أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعد محمد رحيم - هناك مع الوردة حلم زنزانة















المزيد.....

هناك مع الوردة حلم زنزانة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2178 - 2008 / 2 / 1 - 01:37
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


وهو يجرجرني من ياقتي، سمعت أحدهم يقول: ها هم جاءونا بكلب آخر.
لم أكن أراه، هذا الذي يمضي بي، يسحبني بعنفوان ولؤم، لا أدري إلى أين.. كانت العصابة على عيني محكمة الشد، إلا أنني تخيلته بكرش مندلق، وعينين صغيرتين، ووجه بليد.
أوقفني وأمرني أن أخلع ما أرتدي، حمدت الله لأنه لم يطلب مني نزع ملابسي الداخلية أيضاً، وناولني دشداشة وقال؛ البس.. سأكتشف في الزنزانة أنها من البازة المقلمة.
زنزانة أولى:
سمعت صرير قفل يُفتح وباب حديدي يُدفع.. فك العصابة عن عيني ودفعني بقوة إلى الداخل مع شتيمة بذيئة فكدت أرتطم بالجدار المقابل لولا أنني مددت يدي لأوازن جسمي، وصاح اجلس ولا تقف أبداً فجلست. حين التفت كان هو قد أغلق الباب وغادر. كان الوقت أول الليل وكان المصباح ذو ال100 واط مشتعلاً، فتذكرت حالاً جملة قالها رجل لآخر في رواية 1984 لجورج أورويل؛ "سنلتقي حيث لا ظلام" ولم يكن يقصد مستقبلاً حراً مشرقاً بل مكاناً بغيضاً هو زنزانة في دائرة الأمن دائمة الإضاءة كي تسهل مراقبة المعتقلين على مدار الساعة. لم يخطر أورويل وروايته في ذهني فجأة، بل كنت أفكر بالرواية وأستعيد تفاصيلها خلال الأثنتي عشرة ساعة الماضية أو أكثر مذ جرى اعتقالي في مدينة العمارة.
كنت الآن في بغداد، في معتقل الاستخبارات العسكرية ـ الشعبة الخامسة في الكاظمية.. أما كيف عرفت أنني في هذا المكان؟. الحقيقة أن من رافقوني من هناك بسيارة برازيلي سريعة ألبسوني نظارة سوداء كي لا أرى شيئاً إلا أنني كنت أبصر قليلاً بشكل منحرف، ومن جانبي النظارة. وقد استطعت، في لحظة مصادفة، رؤية واجهة جامع الإمام الأعظم، وإذ صعدت السيارة، قلت هذا جسر الأئمة، ثم انحرفت في الجهة الأخرى يميناً فأيقنت أين سأكون.
قررت أن أظل مطيعاً لتعليماتهم فلبثت جالساً. هذه هي القاعدة الأولى التي عليّ الالتزام بها كي أتجنب قسوتهم التي تبحث لها عن أي مسوّغ سخيف كي تهيج. كانت ثمة بطانيات كثيرة.. عشرة منها على الأقل، تنبعث منها رائحة الرطوبة، فحدست أن عدداً هائلاً من الأشخاص لا شك يحشرون في هذه الزنزانة الضيقة ( 2 متر× 1،5 متر ) في كل مرة.. كانت هناك سلة صغيرة تنبعث منها رائحة كريهة، لا بد أن المعتقلين يقضون حاجتهم بها.. وصحن من ألمونيوم فيه صمونتان عسكريتان يابستان، أخذت قضمة من إحداها ورحت ألوكها.. كنت جائعاً فأكلت الصمونتين.
نحن في كانون الثاني والبرودة تنفذ إلى العظام.. عملت لي فراشاً من بطانيتين واندسست تحت ثلاث أخرى، إذ ربما لن أحظى بهذا الترف مرة ثانية.. ومع سريان الدفء عدت أسأل نفسي مجدداً؛ لماذا أنا هنا؟. ذلك السؤال الذي لم أجرؤ على أن اطرحه عليهم وهم يقتادونني من مدرستي بسيارة لاندروفر إلى مقر الاستخبارات العسكرية في العمارة، ويضعونني في زنزانة غارقة بمياه المطر، ثم يبعثون بي بسيارة برازيلي إلى مكان أجهله.
لماذا أنا هنا؟. ووجدتني أرتجف.. مرت بي الصور والأفكار كما لو أن رأسي ملعبة كوابيس، وأدركت لتوّي كم أنا خائف.
