أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل صوما - مانديلا: وقائع وراء الاسطورة















المزيد.....

مانديلا: وقائع وراء الاسطورة


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 5945 - 2018 / 7 / 27 - 09:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


احتفل العالم بمئوية نيلسون مانديلا الذي يستحيل ان يلم مقال به، لكن من وجهة نظر نابليون القائل ان التاريخ مجموعة اكاذيب مُتفق عليها، وقضية شرق أوسطية يُراد حلها، وحقوق مشروعة يُطالب بها، يمكن لسطور قليلة ان توجز تاريخ الرجل الحقيقي، وتبيّن الفروق الحاسمة بينه وبين زعماء عرب أو مستفيدين من الاسلام سياسيا. هذه الفروق التي أثمرت معه تخلّص بلده من التمييز العنصري وحصول المواطن الأسود على حقوقه، وجعلت على صعيد العالم العربي الصهيونية تحكم قبضتها على فلسطين وتختفي من ثمة حقوق الفلسطينيين المشروعة في وطنهم، المُفترض أن يعيش فيه شعب واحد بأديان مختلفة بالحقوق نفسها.
ونتيجة لحماسيات الزعماء العرب غير المثمرة، واستعمال الموارد في ما ليس حيويا لنهوض الامم، ظهر مسخ عجيب، بعد ستين سنة من حمل شعارات التحرر من الاستعمار وتحرير فلسطين والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، أطلقوا عليه الربيع العربي، وفي الحالتين لم ولن يأتي الرخاء ولا العدالة لفشل شعارات الرؤساء العرب خلال أكثر من نصف قرن في تحقيق أي شعار، ولن يحدث أي تطوّر ولن تُحرر فلسطين حتى لو تعاظم مد المستفيدين من الاسلام سياسيا، لعدم وجود البنود المشار اليها على اجنداتهم من الاساس، ووجود ما أطلقوا عليه "الاسلام هو الحل"، ولم يقولوا هل الاسلام هو حل للتخلف أو الأمية أو تحرير فلسطين أو لخطط زراعية واقتصادية واجتماعية وعلمية للمستقبل أو للعشوائيات التي ظهرت في مدن الشرق الاوسط الكبرى وحطمت هوياتها المميزة أو للتمييز العنصري والديني السافر بين مواطني الشرق أو للقضاء على البقية المتبقية من ثقافاته والزحف على الغرب لدفعه على نزع كل مكاسب العلمانية التي حققها؟
ماديبا
حين يدقق الانسان سيجد ان الهالة الإعلامية العالمية حول نيلسون مانديلا ليست موجودة بالضخامة نفسها في دولة جنوب افريقيا، فهو في بلده زعيم صاحب اسميّن يشتهر بهما بين العامة وهما مادلا (الرجل الكبير) والاسم الأكثر شهرة ماديبا (يعني بلغة الكوزا قبيلته الرجل الحكيم او كبير القبيلة).
تاريخيا، كانت دولة جنوب افريقيا حتى 1944 تضم زيمباوي وموزمبيق وناميبيا، لكن هندريك فيرفورد تنازل عنهم وأعلن فقط دولة جنوب افريقيا بحدودها الحالية، وفي خمس سنوات جعلها أفضل من اوروبا وطبق سياسة الابارتيد حتى على البيض غير الافريقيين، لكي لا يشاركون في الحكومة. وفي حرب البوار (البوار تعني بلغة الهولانديين القدماء الفلاحين، أي البيض الذين جاءوا الى جنوب افريقيا من حوالى 300 او 400 سنة) التي كانت بين البريطانيين الذين ارادوا احتلال جنوبي افريقيا وبين الافريكانز الذين دافعوا عنها، وقف المواطنون الاصليون السود بكل قبائلهم يتفرجون على الحرب ثم خانوا الافريكانز وساعدوا البريطانيين.
