أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الرحمان النوضة - نقد الاستاذ محمد سبيلا















المزيد.....

نقد الاستاذ محمد سبيلا


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 5972 - 2018 / 8 / 23 - 05:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


دخل أستاذ الفلسفة، محمد سبيلا، في حرب ضد كل ما هو «نضالي» أو «اشتراكي». وأخذ يُبشِّر باكتشافاته ”الفلسفية“ الجديدة. كأن محمد سبيلا وصل، في آخر حياته، إلى خلاصات ”منيرة“، أو ”حكيمة“. وقد فتحت جريدة "المساء" لمحمد سبيلا رُكْنًا متواصلًا على صفحتها الأخيرة، تستجوبه عن فتوحاته ”الفلسفية“ الخارقة.
ويزعم محمد سبيلا أن ”المناضل الاشتراكي“ لا يختلف عن ”الإرهابي الإسلامي“، من زاوية مناهج التَّـفكير، والقِيم، والأهداف، والأساليب. [أنظر مقال رحمان النوضة، "نقد أنصار الرأسمالية"، (https://wordpress.com/read/blogs/19553947/posts/2431)].
ومعظم تصريحات محمد سبيلا تصبّ في نفس الاتجاه. حيث يقول: ”الاشتراكية هي أكبر كذبة“، و”الاشتراكية هي مجرد وهم“. و”المناضل الاشتراكي لا يختلف في جوهره عن الإرهابي الإسلامي“، إلى آخره. ومعظم المناضلين الاشتراكيين عبر العالم يعرفون جيدًا هذه الأطروحات القديمة. لأنها ظهرت منذ ظهور حلم تجاوز الرأسمالية، أو الانتقال إلى الاشتراكية، خلال القرن الثامن عشر.
أنا احترم السيد محمد سبيلا، وأعتبر أنه من حقّه أن يُدافع عن أفكاره وقناعاته. لكنني أختلف معه، وأعتبر أنه من حقّي أنا أيضًا أن أنتـقد أطروحاته.
يتكلّم محمد سبيلا كأنه يُحلّل تجربة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، أو كأنه ينتـقد أفكاره، وتصوراته، وسلوكياته. لكن عندما يتمعّن القارئ في أطروحات محمد سبيلا، يجد أنها أطروحات يمينية، وأنها تُدَعِّم وتُنَظِّر لمواقف وسلوكيات تيار ادريس لشكر اليميني المسيطر على هذا الحزب. ومحمد سبيلا يتبرَّأ من سلوكيات تِيَّار ادريس لشكر، لكنه يلتقي معه في العمق، على مستوى الأفكار والمبادئ السياسية. لأن ادريس لشكر يُطَبِّق بالضّبط الأطروحات السياسية التي يُبرِّرها محمد سبيلا.
ويدافع صراحةً محمد سبيلا على منظور بورجوازي للعمل السياسي. ومعظم أعضاء ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وكذلك معظم أعضاء الأحزاب اليمينة، أو الرأسمالية، الموجودة في العالم، يقولون نفس الشيء الذي اكْتَشَفَه محمد سبيلا متأخِّرًا. وهو أن «السياسة هي فن النفاق والانتهازية». ومعظم مناضلي البلدان الناطقة بالعربية يدركون أن مثل هذه القِيَم والتصوّرات الانتهازية، هي التي خرّبت أوطانهم.
ويدافع محمد سبيلا مرارًا عن «مرونة الفاعل السياسي الذي يمكن أن ينقلب 180 درجة، وأن يبرّر ذلك» (جريدة "المساء"، العدد 3670). وأضاف محمد سبيلا: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي. والذي لا يتوفّر على هذه الشروط، لا يمكنه أن يلج عالم الفعل السياسي» (نفس المصدر السابق). وزاد محمد سبيلا قائلا: «الكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». وكُلُّنا نعرف أن محمد سبيلا لا ينفرد بهذه الأطروحات، وإنما مجمل السياسيين الفاسدين أو المستبدّين، سواءً في بلادنا أم في بلدان أخرى، يمارسون مثل هذه السّلوكيات.
ونتساءل: لمن يكتب محمد سبيلا هذه الأفكار؟ ولمن يوجّه هذه النصائح؟ هل يوجّهها إلى الفاعلين السياسيين الذين يهيمنون على المغرب ويفترسونه؟ هؤلاء السياسيين المُفْتَرِسِين لا يحتاجون إلى الاكتشافات النظرية لمحمد سبيلا. فَغَرَائِزُهم الحيوانية تَكْفِيهِم لكي يُطَبِّقًوا هذا التوجُّه. وهل يوجّه محمد سبيلا نصائحه إلى المناضلين الثوريين الذين يرفضون كل سياسة تُعاكس العدل والأخلاق؟ واضح أن اجتهاد محمد سبيلا هو عمل يميني، بل "رجعي"، ويضرّ، ولا يفيد.
هل وَصْف أفكار محمد سبيلا بِـ «الرجعية» هو سبّ أو قذف؟ كلَّا! ولماذا؟ لعدّة أسباب. محمد سبيل يقول «المَكْر، وسوء النّية، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي... والكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». ومحمد سبيلا لا ينتقد، وإنما يُنظِّر خِصْلَةَ النِّفَاق، ويُبرّرها، ويمجّدها. كيف ذلك؟
