أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - مات -نوعم- فلماذا نحزن؟















المزيد.....

مات -نوعم- فلماذا نحزن؟


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 5372 - 2016 / 12 / 15 - 17:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مات "نوعم" فلماذا نحزن؟



"كم أحزنني هذا الموت المبكر"! كتب لي صديقي نبيل قبل حوالي العامين يعلمني بموت "نوعام كامينر" الذي كان شريكنا في حركة "كامبوس" الطلابية في الجامعة العبرية في القدس. في الواحدة والستين رحل وهو مؤمن بما ناضل من أجله طيلة أربعة عقود ومخلفًا "سمدار"- زوجة محبة وشريكة حياة ودرب، وابنين- متان وكرمل- يسيران على دربه وهدي وصاياه وإرثه الإنساني.

خبر صغير قرأته قبل أيام على صفحة الصديق محمد بركة الشخصية أعادني إلى ثنايا تلك الذاكرة الرمادية، وفي الخبر تفاصيل عن ندوة عقدت في تل أبيب بمناسبة مرور عامين على وفاة نوعام، حيث شارك فيها، إلى جانب بركة، مجموعة من أصدقاء ذلك الزمن الفريد والشركاء في النضال العربي/اليهودي في حقبة استعر فيها الصدام مع طلائع الحركة اليمينية العنصرية في إسرائيل- الذين شكلوا حركة نقيضة لحركتنا عرفت باسم "كاستل"، وقد برز من قيادييها تساحي هنغبي ويسرائيل كاتس وإيفيت ليبرمان، واشتهرت في هجماتها الضارية على الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية وعلى حلفائهم من الطلاب اليهود، ومنهم نوعام كامينر وليف جرينيرغ وأودي أرنون وكثيرون مثلهم مؤمنون بوحدة الكفاح وبضرورة التصدي المشترك لقوى الظلام والبطش، وعلى الأخص ضد الاحتلال الإسرائيلي من عام 1967.

في الحقيقة لم يُكتب كثيرًا وبشكل منهجي ومدروس عن تلك السنوات وما تخللها من أحداث جسام بدأت في أوائل السبعينيات واستمرت لعقد ونصف من الزمن. فالحركة الطلابية العربية الجامعية شهدت نجاحًا ملحوظًا في تأطير نشاطها ونضوجًا في واحدة من أهم تجارب العمل السياسي والاجتماعي، وذلك حينما استطاع قياديوها بناء ومأسسة لجان الطلاب العرب التي تصارع على التحكم في مقاليدها حركتان وحيدتان على الساحة هما، "جبهة الطلاب العرب" التي كان الحزب الشيوعي، ذو النزعة الأممية، أهم مركّب فيها من جهة، و"حركة أبناء البلد" ذات النزعات القومية من جهة ثانية.

سيرة نوعام كامينر تكتنز كثيرًا من تاريخ ما يسمى باليسار اليهودي سواء من عرفوا أنفسهم بيساريين صهيونيين أو من تخلوا عن الصهيونية وعافوها لينضموا إلى أحزاب سياسية وحركات غير صهيونية مثل الحزب الشيوعي الذي استقطبت حركة شبيبته (بانكي) نوعم كامينر في مطلع حياته.

معظم المشاركين في الندوة المذكورة أكدوا على ما آمن به عمليًا نوعام كامينر ورفاق دربه، وأجمع الحاضرون على أنه حتى إذا كان عدد هؤلاء الرفاق قليلاً فتبقى الحاجة لإحياء درب النضال العربي اليهودي وصدّ قوى اليمين المستشري مهمة أولى وصعبة. هذه المهمة هي شرط مقيم ومؤسس في حياة جميع من يؤمنون بالشراكة الحقة وبالمشاركة السياسية المتساوية وبضرورة إنهاء الاحتلال وإحلال السلام وإحقاق حقوق الأقلية الفلسطينية المواطنة في اسرائيل، المدنية منها والقومية.

لا أعرف ماذا جرى في السنوات الأخيرة، ولماذا تغيرت أساليب النشاط وخفت الصوت بين صفوف الطالبات والطلاب العرب في جامعات إسرائيل، وعلى الرغم من كوني بعيدًا عن الأجواء الحقيقة إلا أنني أشعر ككثيرين بتغيير جذري في وتائر العمل النضالي وأشكاله، بل إن البعض يلمس الخسارة الواقعة في الأرصدة التي تركتها أجيال البنائين في تلك السنوات الصاخبة والهامة.