كان مانديلا يعمل في تلك الاجواء في المحاماة، وكان شيوعيا دمويا شارك بنفسه بالتفجيرات والقتل ولم يكن داعية سلام ابدا، بل كان صاحب العبارة المعروفة: "إذا كان هناك ثوران أبيض وأسود في حلبة فيجب ان يقتل ثور منهما الاخر"، وانضم للشيوعية الدولية التي مولت حزب المؤتمر الوطني الافريقي بالسلاح، وتم القبض عليه واتُهم بسبب اعمال تفجيرات وقتل وليس النضال او دعوات السلام كما أشاعت الاساطير، وحُكم عليه وعلى اصدقائه في عدة تهم بالسجن مدى الحياة، رغم ان الحكم المُفترض كان الاعدام، ولم يطعن مانديلا على الحكم لأنه رآه عادلا، وعندما اصبح رئيسا كان اول وزير للعدل في حكومته هو القاضي الذي حكم علية بالسجن مدى الحياة لنزاهتة!
مرحلة سجن مانديلا قُسمت الى مرحلتين، الاولى 8 سنوات وفيها صادق ضابط افريكانز* شاب هو جيمس جريجوري الذي علّمه لغة الافريكانز وتاريخ جنوبي افريقيا وامورا ثقافية واخلاقية واجتماعية وسياسية، وهو مؤلف كتاب "باي باي بافانا"، وتعني بلغة الزولو ياشباب.
وعندما نقرأ كتب مذكرات زملاء مانديلا في السجن نجدهم يتحدثون عن تغيرات حصلت له، فقد كان مثلا في اول 4 أو 5 سنوات لا يؤمن بغير السلاح و الكفاح المسلح الدموي و قتل كل البيض، لكن في الجزء الباقي من المرحلة الاولي كان يرى استحالة النصر العسكري، وكان يناقش زملاءه بموضوع "جنوبي افريقيا للجميع"؛ ابيض واسود وملون وهندي ويهودي.
تعداد سكان جنوبي افريقيا 49 مليون نسمة يضمون الافريكانز وهم المتحدرون من أصول أوروبية والسكان الوطنيين (29 مليون) ويتكونون من قبائل البانتو والزولو وكوزا وتشونا. قبيلة الكوزا فيها متعلمون مثل مانديلا ومبيكي الرئيس السابق الذي عاش معظم عمره في لندن، وكان اباه محبوسا مع مانديلا في جزيرة روبن ايلاند، وهو شيوعي ايضا.
حدث ان تم نقل مانديلا من سجن روبن ايلاند إلى فيلّا في كيب تاون لسبب غير مفهوم، وظل فيها محبوسا لمدة 18 سنة، وفي هذا المكان بدأ مفاوضاته الطويلة في العاصمة بريتوريا التي كانت تتعثر وتتوقف ثم تعود، وعندما أحضروا له زملاء السجن من روبن ايلاند للنقاش معه ليصلوا الى رؤية واحدة، كانت صدمة رفاقه كبيرة جدا في عرضه الامور لهم، لدرجة ان جميعهم اتهموه بالخيانة وانه باعهم نظير البيت الجميل الذي يسكن فيه!
استمر ماديبا في محاولة اقناع اصدقاءه لسنوات حتى واقفوا جميعا على ارائه، ما عدا والد الرئيس الاسبق مبيكي الذي كان مُصراً على خيانة مانديلا لهم، ولما وصلوا لمرحلة التوافق بدأت بالفعل المفاوضات الجدية مع الرئيس لويس بوثا مباشرة؛ سجين في مواجهة رئيس، وكان خلف هذا المشهد مشهداً اخر خفيا أهم بكثير من هذه المفاوضات، هو رجال البزنس الافريكانز وضغوطهم لايجاد حل يفتح لهم اسواق جنوب افريقيا التي فُتحت 1992 وأدخلت انهاراً من الدولارات، وضغط رجال الكنيسة البيض والمثقفين الافريكانز وعلى رأسهم أهم شخصية اوجدت الحل هي بوبي دي كليرك اخو فريديرك دي كليرك الذي نحي رئيس الحزب وتولي هو الرئاسة، وأعلن انتهاء الفصل العنصري في الامكان العامة سنة 1990، قبل خروج جماعة روبن ايلاند ومانديلا من السجن والفيلّا بسنتين، وبدأت عند الغاء الفصل العنصري المفاوضات النهائية من السجن بعدم تقسيم جنوبي افريقيا، واعتبارها دولة واحدة للجميع فيها حقوق متساوية لهم، وكان مانديلا يقول لكليرك ضاحكا: "ولا يهمك..سيكون هناك رئيس أبيض لجنوبي افريقيا بعد حوالي 28 سنة مرة اخرى. أي فترة حبسي نفسها. انا اعرف السود!".
