أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - حقيقة الأخطاء الأمريكية وما حصل في العراق















المزيد.....

حقيقة الأخطاء الأمريكية وما حصل في العراق


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1858 - 2007 / 3 / 18 - 11:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أغالي إذا قلت أني صُدمت بمقالة الصديق سامي البحيري المنشورة في موقع إيلاف يوم 14/3/2007 بعنوان (أخطاء إدارة الرئيس بوش فى العراق والشرق الأوسط ). وليته توقف عند الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية والتي اعترف بها المسؤولون الأمريكيون أنفسهم قبل غيرهم، وليته وضع لنا لها الحلول والبدائل الصائبة لإنهاء محنة الشعب العراقي الذي كاد أن يفنى على يد أبشع نظام فاشي عرفه التاريخ البشري. ولكنه بدلاً من ذلك، انتقد الأخ سامي تحرير العراق وفضل إبقاء شعبه أسيراً تحت حكم صدام دون عون، كمثل ركاب طائرة مختطفة يقول لهم أنتم أنقذوا أنفسكم بأنفسكم خوفاً من أن يفجر الجناة الطائرة بمن فيها ويقتلوا الجميع. إنه يفضل حكم صدام وكأن الشعب العراقي كان يعيش بأمان وسلام في ظل ذلك الحكم الجائر المقبور، وصدام لم يحوِّل العراق إلى أكبر مقبرة جماعية، ولم يقتل من الشعب نحو مليونين ولم يشرد حوالي خمسة ملايين آخرين في الشتات.

لا أحد يشك أو يشكك في ليبرالية الأخ سامي البحيري وإيمانه بالحرية ودفاعه عن حقوق الإنسان، وعدائه للأنظمة الاستبدادية في البلاد العربية والعالم كله، كما ولا أحد يشكك ببغضه لنظام صدام حسين بالذات وحزنه على الشعب العراقي وحرصه على سلامته. كذلك أؤيده على بعض أقواله مثل: أن القوات المحتلة لأي بلد هي المسؤولة عن فرض الأمن وحماية المواطنين والممتلكات من المجرمين والعابثين وأن أمريكا ارتكبت أخطاءً كثيرة وعلى رأسها التعجل بنقل الحكم إلى العراقيين وتطبيق الديمقراطية قبل بناء الدولة القوية. كيف لا أؤيده وأنا قد نشرت عدة مقالات بهذا الخصوص؟ ولكن مما يبعث على الحيرة والاستغراب هو ركوبه الموجة أخيراً إذ اختار الطريق السهل وهو تحميل الإدارة الأمريكية وحدها تبعة ما يجري في العراق من جرائم الإبادة، وتبرئة الجناة الحقيقيين المسؤولين عن معاناة الشعب العراقي من فلول البعث وحلفائهم التكفيريين البنلادنيين، وصب اللوم فقط على من أنقذ العراقيين من حكم الفاشية.

يقول الصديق سامي: "أعترف اليوم بأننى قد أخطأت عندما كنت أؤيد غزو العراق للتخلص من صدام حسين، وذلك على الرغم من كراهيتى المطلقة لصدام حسين كواحد من أقسى وأغبى حكام المنطقة...الخ".
من حق الصديق سامي أن يغيِّر قناعاته ومواقفه ويصاب باليأس والإحباط بعد ما رأى كل هذا القتل والخراب عقب سقوط الفاشية على أيدي فلول البعث الساقط وحلفائهم السلفيين التكفيريين، ولكن من حقي أيضاً أن أوضح له وللقراء الكرام بعض الحقائق التي يبدو أن الكاتب أغفلها، وأود توضيحها لكي لا تضيع الحقيقة، وذلك كما يلي:

1- فشل كسب الرأي العام الأمريكي
يقول الصديق الكاتب أن الإدارة الأمريكية لم تجد صعوبة فى إقناع الرأى العام الأمريكى والعالمى فى حملتها على أفغانستان، بينما فشلت في كسب الرأي العام في حملتها ضد صدام حسين. لا اتفق مع هذا الرأي لأنه مخالف للواقع، فقبل بدء الحملة على العراق كان نحو 60- 70% من الشعب الأمريكي مؤيداً لحملة الرئيس بوش لإسقاط نظام البعث في العراق. كما وصوت ممثلو الحزب الديمقراطي في مجلسي الشيوخ والكونغرس لصالح قرار الحرب. ولا ننسى أن الرئيس جورج بوش قاد الحرب على العراق في ولايته الأولى، ولو لم يكن الشعب الأمريكي راضياً عنه لما أعاد انتخابه للولاية الثانية. وحتى بعد تصاعد تكاليف الحرب المادية والبشرية ونتائج استطلاعات الرأي التي أظهرت تدنياً في شعبية بوش إلى أدنى حد 20-30% إلا إننا لو آمنا بصحة نتائج هذه الاستطلاعات لكان المفروض أن تنعكس هذه النتائج وبنفس النسبة على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بينما رغم هذه الضجة هناك فرق طفيف في نسبة المقاعد بين الحزبين، ففي مجلس الشيوخ بفارق مقعد واحد فقط، وحدود عشرة مقاعد في مجلس النواب لصالح الحزب الديمقراطي. ومع ذلك فشل الديمقراطيون في المجلسين في إفشال ما طالب به بوش من ميزانية ودعم الحرب في العراق. لذلك ندعو الأخ سامي أن لا يعتمد على نتائج استطلاعات الرأي لأنها مضللة ويتم التلاعب بها حسب أهواء الجهات المنظمة لها، والأصح هو الاعتماد على نتائج الانتخابات العامة، فهي الأصدق. على أي حال لا ينكر أن هناك صعوبات تواجهها إدارة بوش في العراق، ولكن لا يعني هذا أن الشعب الأمريكي سيتراجع في الحرب على الإرهاب ويترك العراق إلى الإرهابيين. فبعد أن برزت الصعوبات ومشاكل الإرهاب، بدأ التأييد يتناقص، وتخلى الحزب الديمقراطي عن موقفه السابق، وبدأت الانتقادات لإدارة الرئيس بوش ووصفه بالكاوبوي وغيره من الصفات، وراحوا يقترحون الوصفات العلاجية ولكن بعد فوات الأوان. يقول المثل الإنكليزي: بعد فوات الأوان الكل أذكياء After the event everybody is clever .

2- استعادة طالبان لقوتهم:
يوعز الأخ سامي سبب تصاعد قوة طالبان في أفغانستان في الآونة الأخيرة إلى انشغال القوات الأمريكية في العراق. وهذا أيضاً مخالف للواقع. إن سبب استعادة طالبان لقوتهم في أفغانستان ليس لانشغال القوات الأمريكية في العراق، أو لنقص القوات الأمريكية هناك، بل بسبب دور النظام الباكستاني المزدوج مع الأمريكان وطالبان من جهة، حيث صارت باكستان ملجأً لطالبان ومركزاً لتجنيدهم إضافة إلى آلاف المدارس الدينية التي تعمل على زقهم بآيديولوجية الموت وتحويل الألوف من الصبيان إلى روبوتات بشرية تعشق الموت وتكره الحياة وتحثهم على المنافسة الشرسة فيما بينهم للحاق بحور العين والولدان المخلدين. إضافة إلى مليارات الدولارات من تبرعات أثرياء الخليج وفتاوى أئمة المساجد.
فعملية تقدير قوات كافية لمحاربة العدو أشبه بتقدير جرعة الدواء الكافية للمريض، وزيادة الجرعة ومضاعفتها لا تعجل في الشفاء، بل ربما تضر بالمريض. فالاتحاد السوفيتي فشل في القضاء على المليشيات الإسلامية وخاصة (طالبان) رغم أنه كان قد كدس أكثر من 300 ألف جندي في احتلاله لأفغانستان. وسبب فشله هو الدعم الباكستاني والغرب للمجاهدين الإسلاميين. بينما مجموع القوات الأمريكية اليوم في أفغانستان لا تزيد عن 20 ألف جندي واستطاعت هذه إلحاق الهزيمة بطالبان وإقامة نظام ديمقراطي.
كما بينت أعلاه، إن سبب تصاعد نشاطات طالبان مؤخراً هو الدور المزدوج الانتهازي القصير النظر الذي يلعبه نظام الحكم في باكستان، بغض النظر عن كونه ديمقراطي أو عسكري. وهذا يعود إلى العداء التاريخي والإستراتيجي الباكستاني لأفغانستان حيث استحوذت باكستان على نحو 70% من أراضي البشتون الأفغانية بعد الاستقلال في أربعينات القرن الماضي. ومنذ ذلك التاريخ وباكستان تعمل على إبقاء أفغانستان ضعيفة بخلق المشاكل لها. وهكذا دعمت حكومة بناظير بوتو طالبان عسكرياً إلى أن سيطروا على الحكم. واستمر الدعم في عهد الرئيس برويز مشرف رغم علاقته الحميمة العلنية مع أمريكا. لذا لا يمكن سحق عصابات طالبان والقاعدة بمجرد مضاعفة أعداد القوات الأمريكية هناك، بل بتجفيف منابع الإرهاب وذلك بغلق عشرات الألوف من المدارس الدينية التي تنشر آيديولوجية الإرهاب في باكستان، أو تغيير مناهجها وتحويلها إلى مدارس حكومية نظامية، ومصادرة أموال الإرهاب ومعاقبة المتبرعين لها وشن حملة تثقيفية في محاربة الفكر السلفي الظلامي ونشر فكر التسامح والتعايش السلمي مع مختلف الأقوام والديانات والثقافات.