شعرت بلسعة على رقبتي، ثم أخرى على صدري.. لم أكن وحدي إذن في هذه الزنزانة كما توهمت.. إن في صحبتي آلاف مؤلفة من القمل الذي لا يرحم.. ها هنا نيابة عنهم تقوم تلكم الحشرات الدقيقة بمهمة التعذيب المستمر.. ومع ذلك، نكاية بهم وبالخوف وبالقمل وبالكوابيس غفوت.. كان تعبي أقوى من تحالف هذه القوى..
في المعتقل، معتقلهم، ليس بمقدورك سوى أن تهجس بأن لا أحد معك، إلى جانبك، على الإطلاق.. فلن تخرج إلى حيث النور والهواء إلا بفضل مصادفة عمياء أو ضربة حظ، أو تدخّل سلطة غير مرئية.
يبدو أنني نمت لساعات.. استيقظت على لغط الحراس وهم يفتحون الأبواب.. صياح وشتائم، وقرقعة صحون ألمونيوم.. هذه ساعة توزيع وجبة الفطور.. لم يكونوا يعرفون بوجودي فاجتازوا زنزانتي، ولم أجرؤ على القيام ومناداتهم، وهكذا بقيت جائعاً حتى الظهر. حين حل موعد توزيع وجبة الغداء.. فتح أحدهم الزنزانة، وحدق بي وأنا ما أزال جالساً، فصرخ؛ صحنك يا حمار.. بسرعة أخذت صحن الألمونيوم الذي لم يكن قط نظيفاً فصبوا لي فيه قليلاً من الرز والمرق وأعطوني صمونة واحدة.. أكلت بسرعة، لم أبق حبة رز واحدة، ولا ذرة واحدة من الصمونة.
عدت لأفكر ثانية بالسبب الذي حدا بهم إلى اعتقالي. ورحت أستعرض التهم المحتملة التي من المكن توجيهها لي.
هنا يستفز الذهن شياطينه، يسترسل بلا هوادة أو رحمة، ينبش ويستعيد ويطرح الأسئلة ويستحيل إلى محقق من نوع فريد، محايد وذكي وخبيث، فيجري استجواباً مضنياً قاسياً، ماذا وكيف ومن ومتى ولماذا وأين.. تترى تهم الإدانة والدفاع والمرافعات، ويتناهى صرير السلاسل وفرقعة السياط وتتصادى كلمات جارحة ومهددة، شتيمة إثر شتيمة، وتهديد بعد تهديد، وكلها هنا، في هذا الصفاء المديد، المفزع، الذي يسمى الذهن. الذهن الذي لا يلوي على شيء، يحتدم، ويخرق القواعد والحدود، يتسع مع ضيق المكان، ويجول في الزمان بحرية منتزعة.. إنه ببساطة يرافع من أجل الحياة، يستعد للمواجهة المرتقبة، للرعب.
والرعب هنا اسمه الليل، وما أدراك ما الليل، ليلهم، وأي الأشياء يصنعون في الليل؟.
أخرجني من الزنزانة، شد العصابة على عيني، أمسكني من ساعدي بقوة، هو قوي، ومشى، ومشيت.. كان ممراً واستدرنا وكان ممر آخر، ثم ممر، وقال لي اجلس فقرفصت.
في مكان ما، في غرفة التحقيق حتماً، يصرخ كائن بشري وهم يضربونه بالكيبل، الضربات تتواصل بإيقاع غاضب. ويبدو أن آخرين كانوا بقربي يجلسون منتظرين الهول، إذ سكبوا دلو ماء على أحدهم فوصلني منه بعض الرذاذ، أذكِّركم أننا في كانون الثاني.. شهق كما لو أنها الشهقة الأخيرة، شهقة الموت. ثم تتابعت شهقاته، كان يتألم، وكنت أتألم. لم أكن في هذه اللحظة قادراً على التفكير، كنت أرتجف.
انتهت الحفلة الأولى وقد ازداد تشوش ذهني.. كان عليّ أن أجيب على سؤال صعب وغبي " لماذا اعتقلوك؟".. مفتاح واحد، واه جداً، قبضت عليه وهو أنني لست وحدي في القضية "التي سيسميها الكاتب كنعان مكية في كتابه الذائع الصيت ( القسوة والصمت ) فيما بعد بـ ( قضية عمر ) أو ( قضية اللاقضية ).. هناك كان معي عشرات (كتّاب وصحافيون وممثلون وضباط وجنود هاربون وجنود غير هاربين ومهندسون ومدرسون وموظفون حكوميون، الخ ) لا أعرف منهم سوى ثلاثة، وقد سألني المحقق عن الثلاثة بإصرار مؤذٍ.
