نحو جبهة ثورية متحدة فى مصر- ما العمل؟


عادل العمري
الحوار المتمدن - العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 07:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

1-مقدمة:
لكل ثورة شرعيتها الخاصة حسب القوى المشاركة فيها وحسب تطلعاتها،.فالثورة لا تقوم فى إطار القانون بل ضده،فهى تشتعل من أجل الهدم ثم البناء،وفى المرحلة الأولى يكون من حقها أن تتجاوز كل شرعية قائمة.فالثورة هى خروج علنى على القانون والدستور والعرف وقوى النظام كافة، وبهذا المعنى هى "بلطجة" شاملة واسعة النطاق؛.وهى إذن "جريمة" فى عرف القانون الذى تمردت عليه.وحين تحاكم رموز النظام تحاكمه بقانونها الخاص؛قانون التمرد؛قانون الاستئصال والمحو،وهذا لا يحتاج إلى نصوص وصياغات ولا إجراءات "قانونية"،بل إلى أعراف الثورة حسب طبيعتها وقواها.فمحكمة الثورة هى محكمة شعبية تستمد قانونها من روح التمرد وأهدافه لا من النصوص والأعراف القديمة.وإن انتماء أحد إلى النظام أو مناهضته للثورة هو فى حد ذاته جريمة تستحق العقاب من وجهة نظر الثورة.المتهم هنا – كما دعا جمال البنا - مدان حتى تثبت براءته وبعد أن تتم مأسسة الثورة تصير هناك شرعية قانونية جديدة.
وإذا كان هناك شرفاء داخل جهاز القضاء والجيش والشرطة والإعلام فمن الطبيعى أن يتركوا هذه المؤسسات لينضموا لقوى الثورة وليفضحوا جرائم السلطة وشركائها، أو على الأقل يشكلون تكتلات وبؤر ثورية داخل هذه الأجهزة،مناوئة للنظام.
إذا تقبلنا هذا سنعتبر ما حدث منذ 25 يناير فى مصر مجرد بداية لعملية ثورية لم تكتمل وقد تفشل وقد تقف فى منتصف الطريق.

2- مازال أغلب الناشطين السياسيين يقدمون المطالب والاقتراحات للنظام. فرغم كل ما ارتكبته السلطة الحالية من جرائم مازالت تُعامل من قبل الكثيرين على أنها حكومة الثورة المنوط بها أن تفعل وتفعل وتقدم..إلخ.وإذا لم يصبح مفهوما أن النظام لم يسقط وأن السلطة القائمة هى امتداد لحكم مبارك وأن الثورة المضادة قد استولت على الحكم فلن يكون هناك أى تحول جذرى فى مصر.فباديء ذو بدء من الضرورى أن يختفى خطاب المطالبة والاقتراح على السلطة،العدو الأول للثورة.فالثورة لن تتم أبدا إذا لم تستول على مؤسسات الدولة وتجتث النظام القائم،بمؤسساته القمعية شاملة القضاء وتطهير الجيش والمخابرات وتصفية جهاز الأمن بالكامل وإعادة بنائه من عناصر جديدة وعلى أسس ثورية،ومحاسبة عناصر الفساد بحزم وقسوة ومصادرة ممتلكاتها وتصفية جهاز الإعلام الحكومى ومحاكمة مسؤوليه على يد الثوار وتنحية حلفاء النظام من قوى فاشية دينية سواء إسلامية أو مسيحية. وإذا لم يتحقق هذا فلن تزيد النتائج عن حل وسط؛إصلاح جزئى للنظام نفسه، بعض الإصلاحات الديموقراطية والاقتصادية وستظل مصر دولة متخلفة.
فالثورة المصرية قد أتمت حلقة صغيرة للغاية تتمثل فى تصفية رأس النظام والجناح الأكثر فسادا فيه ولكنها لم تمسك زمام الأمور ولم تطهر الدولة من الرجعية المسيطرة.صحيح أثرت الهبة الضخمة فى يناير المضى فى كل ذرة فى مصر ولن تعود عقارب الساعة ولكن مازالت خطوات كثيرة لم تتم.ولن يتم الكثير مالم يفهم الجميع أن السلطة فى أيدى الثورة المضادة الآن وهو الأمر الذى لم يفهمه حتى الآن سوى قلة من المثقفين.وهى تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من النظام الشمولى.