3- افتعال أسلحة الدمار الشامل
يقول الصديق سامي: "إفتعلت إدارة الرئيس بوش مسألة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق،...الخ" هل حقاً افتعلت إدارة بوش وجود هذه الأسلحة؟
أولاً، ما المقصود بأسلحة الدمار الشامل؟ هناك ثلاثة أنواع من هذه الأسلحة: الكيمياوية، والجرثومية والنووية. والمعروف أن صدام حسين استخدم الأولى في حربه ضد إيران، وهذه موثقة عالمياً. كما واستخدم صدام (الغازات السامة) ضد شعبه، الأكراد في حلبجة، والعرب الشيعة في مناطق الأهوار، وهذه أيضاً موثقة عالمياً. أما السلاح النووي، فصدام هو الذي كان يتباهى أمام الإعلام العالمي بأن نظامه سيمتلك قريباً هذا السلاح، وشهادات علماء الذرة العراقيين من أمثال خضر حمزة وحسين الشهرستاني موثقة أيضاً. كما وإن صدام هدد بحرق نصف إسرائيل.. فكيف والحالة هذه "إفتعلت إدارة الرئيس بوش مسألة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق،...". أما إذا لم يتم العثور على هذا السلاح فهذا يعني إما أن انه مازال مخفياً في مناطق صحراوية أو تم تهريبها إلى سوريا كما يعتقد البعض، أو هي غير موجودة فعلاً، وحتى في هذه الحالة فصدام هو الذي تصرف بشكل أعطي انطباع امتلاكه لهذا النوع من السلاح. وفي جميع الأحوال ليس هناك أي خلاف أن صدام حسين كان يسعى لامتلاك السلام النووي.
يقول صموئيل هانتنكتون في كتابه (صدام الحضارات) بهذا الخصوص، أنه لو أجل صدّام حسين احتلاله للكويت ثلاث سنوات أخرى لما استطاعت أمريكا إخراجه منها لأن صدام عندئذٍ، كان قد امتلك السلاح النووي وكان بإمكانه ليس الاحتفاظ بالكويت فحسب، بل وحتى احتلال جميع الدول الخليجية بما فيها المملكة العربية السعودية، لأن في هذه الحالة لا تخاطر أمريكا بشن حرب على دولة تمتلك السلاح النووي.
فمسألة امتلاك السلاح الدمار الشامل ليس افتعالاً بل إن صدام حسين هو الذي أعطى هذا الانطباع عن نفسه للعالم، وكما يقول المثل العربي "على نفسها جنت براقش".