لا أود الدخول في التشعبات اللامعقولة لقضيتنا الخطيرة، حيث وصل عدد المتهمين إلى أكثر من سبعين شخصاً، غير منظمين في حزب، وليس لديهم هدف سياسي أو غير سياسي مشترك، بل خيوط معرفة قريبة وبعيدة سحبتهم جميعاً ثرثرة جلسة سكر لبعضهم في بار ببغداد مع رجل ظنوه بطيبة ساذجة صديقاً جديداً وتبين بعد ذلك أنه وكيل لدائرة الاستخبارات. ثم تولى التعذيب وزلات اللسان والإشارات العابرة إلى أشخاص، مهمة لملمة هذا العنقود الغريب من العراقيين الذين لم يكونوا قد فعلوا شيئاً سوى الثرثرة في ساعات ثملهم.
خرجت من غرفة التحقيق، شدوا العصابة على عيني مع اثنين آخرين.. أمسك أحدنا بخاصرة الآخر ومشينا على شكل قطار كما طلب الحراس الذين اصطحبونا، حتى زجوا بنا في زنزانة واحدة ( الزنزانة رقم 14 )، وأقفلوا الباب.
الزنزانة رقم 14:
نحن ثلاثة، حسن وداود وأنا، وهذا أفضل لا شك من أن أبقى وحدي، لكن عليَّ أن أكون حذراً في الكلام، فأنا لا أعرفهما بعد ( هذه هي القاعدة الثانية في المعتقل ).. حسن. ح ـ ممثل ثانوي في الفرقة القومية للتمثيل، وجندي هارب، خريج أكاديمية الفنون الجميلة ) وداود. س ( شاعر وصحافي وجندي غير هارب ). كانوا هنا منذ أكثر من شهر كما أعلموني. وكانت لهم معرفة واسعة بتفاصيل القضية ( اللاقضية ). سألني حسن؛
ـ من أين أنت؟.
ـ من ديالى.
ـ وهل ألقوا القبض عليك في مدينتك؟.
ـ لا، في العمارة.
ـ العمارة؟!. وماذا كنت تفعل هناك.
ـ أنا مدرس منتدب هناك.
وأخبرتهما بأنني أكتب القصة أيضاً.. قال داود؛
ـ ها، من جماعتنا.
بعد ليلتين تخللتهما حفلات استجواب متقطعة.. قرأ حاكم التحقيق إفادتي.. رفع رأسه وسألني؛
ـ ما دورك في القضية؟.
ـ كتبت كل شيء في الورقة.
ـ ليس هناك شيء ضدك.
ـ لم أفعل شيئاً.
وشتم شخصاً ما، قال إنه ورط أبرياء كثراً.
ـ الكلب ابن الكلب.
ثم طلب مني أن أوقع.
ـ أعتقد أنك ستخرج مع آخرين قريباً جداً.
هززت رأسي ولم أنبس. ( القاعدة الثالثة في المعتقل هو أن تكتفي بأقل الكلمات عند التحقيق ).
الجدران باللون الأبيض، فسحة لا متناهية من الضلال، امتدادات لا كما البحر أو الصحراء، ولا حتى سديم الفضاء.. هي جغرافية أشد مواربة وتعقيداً، تربكك.. كأنك تسمع من أعماقها نداء الهرب، أو استغاثة روحك أنت. أو أنات الذين دخلوا هنا ثم خرجوا إلى المجهول.. لا كتابات، لا خطوط، لا أشكال، فقط هذا البياض الموحش، لأنهم محوا الأدلة، ربما.. أعادوا طلاء الجدران، أو أنه لم يكن عند أحد من الداخلين، قلم على الإطلاق، أو أي شيء يمكن استخدامه للحفر.. حتى هذا الحق سلبوه. وكم تمنيت أن أحيل هذا البياض المغري إلى رواية.
تبهظك بلاغة البياض، الأطراس الشهية التي تتحدى مخيلتك، وقدرتك على قراءة ما وراء الظاهر.. السرد السري لآلاف الحيوات المعذبة، المسكوت عنه وهو يجيش ليتحرر من سجنه، ليكسر حاجز الممنوع. ليكون تاريخاً متاحاً، فصولاً في حكايات السمر بعد أن تتقلب الأزمان، رواية أولئك الذين مروا من هنا، رواية واحدة ذات نفس ملحمي، لن يعرف أي منا ذاته إلاّ إذا قرأها بحب ولوعة وحرية.
الزنزانة، الآن، متاهة لا تحد من التساؤلات المضنية.. شسع هائل من الأحلام. وأحسست أن ألف سور قد تهدم داخل رأسي.. كنت أفكر بصفاء، للمرة الأولى منذ زمن بعيد. وخلتني إذا ما وضعوا أقلاماً وكراسات تحت تصرفي لألفت كتاباً في شهر، وإذا ما أعاروني كتباً لقرأت كتاباً واحداً في اليوم الواحد.
