أزمات البلد تدار بالقطعة وردود الفعل وليس وفقاً لإستراتيجية إصلاحية واضحة


عبلة أبو علبة
الحوار المتمدن - العدد: 3769 - 2012 / 6 / 25 - 15:32
المحور: مقابلات و حوارات     

• القرارات الرسمية الأخيرة تجاهلت تطلعات الإصلاح وضروراته الموضوعية
• قانون "الانتخاب" المعدل لا يتناسب مع شعار حكومة برلمانية
• التأسيس لحكومة برلمانية يجب ان يسبقه تعديل واسع في النظام الانتخابي
• إذا كان هناك من تبرير لإجراء انتخابات مبكرة فيجب ان يعدل القانون ليتسع لمشاركة القوى السياسية جميعها.
• لم يدرس"حشد" موضوع مشاركته في الانتخابات بعد.
• غياب المشاركة الشعبية الواسعة في القرار السياسي وعن التشريع تحديداً يجعل الدولة بعيدة عن امكانيات الاستقرار
• الحراك يأخذ منحى تصعيدياً بسبب الوضع المعيشي والاحتجاجات على قصور الاصلاح
• عندما طرح قانون الأحزاب المعدل على مجلس النواب استشعرت ان هناك قراراً رسمياً بالعودة الى الوراء.
• قانونا الانتخاب والأحزاب بصورتها الحالية يشكلان عقبة امام استمرار منظومة الإصلاح
• مجلس النواب اقر قوانين مهمة لكنها غير كافية
• حالة التوتر بين السلطة والمعارضة يمكن ان تلعب دورا سلبيا في توتير أجواء الانتخابات القادمة.
• نعمل على توسيع دائرة ائتلاف القوميين واليساريين والأسابيع المقبلة ربما تشهد تحولا نوعيا
• نحن نمر في مرحلة تحول عربي تاريخي ومفصلي نحو الديمقراطية والدولة المدنية لكنها ستطول
• نحن ضد التدخل الخارجي في سوريا, ومع القوى الديمقراطية السورية ومطالبها المشروعة والعادلة التي تعتمد نهجاً سلمياً

العرب اليوم- ربى كراسنة
عناوين كثيرة تلك التي يمكن الحديث فيها مع عضو مجلس النواب الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني "حشد" عبلة ابو علبة ليس أولها الحديث عن "ملفات مجلس النواب، سواء تحت القبة أو في علاقته مع الشارع، والسلطة، مرورا بالأزمات التي تمر بها البلاد، والربيع العربي الذي يجتاح المنطقة.
"العرب اليوم" التقت النائب أبو علبة، وحاورتها في العديد من هذه الملفات التي كان أسخنها طبيعة إدارة السلطة لازمات البلاد السياسية والاقتصادية التي رأت فيها النائب ابو علبة بأنها أزمات تدار بالقطعة وليس بإستراتيجية إصلاحية واضحة، وان المعالجات الرسمية تتعامل مع المطالب الإصلاحية بحذر بالغ.
في شأن قانون "الانتخاب" قالت ابو علبة إن القانون لم يتناسب مع شعار التأسيس لحكومة برلمانية، ووفق النائب فإن هذا الشعار يجب ان ينسجم معه تعديل واسع في النظام الانتخابي، مشيرة الى ان قانوني الانتخاب والأحزاب بصورتهما الحالية لا تساعدان على استمرار مسيرة الإصلاح.
وصحيح ان "حشد" بحسب ما قالت ابو علبة لم يدرس بعد موضوع مشاركته في الانتخابات، لكنها قالت: إذا كان هناك من ضرورة لإجراء انتخابات مبكرة فيجب ان يعدل القانون ليتسع لمشاركة القوى السياسية جميعها، مشيرة الى ان غياب المشاركة الشعبية الواسعة في القرار السياسي يجعل الدولة بعيدة عن إمكانيات الاستقرار، خاصة وان "الحراك يأخذ منحى تصعيدياً بسبب الوضع المعيشي والاحتجاجات المطالبة بالإصلاح".