3- لم يعد تكرار سيناريو طرد مبارك ممكنا فى ظل موازين القوى الحالية مع الحكومة العسكرية،فقد خرج أكثر من 10 ملايين مصرى إلى الشوارع وحاصروا المؤسسات الحكومية والقصور الرئاسية وحطموا الحزب الوطنى وجهاز الأمن حتى يخرج مبارك من السلطة.أما الآن بعد أن أصبح المجلس العسكرى مدعوما بالإسلاميين ومؤيديهم وبكثير من الفئات التى تعتقد أن هذه هى حكومة الثورة وبأغلب من قالوا "نعم" للتعديلات الدستورية،فقد أصبح من غير الممكن طرد العسكر من السلطة بالمظاهرات الشعبية السلمية،وقد فقد ميدان التحرير سحره بعد تفكك القوى الشعبية وتأييد معظمها للعسكر.يجب أن نتعامل بواقعية مع الأمر ونعترف بهذه الحقيقة.ولكى يمكن حشد الملايين وتكرار السيناريو المشار إليه يجب أولا فضح السلطة وحلفائها على نطاق واسع وإقناع الجماهير بدورهم فى الثورة المضادة وهذا يتطلب جهدا إعلاميا هائلا قد يحتاج لشهور عدة.لذلك فمن غير الممكن الآن فرض فكرة تنحية العسكر وتعيين أو انتخاب مجلس رئاسى وعقد جمعية تأسيسية...إلخ.الخطوة المناسبة الآن هى إقناع الجماهير بدور العسكر والإخوان المضاد للثورة وهذا أمر يسهل شرحه والبرهنة عليه ويكفى أن السياسة الاقتصادية - الاجتماعية لم تتغير فعليا،ومن ثم تشكيل جبهة معارضة قوية ومواجهة الإجراءات القمعية وتواطؤ الحكومة مع قوى الفساد.والأهم أن تقدم قوى الثورة برنامجا واضحا للإصلاح الجذرى للمجتمع،مقنع للجماهير.
لقد أثبتت مظاهرات جمعة الغضب الثانية صحة هذا الكلام،فلم تخرج الملايين لتأييد الانتفاضة كما حدث فى 25 يناير وبالتالى لم تستجب السلطة لمطالب الثوار ولن تستجيب.كما أن التشهير بالثوار من جانب الإسلاميين كان ناجحا إلى حد ما،فبدا الأمر كما لو كانوا يريدون الالتفاف على الاستفتاء والقائلين ب"نعم"للتعديلات الدستورية.وهى الحقيقة للأسف.
يجب أن يتعلم الجميع الدرس: فقد سلمت أغلبية الطبقة الوسطى المصرية للمجلس العسكرى بما فيها "اليسار" الذى يتفادى الصدام مع السلطة ويسعى الآن لبناء أحزابه الشرعية ودخول الانتخابات، فأصبح على من يرغب فى استكمال الثورة أن يتجه إلى الجماهير الفقيرة لأنها صاحبة المصلحة أكثر من غيرها فى التغيير الثورى.وهذا يمكن أن يجر بعض أقسام الطبقة الوسطى إلى معسكر الثورة من جديد.
4- بعد أن تم الاستفتاء على التعديلات الدستورية وقبول أغلب القوى السياسية للإعلان الدستورى أصبح موقف الثورة المضادة متمثلة فى المجلس العسكرى والإسلاميين وأجهزة النظام أقوى سياسيا من قوى الثورة وصار الكل يتسابق على مقاعد البرلمان القادم وأصبح من غير الممكن تحقيق مكاسب سياسية مهمة للثوار قبل الانتخابات التى ربما لم تأت إلا بالإسلاميين أو تمنحهم قوة أكثر.
إلا أن المطالب الاقتصادية للطبقات الدنيا والوسطى تقف مثل كابوس أمام أية حكومة فى مصر،فمالم يتم إصلاح واضح فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية فلن تتوقف الثورة من أسفل؛الإضرابات والمطالبات بتطهير المؤسسات ووضع نظام عادل للأجور.وهذا هو الضمان الحقيقى لاستمرار العملية الثورية.ومن الضرورى تشجيع هذه الثورة من أسفل كما أنه من الضرورى ألا تقف قوى الثورة ساكنة أمام قوانين القمع المختلفة.وتستطيع هذه تعويض ضعفها السياسي أمام الإسلاميين المنظمين جيدا والمعتمدين على رأى عام يقدس الدين ويفتقد للخبرة السياسية.باستخدام سلاح المطالب الاجتماعية هو سلاح لا يستطيع هؤلاء استخدامه جيدا لأنه ضد مصالحهم.كما أن تنظيم الجماهير فى نقابات مستقلة وجماعات فئوية أسهل من تنظيمها فى أحزاب ومنظمات سياسية وحتى النضال الاقتصادى بدون تنظيمات قوية أمر ممكن وفعال.ولن تستطيع السلطة إرضاء الجماهير إلا باتخاذ قرارات سياسية مهمة ولن تكفى أية معونات خارجية لتسكين الصراع الاجتماعى المتصاعد.ومن المهم ملاحظة أن تصعيد الصراع الاجتماعى سيضم قوى جديدة للثورة لم تشارك فيها من قبل:الطبقات الدنيا والفلاحين وسكان الجنوب مما يدفع بالعملية الثورية إلى الأمام.
