حول - التيار الديمقراطي - في العراق!


رزكار عقراوي
الحوار المتمدن - العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 23:47
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

منذ سنوات, وخاصة بعد سقوط النظام البعثي, طالبت الكثير من الشخصيات والجهات بضرورة توحيد الصف الديمقراطي-العلماني في العراق وتشكيل جبهة واسعة من كل القوى اليسارية والديمقراطية والعلمانية، حيث كانت القوى القومية والدينية وبقايا البعث سباقة في توحيد صفوفها في جبهات كبيرة رغم الاختلاف الكبير بينها، بل والاقتتال الدموي أحيانا، وكانت تتعامل بذكاء سياسي لأخذ نصيبها من السلطة السياسية وترسيخ مكانتها في المجتمع، واستطاعت ان تفرض نظام محاصصة طائفي- قومي مقيت في العراق وتعزيز مكانة ونفوذ الإسلام السياسي، طبعا بدعم ومباركة قوى الاحتلال.

للأسف لم تتصرف القوى اليسارية والعلمانية و الديمقراطية بحكمة كبيرة وكانت أسيرة إما لاوهام التحالف والتنسيق مع - الإخوة الكبار!- من القوى القومية والدينية أملا في الحصول على دعم مادي أو مقاعد وزارية أو برلمانية، أو كانت أسيرة خطاب سياسي استعلائي يقصي الأخر و لا ترى غير نفسها وتتغنى بأمجاد الماضي، وتعتقد إنها بمفردها يمكنها تغيير المجتمع وإحلال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية دون الحاجة إلى أي نوع من التحالفات أو تنسيق مع القوى الأخرى التي لها توجهات فكرية وسياسية قريبة منها.
تزامنا مع الربيع الثوري الذي عم العالم العربي انطلقت احتجاجات جماهيرية واسعة في العراق وإقليم كردستان شاركت فيه معظم الفصائل والأحزاب اليسارية والديمقراطية والعلمانية. وكان لتلك الاحتجاجات والعمل الجماهيري المشترك على ارض الواقع وضغط القواعد دورها البارز في إقناع الكثير من قيادات تلك الأحزاب بضرورة التنسيق والعمل المشترك وخاصة إننا ألان في في الدقائق الأخيرة من الوقت الضائع, - إذ حسب قواعد كرة القدم, و لسنوات كان كل منا يود التهديف دون التنسيق مع زملائه في الفريق بل إن البعض ومن منطلق حسن النية! تصور ان الفريق الخصم غبياً وانه سيساعده في التهديف ضده! – لقد تأخرنا كثيرا و انشغلنا بالصراعات الداخلية والشخصية وأمراض التزعم والرغبة في الهيمنة ونبذ العمل المشترك و عدم الاعتراف بوجود الآخر بل والسعي لتسقيطه ومحاربته!.


تحالف مدنيون الانتخابي

ورغم ضرورة وأهمية التحالفات وكل الدعوات والنداءات الصادقة لم يتشكل أي نوع من التحالفات العريضة بين القوى الديمقراطية ماعدا بعض التجارب المحدودة التأثير مثل تحالف "مدنيون" الانتخابي. واعتقد انه كان خطوة مهمة وكان من الضروري مواصلة العمل وتوسيع قاعدته وقواه وتطويره. ومن هذا المنطلق لا بد ان نقيم هذا التحالف للاستفادة من التجربة ومن نواقصها ولكي نتجاوز أخطائها في المستقبل ونستطيع بناء تحالفات ديمقراطية- علمانية امتن وأوسع و تستمر لفترات أطول، ومن خلال تجربتي وعملي مع "مدنيون" كانت هناك نواقص أوجزها بـ:

1- كان في الأساس تحالف انتخابي فوقي هش بين ثلاثة أحزاب الاثنان منهم لهم وجود محدود جدا في العراق، ولم يوضحا برنامجهما بشكل دقيق، ولا اعتقد انه كانت لديهم القوى الثلاث الرغبة الفعلية لانضمام أحزاب أو منظمات جديدة إلى التحالف وتوسيعه.