من الطبيعي أن يتأثر عالم الكامبوسات الجامعية بما يحيط به من معطيات ومتغيرات اجتماعية وسياسية وغيرها، فصعود الحركات الإسلامية من جهة ونشوء جيوب هلامية الانتماء الوطني (وهذه لم تكن في زمننا) من جهة أخرى، وضعف قوة الجذب الجبهوية في مواجهة الصوت القومي العالي وغيرها من المؤثرات قد تكون أهم ما أثر على العلاقة بين القوى الطلابية العربية واليهودية المستعدة للتحالف في وجه اليمين وفصائله المتعددة والمتزايدة والقضاء على وجودها الحقيقي في أغلب المواقع.

لا يمكن أن ننصف التجربة من دون أن نشير إلى أمراض اليسار اليهودي المزمنة والتي كان لها عظيم الأثر في إفشال العديد من التجارب النضالية، فتردد بعضهم وشعور آخرين بفوقية مؤذية، وانتهازية فرق منهم نجحت في التذيّل حتى أرهقت التجربة وشوهتها، بل هناك ثنائية قيمية حكمت تصرفات مجموعات منهم وأفراد، كلها كانت عوامل أثرت بتفاوت على نجاح الفكرة أو فشلها، وذلك منذ بداية إقامة لجان التضامن المشترك، ومثل ذلك حصل مع قرية "بيتا" الفلسطينية التي حوصرت في ذلك العصر، أو مع لجنة التضامن الشهيرة مع جامعة "بير زيت"، أو في المشاركة في حركة "كامبوس" الجامعية ودورها المميز في تلك السنين.

لمن يراجع سيرة نوعم كامينر سيجدها مغايرة ومميزة، وفيها ما قد يعطي الحائر دليله والسائل مراده، فهو بدون ريب يعكس صورة المناضل واليهودي المختلف الذي لا يكل رغم الفشل، ولا ييأس رغم الصعوبات وتعثر الفرص.

كانت بداياته، في أواخر السبعينيات، يهودية متأرجحة إلى أن صفا واتعظ وصحا، فرفض الخدمة في جيش الاحتلال بعد أن جربها وشهد ما يسببه هذا الجيش من دمار وعذابات لضحاياه العرب. سجن مرارًا لرفضه الخدمة العسكرية مؤْثرًا دفع حريته ثمنًا على أن يكون شريكًا في استعداء الإنسانية والعدل، ثم وقف مع الحق واضحًا ضد الاحتلال الاسرائيلي ومقتنعًا بضرورة الشراكة التامة الصادقة مع المواطنين العرب في إسرائيل. كان دائم الحماس الشبابي، لم يشخ ولم يهن.

بادر لاقامة عشرات التنظيمات السياسية والاجتماعية، فكلما كان يفشل أحدها سارع لإقامة آخر، هكذا حتى رحيله عن إرث غني وتجربة فذة يقدر على خوضها قلة من البشر. ربَّى أعداداً من الشبيبة الذين يقتدون بطريقه ويسيرون عليه، ونجد أبرزهم ابنه متان الذي يرفض الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، ويدفع باسم ضميره والحق أقساطًا من حريته الشخصية تمامًا كما علمه والده، و خلّف عائلة تريد أن تعيش وتدع الآخرين يعيشون بحرية وكرامة وبشراكة واعية كاملة الخصال والخواص.

"لماذا نحن حزينون على موت نوعم" سألني صديقي، مذكرًا أننا لم نلتق به منذ سنوات طويلة، وبعضنا لم يعد مؤمنًا بتلك الأممية الناصعة، أو على الأقل ليس على تلك الطريقة الرومانسية الساذجة كما آمنّا بها ساعة وقفنا في ساحات الجامعات وهتفنا مع نوعم ورفاقه في وجه قوى اليمين: "الفاشية لن تمر" و"تحيا الأخوة العربية اليهودية".

في الواقع كثيرون من رفاق نوعم اليهود تركوا ذلك الدرب وابتعدوا عما هتفوا من أجله حين شاركوه حلم حركة "كامبوس" الطلابية أو تجارب كفاحية أخرى، ومنهم من كفروا بمبدأ الشراكة الأممية ووحدة المصير الإنساني، مثلهم فعل كثيرون من رفاقه العرب، فبعضهم عاف السياسة والسياسيين، وهناك من اختاروا عالم البيزنس وجهةً أو التيه طريقًا، وآخرون اهتدوا إلى سهولة مسالك الغيم ووعود السماء، بينما لبى غيرهم نداء علم العروبة فرهنوا جماجمهم لعزه سلما، وقلة من اليهود وأكثر من العرب ما زالت تؤمن أن المستقبل على هذه الأرض لن يسلم إلا إذا كانت المسيرة مشتركة والشراكة حقيقية بين جميع من لا يقبلون الظلم والقمع والقهر.