إذا فحصنا مختلف بلدان عالم اليوم، سنجد أنها نوعان: نوع من البلدان (مثل المغرب، والجزائر، ومصر، والعراق، والسعودية، والإمارات، إلى آخره)، تُمَارَسُ فيها ”السياسة“ فعلًا كَـ ”فن الكذب، والانتهازية، والنّفاق، والغش، والفساد“. ويوجد نوع ثان من بلدان العالم، تفرض فيها ”دولة الحق والقانون“ (ولو كانت نسبية) بأن يَـتَـقَيَّـد فيها كل الفاعلين السياسيين بالقوانين، وبالأخلاق. لهذا نجد مسؤولين كبار في هذه الدول، بما فيهم رؤساء دول، يُحاسبون في هذا النوع الثاني من البلدان، ويعاقبون على كل كذب، أو غشّ، أو فساد، ثَـبُـتَ ضدّهم. وكأمثلة على ذلك، نجد "دُونَالْدْ تْرَامْب" في الولايات المتحدة الأمريكية مُتابع في قضايا تتعلق بالجنس، والغشّ في الانتخابات عبر تواطؤ مع جهات روسية، والتهرّب من بعض الضرائب. ونجد في فرنسا أن الرئيس الأسبق "جاك شيراك" تُوبِعَ وحوكم في عدّة قضايا، أبرزها المَاس (diamants) عُمَر بَانْغُو. ونجد أن الرئيس "نِكُولًا ساركوزي" تُوبِعَ وحوكم في قضية تمويل جزء من حملاته الانتخابية بأموال غير شرعية. ونجد في كوريا الجنوبية أن البرلمان صوّت بالأغلبية المطلقة لصالح إقالة الرئيسة السابقة "بَارْكْ جُونْ هِي" [Park Geun-hye]، ثم وافقت المحكمة الدستورية على عزلها من منصب رئاسة الجمهورية، بعدما ثَبُتَ تورّطها في رَشَاوَى من شركة "سامسون". إلى آخره. ما معنى هذه الأمثلة؟ معناها أن الدولة التي تكون ”دولة حق وقانون“ (ولو نسبيًّا)، لا يُسمح لأي فاعل سياسي فيها، ومَهْمَا عَلَى شأنه، بأن يخرق القانون، أو الأخلاق، أو أن يُمارس الكذب، أو الغشّ، أو الفساد! وأمام مثل هذا المشهد السياسي العالمي، نجد أن محمد سبيلا، بِتَنْظِيره للكذب والنفاق، يدفعنا إلى تقليد النوع الأول من البلدان المتخلّفة، بدلًا من أن يحثّنا على الاقتداء بالنوع الثاني المتقدّم من بلدان العالم. وعليه، فَدَعَوَات محمد سبيلا تكتسي طابعًا متخلِّفًا، أو "رجعيا".
وعلى عكس ظنون محمد سبيلا، تبقى أفكاره متخلّفة حتى بالمقارنة مع أفكار ”مَاكْيَافِيلِّي“، لأن هذا الأخير، في بعض فقرات كتابه ”الأمير“، يشير إلى أن كل سياسة لا ترمي إلى تحقيق العدل في المجتمع، يكون مآلها حتمًا، وفي آخر المطاف، هو الفشل والزوال. [وقد فصّلتُ في ذلك في كتابي بالفرنسية: (Le Politique)، ويمكن تحميله من مدوّنتي].
وأضاف محمد سبيلا: «من الصعب تحويل الانسان إلى كائن عقلاني». ولو كان محمد سبيلا يعطي هنا لكلمة «صعب» معنى أن محاولة "تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني" هو عمل يتطلب جهدًا جَبَّارًا، ونضالات مجتمعية متواصلة وطويلة الأمد، لَكُنْتُ قد اتـفـقتُ معه. لكن إذا اعتبرنا أطروحات محمد سبيلا الأخرى اليمينية، ندرك أن محمد سبيلا يعني أن تحويل الانسان إلى كائن عقلاني هو محاولة "مستحيلة". فماذا يبقى لنا إذن في هذه الحالة؟ لا يبقى لنا، حسب ”فلسفة“ محمد سبيلا، سوى القبول بواقع المجتمع كما هو، والقبول بالرأسمالية المتوحشة، وأن نرضى بأن نكون كلّنا حيوانات تفترس بعضها بعضا، بدون شفقة، ولا أخلاق، ولا عدل، ولا مبادئ، ولا حقوق إنسان. وإلى متى؟ إلى أن تؤدّي أنانية البشر، وانتهازيتهم، وحماقاتهم، إلى فناء البشرية.
ولكي نسير في هذا التوجّه ”السًّبِيلَاوي“، لا نحتاج لِـ ”فلسفة“ محمد سبيلا، ولا إلى أية ثقافة، أو علم، أو تكوين. وإنما يكفي أن نطلق العِنَان لغرائزنا الحيوانية، وأبرزها الأنانية، والانتهازية، والنفاق، والغشّ، والغدر، والفساد، والاغتناء غير المشورع، وغير الأخلاقي. وهذا ما لا يقبله أي مواطن يتشبَّـثُ بالأخلاق، أو يطمح إلى العدل المُجتمعي. ومن منظورنا، لا يمكن أن يكون أي عمل سياسي محترمًا، أو نبيلًا، أو مقبولًا، إلَّا إذا كان مُلْتَزِمًا باحترام العدل والأخلاق. [أنظر كتاب رحمان النوضة: "L’Ethique politique"، ويمكن تحميله من مدوّنته (https://livreschauds.files.wordpress.com/…/livre-lc3a9thiqu…)].
يُكرّر محمد سبيلا أن «الاشتراكية هي مجرّد وهم»! لنفرض أن كلامه صحيح. وفي هذه الحالة، ما هي نتيجة هذا التصريح؟ نتيجته المباشرة هي أن الحقيقة الوحيدة القائمة، الحتمية، والأزلية، في العالم كلّه، هي الرأسمالية! بمعنى أن محمد سبيلا، المناضل السابق في "حزب الاتحاد الاشتراكي"، يقول لنا: "لا تحلموا بالوصول في مستقبل مجهول إلى الاشتراكية، إنها مستحيلة، وما عليكم سوى أن تخضعوا للرأسمالية، رغم كل ما فيها من استغلال، واستبداد، وفساد". هذا هو ”التبشير الفلسفي الجديد“ لمحمد سبيلا!
وتَـتَّسِمُ هذه الأفكار، التي يُبشِّر بها أستاذ الفلسفة محمد سبيلا، بكونها محافظة، ويمينية، ومناصرة للرّأسمالية. ورغم أن محمد سبيلا اختلف مع قيادة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، ثم ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات، وذلك في إطار صيرورة تَـفَكُّك وانحلال هذا الحزب، فإن الأفكار اليمينية التي يُبشِّر بها محمد سبيلا تنتمي عضويًا لظاهرة انحلال ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وتعبّر جيّدًا عن التِّيه الفكري، والانحراف القِيمي، اللذين أصابا هذا الحزب. وفي العمق، فإن انحطاط أفكار محمد سبيلا ترتبط عضويا بالانحطاط السياسي والأخلاقي الذي سقط فيه "حزب الاتحاد الاشتراكي"، رغم أن محمد سبيلا ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات.
رحمان النوضة (22 غشت 2018).