2- لم تكن لـ "مدنيون" قيادة معلنة واقتصرت على ممثلي الأحزاب الثلاثة دون أن يكون للمستقلين من يمثلهم, وكان من الضروري أن تكون هناك شفافية اكبر في إدارة التحالف.

3- أهمل دور المستقلين بشكل كبير, بل تم استخدامهم دون أن يكون لهم دور في القرار أو القيادة.

4- لم تكن هناك استجابة ايجابية لمبادرات ورغبة بعض الجهات والشخصيات اليسارية والديمقراطية للانضمام إلى "مدنيون" وقد أعلن الكثير منهم دعمهم لها بشكل علني.

5- ومن الجدير بالملاحظة حصول منافسة حزبية ضيقة من كافة الأطراف الثلاثة على ترتيب أسماء ممثلي الأحزاب في القوائم, مما أخل كثيراً بالعمل المشترك في العديد من المحافظات.



التيار الديمقراطي في الداخل

في الأشهر الماضية بدأ العمل لتشكيل – التيار الديمقراطي – في بغداد والكثير من المحافظات وحسب علمي هي نفس القوى السابقة التي تشكل منها في السابق تحالف "مدنيون" مع العديد من الشخصيات الديمقراطية المستقلة. أتمنى أن لا تتكرر نفس الأخطاء السابقة في هذا المشروع المهم والضروري الذي يحتل اليوم أهمية خاصة. ولكن الوقائع على الأرض لا تبشر بنتائج إيجابية, إذ إنها تشير إلى نفس المجال الضيق الذي تتحرك فيه, وليس الشارع العريض الذي يفترض أن يتسع لكل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية في العراق, حيث نعلم جميعا ان القوى الديمقراطية تضم العشرات من الأحزاب و المنظمات الديمقراطية واليسارية والعلمانية، واعتقد إن حصر بناء أو تمثيل – التيار الديمقراطي - بجهات او أحزاب معينة سيعيق تطورها وتوسعها إلى خارج الإطارات الحزبية الذي أطلقتها ولن تحقق النتائج المرجوة منها. ومع هذا اعتبرها خطوة ايجابية جدا ولا بد من دعمها والمشاركة فيها وتطويرها، في نفس الوقت لا يحق لهم أصوليا وسياسيا الادعاء في أنهم فقط من يمثل التيار الديمقراطي في العراق و يصدرون بيانات باسم - قوي وشخصيات التيار الديمقراطي – دون تحديد أو ذكر من هي تلك القوي أو الشخصيات، الشفافية والدقة هنا مطلوبة في العمل الديمقراطي.
لكي نبني بالفعل تحالف واسع لقوي وشخصيات التيار الديمقراطي العلماني في العراق لا بد أن نحشد كافة طاقاتنا الممكنة من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين يسبقه الإقرار بوجود الأخر والاعتراف به واحترام الاختلافات الموجودة، ونبذ هيمنة حزب أو اتجاه معين أو تقديس الزعامات التقليدية، والعمل بشكل مشترك في لجنة تحضيرية موسعة تهيئ لمؤتمر أو اجتماع عام للقوى الديمقراطية والعلمانية في العراق دون أي إقصاء لهذا الطرف أو ذاك.
كانت مشاركة معظم القوى الديمقراطية والعلمانية فاعلة ومؤثرة في الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة التي انطلقت في الكثير من مدن العراق وإقليم كردستان وكان لها دورها المشهود في الدفاع عن المطالب الجماهيرية والحريات وإدانة الانتهاكات بكافة أشكالها.



