أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - إلاَّ السعودية!















المزيد.....

إلاَّ السعودية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3431 - 2011 / 7 / 19 - 15:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إلاَّ السعودية، فلا تشهد، ولا تعاني، ما تشهده، وتعانيه، سائر البلاد العربية من "الربيع العربي" وتبعاته، وكأنَّها في بُرْجٍ مشيَّد، أو "المدينة الفاضلة" التي لا يحتاج الشعب فيها إلى ما تحتاج إليه سائر الشعوب العربية، أو سائر الشعوب.

ولو أدلى "الواقع" في السعودية برأيٍ مخالف، وأخبرنا، سِرَّاً وهمْساً، أنَّ شيئاً من "الربيع العربي" عَرَفَتْه البلاد الشاسعة، فإنَّ "الإعلام" لم يُرِنا، ولم يُسْمِعنا، شيئاً؛ ونحن في زمن "سياسي ـ إعلامي" يُرِينا، ويُبْرِز لنا، في استمرار، الأهمية السياسية والثورية للإعلام، وبأدواته ووسائله الجديدة على وجه الخصوص؛ وكأنَّ الأحداث لا يراها، ولا يسمعها، الواقع نفسه إذا لم يَرَها ويسمعها الإعلام.

إذا اتِّخذنا من "حقوق الإنسان"، التي ينتصر لها الغرب، أو يتظاهر بالانتصار لها، دائماً، وفي كل مكان، ومن الديمقراطية، بمبادئها وقيمها المختلفة، ولجهة "انعدامها"، مقياساً نقيس به حاجة الشعوب والمجتمعات إلى "التغيير" فإنَّ أحداً من العقلاء لا يُنْكِر، ولا يمكنه أنْ يُنْكِر، احتياج الشعب، أو المجتمع، في السعودية إلى "التغيير"؛ وهذا الاحتياج الذي لا ريب فيه هو كاحتياج المتضوِّر جوعاً إلى الطعام.

ولو كان المواطِن في السعودية، أي كل مواطِن، هو الأغنى بين مواطني دول العالم كافة، فإنَّ هذا، وعلى ما يتَّضِح لنا من منطق "الربيع العربي"، لا يصلح، أو ما عاد يصلح، دليلاً على انتفاء حاجة المجتمع في السعودية إلى "التغيير"، وإلى "تغيير" لم، ولن، يعرفه مجتمع عربي، أو مجتمع، لجهة سعته وعمقه؛ فإنَّ "الربيع العربي" هو، في حيثيته الكبرى، "الجوع الديمقراطي"، أي الحاجة إلى الديمقراطية (بأصولها ومشتقَّاتها) وقد أصبحت، لجهة أهميتها الوجودية، على هيئة "رغيف".

ويكفي دليلاً على ذلك أنَّ حدثاً من قبيل، أو بوزن وأهمية، أنْ يُسْمَح للمرأة السعودية بقيادة السيَّارة يمكن أنْ يَشْغُل في "كتاب التاريخ العالمي" حيِّزاً يَعْدِل الحيِّز الذي شغلته الثورة الفرنسية؛ فالتاريخ يَزِن أهمية الأحداث بميزان النسبية!

وإنَّه لأمرٌ يبدو محيِّراً للألباب أنْ ترى مجتمعاً اسْتَجْمَع فيه التاريخ، واسْتَجْمَع له، أهم وأقوى أسباب ودوافع وحوافز "التغيير الواسع والعميق"؛ لكنَّه لم يَعْرِف بَعْد، وربَّما لن يَعْرِف أبداً، حراكاً (شبابياً شعبياً) ديمقراطياً، يَضُمُّه إلى "الربيع العربي".

هل نعزو السبب إلى انتفاء حاجة الشعب في السعودية إلى الديمقراطية، مبدأ وتفصيلاً، ونصدِّق، من ثمَّ، زَعْماً من قبيل أنَّ نظام الحكم هناك يعطي الشعب من "الحرِّية"، ويكفل له من "الحقوق"، ما يجعله في غِنى عن الديمقراطية، بقيمها ومبادئها، غربية القلب، عالمية القالب، أمْ نعزوه إلى تطرُّف نظام الحكم، وإفراطه، في نفي الديمقراطية، فكراً وواقعاً؟!