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد أنصار الرأسمالية
- لماذا تنعدم ”دولة الحقّ والقانون“ بالمغرب؟
- نقد مناصرة الرأسمالية
- نقد الصهيونية
- كيف نصلح التعليم؟
- الدّين والجنس (من الدّعوة إلى الفضيحة)
- نقد أحزاب اليسار بالمغرب
- نقد النّخب
- أية علاقة بين الدّين والقانون؟ الجزء الثالث
- أية علاقة بين الدّين والقانون؟ الجزء الثاني
- أية علاقة بين الدّين والقانون؟ - الجزء الأول
- أية علاقة بين الدّين والقانون؟
- تتعاطف مع شارلي هيبدو، ولماذا لا مع الفلسطينيين ؟
- تحليل دستور المغرب لسنة 2011، هل هو ديمقراطي أم استبدادي ؟
- مصر 2013 : شرعية الانتخابات أم شرعية الثورة ؟
- عِبَرُ الثّوَرَات العَربية
- نقد الشعب
- كيف حال احزاب اليسار بالمغرب ؟
- ضِدّ الزّعَامية
- كيف نُدبّر الاختلاف والتكامل فيما بين مناضلي القوى السياسية ...


المزيد.....




- شاهد كيف رد السيناتور بيرني ساندرز على انتقاد نتنياهو لمظاهر ...
- وثائق: تأييد عبد الناصر لفلسطينيي غزة أزعج بريطانيا أكثر من ...
- شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام ...
- بمناسبة ذكرى الثورة السورية، السويداء شرارة ثورة تعيد امجاد ...
- م.م.ن.ص// 138 سنة مضت والوضع يعيدنا لما مضى..
- ربيع کوردستان، تلاحم المأساة والهبات الثورية
- لماذا لا يثق العمال بقوتهم؟ حركة سلم الرواتب نموذجا
- الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل، مسرحية إجرامية عُرضتْ فوق ...
- سياسيون بحزب العمال البريطاني يدعون لتعجيل موعد الانتخابات ا ...
- بمناسبة اليوم العالمي للسلامة في أماكن العمل


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الرحمان النوضة - نقد الاستاذ محمد سبيلا