لماذا حزنَا عندما مات نوعم إذن؟

لقد كان وسيمًا سمرته الخفيفة تذكرني بعصافير الشرق، دائم البسمة يتنقل بخفة قوس قزح وبجماله، يحافظ على هدوئه في جميع النقاشات، ومهما كانت النار قريبة من حرجه. كان لا يتهرب من مواجهة الأسئلة ولا تردعه كثرة الاحتمالات. يحاول تفكيك المعادلات بصمت وروية ويفتش دومًا عن أصوب المسارات حتى وإن كان أوعرها، بصيرته صافية لا تشوهها مشاعر قومية ناعقة وبصره حاد يستعين ببوصلة تتجه نحو نجمة السعادة.

لم يسع وراء المطلق، ففتش عن عدل يكون من صناعه مع آخرين من طينته، لأنه عرف أن عدل السماء يبكي الجن وعدل الطغاة أكسح، آمن بالانسان قيمة لا بعدها ولا أعلى منها، فالارتفاع على أكوام من ذل الغير لا تؤدي إلا إلى الهاوية.

بكينا نوعم لأنه كان بسيطًا حقيقيًا متواضعًا وكان مرآتنا حتى وأن خشي البعض أن ينظر فيها. تذكرنا أننا لم نلتق به منذ سنين طويلة، لكننا شعرنا أننا قابلناه أمس، وأننا في الواقع لم نفترق عنه يومًا، ولم نرد ذلك الفراق.

لم أشارك في لقاء استذكاره في تل أبيب، لكنني أعرف أنه رحل في وقت عصيب وترك شذرات من إيمان تفتش عمن يتنشقها و تسأل عن عاشقيها، وقد يكون بعضها قد سقط في ذلك الملتقى حين تذكره الحالمون وكثيرون من الرفاق، وبينهم صديقه محمد بركة -الذي صار مع السنين رئيسًا للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل،- والمؤمن مثله بتلك الشراكة وبذاك الدرب وبمستقبل أفضل رغم السواد.

لكن المشكلة كانت وستبقى عند من لا يرون في الشمس، فكيف سيرون في حالك الظلام؟



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدة غير كافية
- إنه الكرمل، صوت القبرة
- مؤتمر فتح وفجره المأمول
- ترامب هناك ترامب هنا
- مفارق ال 48
- لجنة في اسمها رسمها
- موت البنات..وأين الشرف!
- بيروت خيمتكم ، الجليل خيمتنا
- قيادة سياسة ومال
- شمعون بيرس مات صدقوا يا عرب
- عمان هي الجمر والماء
- عودة مواسم الاستشهاد
- هل تنتظر القدس رحيل بيرس؟
- من منكم بلا خطيئة؟
- ما تقوله الروابي في فلسطين
- فلسطين الصابرة
- ما بعد بيان العلماء
- الصليب الأحمر ليس عدوًا
- ليلة القبض على عبدالقادر السلوادي
- حديث المقاهي في الناصرة


المزيد.....




- شاهد كيف بدت خوذة جندي روماني عمرها 2000 عام بعد ترميمها
- بكل هدوء.. كاميرا توثق لحظة انتحار رجل أعمال باكستاني (فيديو ...
- -حماس- ترد على اتهامات بلينكن بتعطيل اتفاق وقف إطلاق النار
- اشتباكات بين الطلاب المؤيدين لفلسطين والمؤيدين لإسرائيل في ج ...
- من مصر إلى غزة.. قافلة بيت الزكاة والصدقات السابعة تدخل معبر ...
- أكاديمية علوم روسية تعد برنامجا لاستصلاح القمر
- وزيرة إسرائيلية: صفقة الرهائن تلقي بأهداف الحرب في -سلة المه ...
- لابيد: لا أعذار سياسية لنتنياهو تبرر رفضه صفقة الرهائن
- أوكرانيا.. محاكمة 10 أطباء زوروا مصدّقات طبية لأشخاص للتهرب ...
- جنرال إسرائيلي: مصر ضاعفت قوتها المدرعة وتسعى لتقزيم قدرات إ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - مات -نوعم- فلماذا نحزن؟