على أنَّ العجب، كل العجب، والذي يبطل إذا ما عُرِف السبب، ليس في هذا الأمر؛ وإنَّما في ثلاثة أمور أخرى؛ الأوَّل هو استثناء الولايات المتحدة للسعودية من كلامها الرسمي الذي تبدو فيه منتصرة للإصلاح، والديمقراطية، و"حقوق الإنسان"، ولـ "الربيع العربي" على وجه العموم، وكأنَّ ما يجوز هنالك وهناك لا يجوز هنا؛ والثاني هو أنَّ السعودية نفسها تموِّل (وتَمْلك) إعلاماً عربياً (في خارج حدودها) يقف ورجاله مع بعض الشعوب العربية ضد أنظمة حكمها الدكتاتورية الاستبدادية الأوتوقراطية، وكأنَّه لـ "الربيع العربي" لساناً وقلماً؛ والثالث هو أنَّ أنظمة حكم عربية يتَّسِع صدرها (على ضيقه) لتَهجُّم معارضيها عليها، وتسمح، إعلامياً، بتأييد كل حراك شعبي عربي؛ لكنَّها تحرص كل الحرص على إبقاء السعودية، إعلامياً، بمنأى عن "شبهات" الربيع العربي!


بمعنى ما، وفي بعض البلاد العربية، يمكن التحدُّث، سياسياً، عن "الشعب" بصفة كونه "جزءاً من نظام الحكم"، يشمله ما يشمل نظام الحكم نفسه، من "إصلاح" أو من "ثورة".

وهذا الذي قُلْت، لو لم يكن متوافِقاً مع حقيقة تاريخية موضوعية، لَمَا كانت أقوال من قبيل "كما تكونوا يُولَّى عليكم"، و"كما يُولَّى عليكم تكونوا"، و"إنَّ فساد الحاكم من فساد الرعية، يَضْرب الأوَّل في الثاني جذوره عميقاً".

إنَّ أي حراك (شبابي) شعبي عربي لم يبدأ بشعار "ارْحَلْ"، ولا بالدعوة إلى "إطاحة نظام الحكم"؛ فـ "الرغبة" الشعبية المُعْلَنة في "الإصلاح"، وفي اتِّخاذ "الإصلاح" طريقاً إلى تلبية المطالب السياسية والديمقراطية للشعب، كانت هي السائدة المهيمِنة؛ لكنَّ "الجواب الحكومي"، شكلا وأسلوبا ومحتوى، هو الذي أقْنَع، أو شرع يُقْنِع، الشعب بأنَّ "الثورة (السلمية)" لا "الإصلاح" هي الطريق.

"إصلاح" أمْ "ثورة"؟

هذا هو "سؤال التغيير الكبير" الذي لا بدَّ لـ "قوى التغيير" من الشباب من أنْ تجيب عنه قبل، ومن أجل، بدء الحراك الشعبي السياسي الثوري؛ و"الإجابة" ليست "اختيارية إرادية" إلاَّ في "الظاهر" فحسب، أو بصفة كونها لبوساً (ذاتياً) تلبسه "الضرورة"، أو "الحيثيات الموضوعية" للأخذ بهذا الخيار أو ذاك.

وجلاءً لمعنى هذا الذي قُلْت، أَسْألُكَ سؤالاً مشابهاً هو "هل تُريد عبور النهر مشياً أم سباحةً؟".

وإنِّي، والحقُّ يقال، لم أرَ نظام حكم عربي واحد يجيب، عملياً، عن سؤال "إصلاح أم ثورة؟" بما يجيز لي، أو لغيري، اتِّهامه بأنَّه "خَدَع" شعبه؛ فإنَّ كل أنظمة الحكم العربية التي ثارت عليها شعوبها، أو هَمَّت بالثورة عليها، قد أجابت، عملياً، بما ينبغي له أنْ يُقْنِع الشعب بأنَّ "اختياره" الإصلاح طريقاً إلى التغيير، وإلى تلبية مطالبه، لا يختلف، لجهة صوابه وعواقبه، عن "اختيار" المرء عبور النهر مشياً؛ ولقد حان لشعوبنا أنْ تتعلَّم "السباحة"، وأنْ تُعلِّم حكَّامها، في الوقت نفسه، "فنَّ السقوط" بعدما عجزت عن تعليمهم، أو بعدما عجزوا هُمْ عن تعليم أنفسهم بأنفسهم، "فنَّ الطيران"!