وفي الشأن الحزبي كشفت ابو علبة عن وجود مساع لتوسيع دائرة ائتلاف القوميين واليساريين والأسابيع المقبلة ربما تشهد تحولا على هذا الصعيد.
أما خارجيا، وتحديدا في الشق السوري فأشارت الى رفضها التدخل الخارجي في سوريا، منوهة بانه لا حل للصراع الجاري الا بالحوار والتوافق الوطني الداخلي ومغادرة الحلول الامنية.
وتاليا نص الحوار:
ملف الإصلاح والحراك
*لنبدأ بالموضوع الأبرز وهو ملف الإصلاح وعلى رأسه قانون الانتخاب .. باعتبارك عضو في المجلس الذي اقر القانون وانت أيضا آمين عام لحزب عارض القانون الى جانب شركائكم في الأحزاب القومية واليسارية .. ما موقفك الآن بعد إقرار المجلس قانون غير متوافق عليه حزبيا ولا شعبيا؟
- بداية قانون الانتخابات لم ينته من مراحله الدستورية بعد حيث بقيت محطة مجلس الأعيان واعتقد ان هناك قوى سياسية عديدة واجتماعية ترفض مبدأ الصوت الواحد، كما رفضته في السنوات الماضية وبعض القوى السياسية اتخذت موقفا سلبياً من المشاركة في الانتخابات بناءا على اصرار الحكومة في ذلك الوقت على قانون الصوت الواحد. لقد دعت اللجنة القانونية في مجلس النواب طيفاً واسعاً من ممثلي القوى السياسية والنقابية والاجتماعية ومعظمهم كان ضد الصوت الواحد وكثيرون مع القائمة النسبية على مستوى الوطن, وهناك من قدم مقترحات ملموسة تتعلق باعتماد النظام المختلط واعتماد قائمة المحافظة الى جانب قائمة الوطن.. أي ان يكون للناخب صوتان في الدائرة المحلية وصوت على مستوى الوطن.
وقدمت اقتراحات كثيرة اخرى لكننا فوجئنا بالمقترح المقدم من اللجنة القانونية على مجلس النواب الذي تضمن نظاما يعيد انتاج نظام الصوت الواحد مع تعديلات محدودة: قائمة على مستوى الوطن عددها 17 وزيادة عدد مقاعد النساء من 12 الى 15.
لقد تقدمت مجموعة من النواب بمقترحات تحد من الصوت الواحد دون ان تلغيه، لكن كان هناك إصرار من الأغلبية النيابية بالتصويت على اعتماد 108 مقاعد من اصل 140 على الدوائر الفردية، واذا اضفنا 15 مقعدا للنساء سيصبح مجموع من سينتخب على اساس الدائرة الفردية 123 من اصل 140 وهذا لا يتناسب مع شعار حكومة برلمانية مقبلة.
إن التأسيس لحكومة برلمانية يجب ان يسبقه تعديل واسع في النظام الانتخابي يكون أقرب الى تمثيل القوى السياسية مع الاحتفاظ بتمثيل القوى الاجتماعية الاخرى جميعها, غير المنضوية في الأحزاب.
*قيل سابقا ان الصوت الواحد دفن.. وها هو أخرج من مدفنه الى الحياة.. برأيك ما الذي استدعى - سياسيا - العودة الى الصوت الواحد؟
-اعتقد ان هناك عدة عوامل داخلية وأخرى تتعلق بمجريات الامور على الصعيد العربي. أما داخليا اعتقد ان شيئا نوعيا لم يتغير في موازين القوى الداخلية منذ أن بدأ الحراك الشعبي.
الحراك الشعبي لم يتسع بعد ليشمل فئات اجتماعية جديدة ومؤثرة طوال هذه الفترة وبقي مقتصرا على القوى السياسية التقليدية منها والناشئة حديثا اضافة لها التحركات الاجتماعية التي اخذت طابعا مطلبياً محدداً.
