أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - الحزب الإتحادي الديمقراطي مابعد المرجعيات،كتاب التيه التشظي و المبادرات















المزيد.....


الحزب الإتحادي الديمقراطي مابعد المرجعيات،كتاب التيه التشظي و المبادرات


محمد عثمان ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1942 - 2007 / 6 / 10 - 12:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


حتي نبدأ القول :
كان يامبو الرجل الستيني المحب للقراءة و الكتب و تاجر المخطوطات النادرة قد فقد ذاكرته بشكل حاد منذ وقت قريب ، ذات مرة توقف عن مضغ الضباب الذي كان يوفره له ذاك الفراغ الجديد في الذاكرة ليستمع الي أشخاص كانوا فيما يبدو يتحدثون عنه ، كان أحدهم يقول "ياسيدتي هذه ليست غيبوبة ". بعد حين إستيقظ يامبو ليجد نفسه بالمستشفي و أنبوب ما مغروس بذراعه فسأل طبيبآ كان يقف بجواره :
- نحن بالمستشفي و أنت طبيب فهل أنا مريض؟ نعم لقد كنت مريضآ لكنك الآن تسترد و عيك ، سأشرح لك لاحقآ ، قل لي الآن كم عدد هذه الأصابع ؟
- أربعة .
هذا صحيح ، كم حاصل ضرب ستة × ستة ؟
- ستة و ثلاثين ! و مضي يامبو يشرح للرجل نظرية فيثاغورث و مأساة الخطين المتوازيين المفترقين إلي الأبد دون أمل في اللقاء ...لكن الطبيب قاطع هذا الإسترسال متسائلآ "حسنآ ، و ما هو إسمك ؟
- آرثر غوردون بيم .
هذا ليس إسمك .
و هنا تبدأ المأساة، قال يامبو متوسلآ في أسي " إذن قل لي يا إسماعيل " ، لكن الطبيب رد في حزم " إسماعيل ليس إسمك ، حاول أن تتذكر ".
محكية عن رواية أومبرتو إيكو ( اللهب الغامض للملكة لوانا ) .

تناقلت الأنباء القادمة من ولاية القضارف الخلاف الحاد بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم و الحزب الإتحادي الديمقراطي (المرجعيات ) الشريك في الحكم ، وفيما يتهم المؤتمر الوطني شريكه الضعيف بالوقوف بساق واحدة في صف الحكومة و الوقوف بالساق الثانية ليس فحسب في صف المعارضة بل و إثارة المشكلات و إذكاء النزاعات و صب مزيد من الزيت علي نار الخلافات .
و لم يضع (يضيع ) الوطني وقتآ فقرر تقليص نصيب الإتحادي في السلطة مع الحفاظ علي مستحقات إتفاق القاهرة ، بمعني آخر حرمان الإتحادي من المناصب التي منح إياها بغرض تأليف القلوب كإكرامية – تنزع أو تستبقي – مضافة إلي سعر البضاعة الحقيقي الوارد في و ثيقة ما يسمي بإتفاق القاهرة .
و للرد علي هذه الخطوة قرر المكتب السياسي للإتحادي بالولاية ( إعلان الإنسحاب ) و ليس الإنسحاب الفعلي من السلطتين التشريعية و التنفيذية . و قلنا إعلان الإنسحاب فقط لأنه لم يرد حتي الآن إن الحزب قام بتسليم سيارات الدولة و مكاتبها و كافة ( العهد) للحكومة و إن منسوبي الحزب توقفوا عن تلقي أجريتهم الدورية من مال الولاية .
و لم يجد قرار الإتحادي الصغير أي صدي من الإتحادي بالمركز حيث صرح نائب الأمين العام للحزب الأستاذ فتحي شيلا للصحافة ( 20 مايو 2007 م ) بأن الحزب لا يملك إتخاذ هذا القرار بمفرده لأن قرار المشاركة إتخذه التجمع الوطني الديمقراطي ! و بالطبع( سيحار) بالباحثين الدليل قبل أن يتوصلوا إلي أي عنوان يدل علي التجمع الذي أشار إليه السيد نائب الأمين العام .
هنا فقط ينبغي أن نتذكر يامبو الذي ذكرنا في صدر هذه الكتابة و الذي أعجزه تذكر إسمه .