بعض الشعوب والمجتمعات يحتاج إلى "إصلاح (سياسي وديمقراطي..)"؛ وبعضها يحتاج إلى "ثورة"؛ فهل أقول "مُكْتَشِفاً" إنَّ بعضاً "ثالثاً" من الشعوب والمجتمعات يحتاج إلى ما هو "أكثر من ثورة"؟!

الفَرْق بين "الإصلاح" و"الثورة" إنَّما يشبه الفَرْق بين بناية "قديمة" يمكن "إصلاحها" و"ترميمها"، فتبقى زمناً أطول، أو إلى حين نفاد قابليتها للإصلاح، وبين بناية "أفسدها الزمن (تماماً)"، فاشتدت حاجة الناس إلى هدمها، وبناء وتشييد بناية جديدة في مكانها.

والحاكم، أيُّ حاكم، ولو وصل إلى الحكم من طريق انقلاب عسكري، أو من طريق متفرِّعة من طريق الانقلاب العسكري، كأنْ يكون وَرث الحكم من والده قائد هذا الانقلاب، لا يَقْبَل أبداً أنْ يأتي "التغيير (الذي للشعب مصلحة فيه)" من طريق "الثورة (عليه)"؛ فهو، ولو حكم عشرات السنين، يُصوِّر دائماً حكمه على أنَّه "الثورة التي لم تنتهِ، ولا تنتهي".

والحاكم، أيُّ حاكم، ولو كان مِمَّن وصلوا إلى الحكم من طريق غير طريق الانقلاب العسكري، يُفضِّل "الإصلاح" طريقاً إلى "التغيير" الذي يَمْنَع "ثورة" تُوْشِك أسباب اشتعالها وانفجارها أنْ تَكْتَمِل؛ فهو عشية الثورة، تقريباً، يَكْتَشِف "الإصلاح"، شعاراً وحلاًّ؛ وكأنَّ "الإصلاح"، في بلادنا العربية، ومن وجهة نظر الحاكم، هو الشرُّ الذي لا بدَّ منه، أو أهون الشرَّين!

إنَّ لكل عصر "حقائقه" و"أوهامه"؛ فليس من عصرٍ عَرَف "الحقائق"، ولم يَعْرف "الأوهام" معها، أو عَرَف "الأوهام"، ولم يَعْرف "الحقائق" معها.

و"الربيع (الشعبي الديمقراطي الثوري) العربي" هو ككل عصر جديد، له "حقائقه" و"أوهامه"؛ ولقد كان "الإصلاح"، بمعنى "إصلاح العطَّار لِمَا أفسده الدهر"، من "أوهامه الكبيرة"؛ لكن، هل من طريقة للتخلُّص من "الوهم"، والشفاء منه، غير اختباره وتجربته حيث تنتصر "الحقائق" وتُهْزم "الأوهام" ولو كانت في منتهى الجمال؟!

"الوهم"، ولو كان مستبدَّاً بعقول وأفئدة الشعوب، ليس "شرَّاً خالصاً"؛ فإنَّ مع الوهم طريقاً إلى الحقيقة؛ فاخْتَبِرْ وَهْمَكَ بأنْ تمارسه تَصِلْ، لا محالة، إلى الحقيقة؛ ولقد اختبرت شعوبنا، مع طلائعها الشبابية، أوهام الإصلاح، إصلاح نظام الحكم لنفسه من تلقاء نفسه، أو من طريق استخذائه، قبل فَوْت الأوان، ومنذ اليوم الأوَّل من "أيام الخَلْق السِّتَّة"، لـ "ضغوط الشارع"، ولو صُوِّر "الشارع"، أي "النشاط السياسي" في الشارع، وبالشارع، في الخطاب الحكومي، على أنَّه "رجس من عمل الشيطان"!

وكانوا، في كل بلد عربي، بضع عشرات، أو بضع مئات، من الشباب من "فصيلة النورسيات"، الحالمين بالحرِّية أبداً، يتجمَّعون، ويعتصمون في ساحةٍ أو ميدان، ليمارِسوا "وَهْماً جميلاً" هو وَهْم "الاعتصام بحبل الإصلاح"، فنالوا ما يناله ذوو النيِّات الحسنة الطيِّبة.