ربما يعتقد معسكر الثورة المضادة المشار إليه أن ما تم حتى الآن قد امتص الغضبة الشعبية وهؤلاء لا يفهمون أن القمقم قد انطلق من عقاله،فقد عرف الناس حقوقهم وتدربوا على كيفية انتزاعها وإذا كانوا قد خدعوا لعدة شهور فلن يستمر هذا الخداع أمام حقائق التدهور الاقتصادى وانتشار الفقر والبطالة ولن تكفى الشعارات الدينية إلى الأبد بل قد تنقلب الجماهير ضدها فجأة أمام حقائق الحياة متزايدة الوضوح.
5- لا تنجح ثورة بدون قوة مادية،ببساطة لأن النظام يقاوم بكل الأساليب ويستخدم حتى الجيش.وفى مصر يستخدم المجرمين المحترفين والآلة العسكرية.ومالم تمتلك الثورة جيشها أو ينضم لها الجيش لن تنجح إلا فى خلق حالة من الفوضى. إذ لا يمكن تصور أن ينضم نظام إلى الثورة التى تقوم ضده،وبالتالى يحتاج الأمر إلى استئصاله بالقوة.ليست القوة المسلحة بالضرورة فهناك أشكال أخرى فعالة: المظاهرات الضخمة والإضرابات الممتدة والامتناع عن دفع الضرائب وتشكيل شرطة بديلة مثل اللجان الشعبية وشن هجمات شعبية على بلطجية النظام داخل أوكارهم ومحاصرة مؤسسات الدولة مثلما تم يوم 11 فبراير الماضى..إلخ..كل هذه أشكال من استخدام القوة. وتشكل الجماهير المعدمة والمهمشة جيشا احتياطيا هائلا للثورة وهى لم تنضم لها فعليا حتى الآن وهى التى دفعت أكبر فاتورة لتدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار الحالى،وهى البعبع الأهم للنظام وهى الغير معنية بتحجيب النساء وإطلاق اللحى وبالتالى تشكل الوسط الأكثر قدرة على تبنى شعارات اجتماعية جذرية وأساليب نضال أكثر فعالية.
6- إن الخوف من انقسام الجيش لا مبرر له،فقواعد الجيش المصرى تنتمى للطبقات الشعبية والوسطى وتعانى مثلها ،فمن المرجح أن مواجهة المجلس العسكرى سياسيا يمكن أن تؤدى إلى عمليات تطهير داخل الجيش وليس إلى انقسامه بل من الممكن أن تتحول المؤسسة العسكرية ككل (باستثناء المجلس العسكرى ورجاله)إلى معسكر الثورة إذا ما تم تطهيرها.أما الخوف الزائد من حكومة العسكر فيمنحها الشجاعة لمحاولة تصفية الثورة تدريجيا،وهو ما تحاول عمله حاليا بتدشين نظام شمولى مصبوغ دينيا.
7- هدف الثورة المصرية الواضح من خلال الشعارات التى رفعتها هو تصفية النظام الشمولى وبناء الديموقراطية وإنصاف الطبقات الفقيرة وتحديث المجتمع ككل. وحتى الآن لم يحدث ما يشير للاتجاه إلى تحقق هذه الأهداف،ولكن انطلاق الحركة الثورية على نطاق واسع واكتشاف الجماهير لقدرتها على التغيير وكسر شوكة جهاز الأمن الرهيب هى خطوات مهمة على طريق تغيير النظام ككل ..لقد انطلق السهم ومن الضرورى لكى تستكمل الثورة تحقيق أهدافها أن تملك سلطة الحكم.

8 و الآن ما العمل ؟
- أقدم دعوة للقوى الشعبية ومن يريد استكمال الثورة إلى تشكيل جبهة ثورية متحدة،مفتوحة أمام الجماهير،تضم كل الأحزاب اليسارية والليبرالية وكل التكتلات الثورية بما فى ذلك النقابات المستقلة والجمعيات الأهلية الثورية ،تقود وتشرف على العملية الثورية ككل من إضرابات واحتجاجات ولجان شعبية وتصفية نقابات النظام وطرد رجاله من مؤسسات الدولة والتفاوض (وليس الحوار) مع العسكر إذا تطلب الأمر.وهذا يتطلب درجة عالية من نضج قوى الثورة وروحا عملية وأفقا رحبا لتجاوز الخلافات الجزئية والشخصية.لم يعد من المعقول أن تنقسم قوى الثورة إلى مئات التجمعات الصغيرة والأحزاب الضعيفة رغم تشابه الأهداف والبرامج.