4- إشكالية حل الجيش العراقي
تطرقت إلى هذه الإشكالية في مناسبات عديدة، ولكن يبدو من الصعوبة جداً تغيير قناعات مسبقة. لذا لا بأس من أن أعيد فقرة ذكرتها في مقال سابق لي بهذا الخصوص قلت فيها: "إن حل الجيش العراقي، وإنْ أعلن بقرار أمريكي، إلا إنه كان مطابقاً لقرار مسبق كان قد اتخذه صدام حسين قبل سقوط نظامه. فكما جاء في تصريحات بعض البعثيين القياديين، فقد تداول صدام هذا الأمر مع كبار مساعديه وأخبرهم أنه في حالة نشوب الحرب مع الأمريكان ليس بإمكان الجيش مواجهة القوات الأمريكية في حرب نظامية، وعليه يجب اختفاء الجيش عن الأنظار للحفاظ عليه وعلى عتاده، ولخوض حرب العصابات مع القوات المحتلة فيما بعد بدلاً من الحرب الكلاسيكية. ولذلك عندما احتل الأمريكان العراق وجدوا جميع المعسكرات فارغة ومنهوبة، ولا أثر للجيش. ولاشك أن جميع الأعتدة والذخيرة مخزونة في مخازن سرية تحت سيطرة فلول البعث لهذا الغرض منذ ذلك الوقت.
والمعروف أن بول بريمر، الحاكم المدني لقوات التحالف في العراق قد استلم الإدارة في 3 مايس/أيار 2003، أي بعد نحو شهرين من سقوط النظام الفاشي، وطيلة هذه الفترة لم يكن للجيش أي وجود. لذا فقرار بريمر بحل الجيش كان عبارة عن توقيع شهادة وفاة ليس غير. ومع ذلك فلا يصح إلا الصحيح. فالجيش العراقي كان مسيّساً ومؤدلجاً وكان سبباً لعدم استقرار العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، حيث كان يقوم هذا الجيش بالانقلابات العسكرية المتلاحقة. وهكذا جيش لا يمكن أن يؤتمن جانبه على نظام ديمقراطي.
أما القول بأن " حل الجيش العراقى وتسريحه، وفجأة وجد أكثر من نصف مليون عراقى أنفسهم بدون عمل وفى أيديهم السلاح فقد كان من البديهى توقع أن يتحول هؤلاء الجنود لضرب من فصلهم من أعمالهم،..." فهو قول يجانب الحقيقة أيضاً.
هناك بعض الحقائق يجب توضيحها وهي: لم يكن تعداد الجيش العراقي نصف مليون جندي قبيل سقوط حكم البعث، بل كان في حدود 300 ألف جندي. وجميع الجنود كانوا مكلفين (خدمة إجبارية) عدا الضباط وضباط الصف. وكانت رواتب المكلفين رمزية تافهة لا تسد رمقاً. كما وكان الجنود وعائلاتهم يعلنون الأفراح وينحرون الذبائح عند تسريحهم من الجيش. لذلك كان تسريح الجنود مناسبة فرح وليست غضب لكي ينظموا إلى منظمات الإرهابيين.
والآن وبعد بناء الجيش العراقي الجديد لم يكن هناك جنود مكلفون بل متطوعون وبرواتب مغرية ومعظمهم من الجيش السابق. فقد بلغ تعداد المتطوعين في القوات المسلحة الآن نحو 300 ألف جندي، أي كما كان في السابق، وبرواتب تفوق مائة مرة ما كان يتقاضاه الجندي والضابط في عهد صدام. كذلك تم ضم أكثر من 90% من ضباط الجيش السابق بعد أن تم تأهيلهم، ولم يستثنى منهم إلا العدد القليل من أصحاب الرتب العالية، ومعظمهم كانوا في سن التقاعد وجميعهم منحوا رواتب تقاعدية تفوق عشرات المرات ما كانوا يستلمونه في عهد صدام، وأغلبهم يمارسون الآن أعمالاً أخرى. فراتب الضابط في عهد صدام كان يعادل نحو ثلاثة دولارات فقط، أما اليوم فأقل راتب يعادل نحو 300 دولار، وهذا مبلغ محترم في ظروف العراق.

