أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة المانع - إفرحْ يا قلبي















المزيد.....

إفرحْ يا قلبي


سميرة المانع

الحوار المتمدن-العدد: 1877 - 2007 / 4 / 6 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


لا أحد يصدّقها. ستذهب للعراق. شخصت الانظار اليها. شهقت بعض النسوة الجالسات معها بفزع مستنكرات الفكرةَ. كيف ستسافرين؟! هل هناك طائرات؟! كيف ستطمئنين على حياتك؟ هل أنت مجنونة؟! كنّ مجمعات على ثنيها. أبدين الاصرار والعزم على إخافتها كي تعدل عن نيتها أثناء ما كانت معهن في الغرفة بلندن. هذا الموقف يعكس مدى الفوضى بعد سقوط النظام السابق و نجاح الإعلام الهائج في السنوات الأخيرة في تصوير منظر الفظائع كل يوم على شاشات الفضائيات التلفزيونية، حول ما يجري هناك بعد سنة 2003 واحتلال العراق من قبل الاميركان. باعتقادها، إنّهن معذورات. مشاهد مخيفة مؤلمة لا تُنسى . لا يلام مَنْ يرتعب أو يقلق مما يجري ويمارس من قبل مَنْ يدّعي أنه إسلام في هذه الأيام أو محاربة المحتل. لا يمكن نسيان منظر ملثمين يطبرون رؤوس ضحاياهم بسيوف حادة، ومن خلفهم على الحائط عبارة ( لا اله إلا الله) تدعو إلى الورع والتقديس عند المسلمين. ظلت نهى صامتة مع ابتسامة غامضة، فيها كل أنواع الحيرة والتفاسير.
تسير ببغداد في الشوارع نفسها التي هجرتها قبل أكثر من عشرين عاما. شوارع منطقة ( الكرادة ) الاليفة، الممتلئة بصديقات لها تعرفهن منذ الصف الابتدائي. تسمع كلام الناس المعتاد. ترى أطفالا يلعبون الخرز في الطرق الجانبية، ينحرفون جانبا إذا ما شعروا بخطر مرور سيارة قادمة. كيف تفهم هؤلاء الصديقات والمعارف الجديدات الودودات الحريصات على حياتها أن طعم صديق الماضي له مذاق خاص، مشتاقة لتذوقه كرطب البصرة الطازج الاشقر في بداية الموسم. قلبها يطفر من الفرح والبهجة كلما تذكرت ما سوف تشم وتسمع وترى في حالة السفرالمرتقب. ظلت صامتة في المقعد أمامهن، عنودا لا يتزحزح موقفها. كتمتْ نوازعها الغرامية في الشوارع المغطاة بالاوحال أيام المطر هناك، والتي يدعي البعض، اليوم، أن فيها سيارات مفخخة وخاطفين مجرمين وعصابات دينية، تجول وتصول مهاجمة المرأة السافرة المطمئنة بسيرها والسعيدة بشعرها المتحررمن الحجاب واللفائف، يرفرف في الهواء الطلق بالطريقة التي سارت بها هي نفسها وصديقاتها في الماضي بشكل طبيعي. متأسفة لما يحصل حاليا راجعين للقرون الوسطى بدل مجاراة العصرالحديث. اكتفت بالردّ على الصديقات الجدد لتطمينهن أنها لن تذهب إلى بغداد العاصمة نفسها وإنما إلى الشمال أو ما يعرف بـإقليم كردستان العراق حيث الأمن شبه كافٍ ، كما تسمع من الآخرين.
زيادة في التطمين، أخبرتهن أن اختها لمياء ستذهب معها إلى كردستان . إنه لقاء العمر بالتأكيد، لقد اتفقتا معا على الذهاب. اتصلتا بامهما ببغداد وتمّ تحديد الموعد. سيلتقون جميعا قريبا . يحضر أخوها أيضا مع أمها في شهر آب القادم. بعض النسوة الجالسات يعرفن جزءا من ماضي نهى، شاهدنها مع اختها لمياء في بعض الأيام حين يقفن أمام مدرسة الأطفال . لكنهن لاحظن أن الأخيرة لا تأتي معها إلى هذا التجمع النسوي المسائي الشهري، مع العلم أنها عرفت بفكرة موضوع ( نادي الكتاب) قبلها. سمعت به من جانيت والدة الطفلة ديانا والتي لها علاقة بتأسيس التنظيم، أثناء سيرهما معا في الطريق العام، راجعتين إلى بيتهما بعد إيصال اطفالهما للمدرسة في صباح يوم ما، كالعادة :
- لقد تمت موافقة بعض الامهات من بيننا كي نجتمع شهريا في بيت واحدة منا لمناقشة رواية نختارها من أجل ملء الفراغ والتسلية.
- وما شروط الانضمام .
تساءلت لمياء وكان آهتمامها منصبا على إمكانية قبول نهى فيه، لإدراكها مدى حب الأخيرة للقراءة ومحاولاتها لتأليف رواية، في وحدتها المضنية، بلندن حاليا.
- لا شئ، مجرد أن تكون محتاجة للمشاركة مع مثيلات لها يحببن الاطلاع على الكتب والروايات، للاستئناس وتمضية الوقت.
هكذا نقلت لمياء الخبرالى نهى بسرعة كبيرة. وجدتها فرصة ثمينة لتشركها مع محبي القراءة من على شاكلتها. وسرعان ما تمّ انضمام نهى للتنظيم بسهولة قصوى .