ولم يَطُلْ بهم الانتظار (والاعتصام) فلقد أتاهم "الجواب الحكومي"، سريعاً مباغِتاً، صادماً (لوعيهم وشعورهم). وكان، لجهة منطقه المستغلق على الفهم والتبرير، يشبه أنْ تَضْرِب الولايات المتحدة جارتها المكسيك بقنابل نووية؛ لكون هذه الجارة لم تَمْنَع، أو لم تستطع أنْ تَمْنَع، بعض مواطنيها من الهجرة غير الشرعية إلى أراضي هذه الدولة النووية العظمى؛ وكأنَّ "الكي" هو الدواء لمرضى "الرأي الآخر"، و"أوَّل الدواء" لا "آخره"!

وعملاً بالنهج الذي به يُعْرَف الله، نقول إذا كان أصحاب "الرأي الآخر"، والذي لا يختلف عن رأي الحُكَّام في اللون وإنَّما في الدرجة من اللون نفسه؛ لكون أصحابه ينادون بـ "الإصلاح" لا بـ "الثورة"، يُضْرَبون بما يشبه القنابل النووية، فهل يبقى من مُصدِّقٍ للدعوة إلى "الإصلاح"، والتي هي، لجهة جدواها، كـ "الدعاء" من أجل اجتناب كارثة زلزال، ولجهة عواقبها، كـ "النيِّات الحسنة"، تنتهي بصاحبها، سريعاً، إلى جهنَّم؟!

والله ليس ذَنْبُنا؛ بل ذَنْبُهم هُمْ، أنَّ أجسادهم وأنفسهم وعقولهم وأعصابهم لا تَحْتَمِل عواقب أصغر جرعة يتناولونها من دواء الإصلاح؛ فَمَن أصبح الفساد له طعاماً يأكله، وماءً يشربه، وهواءً يتنفسه، ومَنْ ألَّه السيف وعبده حتى استعبده، وأصبح له سبباً لا سبب غيره للبقاء، لا يُمْكِنه، ولو أراد، أنْ يكون لصوت الإصلاح أُذُناً صاغية، ولفكره عقلاً منفتحاً؛ فإمَّا أنْ يبقوا على ما هُمْ عليه من استعصاء الإصلاح وإمَّا أنْ يَذْهبوا إلى حيث ذَهَب أسلافهم من المؤمنين (حتى الزوال) بأنَّ "التغيير" حقٌّ للحاكم لا للشعب، وبأنَّ "معناه الحقيقي والشرعي" هو أنْ يُغيِّر الحاكم شعبه لا أنْ يسمح له بأنْ يغيِّره!


"الأمن والاستقرار"؛ وإنَّهما لـ "نِعْمَة"، كسائر "النِّعَم"، يكفي أنْ تُحْرَم منها حتى تعي قيمتها التي لا تُقَدَّر؛ أمَّا "الذكي" فيتعلَّم ويتَّعِظ من تجربة غيره في فَقْد "الأمن والاستقرار"، فيتصرَّف بما يكفيه شرور فَقْدِهما.

إنَّ أحداً من العقلاء؛ وما أكثرهم الآن (أي في الربيع الثوري الديمقراطي العربي) بين الشباب العربي المنتفِض الثائر، وما أقلهم بين أهالي أنظمة الحكم العربية الدكتاتورية، لا يَقِف (قولاً وفعلاً) ضدَّ الأمن والاستقرار لمواطنيه وشعبه ومجتمعه ووطنه، ولا يَفْهَم، ولا يمكنه أنْ يفهم، هذا "الشعار"، شعار "الأمن والاستقرار"، الذي تشهره الحكومات على شعوبها عندنا، كسيفٍ بتَّار، إلاَّ بـ "نسبيته"، فإنَّ الفهم، وحُسْنِه، يستلزمان جَعْل هذا الشعار سؤالاً، هو "لمصلحة مَنْ، وضدَّ من، يكون الأمن والاستقرار؟".

في العالَم الآن، وفي التاريخ أيضاً، لم نرَ حُكْماً يمجِّد "الأمن والاستقرار"، و"حُرَّاسهما" من أجهزة ومؤسَّسات ورجال، إلاَّ وكان للاستبداد قريناً، فالحكم الدكتاتوري يؤلِّه "السيف" حتى يَسْتَعْبِدَه.