5- الموقف من البعثيين
يقول الكاتب: "الأمر بإستبعاد البعثيين السابقون من العملية السياسية كان عملا غير ديموقراطى،..". فمن جهة ينتقد الأخ سامي بول بريمر لإسراعه في تطبيق الديمقراطية في العراق فيقول: "إعتقد بول بريمر بأنه يمكن تطبيق الديموقراطية في العراق بجرة قلم..." وأنه لم يستفد من تجربة الجنرال مكارثي في اليابان حيث حكمها حكماً مباشراً لخمس سنوات، ولكنه من جهة أخرى يعتبر التعامل مع فلول النظام البعثي عملاً غير ديمقراطي.
أولاً، كان هناك مليونا بعثي ومعظمهم انتموا للحزب إيثاراً للسلامة ولحماية مصالحهم وهم أبرياء. ومعظم هؤلاء أعيدوا إلى وظائفهم، ولم يستثنى منهم غير عدد قليل لا يتجاوز 15 ألفاً من الذين تلوثت أياديهم بالجرائم ضد الشعب. وحتى قسم من هؤلاء يمكن تأهيلهم في المستقبل لو هم قبلوا. إن المشكلة ليس في قبول بول بريمر أو الحكومة العراقية الحالية في مشاركة البعثيين في العملية السياسية، بل المشكلة أن البعثيين هم الذين يرفضون المشاركة والمصالحة، وشعارهم إما أن هم يحكموا العراق أو يدمروه. وهذا هو النهج الشمشوني القائل "عليًّ وعلى أعدائي يا رب، وليكن من بعدي الطوفان". وهذا يا أخي سامي له علاقة بعشرات السنين من عملية التجهيل المتعمد وغسيل الدماغ والموروث الاجتماعي البدوي، وليس له أية علاقة بأخطاء الإدارة الأمريكية.
كذلك إن معظم الانتحاريين هم ممن لا علاقة لهم بالعملية السياسية في العراق وليسوا عراقيين أساساً، بل هم جاءوا من خارج الحدود وبعد أن قام أئمة المساجد بغسل عقولهم وتحويلهم إلى مفخخات بشرية. كذلك استفاد فلول البعث مما نهبوه من الجيش من أسلحة وذخيرة إضافة إلى استخدامهم التكنولوجية المتطورة مثل الهواتف النقالة واستخدامها في تفجير المفخخات والعبوات من مسافات بعيدة. فما علاقة تفجير دور العبادة والجامعات والمعاهد بالمقاومة "الشريفة" أو تسريح الجنود أو طرد البعثيين أو أخطاء الإدارة الأمريكية؟ إنها آيديولوجية البعث وحلفائهم التكفيريين.

6- الاستفادة من التجربة اليابانبة
ينتقد الأخ سامي الأمريكيين في عدم تعلمهم من تجربة الجنرال مكارثي في اليابان، ونسي أن هناك فرقاً كبيراً بين أي بلد عربي إسلامي مثل العراق من جهة واليابان وأي بلد غير عربي من جهة أخرى. وأهم هذه الفوارق هو الموروث الاجتماعي أي الثقافة (culture). فالثقافة العربية الإسلامية هي معادية لكل ما هو غير عربي وغير إسلامي حتى ولو كان في صالحهم، ناهيك عن الآيديولوجية البعثية وتركة حكم البعث. بينما الثقافة اليابانية تتقبل الثقافات والحضارة الغربية بكل رحابة صدر ودون أية مقاومة. كذلك استسلمت اليابان بعد خمس سنوات من الحرب المدمرة بما فيها استخدام القنبلة النووية ضدها، ولما استسلم الجيش الياباني كان منهكاً ومصاباً بالإعياء ولا طاقة له بمواصلة المقاومة، بينما دامت حرب احتلال العرق ثلاثة أسابيع فقط ودون مقاومة تذكر، وبذلك حافظ الجيش العراقي وخاصة القسم المؤدلج منه على طاقاته وفق نصيحة صدام حسين لشن حرب العصابات فيما بعد كما ذكرنا آنفاً. والفرق المهم الآخر بين اليابان والعراق هو أن في اليابان بعد الاستسلام بقيت مرجعية مقدسة عند الشعب الياباني المتمثلة في الامراطور-الإله، هيروهيتو، والذي لا يمكن لأي ياباني أن يعصي له أمراً. فدعاهم الامبراطور إلى الاستسلام وعدم المقاومة وانتهى الأمر، بينما كان الشعب العراقي يفتقر إلى مثل هذه المرجعية إضافة إلى تاريخه الدموي. لذلك فليس هناك مجال للمقارنة بين اليابان والعراق أو أي بلد عربي آخر.

