كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3167 - 2010 / 10 / 27 - 03:32
المحور:
الصحافة والاعلام
"يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلمه النطق, وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت"!
أحلام مستغانمي
في: ذاكرة الجسد, دار الآداب, بيروت. ط 1, 19979
آخر المعلومات التي وصلتنا من هيئة النزاهة الدولية تشير إلى أن العراق والصومال يحتلان المركزين الأخيرين في قائمة انعدام النزاهة والفساد في العالم. وهم يعتمدون في ذلك على معايير مجربة ومدققة وسليمة ولا يمكن التشكيك بصحتها.
والأسئلة المشروعة التي تواجهنا إزاء هذه المعلومة كثيرة, منها مثلاً: من يمارس الفساد في العراق, هل هو المواطن الفقير الذي لا يملك شروى نقير أو الجائع والمحروم أم العامل البسيط والفلاح الأكثر بؤساً, أم أولئك الذين بأيديهم ثروة الوطن ويتفاوضون على العقود النفطية وغير النفطية وتوقيعها في كل أنحاء العراق, وكذلك الذين يستوردون السلع لحساب الدولة والذين يوقعون المقاولات لشراء الأسلحة والعتاد وبقية التجهيزات العسكرية؟ من هم الذين يسيطرو على الأراضي والعقارات ودور السكن ويقيمون فيها دون أن يدفعوا أجراً, أهم الكادحون والفقراء والمعدمون وصغار الموظفين, أم السادة من مسؤولين ووزراء وحكام البلاد وقادة ومسؤولي الأحزاب السياسية؟ من الذي شفط المليارات خلال السنوات السبع المنصرمة, أهم بنات وأبناء الخايبة أم الشركات الأمريكية وغيرها التي عملت أو لا تزال تعمل في العراق, وكذلك من عمل وتعامل معها من العراقيين بشكل عام؟ اليس هو المسروق المال العام, أموال الشعب, ومن هو السارق؟ أليس الجواب عند المسؤولين عن إدارة أموال العراق, أموال الشعب؟ عليهم أن يفيدون الشعب والعالم بأجوبة واقعية ومسؤولة عن هذه الأسئلة.
في العراق أقامت وزارة الشباب والرياضة دعو قضائية لمقاضاة جريدة العالم بسبب نشرها تقريراً صحفياً يتحدث عن الرشوة والهدر وسوء استخدام الأموال في وزارة الشباب والرياضة. والسؤال ه: هل هذه الدعوى هي الجواب الشافي عن تلك الاتهامات؟ أم إنها هروب ورد الفعل بائس ومثير للسخرية.
ألم يكن من واجب وزارة الشباب أن تجيب على ما نشرته جريدة العالم من معلومات تشير إلى وجود فساد مالي وإداري في وزارة الشباب, والكل يتحدث بملء الفم بأن هناك فساداًسائداً في كافة الوزارات العراقية بدلاً من غقامة الدعوى؟ ألم يكن من واجب وزارة الشباب, بدلاً من إقامة دعوى قضائية ضد جريدة العالم وتطالبها بدفع بغرامة خيالية, وكأن الجريدة هي التي شفطت تلك المليارات لكي تستطيع أن تدفع مثل تلك الغرامة لوزارة الشباب الفقيرة جداً, أن تشرح للشعب كله ولمسؤولي جريدة العالم على وفق معلومات أكثر دقة, إن كانت متوفرة لديها, لتفند ما نشرته الجريدة, وأن كانت واثقة من نظافة اليد في وزارة الشباب والرياضة وأن هذه الوزارة دون غيرها تعمل بأسلوب بعيد عما ورد في التقرير الصحفي الذي اتهم الوزارة بالتجاوز والتلاعب والغش والهدر. إن رفع دعوى قضائية ضد الجريدة يراد منه إسكات صوت النقد وحرية التعبير عن الرأي وتنوير الناس بما يجري في العراق في ضوء ما متوفر من معلومات, وكان ولا يزال على وزارة الشباب والرياضة أن تفند تلك الاتهامات وتبتعد عن أسلوب إقامة الدعاوى لإرهاب الناس.
لو كان العراق خالياً من الفساد ولم يحتل المكانة الأولى أو الثانية في الفساد بين دول العالم, لكان من حق وزارة الشباب والياضة أن ترفع الدعوى, ولكن ليست هناك دولة اسوأ من العراق غير الصومال في انتشار وممارسة الفساد في العالم, والفساد في العراق أوسع مئات بل ألاف المرات مما هو عليه في الصومال بسبب الفقر المريع هناك بينما تتحرك المليارات في العراق وأرقام الفساد هي الأخرى بالمليارات وليس بعشرات ألوف الدولارات.