تجتمع النسوة في بيت إحداهن بشكل دوري، فيما أحببن أن يطلقن عليه، هذه الأيام ببريطانيا وفي بعض البلدان الغربية، بـ ( نادي الكتاب). معالجات السأم والكآبة في بيوت حديثة اشتهرت العائلة المصغرة فيها بقلة عدد أفرادها بدل العائلة المتشعبة بالاقارب في الماضي. ناهيك عن مجتمع اكتسحته الروح المادية والسرعة مع ضيق الوقت، لتنقطع الزيارات والعلاقات الاجتماعية الدافئة المؤثرة . نظمّتْ هؤلاء النسوة موعد لقائهن، مفضلات الساعة الثامنة ليلا. بعضهن، ربات بيوت متزوجات مشغولات طيلة اليوم، يسرعن في التهيؤ للمجئ حالما يعود الزوج مساء من عمله في الخارج، تاركات أمور الدار له، غير خافيات السرور والغبطة في الخلاص من الأعباء المنزلية الثقيلة المملة . يجلبن معهن بعض أكياس كرز صغيرة أو إذا شئن شيئا من العصير والمرطبات والفطائر. يصلن كطالبات مدارس حريصات على الدوام ، حاملات كتابا اتفقن على اختياره منذ اللقاء السابق، من أجل مناقشته في اليوم المقرر. كل امرأة حاضرة جسور ماسكة كتابها أو تضعه في حقيبتها بعد أن أكملت قراءته طيلة الشهرالفائت. عند اكتمال الحضور في الغرفة يبدأن باستعراض ما وجدن في صفحاته من اسلوب مشوق، ابطال وشخصيات. حوادث ومفارقات مضحكة ومحزنة، شجون والآم ، أفراح ومسرات، تماما كما يحصل في هذه الحياة. تنفضّ الجلسة بعد استكمال مناقشة الآراء حول ذلك كله، معلقات على سلوك أبطال الرواية وما مرّوا به من ظروف ، كيف تصرفوا إزاءها، نوع الاخطاء وما واجهوا من مشاعر وحلول، معوقات وفشل وذرائع. يزداد عدد النسوة الجالسات في الغرفة بعد ذلك بلندن، حقا. يصبح عندهن خزين كافٍ من الحيوات المضافة لحياتهن، منتعشات بمعرفتها كبشر موجودين فعلا ، من دون تكلفة، أو مسؤولية في تقرير مصيرهم. في نفس الوقت، ينسين التشكي والحسرة بسبب الملل والتكرار، ضجرات من حياتهن الروتينية اليومية الخاصة.
بعد الانتهاء من مداولاتهن وتعليقاتهن، يضعن الكتاب المخصص جانبا، ليبدأن بالتفكير في رواية أخرى جيدة يتفقن على قراءتها في الشهر القادم ومن ثم مناقشتها معا. يستمررن بطرح عدة أراء مبديات إعجابهن بهذا أو ذاك المؤلف أو المؤلفة، يتفقن، أخيرا، على كتاب جديد يفوز بالموافقة عليه بمرونة وضحك ودعابات من هذه أو تلك، دون تهجم أو زعل، كونهن يعتقدن أنه جدير بالمطالعة بموافقة الاغلبية (الساحقة ) كما يصطلح عليه السياسيون في أماكنهم الرسمية المتجهمة المتكررة . تنفض الجلسة لتعود النسوة لبيوتهن وأزواجهن والاطفال، وكأن كل واحدة منهن لبست ثوبا جديدا جذابا أنيقا، بعد أن خلعت صدرية المطبخ العادية ذات الموديل الواحد.
بين حين وآخر تُطلع نهى أختها لمياء، وهي في البيت، على آخر هذه الكتب الصادرة حديثا وقد سمعت عنها عن طريق ( نادي الكتاب) أو في الصحف. تشوقها مع بعض الحماس كي تقرأها معها أيضا. تزداد فورتها وانفعالها مرات أخرى حين تشعرأنها كتبت نصا أدبيا هي نفسها بالذات. تظل رغبتها قوية، في اطلاع اختها عليه ، منتشية باحساس لذيذ ساحرلا يقاوم لإفشاء سرها المختبئ بين الصفحات. في بعض المرات، أثناء ما تكون وحيدة في شقتها، إذا يئست من الوصول إلى هدفها المقصود في التعبير بالكلمات، تمسك فرشاة وتبدأ بالرسم. إنها مصرّة أن تترك أثراً في هذا الكون، على ما يظهر، عن طريق الفن، أو ليشار اليها بالبنان كما يقال . لكنها تعترف كون أختها لمياء، على العموم، العين الثالثة الزاجرة لها في مثل هذه الملمات. تكبح غرورها وتماديها. تظهرالأخيرة قارئة شديدة النقد في آرائها، نافذا صبرها، معظم الوقت. فمثلا، بالأمس، عندما اطلعتها على مقطع كتبته عن الحرب الأخيرة بالعراق وقد وضعت له عنوانا: " البرابرة لا يسمعون" أشعرتها أنها تريد أن تقول شيئا حاداً حول كتابتها لكنها مترددة خوفا من أن يكون وقع كلماتها قاسيا عليها. طمأنتها بالحرف الواحد:
- أرجوك قولي ما بدا لك.
أصرت نهى عليها كي تقول الحقيقة. حالفة بمقدساتها أنها مستعدة للاستماع بارتياح بالغ لأيّ نقد مهما كان، سواءٌ معها أم ضدها. أريد التوضيح رجاء. لا بأس من الاختلاف معي. ظلت تلحّ عليها. تشجعت لمياء، منفرجة اساريرها، تسمع هذا الموقف المتسامح لتبدأ بتوجيه سهامها :
- إنت تريدين أن تقولي شيئا لكن لا تستطيعين بسبب العجلة باختصار الفكرة التي انت بصددها.
- أراها واضحة.
- عندك فقط. كيف سيفهم القارئ مرامك وما تقصدين؟! الكتابة هي من اجل الآخرين قبل كل شئ، وليست طبخة في إناء لك أنت وحدك، تحبينها وتشتهينها.