كما ان القائمين على إدارة الازمة في البلاد يترددون ويحجمون عن المضيّ في مشروع الاصلاح وضروراته الموضوعية. من اجل صيانة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.
الأردن يقف على مفترق طرق ليس لان احدا ما يريد ذلك، او لا يريده، بل لاننا وصلنا الى مرحلة اصبح يتوجب فيها على القائمين على الشأن العام ان يديروا إمكانيات البلاد وحركتها الداخلية بإستراتيجية واضحة ومتقدمة تأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التي ارتكبت من قبل المؤسسة الرسمية على امتداد عقود من الزمن سواءا في السياسات الاقتصادية او في خفض سقف الحريات او فيما يتعلق بالفساد الإداري والمالي.
وهذا التشخيص لم يأت فقط في أدبيات الأحزاب السياسية المعارضة وانما جاء على لسان رموز النظام السياسي اكثر من مره وفي وسائل الإعلام الرسمية .
* اذا كان الامر كذلك، فما هي خطة الإصلاح المعتمدة من اجل معالجة كل هذه الأخطاء وأثارها السلبية على الفئات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع من جهة وعلى طبيعة العلاقات السياسية غير المتكافئة والمتوازنة من جهة اخرى؟
- اشعر أن القائمين على الإدارة العامة للدولة يديرون الأزمة بالقطعة، وردود الأفعال، وليس وفق إستراتيجية اصلاحية واضحة ومحددة، من الضروري جداً الأخذ بعين الاعتبار الضرورات الموضوعية للتطوير والشروط الجديدة التي يجب ان تتوفر من اجل إصلاح ما أفسدته المراحل السابقة.
* هذا عن العامل الداخلي.. ماذا عن العامل الخارجي ؟
- في الشأن العربي استطيع ان اقول أولا: اننا نمر في مرحلة تحول تاريخي مفصلي. الكتلة الشعبية الرئيسية للمجتمعات العربية تتجه نحو الديمقراطية السياسية والاجتماعية اي نحو الدولة المدنية ولان هذه المرحلة ستطول بالتأكيد فهي لا تشبه في مساراتها وشروطها مراحل التحرر الوطني من الاستعمار بل لها خصوصيتها ومكوناتها وشروطها وتداخلاتها، ولن تستقر على حال في فترة زمنية قريبة لان مجمل هذه الشروط لم تنعقد بعد واهمها وحدة القوى السياسية والاجتماعية الديمقراطية والحداثية على أساس برنامج وأولويات, ومشاركة القوى الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير.
الأمر الثاني: يتعلق بهشاشة البنية السياسية في المجتمعات العربية بسبب مرحلة طويلة جدا من الاضطهاد وغياب الحريات.
الأمر الثالث: حالة التبعية التي تعيشها البلدان العربية للغرب على المستويين الاقتصادي والسياسي رغم توفر ثروات هائلة في الوطن العربي، لذلك نرى ان الاصلاح الديمقراطي في البلدان العربية يتعثر ويواجه تحديات كبيرة، لكن الصراع لا زال على اشده من اجل الظفر بالدولة الوطنية الديمقراطية ولو بعد حين.
* هناك تأكيدات عدة بان الانتخابات ستجرى هذا العام.. هل انت متأكدة من إجراء الانتخابات النيابية هذا العام؟
- جاءت هذه التأكيدات على لسان جلالة الملك, واذا كان هناك من موجبات لإجراء انتخابات مبكره فيجب ان يكون تعديل قانون الانتخاب نوعيا بحيث يتيح مجالا للقوى السياسية جميعها للمشاركة وإعطائها فرصة جدية لان تمثل في مجلس النواب القادم.
بصراحة الإرادة السياسية بإجراء الانتخابات على القانون الذي اقره مجلس النواب على مبدأ الصوت الواحد يشكل نوعا من المفارقة الكبيرة، لذلك لا زلت امل بان يتم التراجع عن المواد الأساسية في القانون وخاصة المادة الثامنة منه بحيث تجري زيادة نسبة القائمة الوطنية الى 30 و35 % في الحدود الدنيا.