مشروع برنامج عام للجبهة المقترحة:
- تصدر الجبهة مشروع دستور ديموقراطى فور تشكلها وتعرضه للنقاش العام.
- تنشيء الجبهة مواقع إعلامية من كل نوع ممكن بما فى ذلك قناة فضائية والعمل على فضح السلطة وحلفائها الإسلاميين ومن باعوا أنفسهم لها مقابل المناصب والمزايا.
- إصدار برنامج حد أدنى مشترك للقوى المكونة للجبهة يصلح لخوض أى انتخابات قادمة وللتنفيذ إذا نجحت الجبهة فى الاستيلاء على سلطة الدولة،يكون أساسا لإقامة دولة ديموقراطية حديثة مرجعيتها حقوق الإنسان المتفق عليها عالميا.
- دعوة وقيادة الجماهير لتشكيل نقابات مستقلة ومقاطعة النقابات العميلة القائمة وتحقيق استقلال الجمعيات الأهلية عمليا برفض كل تدخل حكومى فى شؤونها.
- والأهم إعادة تشكيل اللجان الشعبية وتوسيع نشاطها ليشمل الأمن وملاحقة البلطجية والمعتدين على السكان واعتداءات الشرطة التى ماتزال تحدث ومحاسبة من يمارس التعذيب داخل أقسام الشرطة،والتدخل فى عمل مؤسسات الدولة وانتزاع كل ما تستطيع من السلطات مثل الإشراف الشعبى من خلالها على إدارة المدارس والكليات وأجهزة الإعلام الحكومية والقيام بعمل العمد والمحافظين وتنحية هؤلاء عمليا.
- الضغط على السلطة وأصحاب الأعمال لرفع الحد الأدنى للأجور وتخفيض الحد الأقصى وتحقيق مشاركة العمال فى الإدارة فى كل المؤسسات حتى الخاصة(وهذا يحدث فى بلدان عريقة فى الرأسمالية) وطرد العناصر الفاسدة والمعادية للثورة،واستخدام سلاح الإضراب والاعتصام لتحقيق ذلك.
- رفض المشاركة فى الانتخابات القادمة فى ظل قانون الأحزاب الحالى وقانون الطواريء وقانون تحريم الاحتجاجات والإعلان الدستورى اللاديموقراطى والذى يشمل كوتة العمال والفلاحين والمرأة وغير ذلك من المواد المعيقة للعملية الديموقراطية،وفى ظل وجود المحافظين المعينين والمجالس المحلية الحالية والعمد المعينين..إلخ.فإما أن تغير السلطة هذه القوانين وإما أن تستمر الجبهة فى مجابهتها والتصعيد حتى العصيان المدنى.
- على الجبهة أن تتخذ موقفا حاسما ضد الإسلاميين باعتبارهم قوى فاشية تسعى لفرض أفكارها بالقوة على المجتمع باسم الدين.لقد أثبت هؤلاء ميلهم إلى خيانة الثورة فى أية لحظة إذا ما وجدوا فى ذلك مكسبا لجماعاتهم فحسب ولو على حساب مستقبل البلاد،وطالما تآمروا مع النظام منذ عهد الاستعمار الإنجليزى ضد الحركة الشعبية.فمشروعهم هو توسيع تنظيمهم باعتباره مجتمعا موازيا حتى يلتهم المجتمع كله دون أن يمتلكوا أى مشروع تحديثى حقيقى.وهم رغم زعمهم ربط السياسة بالأخلاق لا يلتزمون بأى قواعد أخلاقية بل يمارسون سياسة انتهازية صريحة وواضحة.وفى الواقع هم الآن حلفاء السلطة العسكرية ويؤيدون سياسة السلطة المعادية للثورة.ومع ذلك لا يوجد ما يمنع من عقد اتفاقات جزئية معهم إذا كانت تحقق أهداف الثورة.كما أن بعض مجموعاتهم يمكن أن تنشق وتنضم لقوى الثورة.
- يجب منذ الآن وقف أى حوار مع السلطة ومقاطعة كل من يشترك فى الحوارات واللقاءات الدائرة مع العسكر ووزارة شرف كما يجب تقديم الاقتراحات على الحكومة،وكل ما يمكن أن تفعله جبهة ثورية هو انتزاع حقوق الشعب وتنظيم الجماهير.
- مع نمو قوة الجبهة واستجابة الجماهير لها يمكن تصعيد أعمالها باستمرار حتى إقامة سلطة وطنية ديموقراطية.