أجل رأيك وتجد نفسك سجينا لعينا في وطنك، غريبا منبوذا بين أهلك وذويك. هناك فارق بين أن تواجه دولة أو نظاما بوليسيّا، وبين أن تواجه قبيلة موسّعة يمكن أن تجعلك في أيّ لحظة كبش فداء لشيوخها، ويمكن لرجال دينها أن ينقضّوا عليك في كلّ لحظة، لخنق أنفاسك وقاية من رغبتك في الحياة. كلّ دولة يوجد فيها نظام الحسبة الكريه، أي نظام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، هي دولة اتّسعت فيها رقعة القمع ورقعة النّظام البوليسيّ ليصبح ماردا فظيعا أكبر من "الأخ الأكبر".
هذا ما شعرت به وما خطر ببالي وأنا أرى فيديو يتكلّم فيه والد رئيف بدويّ، المدوّن السّعوديّ الذي ألقي عليه القبض منذ شهر جوان 2012 بتهمة الرّدّة. يخاطب الشّيخ ابنه والآخرين، ويتّهمه بالعقوق ويطالب بإنزال العقاب عليه وعلى أخته. كيف يقسو والد على أبنائه على هذا النّحو، وكيف يقبل بأن تسلب حياتهم حتّى لو ارتكبوا جرما؟ كيف يكون الأب والشّرطيّ، وكيف يكون الوالد والحاكم بالقتل؟ هذا هو نظام الحسبة. هذا هو قانون الشّريعة، أي قانون معاقبة الأحياء الأبرياء بتسليط أحكام الموتى المهووسين عليهم.
لم يقترف رئيف أّيّ جرم سوى التّشوّف إلى المستقبل، والتّعبير عن التّعارض بين نظام العنف والقسوة وما تصبو إليه الملايين من الشّباب والنّساء ومن المثقّفين والمتعلّمين. الملايين المهدرة حرّيّاتهم ودماؤهم في سبيل إدامة منظومة دينيّة غير محتملة، تنوء بعبئها الجبال. هل تحتاج الأنظمة السّياسيّة إلى كلّ هذه القسوة حتّى تدوم، حتّى وإن كان الدّين أساسا لشرعيّتها؟
هل أساء رئيف إلى الإسلام؟ ربّما أساء إلى هذا الإسلام العبوس الذي لا يُحتمل، والذي لا يَحتمل الحياة والحبّ والبهجة، فما بالك بالحرّيّات الفرديّة والحقوق المدنيّة والسّياسيّة. ربّما أساء إلى نظام العنف والقسوة والحسبة هذا. وحتّى لو فرضنا أنّه انتقد المعتقدات الدّينيّة السّائدة، فما دور المفكّر إن لم يكن مراجعة السّائد من الأفكار والسّلوكيّات؟ وحتّى لو فرضنا أنّه انتقد المعتقدات الدّينيّة في حدّ ذاتها، فأيّ هشاشة تجعل المسلمين يتصوّرون أنّ رأيا أو خاطرة أو حتّى ضغطة على علامة "لايك" في شبكات التواصل الاجتماعيّ يمكن أن تهزّ عرش إلههم؟ وهل يفرض الإيمان بالإكراه في عصر الحقوق والحرّيّات التي تنصّ عليها كلّ المواثيق الدّوليّة؟ وما الذي يرجى من إيمان يفرض بالإكراه سوى النّفاق والرّياء أو الألم والاندحار؟
وهل يمكن أن تبقى هذه الدّول العربيّة جزرا من القسوة البدائيّة في عالم تحكمه معياريّة حقوق الإنسان؟ لن يخرج الإسلام من طور البدائيّة مادام حكم الرّدّة هذا ساري المفعول. ولن يفتح أيّ باب للاجتهاد مادام رجال الدّين يجدّفون ضدّ تيّار التّمدّن والرّقّة والرّقيّ.
في انتظار أن تتعطّل آلة القسوة الدّينيّة التي تسحق البشر، نتمنّى أن يتغلّب صوت الحكمة والرّأفة، وأن يستقبل رئيف ربيعا جديدا خارج القضبان، وأن يلتئم شمل أسرته الصّغيرة المشرّدة. ومن يدري؟ لعلّ حلمه بتحويل موعد 7 أيّار إلى عيد للّيبراليّين السّعوديّين يتحقّق. من يدري؟ فأنسام الحرّيّة أقوى من أنفاس الطّغاة...