انا لم اغلق أملي بان يتم تعديل القانون قبل الانتهاء من جميع مراحله التشريعية، فهناك حاجة موضوعية لإجراء حوار معمق بين القوى السياسية والسلطات التنفيذية والتشريعية حول القانون على ارضية متوازنة تتناسب واستحقاقات الإصلاح.
* لكن الوقت ضيق .. لم يبق متسعا منه لإجراء مثل هذه الحوارات؟
- الفترة الزمنية ضيقة جدا، لكن الأساس ليس عامل الوقت، بقد ما هي طبيعة القانون ومضمونه الذي سيقر فإذا كان القانون يشكل أرضية متوازنة، ولن اقول توافقية فقط، فسيكون هناك وقت لإجراء الانتخابات اي ان حالة التوتر الشديدة بين السلطة والمعارضة بكل تلاوينها هي التي يمكن ان تلعب دورا في التضييق على الانتخابات وحشرها في زاوية.
* في حال جرت الانتخابات بالفعل.. هل سيشارك "حشد" فيها تحت عباءة هذا القانون؟
- من الصعب الإجابة الان لان الحزب لم يدرس بعد موضوع المشاركة من عدمه سواء داخل الحزب او مع القوى السياسية الأخرى.
لكن يجب ان نكثف جهودنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه باتجاه إصلاح بعض مواد القانون حتى يقترب من حالة التوازن السياسي بين الدوائر المحلية والقائمة الوطنية النسبية.
* ألم يحتج حزب "حشد" كغيره من القوى الحزبية الأخرى على قانون الصوت الواحد؟
-الصوت الواحد دمر العلاقات الاجتماعية واخل بكثير من العلاقات السياسية الداخلية بين السلطات الثلاثة من جهة والمجتمع بكاملة من جهة أخرى. وموقفنا معروف جيداً لدى الجميع منذ عام 1992م.
* هناك من يتوقع تصعيدا يفوق ما شهدته المملكة في السابق.. هل انت تخشين من ذلك؟
- لا شك ان هناك قوى سياسية عديدة تحتج على هذا القانون لكني اعتبر التصعيد حقيقيا وقائما عندما تلتقي حوله قوى اجتماعية جديدة، اما تصعيد اللغة بحد ذاته فهذا ليس تصعيدا ولا يعد في ميزان القوة التي يمكن ان تحدث ضغطاً لذلك على القوى السياسية المعارضة للقانون ان تقوم بخطوة نوعية من الاحتجاج على مستويين الاول الانفتاح على الجهات الرسمية بشأن تعديل القانون ضمن ما تبقى من خطوات دستورية، ومن زاوية ثانية عدم اقتصار الاحتجاج على النخب السياسية التي يجب ان تنفتح. على جميع القوى الاجتماعية والسياسية ذات المصلحة في مغادرة قانون الصوت الواحد.
* ما هي السيناريوهات السياسية المتوقعة في المملكة بعد خطوة اقرار قانون الانتخاب؟
- ستزيد حالة الاستقطابات الثنائية مرة أخرى، وهو امر يفترض ان نتجنبه في الحالة السياسية الأردنية، وكنا نريد قانون انتخاب يمكن جميع القوى السياسية من خوض الصراع السياسي السلمي على اساس برنامجي وسياسي الا ان القانون لا يتيح المجال لمثل هذا المستوى من الاشتباك مع السياسات الرسمية إضافة الى ان الاصل هو المشاركة الشعبية الواسعة في القرار السياسي ومن خلال المؤسسة التشريعية تحديداً, وعندما يغيب هذا العنصر الهام في اي دولة عربية تصبح الدولة بعيدة عن امكانيات الاستقرار.
* ما هي السيناريوهات الشعبية في الشارع التي تتوقعينها بعد هذه الخطوة؟
-الحراك في الشارع يأخذ منحى تصعيدياً لسببين الاول متعلق بالوضع المعيشي ورفع الدعم عن المحروقات والثاني على خلفية الاحتجاج على قانون الانتخاب.