أرادت لمياء ، ناقدتها، أن تقول اشياء أخرى ناخسة مؤلمة، لو لم تخش ايذاءها : إن طبخك غير ناضج، مجرد سرد واستطراد دون توتر داخلي فني. لا روح فيه، دون نكهة. ليس بذي طعم.. يجب ألاّ تتصوري أنه صار طبقا شهيا، بمجرد وضعه على النار. سكتت حذرة خوفا من أن تجعل الجروح عميقة خطرة.

ما الحل يا نهى ؟ لاحول لها، سوى أن تذهب إلى ( نادي الكتاب ) مساء، كما أخبرتها قبل قليل. حان موعدها مع بقية النسوة. أرادت تغيير الموضوع مسرعة:
- ذكرت النساء القارئات معنا، أن محلات بيع الكتب الكبرى بلندن على علم بهذه الصرعة الأخيرة الجديدة، في هذه الايام، بين النساء البريطانيات بتأسيس نواد للكتاب. بدأوا بتخفيض سعرالرواية للمنتميات للنادي، الناويات على قراءتها ومناقشتها من أجل تشجيعنا.
- أحقا ذلك، أتصور فكرة ( نادي الكتاب)، في البداية، جاءت بها المرأة الاميركية.
- يمكن. على ما يبدو، عرفت هذه المرأة معاناة العصر الحديث أكثر من غيرها. بدأ عصر السرعة عندهم و تفشت الروح المادية الاستهلاكية في مجتمعهن كما نسمع، والمرأة ذكية .
أظهرت لمياء آهتماما بهذا الخبرالتجاري السارّ وتفسير أختها. ستعود نهى إلى شقتها إذن، كي تتهيأ، لا بأس. ستقرأ للآخرين بدلا من التركيز على نفسها وكتابتها الآن، أطمأن بالها عليها.
++++++++++++++++