نكاية بضيق الزنزانة يتسع فضاء الذاكرة. يعود كل ما جرى ليمضي سيّالاً يعيد تكوين نفسه "وجوه وأحداث ومشاهد ومناظر طبيعة وصور" كما لو أنني في حالة تصفية حساب عادلة مع النفس والعالم، ولكن في المكان غير المناسب وفي الزمان الخطأ.
لم تكن ثمة كتب ولا كراريس، واكتشفت أن حسن وداود، وهما من مدينة الثورة ببغداد، كانا يعانيان العبء ذاته.. وتوصلنا إلى حل.
وردة حمراء:
هي فرصة متاحة، سهلة الجني بيد أنها غير منصفة تماماً، تجعلك تنزف.. فيها شيء من المتعة، وشيء من الألم، وكثير من الحيرة والأسى والالتياع.. هكذا إذن، عليك أن تدرأ احتمالات الموت بدءاً من انحلال الذاكرة وحتى تهشم الروح. وماذا يتطلب هذا سوى أن تسترسل في الملكوت الذي لا يعرفه سوى المتصوفة والشعراء. ولكن أنى لك أن تكتشفه، وان تعبر حدوده الصعبة وتتملكه.. أن تدخله وأن يكون لك.. كان الرهان أن ترفض ما أنت فيه قسراً.. أن تفتح منفذاً افتراضياً في الجدار وتهرب.. أن تكون هنا لأنك لا تستطيع أن تغادر، وأن تغادر لأنك لا تستطيع أن تمكث حيث يريدون لك أن تمكث.. أن تمسك بالنقيضين بيد واحدة. أو بعبارة أقل التباساً؛ أن تكون بالضد من الكينونة التي ارتأوها لك.
ذات صباح " أما كيف كنا نعرف الصباح من المساء فمن فتحة مفرغة الهواء التي تعمل طوال الوقت، ووجبة الفطور" أقول ذات صباح تجرأت ونظرت عبر كوّة الباب الصغيرة، يا للروعة. في الجانب الآخر من الممر نافذة، ووراء النافذة حديقة مهملة، فيها شجيرة ورد غير مشذبة ووردة واحدة حمراء تتألق في أعلاها.. مفارقة أخرى، لكنها لذيذة.. ماذا تفعل بك صورة وردة في مكان كهذا؟. وسمعت وقع خطوات في الممر فعدت وجلست.. أغمضت عيني، تيار سار رائق، انبعث من نقطة غامضة في النفس. تشبعت بالغبطة، تشبعت بالشعر، وبرؤيا امرأة بعينها، لا أدري كيف هي الآن خلف هذه الأسوار كلها.
يوماً بعد يوم رحت أراقب الوردة لنصف دقيقة، أقل قليلاً أو أكثر قليلاً، كل صباح.. أجدها نضرة، هادئة، وحيدة، أسيرة، لكنها هناك، حاضرة بقوة بهائها، وكبريائها.. كائنة من أجلي. وفي الحال تعززت علاقة غريبة، متواطئة بين وجودي، في هذا المكان، ووجودها. كأنها رسالة ما، من أحد ما، من قوة لا تنتمي لعالمنا الأرضي.. رسالة ملغزة عليّ فك شفرتها.. أفهم الآن أنه أمر أشبه ما يكون بالمناورة النفسية فحواها الإيمان بسلطة مبهمة، متعاطفة، حامية. وقلت؛ أن بقائي، ها هنا، مرتبط بالوردة، بالحضور الباهر المادي للوردة. ويوم استيقظ ولا أجدها يكون دوري في المسرحية الهزلية هذه قد انتهى، وعليهم أن يفتحوا باب الزنزانة ويدعوني أخرج.
حلم تلك الليلة:
بين وجبة الفطور ووجبة الغداء لم نكن نتكلم كثيراً، غير أننا عند العصر كنا نعقد جلسة نقاش في موضوعة نختارها. وحتى ذلك الحين لم أكن انغمست في نقاشات بهذا العمق والشمول.. كنا نتبارى للإفصاح عن ثقافتنا.. كنا نحاول الحيلولة دون فساد عقولنا، ومحو ذاكراتنا. واعترف أنني استفدت كثيراً من نقاشاتي مع حسن وداود. أما في الليل فكنا نوزع الوقت بين ثلاثة أشياء؛
ـ ساعة للبحث في ملابسنا وبطانياتنا عن القمل، وقتله.. في كل ليلة كنا نحدث مجزرة إذ يقتل كل واحد منا مائة قملة أو أكثر.. نضع القملة بين أظافرنا ونسحقها، ويعود القمل في اليوم الثاني بالعدد نفسه، بالنسبة نفسها.