*ماذا عن قانون الأحزاب الذي لم يحظ ايضا برضى القوى الحزبية لا سيما بعد تجاهل العديد من الرؤى المقدمة من الأحزاب؟
- عندما طرح مشروع قانون الأحزاب استشعرت ان هناك قراراً بالعودة الى الوراء لان مقترحات اللجنة المشتركة النيابية "الحريات والقانونية" كانت قريبة جدا من رؤى الأحزاب السياسية لا بل تبنت معظمها، لكننا فوجئنا عندما طرحت المواد على مجلس النواب، برفض هذه المواد المقدمة لا سيما المادة التي تتحدث عن مرجعية الأحزاب ومادة العقوبات والمادة التي حددت عدد المؤسسين والمادة المتعلقة بتعديل النظام الاساسي للحزب، حيث ان كل هذه المواد قدمت من اللجنة المشتركة بصورة مريحة ومتناسبة مع توفير شروط ايجابية للحياة السياسية, ولكن المجلس اقر مواد اخرى ضيقت على الأحزاب السياسية.
* بعد قانون الانتخاب.. واستنادا الى الرؤية الرسمية، فان المنظومة التشريعية للاصلاح اكتملت.. هل اكتملت بالفعل.. ام زادت تعقيدا؟
- قانونا الانتخاب والأحزاب بصورتهما الحالية يشكلان ارتداداً عن مشروع الإصلاح، وعندما بدأ مشروع الإصلاح منذ سنة ونصف بتعديلات دستورية وتعديل قانون الاجتماعات العامة وانشاء نقابة للمعلمين ومحكمة دستورية وهيئة مستقلة كانت هناك مناخات سياسية تشير الى منحى متقدم في مشروع الإصلاح الا ان ما جرى بعد ذلك هو انعطافه سلبية الى الخلف.
ملف مجلس النواب
* لننتقل الى ملف مجلس النواب.. ماذا عن العلاقة النكدة بين مجلس النواب والقوى السياسية والشعبية الأردنية.. من المسؤول عن سوء هذه العلاقة؟
- اولا تعود ظاهرة التوتر بين مجلس النواب الحالي والقوى السياسية الى مرحلة ما قبل اجراء الانتخابات عندما قاطعت عدد من القوى السياسية الانتخابات واتهمت المجلس سلفا بانه لا يمثل الشعب.
وثانيا: تزامن هذا المجلس مع حالة من الاحتجاج الشعبي في البلاد ومع حالة التحولات العربية القائمة، مما زاد كثيرا من الطموحات السياسية والشعبية "المشروعة" باتجاه استحداث قوانين متقدمة وإصلاح الأوضاع الاقتصادية وفتح ملفات الفساد والانتقال بالبلاد الى مرحلة جديدة نوعيا.
فالموضوع له علاقة بالشروط الموضوعية التي جاء بها مجلس النواب محليا وعربيا، ولو انتخب مجلس النواب السادس عشر على اساس قانون متطور لكانت حدة الصراع اخف بكثير.
فمجلس النواب في المرحلة الاولى من عمره الزمني اقر قوانين مهمة، لكنها غير كافية، ولم تلب الطموحات الشعبية في السياق التاريخي المتحرك، فيما كان هناك احتكاك واسع بين الحراك الشعبي وعدد من الأصوات في مجلس النواب التي استنكرت هذا الحراك. وكان على اصحاب هذه الأصوات ان يستوعبوا اهمية هذا الحراك وموجباته وأسبابه منذ اليوم الاول، فالأصل ان تكون هناك حالة مصالحة بين المؤسسة التشريعية والشعب.