ففي حين يسأل المؤتمر الوطني الحزب عن إسمه بالكامل - في الغرف المغلقة و في المفاوضات و المشاركات و التعويضات و الأعطية التي ليست لها بنود سوي إنها لله و الرسول و هي ليست كذلك – يجيب الحزب الإجابة الصحيحة " الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني " ، لكن ما إن يأتي السؤال في الهواء الطلق و أمام الجميع حتي يفقد المذكور ذاكرته و يتلعثم بالقول إن إسمه هو التجمع الوطني الديمقراطي .و يذكره المؤتمر الوطني أن هذا ليس إسمه لكنه ( أي الحزب ) يقع وقع الحافر علي الحافر في مسقط يامبو .
و لنا في ما روي عن أومبرتو إيكو حول ماجري ليامبو تدبرآ من غير عظة فالرجل الذي كان في حياته قبل فقدانه المؤسف لذاكرته لا يكاد يقهم شيئآ في علوم الرياضيات ، يصير بعد الحادثة مرجعآ في تلك العلوم و بينما يحتفظ في ذهنه بكل عقدة في قصة قرأها و كل بيت من الشعر مر به فإن الرجل ما عاد يتذكر إسمه .
هكذا تجري أحداث الإتحادي الديمقراطي فبعد أن عقد مؤتمره بضاحية القناطر عام 2004 م الذي اسماه مؤتمر المرجعيات تحول الحزب الكبير من تيار رئيسي إلي شريحة منقسمة مثلها مثل الأمانة العامة أو الهيئة العامة أو المؤتمر الإستثنائي فصار لا يعرف إلا إذا اضيفت لإسمه كلمة المرجعيات و هي كلمة سبق أن تحدثنا مرة عن إنها (فارغة ) بالمعني الدلالي أي أنها رمز لا يدل علي مبني أو معني .
هذه الكلمة التي لا تدل علي شيء صارت مفردة أساسية في إسم الحزب إن لم تذكرها سئلت "عن أي حزب إتحادي ديمقراطي تتحدث ؟" . و فيما يزعم المرجعيات و لا نجادل في ذلك قطعآ بأنه التيار الرئيسي بينما البقية مجموعات إنقسامية فإن امل وحدة الأحزاب الإتحادية ينذر" بنشوب أزمة طاحنة داخله" كما قال تقريرنشرته جريدة الصحافة في عددها الصادر الخميس 24 مايو 2007 م و تناولته عدة صحف و مواقع إلكترونية .
ففي حفل توقيع ميثاق الوحدة الذي تم بقاعة الشارقة قبل يوم واحد من حلول الذكري الثامنة و الثلاثين لإنقلاب مايو و الذي تنادت له جماعات إتحادية مختلفة وضع ( المرجعيات ) نصف توقيع عليه بإسم نائب الرئيس الأستاذ علي محمود حسنين في تطور وصفه مراقبون بانه ربما يقود إلي فراق سياسي لحسنين مع رئيس حزبه مولانا السيد محمد عثمان الميرغني . و لم يذهب حسنين لوحده بل حمل معه تفويضآ من الأمين العام الأستاذ سيدأحمد الحسين الذي تليت برقيتة المؤيدة ثم أمسك عن التوقيع في آخر لحظة و لم يبد الموقعون أي أسف لذلك فيما آثر الرجل الصمت .
بعد حفل التوقيع تناولت الصحف كلها أو جلها بيانآ صادرآ بإسم المراقب العام للحزب وقعه السيد هشام البرير يصف فيه خطوة حسنين بأنها خروج علي المؤسسة و يتوعد فيها الرجل بالمحاسبة ، سيتعرف الناس للمرة الأولي هنا علي دور منصب المراقب العام و هو إصدار أحكام معيارية علي تصرفات الأعضاء و الوعد بمحاسبتهم دون مراعاة لوضعهم أو التسلل الهرمي للوظائف الحزبية التي يشغلونها .