هيأت نفسها ووضعت كتابا في حقيبتها خارجة من الدار. لله دركِ، كيف تمكنتِ من مشاركة معاناة نساء ورجال افغان تحت حكم طالبان بهذه الجودة والقدرة على الفهم والاحساس. قصة ( بائع الكتب في كابل) داخل حقيبة نهى تحملها قرب قلبها سائرة مسرعة إلى بيت إحداهن حيث اجتماعهن الليلة. امرأة صحفية نرويجية من أقاصي الدنيا، تذهب إلى افغانستان وتلتقي بصاحب مخزن لبيع الكتب فيتعارفان، يقترح عليها أن تسكن مع اسرته في العاصمة ( كابل) فتوافق لتعيش معهم ثلاثة أشهر. أية شجاعة؟! وكم كانت التضحية. ما مدى الاخلاص عند هؤلاء المثابرين أثناء البحث عن الحقيقة الممكنة . شئ منعش مسرّ أن لا يزال في الكون أناس كهؤلاء. تروي الصحفية النرويجية قصة البطل ( سلطان خان) متحديا السلطات رغم اعتقاله وسجنه ومشاهدته الجنود الاميين يحرقون كتبه في الشارع. مع ذلك يظل محاولا تزويد القراء بالكتب بطريقة أو بأخرى. قدمته المؤلفة النرويجية في تصوير ملون رائع للناس في مدينة مهدمة قذرة لكنها ليست مدحورة أو يائسة. فيها زواجات وعادات، أطعمة لذيذة وأحاديث شيقة. أبناؤها يصارعون الحياة في ظروف شاقة ومعاملة وحشية.
صار كتاب( بائع الكتب في كابل ) نموذجاً وشاهداً على أهمية الكلمة البليغة المكتوبة على الورق بالطريقة التقليدية، في لفت الأنظار وحشد الشعور بإيصال المعلومة. بدت متفوقة بتأثيرها الفاعل على اساليب الاتصالات المسموعة والمرئية في ثورة المعلومات التكنلوجية الحديثة. تمكنت المؤلفة من معرفة معاناة البشر بصبر وعناية ورأفة، ظروف عيشهم الصعبة بحميمية ومودة كريمة وكأنهم جزء من عشيرتها، من قومها، من عائلتها.
تذكرت نهى منظر إحدى النسوة بالعراق عندما تشعر بمجئ خطر كارثة قادمة، لتبدأ بدعاء مشهور للسماء، لا ينفك استخدامه قائماً، حتى اللحظة، ملخصه حصرا:
" اللهم احفظنا واحفظ أمة محمد أجمعين " يعني يحفظ هؤلاء فقط وينجيهم من الكارثة دون بقية البشر الآخرين على الارض. لم تكن نهى ساعة سماعه، آنذاك في العراق، يثير آهتمامها أو تجد فيه غضاضة أو استحياء خجل. إلى أن خرجت من بلدها وعاشت هنا، بين أناس لا تعرفهم ولا يعرفونها سوى أنها إنسان، أو من بني آدم فقط. جعلتها هذه الصفة كافية لتصبح مقبولة عندهم. تُعطى لها أهمية خاصة. أجل، وصلت نهى الدار متأكدة من العنوان، قافزة الدرج للوصول إلى الباب قارعة الجرس.
وجدتهن جميعا مكتملاً عقدهنّ. عشر نسوة من مختلف الاعمار والأجناس المتواجدة بلندن اليوم. تشعر بالسعادة أن تعاشر أيا كان منهن. همها أن لا تكون صاحبتها متعصبة، وكفى .
ما فائدة قراءة كل هذه الكتب إذا لم نتعلم منها شيئا مفيدا. شيئاً واحداً في الأقل، هو لمصلحة الجميع. يشير إلى نقطة مهمة وجوهرية في الخلق، هي تشابه البشر على نطاق الكرة الارضية كلها. آنذاك، تعطى حقوقهم كافة بإنصاف. هل نستطيع أن نكف عن التنابز والشعور بالتفوق على بعضنا بعضاً، يوما.
جلست على أقرب مقعد وجدته أمامها وكان البعض مسرورا بمجيئها ولقائها حية، و بتعبيرها، أنها لا زالت حية تُرزق :
- إذن لن تسافري للعراق؟
- من قال ذلك، نحن نتهيأ، لم يحن موعد السفر بعد.
نسي البعض كتاب ( بائع الكتب) المفروض مناقشته بينهن، اللحظة، مكتفيات بالتعليق على آخر ما قرأن أو شاهدن في التلفزيون والفضائيات المفزعة قبل ساعات من مجيئهن. أعدن قصة أحدهم حين فجّر نفسه في سوق خضار في منطقة شعبية ببغداد اليوم ليقتل أربعين نفسا ما بين طفل وعجوز، رجال ونساء. أردن إيضاحها وتعليقها بالخصوص كي يفهمن مغزى ما يجري بالعراق. انبرت الباكستانية البعيدة عنها كي يأكلن، الآن، بقلاوة جلبتها معها من مخزن ( الجمعية التعاونية)، لكن المناخ النفسي لا يساعد على ذلك. الجميع آذان اسرعت للاصغاء. لسماع ما ستقوله نهى لهن، أولا :
- أنا مثلكن لا استطيع أن أفسّر ما أرى. شعوري أن بعض كتابات المرأة تكتب ما يساعد البشر على عدم التطرف وسعة الصدر والرحمة. مهتمة بمعالجة قضايا العنف والتمييز واللاعدالة، الدكتاتورية والتسلط. أتذكرن لقد مررنا بكتاب ( قراءة لوليتا في طهران) ومؤلفته امرأة ، والآن لدينا ( بائع الكتب) وهناك العشرات بل المئات من النساء يحاولن معالجة أمور في غاية الاهمية والخطورة اليوم. لم يعدن مشغولات فقط بـ ( الأنا النسوية) أو القضايا الشخصية الخاصة.
ضحكن بتردد :
- وهل يسمحون لها ولكتاباتها بالظهور من دون رقابة أوتهديد، وعيد وتخويف، كما نسمع في أحيان كثيرة؟!

