أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - علي جرادات - قنينة الماء














المزيد.....

قنينة الماء


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1837 - 2007 / 2 / 25 - 06:41
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


شهران مَرَّا..... وماهر في التحقيق.....يتعاقب المحققون على محاولة تحريك لسانه.....ينقلونه مِن مركز تحقيق إلى آخر..... تورمت يداه..... شَحب وجهه..... لم يرَ الشمس..... هزُل جسمه النحيل أصلاً..... غارت عيناه..... طال شعر رأسه ولحيته وشاربيه..... ساموه كل أشكال التعذيب....."شبحوه".....صلبوه.....رموه تحت المطر في ساحات مفتوحة.....حرموه مِن النوم.....سكبوا عليه الماء البارد.....بصقوا في وجهه.....أهانوه..... شتموه.....لطموه.....ضغطوا أماكن جسمه الحساسة.....رموه في الزنازين منفردا.....ضغطوا معصميه بالقيد.....هدَّدوه بالموت والنفي.....ساوموه....ظلَّ عصيا..... لم يُحرك لسانه بحرف يفيدهم.
اليوم الستين..... أفاق مذعورا.....كان يحلم بموت شقيقه.....قال لنفسه:
- هي كوابيس نوم الزنازين..... اعتادها.....كانت "تحية الصباح" جلبة حراس السجن.....فرك عينيه تهدل جفن يمناها لم يبرأ بعد.....كان محققا "لَكَمَهُ" عليها.....
بَلَّ ريقه برشفة ماء.....أعاد القنينة إلى زاوية الزنزانة.....خطرت بباله قهوة الصباح.....قال يحدث رغبته:
- أنَّى لي ذلك؟!!!.....وأضاف: والسيجارة هيهات!!!.....
أحس بغضبٍ يملأ صدره.....قام يتمشى في مساحة مِتْريْ الزنزانة..... لاح بباله الخواطر..... استوقفه سلوك ذاك المحقق القاسي.....كان تسبب له بكسر خفيف في فكه السفلي.....كان محقِّقاً في أربعينيات العمر.....متوسط الذكاء.....كثير الاستخدام لأطرافه.....كان ماهر يعجب كيف وصل هذا المحقق لرتبة الكولونيل.....رغم قلة استخدامه لدماغه.....أفصح له عن ذلك مرة يريد تحقيره.....
أوقف شريط أفكاره..... راح يعدُّ نفسه لجولة تحقيق تقترب.....مرَّت ساعتان..... تفاجأ مِن تأخر استدعائه.....بدأ يعدُّ احتمالات السبب.....كان كل احتمال ينفي الآخر.....قطع حبل تفكيره صوت مفتاح الزنزانة يدور وشرطي ينهره:
-" هات أغراضك واتبعني".
ارتدى سترته..... انتعل حذاءه..... تبع الشرطي....راح يفكر: "هات أغراضك"!!!..... تعني أحد احتمالين: نقلٌ لمركز تحقيق آخر..... أو نقلٌ لزنزانة أُخرى".
أوقفه الشرطي.....كبَّل يديه للخلف.....غطى رأسه بكيس شادري.....اقتاده.....سار ماهر مجرورا يتعثر في سراديب مركز التحقيق.....توقف الشرطي.....أمر ماهر بالتوقف..... أدار مفتاحا في باب..... فكَّ قيد يديه.....رفع الكيس عن رأسه..... ودفعه لداخل زنزانة.
تأَمل ماهر زنزانته الجديدة..... لاحظ خلوِّها من قنينة ماء للشرب.....قال للشرطي كاد يغلق باب الزنزانة:
-"أُريد قنينة ماء"!!!
-"مِنْ أين آتيك بقنينة"؟!!!