خرج مانديلا من السجن سنة 1992 ومصداقيته ورغبته وارادته هي التي استحق عليها جائزة نوبل مناصفة مع فريديرك دي كليرك، لأنهما عملا على جعل جنوبي افريقيا دولة واحدة للجميع، ثم صارت انتخابات وفاز بها مانديلا كما كان متوقعا.
أدي مانديلا، حسب الوقائع، دورا مرسوما له بعناية فائقة وصدق ورغبة ونية وإرادة، لينقذ مواطنيه من التمييز العنصري، مع ملاحظة في غاية الاهمية هي ان لون البشرة في افريقيا عقيدة دينية عند الأسود المتعصب بطبعه، الكاره للأبيض بطبعه، الشاعر بالإضطهاد بطبعه، الكسول بطبعه، المحب لعدم العمل بطبعه، ومن اجل هذا سّب السود مانديلا قائلين: "كنا مرتاحين ايام الابارتيد! جاء بالديموقراطية الملعونة، وجعلنا نعمل. كنا مرتاحين نشرب بيرة ونرقص فقط".
العرب
بدأ العرب كفاحهم ضد المستعمر من فرضية واقعية هي الاستقلال، لكنهم لأسباب لا مجال لذكرها هنا دخلوا بعد الاستقلال لعبة الاكاذيب المتفق عليها برفع شعار كاذب ضد إسرائيل هو "تحرير فلسطين من النهر الى البحر"، لكنهم استخدموا العنصر الفلسطيني نفسه لتبديد عمل المقاومة في مناوشة اسرائيل، ومحاربة النظم العربية لبعضها بعضا، فوقعت المقاومة الفلسطينية نفسها جلادا وفريسة في الدول التي استضافتها لأنها اصبحت دولة داخل دولة، وكانت النتيجة المؤسفة هي طرد المقاومة من الدول العربية كافة التي وهبت اراضيها لها، ومتاجرة كل الدول العربية بالقضية الفلسطينية، التي انتهت اخيرا الى مجرد نيل بعض حقوق الشعب الفلسطيني في الدولة العبرية، وتناحر الفلسطينيين انفسهم في المناطق "المحررة"، وتشتت الرؤساء العرب على المشانق وامام المحاكم والاغتيال والمنفى والحروب الاهلية الدموية.
تكاذبت النظم العربية في مسألة تحرير فلسطين، وغيبت الارادة والنية والمصداقية للوصول الى حل واقعي، واستخدمت هذا الشعار للوصول الى السلطة أو محاربة بعضها بعضا، وعندما بات واضحاً فشل كذبة مسألة المقاومة المسلحة والحروب وتحرير فلسطين من النهر الى البحر، خلقت هذه الدول عداوة مع الرئيس أنور السادات، الرجل الوحيد الذي اختار حلا واقعيا للتعامل مع اسرائيل ونعتته بالخيانة، الى ان بدا الفراغ واضحا في سياسات النظم العربية الداخلية والخارجية، فأطلق سادة لعبة الاكاذيب المتفق عليها بعبع الاصولية الربيعية بأموال النفط، ليقود المنطقة الى الهلاك بعد وسمها بالإرهاب ظُلما، لأن الصفات اللائقة بمعظم سكانها هي القبلية وادمان محاربة طواحين الهواء والايمان بالغيبات.