ـ ساعة يعرض فيها أحدنا لكتاب كان قد قرأه، أو لمجموعة كتب خاصة بموضوعة ما "فكرية أو أدبية أو فنية".
ـ ساعة أخيرة، أسميناها فيلم السهرة، حيث يستعيد أحدنا من الذاكرة أحداث فيلم شاهده وتأثر به.
وساعة أخرى كنا نمنحها أحياناً لذكريات حياتنا الخاصة فنتحدث عن عائلاتنا وأصدقائنا وحبيباتنا وخيباتنا وحماقاتنا، عن ذكريات السفر والحب والحرب وأشياء أُخر كثيرة، حتى كان حلم تلك الليلة.
حلمت أنني في غرفة مملوءة بالملابس والأحذية.. كنت أبحث عن فردتي حذاء متشابهتين دون جدوى.. قال لي الرجل الذي معي بمزيج من التهكم والمزاح؛ ارتد أي شيء وإلاّ أعدتك إلى زنزانتك.. استيقظت، كان الصباح، وقفت ونظرت من كوّة الباب.. الوردة ليست هناك.. قلت هي بانتظاري في الخارج.. كان كل شيء غامضاً، لا معقولاً.. بعد ساعتين جاء الحرس وأخرجوني.. أوقفوني مع أربعة آخرين ووجوهنا على الحائط، ثم أدخلونا غرفة تراكمت فيها الملابس والأحذية بفوضى ( هي ملابس المعتقلين وأحذيتهم ). خلعنا دشاديش السجن ورحنا نلبس القمصان والسراويل.. التقطت قميصاً فضفاضاً وبنطلوناً قديماً، ورحت أبحث عن فردتي حذاء متشابهتين.. قال لي أحد الحراس؛ خذ أي شيء وإلاّ أعدناك إلى زنزانتك.. كانت نبرته بين التهكم والمزاح.. أيهما كان الحلم، وأيهما كانت الحقيقة.. هذه أكثر الوقائع التي حدثت في حياتي غرابة.
شدوا أعيننا بعصابات، وحشرونا في جوف سيارة.. دارت بنا السيارة في ممرات ودروب قبل أن يرفعوا العصابات ويدعوننا ننزل.. قال أحدهم ضاحكاً؛
ـ اعذرونا من التقصير.
وذهبوا..
كنا خمسة، صحنا مرة واحدة، وقباب الكاظمين الذهبية أمامنا؛ الشمس.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرد وميثاق التخييل
- ماركس الناقد
- غوايات القراءة: -أن تحسب حصاد السنين بعدد الكتب التي قرأت-
- بحثاً عن ماركس
- رعد عبد القادر ومؤيد سامي: في ذكرى رحيلهما المبكر
- استعادة ماركس
- أسئلة عام جديد
- كاواباتا في ( العاصمة القديمة )
- أحلامنا المؤجلة
- قيم السرد بين كالفينو وإيكو
- حروب المياه
- ( العمى ) لساراماغو
- حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
- على قلق..
- تباشير فكر النهضة في العراق: 8 نحو الراديكالية
- تباشير فكر النهضة في العراق: 7 بطاطو، والطبقة الوسطى العراقي ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 6 فكر النهضة؛ السرد والصحافة وع ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 5 الشعراء والنهضة ( الرصاقي وال ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 4 الشعراء والنهضة ( الزهاوي مثا ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 3 السياق المصري (من محمد عبده إ ...


المزيد.....




- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: الدمار في غزة هو الأسوأ منذ ا ...
- اليونيسكو تمنح جائزتها لحرية الصحافة للصحفيين الفلسطينيين في ...
- وكالة -أ ب-: اعتقال ما لا يقل عن 2000 شخص في احتجاجات مؤيدة ...
- مجلس رؤساء الجمعية العامة للأمم المتحدة يناقش بالدوحة مستقبل ...
- لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال ...
- الأمم المتحدة: بناء منازل غزة المهدمة قد يستغرق عقودا
- اللاجئون.. رحلة الهروب (الجزء الثاني)
- إروين كوتلر.. والدفاع عن حقوق الإنسان
- اللاجئون.. رحلة الهروب (الجزء الأول)
- على غرار مصر وتونس - الاتحاد الأوروبي يدعم لبنان لمنع تدفق ا ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعد محمد رحيم - هناك مع الوردة حلم زنزانة