7- الفساد الإداري
لقد كتبت بهذا الخصوص دراسة مطولة بأربع حلقات بعنوان (الخراب البشري في العراق (، وأنا واثق أن الصديق سامي يقرأ كل ما أنشر كما أنا أقرأ كل مقالاته المنشورة، ولكن مع ذلك لا أعرف لماذا يريد من الشعب العراقي وبعد تعرضه إلى كل هذا الخراب والدمار والتجهيل والتجويع والاستلاب والحروب لأربعة عقود من قبل أبشع نظام همجي عرفه التاريخ، يريد من هذا الشعب أن يتحول بين يوم وليلة إلى شعب ناضج عريق في الديمقراطية تماماً كأي شعب من شعوب أوربا الغربية وأمريكا الشمالية. وهذا مستحيل يا أخ سامي. إن الفساد سيستمر ولكن سيتناقص مع الزمن. المهم أن العراق ورغم ما يواجه من كوارث، إلا إنه على الطريق الصحيح وفي الاتجاه الصحيح للتخلص من كوارثه وإعادة إعماره، ولا يمكن مطلقاً إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، أو التخلي عن النهج الديمقراطي، والديمقراطية هي وحدها كفيلة بحل المشاكل الناجمة عنها وتصحيح أخطائها.
إن خطوة الرئيس بوش وبلير في تحرير العراق هي حكمة من حِكَمْ التاريخ. فالتاريخ هو الذي يخلق القادة والمناسبات والتبريرات لتفجير زلازل التحولات التاريخية والاجتماعية والتي لا تختلف عن الهزات الأرضية بأعلى درجات ريختر. إن الزلزال الأمريكي الذي أسقط الفاشية في العراق لا يقل تأثيراً عن التسونامي الذي هز جميع دول حوض المحيط الهندي عام 2005، ولا عن أي زلزال آخر، ففي جميع الحالات ذهبت مئات الألوف من الأبرياء ضحايا.
يتبع
وفي الحلقة القادمة سنشرح، أن ما حصل في العراق من حوادث عنف بعد سقوط نظام البعث الفاشي كان شراً لا مناص ولا بد منه.
ــــــــــــــــــــــ
مقالة ذات علاقة بالموضوع
الخراب البشري في العراق (أربع حلاقات في ملف واحد)
http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliqhussein.php?id=384



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الدستور وقانون النفط
- حول تعديل الدستور وقانون النفط
- حول مؤتمر بغداد الدولي
- إصرار إيران على دمارها الشامل
- الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ (2)
- الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ...!
- الاقتتال في العراق ليس طائفياً
- الإرهاب والوضع الراهن في العراق*
- لماذا تفشل مؤتمرات التقارب بين الأديان والمذاهب؟
- مؤشرات نجاح إستراتيجية بوش الجديدة
- هل حقاً أعدِمَ صدام لدفن أسراره معه؟
- تباكى الفاشيست على العدالة في العراق!!
- إعدام صدام، ما له وما عليه...
- إيران الإسلامية على خطى عراق البعث
- الحج: متعة أم فريضة؟
- درس عملي في التسامح للمسلمين من البابا بنديكت
- حول تقرير بيكر- هاملتون
- المشروع الديمقراطي في العراق والأوضاع الراهنة*
- هل سيعلن نصر الله ندمه ثانية؟
- في البَدء كانت الكلمة.. حوار مع القراء -3


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - حقيقة الأخطاء الأمريكية وما حصل في العراق