التيار الديمقراطي في إقليم كردستان

في الأشهر الأخيرة انتفضت جماهير إقليم كردستان ضد الحكم الفاسد والمستبد للحزبين الكرديين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, قوبلت تلك الاحتجاجات الجماهيرية بالقمع والعنف المفرط وتعرض الكثير من منظمي و قادة الاحتجاجات إلى الاعتقال والاختطاف والسجن والتعذيب الوحشي. نظام الحكم في إقليم كردستان ليس من منطلق الاختلاف الفكري فقط وإنما استنادا إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية ذات المصداقية، نظام استبدادي يسوده الفساد الفاحش والتفاوت الطبقي الكبير جدا والتقسيم الحزبي المطلق وانتهاك حقوق الإنسان بشكل كبير وبشكل خاص حق التعبير عن الرأي والتظاهر والصحافة وخاصة في محافظات أربيل ودهوك، إما في محافظة السليمانية فنتيجة لتطور الوعي الديمقراطي وقوة المعارضة بمختلف توجهاتها فرضت نوع من الحريات النسبية ومع محاولة السلطات الحاكمة المستمرة لتقيدها وتحجميها.
للأسف إن لبعض من قوى وشخصيات –التيار الديمقراطي- علاقات سياسية وشخصية جيدة مع الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان وأحيانا داعمة لهم لأسباب كثيرة لن أتطرق إليها ألان!. ولكن اعتقد ان ذلك تجاوز على الجماهير والتيارات الديمقراطية في إقليم كردستان العراق وعلى القيم الديمقراطية من خلال التعامل مع مؤسسات فاسدة ومستبدة ولها دور كبير في ترسيخ نظام المحاصصة القومية والدينية المقيتة في العراق. لذلك أرى من الضروري جدا أن يوثق التيار الديمقراطي في وسط وجنوب العراق العلاقة مع القوى والأحزاب والشخصيات الديمقراطية المعارضة في إقليم كردستان ويدعم نضالها ضد الفساد والاستبداد والسيطرة الحزبية وبالعكس.
علمت من احد الزملاء في بغداد انه هناك نية لعقد مؤتمر للقوى الديمقراطية العراقية في أربيل برعاية – مسعود البرزاني -, اعتقد ان عقد المؤتمر في قاعة متواضعة في بغداد وبإمكانيات ذاتية سيكون له مصداقية حقيقة وستعكس صدق وحرص – المؤتمرين - على الديمقراطية في العراق وإقليم كردستان بدلا من عقده في فندق بخمس نجوم في أربيل او السليمانية بدولارات نهب المال العام المدفوعة من حزبي البارزاني والطالباني احد أكبر رموز الفساد الشخصي والعائلي والحزبي في تاريخ العراق الحديث، وكان لحزبيهم دور كبير في إدامة تشتت التيار الديمقراطي العراقي من خلال شراء ولاءات هذه الجهة- الشخصية او تلك وحتى تم استخدام البعض منهم في تجميل نظام حكمهم الكالح و في صراعهم على السلطة والنفوذ ضد القوى السياسية الأخرى.
.


التيار الديمقراطي في الخارج

في الآونة الأخيرة تشكلت أيضا الكثير من – التيارات الديمقراطية - في الخارج وأعلنت عن دعمها للتيار الديمقراطي في الداخل والبعض منها أعلن الاستقلالية الكاملة ولكن مع الرغبة في التنسيق والعمل المشترك مع كامل القوى والتيارات الديمقراطية في الداخل والخارج. مع تحفظي على طريقة بنائها حيث كانت معظمها بتوجيه من حزب سياسي معين والذي يحاول السيطرة على تلك - التيارات - في الخارج من خلال الهيمنة السياسية والشخصية وفرض توجهه السياسي عليها. اعتقد انه مشروع ايجابي وخطوة إلى الإمام، واعتقد لو انضمت إليها أحزاب وقوى ديمقراطية وعلمانية أخرى وعدد اكبر من المستقلين فمن المؤكد إنها ستتطور ديمقراطيا وبمزيد من الاستقلالية، طبعا لو كانت الإطراف المشتركة فيها صادقة وجادة في التنسيق و العمل الديمقراطي المشترك. من الممكن أن تلعب - التيارات الديمقراطية – في الخارج دور كبير في نقل التجارب الديمقراطية في مختلف المجالات إلى الداخل للاستفادة منها في الواقع العراقي حسب تطور مجتمعاتنا.
اعتقد انه من المهم جدا الآن إن تكون - التيارات الديمقراطية – في الخارج مستقلة عن تحالف – التيار الديمقراطي – في الداخل وتدعم الحركة الديمقراطية بمختلف أحزابها وتوجهاتها لحين تشكيل تيار واسع كبير يضم معظم القوى الديمقراطية في العراق, وإلا ستتحول إلى واجهات جماهيرية لحزب أو مجموعة أحزاب معينة المشكلة للـ- تيار الديمقراطي- في الداخل، وبالتالي ستتكرر الأخطاء السابقة وستفشل أيضا كما فشلت سابقاتها. وقد تجسد ذلك بوضوح في نشاطات معظمها وإصداراها بيانات تدعم تحركات أحزاب معينة في الداخل وتدين اعتقال المقربين منها، ولا تصدر أي موقف أو إدانة لانتهاكات أو اعتقال العشرات من أعضاء التيارات الديمقراطية الأخرى غير المنضوية تحت لواء – التيار الديمقراطي- وكذلك لم يكن لها موقف واضح في دعم الاحتجاجات الجماهيرية في إقليم كردستان.