و هكذا مثل يامبو في نسيان الأساسيات و تذكر الإضافيات ، ينقسم الحزب علي نفسه و يتفرق أيدي سبأ إذا جاء حديث الوحدة بينما يتنطع في ذات الوقت و يعلن أن لديه مبادرة للوفاق الوطني كله حتي جعل صحفيآ مخضرمآ مثل محجوب عروة يوسعه نقدآ إذ كتب صاحب قولوا حسنآ ( السوداني 13مايو 2007 م ) :
" كتبنا وكتبت الصحف عن مبادرة صدرت عن زعيم الحزب الاتحادي (جناح المرجعية) السيد محمد عثمان الميرغني والتي يبدو انها كانت أقرب لتصريح أمنيات من مبادرة مكتملة الأركان." حتي يصل إلي القول "استطيع ان أفهم مبادرة جادة للسيد الميرغني لو أنه طرحها من داخل السودان لا خارجه وسأكون مقتنعاً بها ومدافعاً لو قرأت نصاً واضحاً لها يحدد ماهو مطلوب لتحقيق الوفاق الوطني ومستحقاته بل خارطة طريق توضح لماذا وكيف ومتى وأين وماذا نفعل لتحقيق الوفاق الوطني.. مبادرة مكتملة الأركان والزوايا والمفاهيم والتصورات والبرامج حتى يناقشها الجميع ويلتفوا حولها ويقرروا بشأنها بعد ان يضيفوا لها ويحذفوا منها ويحسنوها حتى يقبلها الجميع تماماً مثلما حدث في جنوب أفريقيا المغرب ومنطقة البحيرات. اما ان تجري الصحافة وراء مجرد تصريح فيه دعوة للوفاق الوطني ويتبارى الكتاب حولها فذلك غير معقول وغير مقبول.. بل يقول البعض إن السيد الميرغني مطلوب منه أولاً ان يوحد حزبه الاتحادي لأنه من غير المعقول بل من غير الممكن ان يوحد كل الأمة السودانية وهو لا يستطيع توحيد حزبه ففاقد الشئ لا يعطيه".
هكذ ا يتحول الحزب من إتحادي إلي حزب غير مخول و لا مؤهل للحديث عن الوحدة أصلآ و علي الإطلاق.
و ما ذكره الأستاذ عروة يخالف ما ظل يصرح به القياديين الحزبيين علي أحمد السيد أو حسن عبدالقادر هلال ( أيهما إستيقظ من نومه أولآ ) لموقع إس إم سي الحكومي الأخباري إذ نشر الموقع علي لسان هلال يوم 1 أبريل 2007 م - و أرجو ألا يكون للأمر علاقة بدعابة أبريل – " أن الميرغني وجه بتكوين لجان سياسية لعقد لقاءات موسعة مع كافة القوي السياسية بغرض حشد التأييد اللازم لإنجاح مبادرة الوفاق الوطني و كشف هلال عن مشاورات يجريها الميرغني مع رئيس المكتب التنفيذي تهدف إلي تفعيل عمل اللجان المشار إليها ".
أما علي السيد فقال في تصريحه (الدوري) للموقع نشره يوم 24/3/2007 م " إن قيادات بعينها تعكف علي صياغة المبادرة الخاصة برئيس الحزب و التي تتناول قضايا مهمة ابرزها إصلاح النظام الحزبي بالسودان و الإتفاق علي حد ادني في السياسة الخارجية يجنب ( وردت تجنب في الأصل ) البلاد شبح المواجهة مع المجتمع الدولي " لكن الكشف العظيم و الإشراق في تصريح السيد : " أن المبادرة تحوي 27 بندآ إستصحب من خلالها كافة القضايا الخلافية و المتفق عليها (!) في الساحة " و التناقض ليس من عندي .
إذن فالأستاذ محجوب عروة لا يعرف و هو الصحفي و الناشر أن هنالك مبادرة ليست سرية من سبعة و عشرين بندآ تحوي كافة القضايا ، هذا أولآ و أعتقد ان كل السودانيين شأنهم في العلم ببنود هذه المبادرة شأن عروة .
الأمر الثاني أعتقد أن علي السيد و هو محام و قانوني معروف قد ادلي بالتصريح و إلا لنفاه و ان المبادرة ذات السبع و العشرين بندآ حقيقة و ليست خيالآ أو كلمات طيبة من حزب تريد له الحكومة أن (يلوص) في المتاهات التي يرسمها لنفسه. إذن فلماذا لم تنشر و هل القضايا الخلافية هي 27 قضية فقط كما حواها التصريح الجامع المانع بكلمة كافة و التي يعرف القانوني الذي يزن كلماته بميزان الذهب معناها .
و هل تحتوي هذه المبادرة علي قضية ابيي و مشكلة المناصير و الخلاف بين المؤتمر الوطني و الشعبي و الطلاق الصامت في بيت المؤتمر الوطني .