إذا كانت "جهنَّم الأرضية" هي فَقْدُ المواطنين (في دولٍ عربية شملها الربيع العربي) أمنهم واستقرارهم، أي إفقادهم أمنهم واستقرارهم، فإنَّ الطريق إليها هي أنْ يَنْزِل الشعب إلى الشوارع والميادين منتصراً لحقوقه ومطالبه الديمقراطية والإنسانية؛ وكأنَّ "المعادلة" التي اخترعتها أنظمة الحكم العربية الدكتاتورية ضدَّ ثورات الربيع العربي هي "الأمن والاستقرار (أي أمن المواطنين واستقرارهم) في مقابل تخلِّي الشعب وتنازله عن حقوقه ومطالبه الديمقراطية"؛ وإنَّها لـ "معادلة" تَصْلُح لإقامة الدليل المفحم على أنَّ أصحابها، أي أنظمة الحكم العربية من "جيمها" إلى ميمها"، لا يستطيعون العيش إلاَّ في الحرب، وبالحرب، على الديمقراطية، والمنادين بها، وذوي المصلحة الحقيقية في جَعْل "الحقوق" التي تشتمل عليها "حقائق ملموسة نابضة بالحياة".

انْبُذوا "خيار الشارع"؛ فإنَّ الشعب "الحقيقي"، و"الأصيل"، و"المتمدِّن"، و"الطيِّب"، لا يَنْزِل إلى الشارع، ولا يأخذ بـ "خيار الشارع"؛ ويُسْمِع صوته، ويدلي برأيه، من خلال "الشارع" الذي يضع القوانين ويُشرِّعها، أي "البرلمان"، ولو ضاق هذا "الشارع (المنتخَب)" بأصغر وأبسط مطالب الشارع.

هذا ما يقولونه للشعب (الذي نَزَل، أو يهم بالنزول، إلى الشارع) في النصف الأوَّل من خطابهم البليغ؛ أمَّا في نصفه الآخر فيقولون له (أي يُهدِّدونه تهديداً مبطَّناً) إنَّ عاقبة نزولك إلى الشارع لن تكون نَيْل ما أردت وطلبت من ديمقراطية، وحياة أفضل، وإنَّما زوال ما نعمت به زمناً طويلاً من أمن واستقرار؛ فإنَّ منسوب الجريمة سيرتفع في مجتمعك، وستُحْدِق بكَ، وبعائلتكَ، وبحياتك العادية واليومية، مخاطر جَمَّة كالقتل والاغتصاب والسرقة والترويع؛ وعندئذٍ، أي بعد فوت الأوان، تُدْرِك أنْ ليس بالديمقراطية يحيا الإنسان، وأنَّ "قَدَر" الشعوب العربية هو أنَّها لن تتمكَّن أبداً من الجَمْع (في حياتها) بين "الديمقراطية" وبين "الأمن والاستقرار"؛ فإمَّا "ديمقراطية يُفْقَدُ فيها، وبها، الأمن والاستقرار" وإمَّا "أمن واستقرار ضدَّ الديمقراطية"، ولا يَنْعُم بهما إلاَّ من يستحقهما، أي كل شعب ارتضى عيشاً أبدياً، بعضه يشبه عيش الأغنام في الحظائر والزرائب، وبعضه يشبه عيش نُزلاء السجون العربية (لا الغربية).

في تونس ومصر وليبيا وسورية..، رأيْنا كل أوجه وعواقب فَقْد، أي إفقاد، المواطنين أمنهم واستقرارهم؛ ورأيْنا المُرْتَكِب الحقيقي لهذه الجريمة في حقِّ المواطنين؛ فإنَّ مُفْقِدي المواطنين أمنهم واستقرارهم هُمْ أنفسهم حُرَّاس الأمن والاستقرار؛ لكن بأسماء وثياب مختلفة.

ولولا "الحراك الشعبي"، ونزول الشعب إلى الشارع، لَمَا رأيْنا الوجه الحقيقي لنظام الحكم العربي، المتماثِل في "الجوهر"، المختلف في "الشكل" و"التسمية"، والذي في "الخريف الشعبي العربي" عَرَف من "إيمان" الشعب به ما كاد يجعل الشعب مُشْرِكاً بالله!