دمقرطة قوى وأحزاب التيار الديمقراطي!

نتيجة لأنظمة الحكم الدكتاتورية المتعاقبة وسيادة الفكر الشمولي في العراق وضعف التطور والبناء الديمقراطي في السلطة والمعارضة، ترسخت الكثير من الممارسات غير الديمقراطية وحتى الاستبدادية في معظم الأحزاب السياسية العراقية ويشمل ذلك الأحزاب الديمقراطية والعلمانية واليسارية والتي ترفع لواء الديمقراطية الآن، لذلك اعتقد إن احد أهم أولويات تحالفات التيار الديمقراطي هي الترويج للفكر والثقافة والممارسة الديمقراطية، والعمل المؤسساتي وفصل السلطات وتداولية القيادة، وثقافة حقوق الإنسان والمرأة ليس فقط في المجتمع وإنما في الأحزاب والقوى المنضوية إليها، فعدد غير قليل منها ما زال يعمل وفق آليات تنظيم شمولية أحادية الفكر والتوجه، وبزعامات تقليدية لم تتغير لعشرات السنين. كما لا بد من صياغة لوائح عمل وأنظمة داخلية تتيح اكبر قدر ممكن من الاستقلالية والديمقراطية والتداولية والعمل الجماعي الشفاف وتقييد كافة أنواع الهيمنة السياسية والحزبية والفردية بأي شكل كانت.



هل نود بناء تحالفات واسعة أم منظمات - واجهة - حزبية جديدة؟

السؤال المهم الذي سيواجه أي فرد أو جهة قبل الدخول في التحالفات الواسعة للتيار الديمقراطي العلماني هو: هل نود بناء تنظيم مؤدلج باتجاه فكري-سياسي معين أو واجهة – ديمقراطية – للحزب الذي ينتمي إليه و وتكون تحت سيطرته وهيمنته، ام ان قوى هذا الحزب أو ذاك قد اقتنعت بأهمية وضرورة التنسيق و العمل المشترك ويود كل منهم العمل مع الآخرين لبناء حركة ديمقراطية علمانية واسعة متعددة الأطياف، تساهم في دعم الحراك الجماهيري والتحضير للمشاركة في الانتخابات المحلية والبرلمانية بقائمة ديمقراطية كبيرة من الممكن أن تحقق بعض النتائج التي قد تؤدي إلى تقليل سلطة ونفوذ قوى الاستبداد والمعادية للديمقراطية في العراق بمختلف إشكالها.


تحالف قوى اليسار

ومع اهتمامي الكبير بضرورة توحيد الصف الديمقراطي، أركز أكثر وأدعو ومنذ سنين إلى ضرورة التحالف والعمل المشترك بين القوي الماركسية واليسارية في العراق، من المؤكد ان - تحالف قوى اليسار العراقي- إذا تحقق, سيكون له دور مهم وكبير ليس فقط في تقوية التيار الديمقراطي والعلماني فحسب ، بل سيتجاوز ذلك في تعزيز وتقوية النضال الجماهيري من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية واكبر قدر ممكن من المساواة في المجتمع العراقي.