و لن نمض من هنا قبل ان نشير لتصريح القيادي بالحزب عثمان عمر الشريف للسوداني (14-5-2007 م) : " أن المبادرة وجدت تأييدآ من عدد من الدول الأفريقية الداعمة للسلام في السودان و علي رأسها مصر مشيرآ إلي أن اهدافها واضحة في إيجاد القواسم المشتركة بين القوي السياسية لمواجهة الهجمة (الإمبريالية !) التي تتعرض لها البلاد في الوقت الراهن " . و من الواضح أن هذا التصريح لم يمر بميزان الذهب الذي أشرنا إليه سابقآ و إن هذا التصريح لا يعني شيئآ علي الإطلاق . فلماذا تعرض المبادرة علي الدول الإفريقية و إذا كانت أيدتها فما هو رأي القوي السودانية المستهدفة أصلآ بهذه المبادرة. أما كلمة الإمبريالية فهي كلمة جديدة في أدبيات الحزب الإتحادي الديمقراطي نثبتها هنا للتوثيق .
و لمصلحة الأستاذ عثمان عمر الشريف و لجهة رصد رأي القوي السياسية في المبادرة نورد هنا أن صحيفة الصحافة ( 15-5-2007 م ) كتبت بقلم المحررة المميزة مزدلفة محمد عثمان " و بحسب متابعات ( الصحافة ) فإن قادة الأحزاب المعارضة لا يميلون أثناء مجالسهم الخاصة إلي إظهار أي نوع من التأييد للميرغني مقارنة بسوار الدهب و برغم تأييدهم الظاهري لمقترحات رئيس الإتحادي الا أن دواخلهم تمتليء تشكيكآ في نجاحها ".
و التنافس مع المشير سوارالدهب و مبادرته غير المفيدة كذلك علي أشده فالمشير ووزير دفاعه الأسبق اللواء عثمان عبدالله و آخرين يتحركون تحت لافتة هيئة غامضة إسمها هيئة جمع الصف الوطني لا يعلم أحد بمصادر تمويلها و يبدو أنها صنعت لتنشيط البعض ممن يعانون البطالة و البوار السياسي و قاموا بصولات وجولات أوصلتهم إلي المملكة العربية السعودية حيث التقوا السيد الميرغني هناك فرد عليهم بمبادرة مثلها و قال الأستاذ علي السيد بل بمبادرة أفضل منها حسب تصريحه لجريدة الحياة اللندنية 13/5/2007م "إن هيئة سوار الدهب طرحت وثيقة يصعب التجاوب معها ....إن المبادرة التي سيطرحها الميرغني خلال يومين هي الأشمل و الأكثر قبولآ لتضمنها قضايا أساسية أغفلتها مبادرة سوار الدهب ".
و يستمر ما عرف في الصحافة بسباق الوفاق حيث تناولت الأخبار أن السيد الميرغني لم يظهر حماسآ تجاه مبادرة سوار الدهب و فتح الباب أمام تعدد المبادرات .هذا هو نفس الحزب الذي ملأ الدنيا ضجيجآ بإتهامه للحكومة قبل أعوام بأنها تقوم بالتسوق في بازار المبادرات و إنها تعمل بذلك علي تفتيت قوي المعارضة و كم مرة طالب هذا الحزب و دون جدوي بدمج مبادرتي الإيقاد و المشتركة .
و أرجو ان نترك المشير سوارالدهب الذي سيحفظ له شعب السودان إنه ما أن يضع يده علي الذهب حتي يستحيل نحاسآ و إنه لم يشهد له هذا الشعب إنجازآ شخصيآ يشفع له رغم الفرص الهائلة التي أتيحت له .
أما الحزب المبادر فما انفك يطلق المبادرات حتي فقدت كلمة مبادرة معناها بهذا الإستخدام المبتذل وقد أطلق قلم ساذج في أحد المواقع الإلكترونية علي السيد الميرغني لقب ( أبوالمبادرات ) و هو يحسب أنه يمدح الرجل العظيم ، لكن كاتبآ آخر وصف المبادرة بأنها مبادرة آخر الموسم السياسي و أوضح الأستاذ عبده حماد في مقالة له من القاهرة فكرته علي النحو التالي " نجد محاصيل آخر الموسم من أسوأ المحاصيل الزراعية و ربما يعود ذلك إلي أنها لا تجد الماء الكافي و إن وجدته سوف تعاني من كثرة الآفات و من التغيرات البيئية ....لذا نجد الغالبية العظمي من المزارعين لا يعتمدون عليها " و يبدو أن العاملين في حقل الزرع السياسي في السودان تعاملوا مع هذه المبادرة كما يفعل المزارعون الذين أشار إليهم حماد .