- أراها تحاول، مخلصة، أن تقول شيئا مفيداً وضرورياً حول ما يجري في هذا العالم هنا وهناك. أعتقد هوس بعض الرجال، عندنا، بالجنس والدين معا ، أجّج المشكلة وعقّّّّدها، في منطقتنا في الأقل. ألجأ بعض الشباب المنفعل المراهق المقهور المحروم، أو من هو دون سن الاربعين كما نلاحظ، إلى قتل نفسه من أجل الوصول إلى الجنة، حيث النساء متوفرات من دون معصية دينية، بحجة أن الخالق وفرهن لهم بأعداد كبيرة، بمجرد وصول الشاب شهيداً، كما قيل له. ربما يستخدم البعض المخدرات ليجد الشجاعة الكافية للفتك بنفسه وبالابرياء المساكين من حوله منتقما حاقدا من الحرمان الجنسي ومعاناة الحياة الأخرى، لاشك. لكن معاناة البشر موجودة منذ أبد الآبدين ، إلا أننا لم نسمع بمن فجر نفسه ليقتل الآخرين معه.
- و هل تتصورين المرأة مختلفة عن الرجل؟
ضحك الجميع بصوت عالٍ، متذكرات ما اقترفته بعض النسوة المعروفات من جرائم مختلفة. اسماء السياسيات الشريرات الطامعات بالسلطة والقيادة، حب الظهور والنرجسية. التفت الجمع إلى كتاب ( بائع الكتب). عدنَ اليه، فاتحات صفحات منه. ظهر منطق نهى أمامهن مهزوزاً ضعيفاً. هي تميل لقيم المرأة، بصراحة، ناكرة أهمية جهود الرجل في هذا المجال. تضفي عليها هالة ومجدا كاذبا مزوّرا. تخفي مساوئها وعيوبها ، تغض الطرف عن سلوك خبيث يبدر من بعض المؤذيات منهن، بشكل واضح. تتجاهل عظماء الرجال الشجعان المفكرين الذين ظلوا يعالجون، مرارا وتكرارا، هذه القيم والمبادئ نفسها ، يجاهرون بها في كتبهم وأفعالهم، يتعرضون للاذى ويُضطهدون بسببها، منذ باكورة التأريخ . بكلمة أخرى إنها ليست موضوعية. عضت على شفتها السفلى آسفة، نادمة، متداركة خطأها، ليغفرن لها ما بدر.
هي نفسها متعصّبة، إذن، ولكن لبنات جنسها فقط. هل ُكتب التعصب على الانسان خلقة ليصبح طبيعة لا فكاك منها؟ تساءلت مع نفسها أثناء ما كانت تبتسم خجلى، متوردة وجنتاها.*

* الفصل الحادي عشر من رواية قيد النشر.

++++++



#سميرة_المانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درب الصدّ ما ردّ
- والنتيجة ؟!
- ربحتْ الجائزة
- وزّة في الخليج *
- القارات المنسية
- واخزياه


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة المانع - إفرحْ يا قلبي