-"لم يقل لي مَنْ اعتقلني أن أُحضر معي قنينة من بيتي"!!!
-"حسنا، لا يوجد لدي قنينة"!!!
-"أنا بحاجة للماء"!!!
-"هذا ليس شأْني".!!!
-"شأْن مَنْ إذن"؟
-"لا اعرف"!!!
أدرك ماهر سادية الشرطي..... فكر في كيفيةٍ لترويضه وسأل:
-"هل تعرف أن التوراة تدعوكم كيهود إلى تقديم الماء للعدو"؟!!!
-"نعم اعرف"!!!
-"إذن أريد ماءً"!!!
-"لا يوجد لدي قنينة"!!!
-"حسنا، هل تعرف إنسانا عاش بدون ماء"؟!!!
-"نعم"!!! رد الشرطي ببرود!!!
-"مَنْ"؟!!! بتعجبٍ سأل ماهر.
-"أَنتَ"!!! قالها الشرطي وانصرف.
بعد سنوات على الحادثة.....روى ماهر القصة لشقيقه استهجن وسأل:
-" الهذا الحد مِن القسوة "هُمْ"!!!....وكيف تدبرت أمر الماء"؟!!!
ابتسم ماهر يستعيد الحادثة في ذهنه وقال:
-"هُمْ" "أوحش" مِن ذلك..... انتظرت ساعات حتى جاء شرطي آخر وحصلت على الماء". وأضاف:
-"استخدمت هذه الحادثة للرد على محققٍ أمطرني بمحاضرة عن "ديموقراطيتهم"..... وقلت له:
- "هاكَ مثالاً على رسوخ "تربيتكم الديموقراطية"..... رويتُ له حادثة الشرطي وقنينة الماء.....وأنهيت كلماتي بنعت الشرطي بالسافل.....هاج المُحقِّق وماج وراح يلطم ويشتم.....سال انفعاله وقال:
- "أنا مَنْ أمر الشرطي حرمانك مِن الماء"!!!.... "انتم" سفلة وتستحقون تعاملا من هذا القبيل...."!!! قلتُ:
- "مَن "نحن"؟!!! ردَّ بانفعال:
- "أنتم العرب"!!! قلت:
- "كل العرب"؟!!! قال:
- "كلكم"!!! قلت:
- "نستحق حتى الحرمان مِن "ما جعل الله منه كل شيء حيا"؟!!! قال:
- "نعم"!!! قلت:
-"يبدو أنك في حالة عصبية"!!! قال:
- "بل بكامل هدوئي"!!! قلت:
- "إذا أنت عنصري وفاشي ولا يحق لك أن "تَخْطُبَ" عليَّ بديموقراطيتكم"!!!..... قال ولكماته تنهال على وجهي:
- "كيف لي أن أنتزع مِن فمك كلاما"؟!!! قلت صارخا:
-"حتى بالحرمان مِن الماء"؟!!! قال:
- "بكل وسيلة". قلت:
- "هل تعتقد النجاح"؟!!! قال بعنجهية بادية:
- "نعم"!!!..... قلت بثقة:
- "سنرى"!!!
غادر ماهر التحقيق.....لم يتحرك لسانه..... رحل شهيدا بعد سنوات.....التهمته تضحيات انتفاضة 1987.....رحل والده قبل استشهاده بسنوات..... تعلقت به والدته حد الجنون.....وحاولت معه تخفيف نشاطه الوطني.....رفض حتى قضى.....أعاق تقارب اعتقال زواجه ما كفَّت والدته عن "الزَّنِ" عليه..... وإتمام تعليمه كان يتمناه.....كان ماهر عاملا وسيما.....عيناه عسليتان واسعتان.....في وجهه غمازان يضحكان كلما تحدث.....كان يحب الناس أكثر مِن نفسه.....كان ماهراً.....



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيع السراب وحرث البحر
- الضربة الرئيسية
- حجران روسيان في المياه الراكدة والدافئة!!!!
- هم السجان ونحن السجين
- أعيدوني إلى السجن
- المُغَّب الحاضر
- ذاكرة حرية تسيل
- -الحرية مِن- وإعاقة التحرر الحالة الفلسطينية نموذج


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - علي جرادات - قنينة الماء