من جانبه لم يتجاهل المكتب التنفيذي للحزب المبادرة و اصدر بيانآ بشأنها عن إجتماع عقده في الخامس من مارس الماضي ، و فيما نسب المبادرة لرئيس الحزب و وصفها بأنها مبادرة قومية و (تاريخية ) فإنه قال "نسجل شكرنا لكافة القوي التي السياسية التي بادرت بإعلان موافقتها الإيجابية كما نناشد في ذات الوقت بعض الذين لم يبدوا رأيآ بشأنها أن يبادروا بإعلان تأييدهم " و إذا تجاوزنا العي البين في الصياغة و الإستخدام المغلوط لكلمة يبادر (أي إستخدامها في المكان الخطأ تمامآ ) فإن دعوة البيان لم تترك للقوي المدعوة أي فرصة لإبداء الرأي و إنما طالبتها بإعلان تأييدها (!) و هكذا تحرم القوي السياسية من التفكير و إبداء الرأي و النقد و حتي الرفض القاطع لمبادرة منوط بها كما قال البيان " حشد كافة القوي الوطنية الديمقراطية ".
موقف الطرف الأقوي و الذي يمتلك ترجيح كفة المبادرة ( !)و هو المؤتمر الوطني واضح في ثنايا الصمت ، إذ لم يشأ حزب الحكومة علي الإطلاق أن يبدي فيها رايآ جوهريآ ربما لشعوره بأن مسارب التيه التي يصنعها الحزب الإتحادي لنفسه فرصة جيدة بالنسبة لمنافسيه و تتيح تحييده في الوقت الراهن و إبقائه في الخانة الرمادية التي بقي يراوح مكانه فيها منذ هجوم قوات التجمع الوطني علي كسلا قبل خمسة أعوام من جانبه.
لم يضع الرئيس عمر البشير وقتآ أو جهدآ للتداول حول المبادرة و قال للصحفيين عقب لقائه الشهر الماضي بالسيد الميرغني أن اللقاء لم يتطرق إلي أي قضية سياسية و بالطبع هذا كلام مغلف إذ لم يشهد احد من الناس أن بين الرجلين صداقة او مودة أو قربي تتيح لهما تبادل الزيارات دونما غرض سياسي ، و علي كل فقد أطلقت بعض الصحف علي اللقاء (لقاء المغاضبة) فيما ذكرت اخري أن المشير البشير رفض شرط السيد الميرغني المتعلق بالإطاحة بمجموعة المرحوم الشريف زين العابدين التي يتزعمها د.جلال الدقير مهرآ لتحالف غير مشروط بينهما و رفض البشير للصفقة يمكن تصوره بإعتبار أن تدميره لتحالف قائم لسنوات مقابل إئتلاف غامض في رحم الغيب هو عمل لا يتسم بالوفاء لجماعة تآلفت معه حين خالفه الكثيرون .
المهم أن الأستاذ محجوب عروة في عموده الذي اشرنا إليه آنفآ قال "وربما كانت هناك أشياء أخرى لم يفصح عنها مثل استكمال ارجاع ممتلكات المراغنة حيث لم تسلم لهم بقية شهادات البحث" و أمر هذه الممتلكات يقع موقع القلب من عملية الوفاق الوطني حسب قول السيد محمد عبدالله عشرة المعتمد برئاسة ولاية نهر النيل و رئيس الحزب هناك حيث علق علي إعلان الوالي غلام الدين عثمان عن شروع أجهزة ولايته المختصة في عمليات الإسترداد الفوري لأراضي السادة آل الميرغني قائلآ " إن توجيهات الوالي بشأن ممتلكات آل الميرغني تدعم خط الوفاق الوطني و إحداث التقارب بين القوي السياسية توحيدآ للجبهة الداخلية و مواجهة مخططات التآمر الدولي " إذن الأراضي هي ثمن المساندة في مواجهة التآمر الدولي و بما أن التصريح لم يتم التبرؤ منه علي أي مستوي فسنعرف أن هذا هو الموقف الرسمي للحزب لحين إشعار آخر.