كما ان هناك محطتين بارزتين في العلاقة بين مجلس النواب والمجتمع الاولى هي الثقة العالية التي اعطاها المجلس للحكومة الاولى في ظرف مأزوم بالبلد، والثانية الطريقة التي تعامل بها المجلس مع بعض ملفات الخصخصة مثل الفوسفات وغيرها، فهاتان المحطتان ساهمتا في توتير العلاقة بين مجلس النواب والمجتمع كان يجب على مجلس النواب ان يقود مرحلة الإصلاح السياسي والاقتصادي.
* هل تشعرين بأنك مضطرة أحيانا لتبرير كونك عضوا في مجلس النواب الحالي... لسوء علاقته مع الناس؟
-لا ابدا.. انا أعتزّ بعلاقتي وعملي في مجلس النواب واعتز بثقة الناس بي منذ سنوات كفاحية طويلة.
لقد تشرفت بالانخراط في العمل النضالي لعقود طويلة أمام تحديات سياسية واجتماعية كبيرة من خلال الحركة الوطنية الأردنية وحزب الشعب الديمقراطي الأردني تحديداً, واعتقد انه على جميع القوى الديمقراطية والمتقدمة واجب مواصلة النضال لتلبية متطلبات هذه المرحلة الإصلاحية والإسهام في إيجاد الحلول الأقرب الى مصالح الشعب والوطن ومستقبله وازدهاره.
* بعد كل ذلك .. هل تعتبرين نفسك في مجلس نواب ممثلة للشارع بقواه الحزبية والشعبية؟
- انا أتمنى ان اكون كذلك، ولا ادعيه، حيث كل ما افعله داخل المجلس يتناسب تماما مع ما أعلنته في برنامجي الانتخابي ومع مواقف حزب الشعب والأحزاب الديمقراطية التي دعمت ترشيحي قبيل الانتخابات, وكم كنت اتمنى ان يكون هناك مزيداً من الممثلين للأحزاب الديمقراطية والوطنية الأخرى في المجلس لان هذا حق لجميع الأحزاب المناضلة من اجل أردن وطني ديمقراطي.
*ما رأيك بتصرفات بعض أعضاء مجلس النواب التي لقيت استياء داخل المجلس وخارجه؟
- اشعر بمرارة كبيرة عندما استرجع تلك الوقائع غير المألوفة، والخارجة عن القانون والأعراف لان لغة الحوار تكون غائبة والمناخ الديمقراطي يكون غائبا، خاصة بعد تصدّر عقلية من يمارس العنف الجسدي بديلا عن الحوار الفكري والسياسي والقبول بالأخر في إطار المجتمع الواحد والمؤسسة والواحدة، فضرورات الإصلاح تحتم على الجميع القبول بالأخر والاحتكام الى لغة، ومنطق الحوار الديمقراطي والحضاري.
ملف لجنة التنسيق والعلاقة بين أحزابها
* تعرضت لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة التي تجمعكم مع الإسلاميين لتفتيت أضعف أدائها .. حتى اضطر القوميون واليساريون الى الائتلاف في وجه الإسلاميين .. ما قراءتك لذلك؟
- من الطبيعي ان تعكس التطورات السياسية الجارية نفسها على طبيعة التحالفات السياسية، وهذا لا علاقة له بالاستقطاب ضد الاخر ، فنحن نتقاطع مع جميع القوى الوطنية على مسافات متنوعة ونتقاطع مع القوى الديمقراطية على مسافة أوسع. ومن حق القوى الديمقراطية الإصلاحية التي اضطهدت على مدى عقود مضت ان تبلور رؤاها الخاصة بها في مسألة التحول الديمقراطي بعيدا عن هيمنة او استئثار احد.
وهذا منطق ليس في مواجهة الفئوية السياسية فقط، وإنما هو المنطق الموضوعي المستند الى أهمية الإقرار بالتعددية ومشاركة الجميع في الحياة السياسية والتحولات الديمقراطية في البلاد.
* لكن هناك من يقول ومنهم أمناء أحزاب منضوية تحت مظلة التنسيقية بأن التنسيقية باتت مجرد هيكل شكلي، خاصة بعد الملف السوري.
