سامية نوري كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2961 - 2010 / 3 / 31 - 01:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تستطع معظم الدول النامية حديثة الاستقلال - لحد ألان- بناء المفهوم العصري للدولة ، فهذه الدول فشلت في حل أزمات التنمية السياسية التي تواجه الدول حديثة العهد بالاستقلال أو القضاء على الفقر بل أن هذه الأزمات تضاعفت وأصبحت أزمات مركبة بفعل التوجهات غير الديمقراطية التي اتبعتها الغالبية العظمى من هذه الدول إضافة إلى ذلك فان انتقال هذه الدول إلى عالم الخصخصة والرأسمالية تم بطريقة غير منضبطة وعشوائية في كثير من الأحيان , الأمر الذي أدى في الحقيقة إلى تحول معظم هذه الدول من عصر ملكية الدولة إلى احتكار الإفراد والشركات الكبرى وفي بعض الأحيان إلى البنوك والشركات الدولية العملاقة متعددة الجنسيات على حساب شعوب هذه الدول ومعاناتهم أو بمعنى أخر ابتعادها عن الطريق المؤدي إلى النظام الديمقراطي والفكر الديمقراطي .
ويرى الخبراء أن الغالبية العظمى من دول العالم الثالث ما زالت تحكم بنظم تسلطية أو ديمقراطية شكلية حيث ينخر الفساد في هذه النظم السياسية بما يعكس أثاره السلبية على إمكانات التوظيف الصحيح للموارد المتاحة وثمة تحالف غير مكتوب بين السلطة والمال يعرقل جهود التنمية في المجالات المختلفة وبالتالي يعرقل النمو الاقتصادي والذي ينسحب بدوره على نمو المجتمع في المجالات الأخرى ومنها السياسية والفكرية .
وهناك دول عديدة من العالم الثالث انجذبت نحو النموذج الماركسي كنظام للحكم وعكست هذه الإيديولوجية نماذج من نظريات تنمية حديثة بأسم النظريات اللارأسمالية أو نظريات الطريق الثالث للنمو والتي وضعت على أساسها الإستراتيجية السوفيتية للسياسة الخارجية في العالم الثالث في الستينات من القرن الماضي والتي لم تؤدي إلا إلى زيادة الأزمات , ومع انتشار الشيوعية في الصين ويوغسلافيا وفيتنام ودول أخرى من العالم الثالث وقيام الثورات الشيوعية في هذه البلدان على يد المفكرين والمثقفين والسياسيين والتي ساعدهم فيها الفلاحون والبرولتياريا أي الطبقة العاملة والتي نجحت بالوصول إلى الوحدة الوطنية والاستقلال وتحقيق الثورات الزراعية التي قامت هناك أهدافها في تحرير الفلاحين من اضطهاد أصحاب الأراضي والاستثمار الرأسمالي والتصنيع وكلها تغيرات في أساسيات التنمية الاقتصادية التي حدثت في الغرب والتي كانت سببا في تطور الغرب , ولكنها أيضا لم تؤدي إلى تحقيق الشعارات التي نادت بها في تحرير الإنسان ورفع مستواه من جميع النواحي .
كما أن الشيوعية انتشرت في بلاد أخرى من دول العالم الثالث مثل كوبا والصين، حيث اتبعوا نماذج جديدة مختلفة من الشيوعية ويرجع ذلك إلى تفاوت الخبرات والمصالح الوطنية والثقافات , وبهذا أقامت هذه الدول نظاما مستقلا عن نظام موسكو ووضعت نظريات خاصة بها فأخذت الشيوعية الصينية أسلوبا مختلفا عن مثيلتها في الاتحاد السوفيتي ويرجع ذلك إلى تركيب المجتمع الصيني وتأثر مفكريه بالغرب ومع هذا لم تستطع هذه الدول إقامة نظام سياسي يتحقق فيه احترام حقوق وحريات شعوبها .
إن كل الاتجاهات النظرية والمعرفية التي درست العالم الثالث تتفق على ضرورة وجود وتعميم جهاز الدولة وان كل الاختلافات بين هذه الاتجاهات يظهر حول الهدف من هذا التعميم , وهكذا فان مفهوم البناء القومي أو الوطني هو الذي سيصبح منذ الخمسينات من القرن الماضي حجر الأساس في بناء نظام المعرفة المتعلقة بالعالم الثالث حيث يلتقي الاتجاه الانثروبولوجي الانكلوسكسوني الذي كان ينظر إلى ما يجري في المجتمعات النامية على انه تعميم للدولة العقلانية وبين الاتجاه الماركسي الذي كان يتحدث عن حركات انعتاق قومي تشكل جزء لايتجزا من الثورة العالمية البروليتارية , أي النظريات النابعة من الليبرالية الغربية وتلك المنبثقة عن الاشتراكية الدولية , وذلك بعد أن فرض منطق الدولة الحديثة نفسه على الساحة المحلية والدولية وأصبح تعميم هذا النموذج مسالة وقت فقط , وهكذا أصبح مسار التاريخ الحديث يشير في اتجاه واحد وبدون رجعة نحو تعميق هذا النموذج من التنظيم السياسي وفي كل المجتمعات رأسمالية كانت أم اشتراكية , مجتمعات متقدمة أم متخلفة وتابعة .