هذا في ولاية نهر النيل أما في الولاية الشمالية فالأمر لا يختلف كثيرآ إذ تعتقد الحكومة هذه المرة و ليس الحزب إن رد الأراضي لأهليها يجلب السلام و أعلنت حكومة الولاية أنها توصلت إلي تسوية للنزاع القائم بين السادة المراغنة و عدد من المزارعين حول عدد من الأراضي بمحليتي مروي و الدبة و أنها ستقوم بدفع خمس مليارات و خمسمائة مليون جنيه كتعويضات للطرفين .
و حمدنا لحكومة الولاية تدخلها و حلها لقضايا المواطنين و إستخدام مال الدولة للتعويض عن الضرر الذي مس رعيتها لكن والي الولاية أوضح إن حله لتلك القضية لا يدخل في دور الدولة لحل قضايا رعاياها و قال في تصريح نشرته صحيفة أخبار اليوم نقلآ عن موقع إس إم سي :" إن هذه الجهود تتم في إطار سعي الولاية لخلق الإستقرار و المحافظة علي الأمن و السلم بالمنطقة و دعمآ للجهود الحكومية الخاصة بالمصالحة الوطنية " .
و قدم كاريكاتير حاذق نشرته صحيفة آخر لحظة منذ اشهر توضيحآ للأمر بتعليق ماكر علي أخبار التسويات واصفآ ذلك ب ( الأرض مقابل السلام ).
جاءت مبادرة الوفاق الوطني المزعومة تلكم و لما يجف بعد دم مبادرة الحوار مع مسلحي دارفور التي فشلت و شبعت فشلآ . فبينما كان الحزب الإتحادي بحاجة إلي حلفاء في التجمع الوطني يملأون مساحة الحركة الشعبية الواسعة و التي تكشف أنها ستغادر التحالف العليل و لو بعد حين قام بإستيعاب هذه الحركات لكن لم يعبر مرة عن قناعته بأهدافها فقط أراد تضخيم حجمه بها أما من ناحية الحركات فإنها علي ثوريتها و قلة خبرة قادتها السياسيين و صعودها الهائل بقوة دفع المجتمع الدولي وليس بسبب حراكها الخاص لم تكن تشعر بالحاجة للإنتماء لذلك الجسد العليل و الذي سينهار بعد قليل .
و مع بدء مفاوضات القاهرة إتخذت حركات دارفور لنفسها مسارآ منفصلآ عم التجمع دون أن تأسف علي ذلك و دون أن يأسي علي غيابها أحد . أما الحزب الإتحادي الديمقراطي فإنه قد إلتزم علي مايبدو بحكمة جديدة و هي إن (الرزق – السياسي - تلاقيط ) ، لذا فإنه صار يرسل جنوبيين إتحاديين إلي الحركة للحصول علي نصيب و إتحاديين بجا صوب جبهة الشرق و إتحاديين من دارفور للوقوف في طابور خيرات أبوجا بينما إحتفظ بطابور طويل من الإتحاديين (المؤتمر وطنيين ) يأتون بما تيسر من الحزب الحاكم . و لم يغب هذا البتة عن حركات دارفور التي لم تعبر مرة عن ثقتها في الحزب و هي التي لا تحتاج إلي وساطته أصلآ .
عرفنا أن غالب حركات دارفور التي تنشق عن نفسها كل يوم لم يعر إهتمامآ للضجيج الإتحادي سوي حركة العدل و المساواة ( الصغيرة ) و إجتمع قادتها في القاهرة بالسيد الميرغني و أصدروا بيانآ مطولآ ثم جاء قرار الرئيس الأمريكي بتجميد ارصدة رئيسها خليل إبراهيم لينتهي المنفي الباريسي الناعم للرجل و حركته المنشقة أصلآ و الذي ستعاني منه الحركة كثيرآ و سيجعل الحكومة غير راغبة في التفاوض معها أصلآ ناهيك عن الإتفاق معها .