- لا شك ان الموقف تجاه ما يجري في سوريا فيه تباين كبير بين الأحزاب المنضوية تحت مظلة لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة وسبقه اختلاف الموقف من الانتخابات النيابية، لكن بالنسبة الى الموقف من التحولات الجارية في البلاد كان يجب منذ اليوم الاول ان تتآلف القوى السياسية على أساس إستراتيجية موحدة تشكل قاعدة لآليات الاشتباك السلمي مع السياسات الرسمية وتوحد جميع القوى الناشئة ضمن المساحات التي تتفق فيما بينها.
الا ان ذلك لم يحدث، ومن هنا فإن ممثلي الأحزاب المنضوية تحت مظلة لجنة التنسيق يعترفون بان عمل اللجنة لا يتناسب مع استحقاقات المرحلة الإصلاحية المطلوبة.
* شكلتم ائتلافا يجمع القوميين واليساريين بسبب ملاحظات عدة على سياسة الإسلاميين .. ما الجديد الذي قدمه الائتلاف؟
- هذه القوى لا زالت قيد تطوير عملها، ولا زالت تدرس جديدها القادم ولم تنجزه بعد وهو العمل على توسيع دائرة ائتلافها والقوى الاجتماعية والسياسية المتوافقة معها على برنامج التحول الديمقراطي والموقف منه واستحقاقاته حيث ربما تشهد الاسابيع المقبلة تحولا نوعيا بهذا الشأن.
ملفات خارجية.. سورية ومصر تحديدا
* لننهي حديثنا بالملف الخارجي اولا ما هو حجم تأثير الثورة السورية على الحالة الاردنية؟ سواء من حيث تجزئة المعارضة او خوف الرسمي من نتائجها .. كما يرى المراقبون؟
- الحديث عما يجري في سوريا يمكن تناوله على مستويين اولا منذ البدايات توقف مجلس النواب والقوى السياسية الحزبية بوضوح امام الموقف الرسمي للحكومة باتجاه الحرص على عدم توريط الأردن في هذا الصراع الجاري على ارض سوريا نظرا للحساسية البالغة والعلاقات المتميزة والمصالح المشتركة بين البلدين.
نريد ان تبقى المسائل قائمة من دون الخضوع لاي ضغوط خارجية على الأردن، باي اتجاه خصوصا بما يتعلق بالتدخل الدولي، فنحن ضد التدخل الخارجي في الشأن السوري وبنفس الوقت نحن مع مطالب القوى الديمقراطية السورية التي تعبر عنها المعارضة السلمية الديمقراطية الموجودة على الأرض السورية.
هذا الصراع الداخلي الذي أخذ منحى عربي ودولي وإقليمي على الأرض السورية لا حل له الا بالحوار الوطني الداخلي بين جميع الأطراف من اجل استقرار الدولة الوطنية وعدم تفتيتها وليترك للشعب السوري في الداخل امر تقرير مصيره بنفسه من دون اي تدخل خارجي.
* برأيك هل من ترجمة أردنية في حال أعلن رسميا عن فوز مرشح الإخوان المسلمين في مصر رئيسا للجمهورية؟
- علينا في البداية ان نحترم إرادة الشعب المصري داخل الصندوق وقبل ذلك وفي الميدان فقد قام الشعب المصري بثوراته من اجل دولة ديمقراطية قائمة على أساس العدالة والمشاركة الشعبية والمساواة، واي رئيس يستلم منصب رئيس الجمهورية سيكون امامه جملة من التحديات لمعالجتها والتعامل معها. وبالتالي سيكون الرئيس القادم امام امتحان منطقي على الأرض, وليس فقط بالإعلانات السياسية.
من المؤكد انه ستكون هناك انعكاسات ايجابية وسلبية على الأوضاع في الأردن حسب مجريات الصراع الحالي بمعنى ان مرحلة الصراع لم تتوقف بانتخاب الرئيس، بل سيبقى الصراع قائماًَ من اجل تطبيق شعارات الثورة والالتزام بها.