حتى النية الصادقة لتنمية المنطقة العربية لم تكن واضحة على جدول الرؤساء العرب، رغم مصادر دخل البترول، ويُستثنى من هذا الامر قليلا من الدول، فتبددت الثروات ومستقبل الاجيال القادمة بمزاجيات ومحسوبيات ونهب. ثم تراكمت المصائب أكثر، فبدأت نعرة الطائفيات والاحتكاكات الدينية والمذهبية تزداد بشكل منهجي أكثر بكثير مما كان ايام الاجانب الذين استعمروا هذه البلاد، وبدأ رجل الدين المتعصب يحل تدريجيا مكان رجل السياسة والعلماء والاطباء والقضاة والمحامين والمؤرخين والكُتاب والمصلحين الاجتماعيين والاعلاميين والاقتصاديين والفلكيين، ما جعل التزمت والإلحاد والجهل والفقر والتصحر الثقافي وفوضى الفتاوى والظلامية والاعتداء على أئمة المساجد داخل المساجد بالاحذية وظهور الرؤساء الجواسيس على اوطانهم ينتشرون، بدلا من التديّن والتسامح والايمان والوطنية والعلم والبحبوحة والزراعة والفن والثقافة، في عالم يتحرك كل دقيقة وليس كل سنة الى متغيرات جديدة.
الفروق واضحة في "لعبة الاكاذيب المُتفق عليها" بين رجال يرممون اخطاء اكاذيب التاريخ القاتلة ويصنعون مستقبلا أفضل للشعوب، ورجال يجعلون مستقبل شعوبهم قاتما.
رمم مانديلا اخطاء التاريخ لأنه كان صاحب إرادة لتغيير بلد وليس التربّح من مشاكل تاريخه، فدخل الاسطورة رغم ان وقائع حياته تقول شيئا آخر.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقوبات بأثر رجعي ومفعول ابدي
- الدعوات لم تشفع لخير الفرق
- -عوالم خفية- وراء صناعة الفساد
- ولهم في علمانية أوروبا مآرب أخرى
- إقامة جهادي وترانزيت طفل
- دموع محي إسماعيل
- مطربة ورسالة وبتر ثقافي
- ساعة محمد رشدي وربابته
- مستقبل مملكة ومصير قارة
- قدِّس اسطورتك واحترم اساطير الاخرين
- اليوم العالمي للمواطنة
- عذاب القبر/الجزء الثاني
- عذاب القبر/الجزء الاول
- رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة
- أعمق من الجيم القاهرية
- أساطير المعارج السماوية
- كل سنة وإنتم طيبين وبعودة
- النفاق والاساطير المتبادلة حول أورشليم
- ثورة المسيح على مفهوم الايمان
- الاموات يحكمون الاحياء


المزيد.....




- -حماس- تصدر بيانا بشأن تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار
- بعد مرور عام.. المئات يحيون ذكرى ضحايا أول حادث إطلاق نار في ...
- أمريكا تُقر بقتل مدني عن طريق الخطأ في غارة جوية بسوريا بدلا ...
- ما تأثير حرب إسرائيل وحماس على الأردن؟
- البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني -الأسبوع المقبل-
- زعيم حركة 5 نجوم الإيطالية: ماكرون ارتكب خطأ فادحا بدعوته لإ ...
- بوريل يعلن أن الولايات المتحدة فقدت مكانتها المهيمنة في العا ...
- -حماس- تعلن توجه وفدها للقاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى صفقة ...
- -حزب الله-: ضغط بايدن على إسرائيل نفاق ومحاولة لتلميع صورته ...
- ردا على وزير الآثار الأسبق.. أستاذ فقه بجامعة الأزهر يؤكد وج ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل صوما - مانديلا: وقائع وراء الاسطورة