و لم يقتصر نشاط الحزب في سوق أوراق الوساطات و المبادرات علي الشئون المحلية بل أنشا فيما يبدو فرعآ للقضايا الدولية فقد نقل التلفزيون السوداني عن رئيس الحزب في 15مايو الماضي أنه " كشف عن إتصالات هاتفية أجراها مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز و العقيد معمر القذافي معتبرآ أن الفتور في العلاقات بين السودان وليبيا بسبب إتفاق الرياض سحابة صيف ستنقشع قريبآ " و نقلت صحيفة اخبار اليوم و موقع سودانايل الإلكتروني (10/3/2007 م ) نفس الكلام بل و أضافا إليه أن هناك مبعوثآ إتحاديآ سيذهب لطرابلس بغرض الوساطة . ما لم يدركه الحزب إن هناك أزمة أخري تلقي بظلالها علي الأمر و هي التي بين المملكة و الجماهيرية و أن لتلك الأزمة سنوات و إنها وصلت إلي الدم و تجاوزت الخطوط الحمر و أن المملكة إعتقلت ضابطين ليبيين إعترفا بأنهما جاءا إلي السعودية لإغتيال الملك عبدالله - إبان توليه ولاية العهد -و لتطيير رؤوس كبيرة في العائلة السعودية المالكة و إن الرياض أصدرت عفوآ ملكيآ عن الضابطين بينما ما زال شريكهما الثالث رهين محبس أمريكي فهلا نظر الإتحاديون في هذا قبل الفتوي في هذا الشأن الدولي (الغميس).. لحسن الحظ لم يكشف عن طبيعة إتصالات زعيم الحزب بالعاهل السعودي و الزعيم الليبي و أرجو ألا تكون وساطة بين البلدين فالقضية تحمل توقيعات بالفشل من قمم عربية متتالية .
و ليت الأمر وقف عند الحديث عن ليبيا أو السعودية التي يتحلي زعماؤهما مثل غيرهم من شيوخ العرب بالمجاملة ، لكن الأمر وصل إلي لاهاي فقد نشرت صحيفة الرأي العام تقريرآ ( رهيبآ ) في عددها الصادر الأحد 13 /5/2007 م بعنوان : ( الميرغني يكلف لجنة قانونية لإعداد صيغة توفيقية حول لاهاي ) جاء فيه أنه قد أزيح الستار عن تكليف لبعض كبار القانونيين في الحزب لإيجاد صيغة لمعالجة معضلة المحكمة الجنائية الدولية ينتظر أن ترفع تقريرها في غضون اليام القليلة المقبلة .هكذا الحزب العاجز - في حالته الراهنة – عن صياغة بيان محكم بشان قضية يتجاوز وزارات العدل وديوان النائب العام و وزارة الخارجية و عشرات الخبراء في القانون الدولي و يعلن عن تكوين لجنة حزبية و ربما بعث الحزب بمندوب للسيد أوكامبو في لاهاي للتوسط ( لا حول و لا قوة إلا بالله ) .
ليت هذه اللجنة القانونية تكفلت بإعداد لوائح لعمل الحزب و ضوابط لمحاسبة أعضائه ، ليتها صاغت قائمة بأنشطة الحزب التي يفترض فيه القيام بها مثله مثل كل الأحزاب السياسية في الدنيا و تركت شأن المحكمة الدولية ليوم يصير فيه الحزب حاكمآ علي السودان فيحل هذه المعضلة و غيرها .
وقبل ان نختتم ما نقول يجدر بنا أن نذكر مبادرة واحدة أعلن الحزب عن نجاحه فيها علي لسان عضو المكتب التنفيذي للحزب الدكتور الباقر أحمد عبدالله في حفل أقامته القنصلية السودانية بجدة يوم الخميس 12/4/2007 م حيث توجه بالشكر للمشير البشير لإستجابته الكريمة لطلب السيد الميرغني لتمديد فترة عمل السفير أحمد التجاني محمد الأمين . علي كل أحسب أن الأمر لن يكون مشرفآ للحزب و لا للسفير المعني إذا ثبت كحقيقة والله أعلم .




#محمد_عثمان_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في الس ...
- موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في السو ...
- الحزب الأتحادي الديمقراطي ، التباسات الخفة و الثقل
- في تداعي سائر التجمع الوطني السوداني بالسهر والحمي ،الحزب ال ...
- في تآكل المنسأة ، أو عن كيف خسر التجمع الوطني السوداني المعا ...
- في تآكل المنسأة أو كيف خسر التجمع السوداني المعارض ذاته والع ...


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - الحزب الإتحادي الديمقراطي مابعد المرجعيات،كتاب التيه التشظي و المبادرات