أنصح وزارة الشباب والرياضة أن تبدأ بالاطلاع على المواقع الإلكترونية وعلى الصحافة العالمية لتتعرف على النشر الواسع النطاق الذي يتحدث عن الفساد السائد في البلاد والذي أصبح نظاماً عاماً ومعمولاً به وليس ظاهرة هنا وهناك. وأتسائل مع غيري, هل تعيش وزارة الشباب في جزيرة منعزلة كما عاش روبنسون كروزو بعيداً عن المال والناس والتعامل اليومي بحيث لا يمكن أن ينشأ اي فساد في وحدته الشهيرة؟ كم كنت أتمنى على وزارة الشباب أن تطلب من جريدة العالم, التي يهمها مكافحة الفساد في العراق أولاً وقبل كل شيء أن تتوجه إلى هيئة تحرير جريدة العالم وإلى كاتب التقرير الصحفي وتطلب منهم معلومات إضافية حول التقرير الذي نشرته الجريدة لتشكل لجنة مستقلة تتحرى عن صحة تلك المعلومات وتضبك حالات الفساد والفاسدين والمفسدين فيها أو الذين ساهموا بهدر أموال البلاد والعباد.
ولكن لا يزال أسلوب الزجر والتخويف هما السائدان في بلاد الرافدين, وبالتالي سيبقى الفساد والهدر وسرقة أموال الدولة هي السائدة في العراق ايضاً, ما دام المسؤولون لا يريدون وضع اليد على الفساد. ووزير التجارة العراقية السابق ليس ببعيد عنا, ولا وزير الدفاع السابق في وزارة أياد علاوي على سبيل المثال لا الحصر!
حين تسود الديمقراطية وحرية الصحافة وحرية التعبير والنشر وحرية الرأي والنقد والحياة النيابية الحرة والقضاء المستقل وسيادة الدستور والمواطنة المتساوية ورقابة الشعب ومؤسساته المدنية, عند ذاك يتقلص الفساد وينتهي تدريجاً, وعند ذاك سوف لن نجد جريدة عراقية تعمد إلى نشر مثل تلك التقارير المهمة التي تفضح الفساد وهدر المال العام, إذ أن الحالة الموجودة هي التي تسمح بكتابة تقارير تعبر من حيث المبدأ عن واقع حال وقاعدة سائدة وليست اسثناءً في العراق.
لا يختلف العراق كثيراً عن أفغانستان. فبالأمس كشف النقاب عن تسلم حامد كرزاي مليون دولار سنوياً من حكومة إيران لحسابه الخاص ولسواد عيونه الأفغانية, واضطر أن يعترف بذلك؟ وبالأمس نشرت تقارير تشير إلى تسلم عراقيين أموالاً من إيران والسعودية ودول الخليج والأردن...الخ, وخاصة في فترة الانتخابات وما بعدها, وسوف لن نسمع اعترافاً منهم بذلك, ولكنها في الغالب الأعم حقيقة واقعة. فهل إذا إشير إلى ذلك ستقام دعاوى ضد من يتحدث بهذا الأمر, أم يفترض أن يقوم مجلس القضاء العالي والإدعاء العام بتشكيل لجان للتحقيق بكل ذلك, عندها سيجدون العجب العجاب في هذا المجال. ولا اعتقد بأن المعلومات التي نشرها موقع ويكيليكس هي خاطئة, ولكنها غير كاملة, إذ حجب عنا الموقع, كما يبدو, الكثير من المعلومات التي تتحدث عن فترة حكم أياد علاوي وفترة حكم إبراهيم الجعفري. وكلنا يعرف أن هاتين الفترتين قد اتسمتا بظهور الكثير جداً من حالات الفساد وهدر الأموال وانتشار المليشيات الطائفية المسلحة وتسللها إلى كافة أصناف القوات المسلحة (الأمن والشرطة والجيش) والسيطرة على الوزرارات والتوزيع الطائفي لها.
إن عدم نشر تلك المعلومات عن وزارتي علاوي والجعفري ربما يكون قد نشأ عن اتفاق معين لا أعرف أطرافه إلى الآن ولا على مدى صحة وجود مثل تلك المعلومات, ومن هم وراء عدم نشر كافة المعلومات المتوفرة لدى موقع ويكيليكس والسيد أسانج.
أرى بأن على وزارة الشباب والرياضة أن تسحب الدعوى القضائية المرفوعن منها على جريدة العالم وأن تعتذر لهيئة التحرير, إذ يكفي ما عاناه الصحفيات والصحفيون في العراق من إرهاب وإسكات بكاتمات الصوت أو القتل في الشوارع خلال الأعوام السبع المنصرمة, وهم لا يحتاجون إلى من يخيفهم بإقامة دعوى ضد هيئات التحرير لنشرها تقارير تتحدث عن الفساد وهدر المال العام لأنهم سوف يغلقوا أفواههم ولن يوافقوا على تقييد أيديهم أو منعهم من الكتابة. إن هذا لن يحصل بعد الآن!
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