إن اغلب الدراسات التي تناولت الدولة في العالم الثالث تجمع على أنها وافدة بمعنى أن العالم الثالث لم يعرف نظام الدولة إلا بعد دخول الاستعمار وان مبدأ الشرعية المؤسس على الهوية القومية قد تركز في العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية وهو بذلك يكون قد وصل متأخرا عن نشوئه في أوربا شانه شان التصنيع , ولكنه كان له التأثير عينه عند وصوله إلى بلدان العالم الثالث , وفي حين كان عدد بلدان العالم الثالث التي كانت ديمقراطية في السنوات ما بعد 1945 قليلا نسبيا فان اغلب هذه البلدان قد تخلى منذ ذلك العهد عن أشكال الشرعية الوراثية والدينية لصالح مبدأ حق تقرير المصير القومي .
إن غياب الديمقراطية يعد سببا جوهريا وان كان غير مباشر لتفشي حالة الفقر في دول العالم الثالث وبما أن العالم العربي هو جزء من العالم الثالث فقد كان من الطبيعي أن يعاني ما يعانيه هذا الأخير وعلى الأخص مشكلة الفقر , إذ يبلغ عدد من يعيشون تحت خط الفقر في العالم العربي ما نسبته 34 إلى 38 في المائة من إجمالي عدد السكان أي أن أكثر من ثلث سكان الوطن العربي يعيشون تحت خط الفقر علما أن هذه المشكلة تختلف حدتها من دولة إلى أخرى .
وفي هذا الإطار لابد من تأكيد حقيقة الارتباط الجوهري بين الديمقراطية والتنمية , وإذا كانت هناك حالات شهدت حدوث تنمية في ظل نظم حكم تسلطية فان هذه الحالات تظل محدودة كدول جنوب شرق أسيا , ثم إن هذه الحالات تعثرت لاحقا واضطرت هذه الدول إلى السعي قدما على طريق التحول الديمقراطي بعد أن أدركت حقيقة الارتباط المطلوب بين الديمقراطية وحدوث التنمية .
ومنذ أن تحررت دول العالم الثالث من الاستعمار العسكري والسياسي في منتصف القرن العشرين كان التحدي الرئيسي للدول النامية ولا يزال هو تحدي التنمية , وبدأت الدول النامية في تنفيذ برامجها التنموية المختلفة ضمن عدة أنظمة اقتصادية وسياسية منها الأنظمة الاشتراكية والرأسمالية أو الإيديولوجية الدينية أو تلك المعتمدة على التنمية الوطنية حيث انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ ستينات القرن الماضي وظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية تجاه الديمقراطية , وتعرف التنمية السياسية بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية وإيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية وترسخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة .
وعلى مستوى التنمية السياسية والتحول الديمقراطي برزت اتجاهات يرى بعضها أن تحقيق التنمية السياسية يقوم على قاعدة من القيم والثقافة الديمقراطية , ويرى آخرون إنها تقوم على أسس اقتصادية واجتماعية تنهض على يد طبقة وسطى واسعة , ويرى اتجاه ثالث اعتمادا على خبرة أسيا والاتحاد السوفيتي وشرف أوربا إن البعد الدولي هو المحرك الأساسي إلى جانب وجود طبقة وسطى واسعة وثقافة قابلة للتحول الديمقراطي في هذه الدول .
إن الملاذ المشترك للدول الانتقالية المفتقرة إلى التقاليد المدنية التي تساعد في عملية تحول سلمي إلى الديمقراطية، يكون في الإقرار بان إضفاء صفة الليبرالية على المجتمع المدني ضرورة ملزمة لكونه مساحة من الحرية والتسامح والخيار السياسي والاقتصادي نستطيع به مواجهة استبداد الدول وتغول السلطة وإساءة استخدامها والإيمان بمبادئ الديمقراطية والالتزامات المدنية ومن أهمها وفي مقدمتها حقوق الإنسان .
#سامية_نوري_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