إنَّ "عقيدته الجهادية"، أي عقيدة نظام الحكم العربي في الجهاد في سبيل إدامة الاستبداد والدكتاتورية، تقوم أيضاً على مبدأ "فِعْل كل شيء، وأي شيء، لإقناع الشعب بأنَّه هو وحده الكفيل الأبدي لوحدته، ولمنع اقتتاله الحتمي"؛ وكأنَّه يريد أنْ يقول لشعبه الثائر عليه إنَّ سعيكَ في إسقاطي (من أجل أنْ ترتفع في سماء الديمقراطية) لن يتمخَّض إلاَّ عن سقوطكَ في حرب، أو حروب، أهلية، لا تُبقي ولا تَذَر؛ فإنَّ كهنة نظام الحكم العربي يعلمون علم اليقين أنَّ حُكْم الفَرْد يبقى ما بقي الشعب أفراداً، كلٌّ في فلك يسبحون.

ومن غير أنْ يَحِيد عن صراعٍ، غايته ووسيلته تتساويان قذارةً، يظلُّ يتلو على مسامع شعبه سورة "الإصلاح"، معلِّلاً نفسه بوهم أنَّ إكثاره من تلاوتها يَنْسَخ سورة "الثورة"، التي هي الآن "سورة" شعوبنا، و"صورتها".

وإنَّ شيئاً من هذا "الإصلاح"، وعلى ضآلة محتواه من المبادئ والمقترحات، لم يتحقَّق، ليتأكَّد بفضل هذه "الضَّارة" أنَّ قليلاً، وقليلاً جداً، من "الإصلاح" يمكن أنْ يفعل بصاحبه ما فعله الفأر بسدِّ مأرب، وأنَّ اجتنابه، فعلاً، مع الإبقاء عليه، شعاراً ووعداً، ولابِساً لبوس "السِّين" و"سوف"، هو جوهر اللعبة التي يلعبها كل نظام حكم عربي ضدَّ شباب الربيع الثوري الديمقراطي العربي؛ لكنَّها لعبة لا يستصلحها إلاَّ كل نظام حكم نَفَدَت صلاحيته التاريخية، فسقط فِكْراً، قبل، ومن أجل، أنْ يسقط واقِعاً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توضيح ضروري في شأن -ثبات سرعة الضوء-
- -المؤمن- و-الملحد-.. و-ثالثهما-!
- فساد ميتافيزيقي يعتري -الرياضيات الكونية-!
- مصر تَطْلُب مزيداً من الثورة!
- -ثورة- إبليس!
- كان ينبغي ل -الزيدي- أنْ يَخْرُج في استقباله!
- ردٌّ على أسئلة وتساؤلات
- لماذا نحتاج إلى تخطِّي التناقض بين نيوتن وآينشتاين؟
- ردود على ردود
- معالي الوزير.. سعادة النائب!
- في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخلق من العدم-!
- هذه هي خُطَّة بشار للبقاء!
- هذا المسخ والتشويه ل -مادية- المادة!
- هذا التشويه لحقيقة الثورات العربية!
- الفصل بين -الرأسمال- و-الصحافة-!
- -الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. حديث خرافة!
- -حزب الله-.. هل اختار أنْ يشارِك بشار مصيره؟!
- -حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-!
- هكذا تكلَّم الرئيس بشار!
- في الحركة والسكون


المزيد.....




- تتمتع بمهبط هليكوبتر وحانة.. عرض جزيرة في ساحل اسكتلندا للبي ...
- خبير الزلازل الهولندي الشهير يحذر من ظاهرة على سواحل المتوسط ...
- فيديو.. الشرطة الأميركية تباشر بتفكيك احتجاج مؤيد للفلسطينيي ...
- مزيد من التضييق على الحراك الطلابي؟ مجلس النواب الأمريكي يقر ...
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 34596 قتيلا ...
- الجيش الأوكراني يحقق في أسباب خسائر كبيرة للواء رقم 67 في تش ...
- مسافر يهاجم أفراد طاقم طائرة تابعة لشركة -إلعال- الإسرائيلية ...
- الكرملين يعلق على مزاعم استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية ضد ...
- بالفيديو.. طائرات عسكرية تزين سماء موسكو بألوان العلم الروسي ...
- مصر.. -جريمة مروعة وتفاصيل صادمة-.. أب يقتل ابنته ويقطع جثته ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - إلاَّ السعودية!