أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جرادات - أعيدوني إلى السجن















المزيد.....

أعيدوني إلى السجن


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1822 - 2007 / 2 / 10 - 11:22
المحور: الادب والفن
    


أعيدوني إلى السجن!!!
خامسهم إبراهيم. هُمْ أعضاء لجنة تمثيل الأسرى والحوار باسمهم مع إدارة السجن. كان إبراهيم أجرأَ زملائه وأكثرهم جسارة وصلابة. هزم محققي المخابرات الإسرائيلية غير مرة. سمَّاهُ زملاؤه "صوانة لا تنز". كان مبدئيا في كل شيء.
كان يوماً مِن أيام السجن الروتينية. بصورة مفاجئة، ومِن دون سابق إنذار، استدعى مدير السجن أعضاء لجنة تمثيل الأسرى. فاجأهم بنبأ قرار الإفراج عن عدد مِن الأسرى مِن دون تحديد العدد والأسماء. كعادته دوما يتقدم الصفوف كلما تطلب الظرف، بادر إبراهيم بالسؤال:
-"ما سرُّ الإفراج"؟
- "بادرة حُسْنِ نيَّة من حكومتنا، وتلبية لطلبٍ تقدمت به لجان "روابط القرى".
- "روابط القرى"؟!!! سأل إبراهيم مستغربا، وأضاف بعفوية: "روابط القرى حركة غير وطنية بمنظور شعبنا".
-"هذا شأنكم". قال مدير السجن.
-"حسنا". ختم إبراهيم.
عاد أعضاء لجنة تمثيل الأسرى إلى أقسام السجن..... أبلغوا زملاءهم بنبأ قرار إدارة السجن الإفراج عن عددٍ مِن الأسرى...... سكتت ألسن الأسرى إلا عن سؤال بعضهم بعضا: برأيكَ مَن سيغادر؟!!..... أتظن أن اسمي في القائمة؟!! وهل......وهل...... سيل طويل مِن الأسئلة والتوقعات والآمال تدور حول تقدير: محمد مضمون الإفراج عنه....كلا حسن....بل طارق....ولماذا تستبعد زياد؟!!......مستحيل!!!......بل وارد.......إبراهيم.......ذاك المستحيل بعينه!!!....لا تكن متشائما......لماذا التفاؤل؟!!!......كل شيء وارد......سيقتصر الإفراج على مَن تبقى لهم شهور معدودة.......أظنُّ أن القائمة ستكون......انقطع حبل تحزر الأسرى......غرقوا في بحر الصمت......الكل ينظر للكل......سكون مطبق تخترقه كلمات نادرة......يكابر أصحابها...... يظهرون عدم الاهتمام.......لكن أنَّى لسجين أن لا يحلم بحريته.......دقائق ولحظات حرجة.......ثقيلة.........مغثية.........لحظات تلبس ثوب شكٍ تكرهه.....وتخلع معطف يقينٍ تتمناه.......سائدها التمني والأمل......وعنوانها التوتر.......لحظات على لسانها تساؤل: ربما أنا أيضا........وفي قلبها حيرة التحام كلا ببلى.......وفي جوفها اختلاط الشك باليقين........وبيدها سوط فحص كبرياء الرجال ومنعة نسيجهم الداخلي.....وبعينها ترى الإنسان عاريا إلا مِن وحقيقته......وبأذنها تسمع رنين دواخل الإنسان على سجيته.....وعلى شفتيها مفردات اللاجَزْم: "يِمْكِنْ" أنا....... أنت.... هو......ذاك.....هُمْ........نحن........وارد.....مستحيل.....مُمْكِن......مُرجَّح.......مُستبد......مُتوقع.....أظنُّ......أعتقد.......ليت......آه.......لو......."ياريت".....ربما.....لست متأكدا........احتمال........أبداً......لا أجزم......آخ........لماذا.......لأنه كذا.....ماذا ترى.......أرى.......لا أرى........أنت متفائل.......هو متشائم........أنا متشائل......"نُصْ نُصْ"........على الأغلب......على الأرجح........لحظات يبدو للسجين فيها ألف خاطر وخاطر.......ويمرُّ بألفِ ألفٍ مِن تقلبات الأحاسيس والمشاعر......ويحرق كثير مِن السجائر.......وحدِّث ولا حرج عما يعِنُّ على البال مِن خواطر........لحظات في كأسها يمتزج ماء الحرية بالسجن........وبحبلِ آمالها يتعلق جموح الرغبة يَرْكُل منطق العقل......و.......
جفلت آذان الأسرى تسمع خطوات ضابطٍ يقترب وبيده قائمة أسماء.........نادى الضابط خالد "مُمَثِّل المعتقلين".........فتح الشرطي باب غرفة رقم 7...... خرج خالد......طلب مِن الضابط أن يُخرج إبراهيم ليساعده في تبليغ المُفرج عنهم.....علت وجه الضابط ابتسامة خفيفة وقال: بل دَعْهُ يجهِّز نفسه!!!.....ماذا تقول؟!!! سأل خالد بدهشة......وكاد يضيف: ماذا بشأني؟!!! بلع لسانه لا يريد إظهار ضعفه!!!.......أخفى لهفة أن يكون اسمه بين الأسماء..........نادى بفرحٍ ظاهر: إبراهيم جَهِّز نفسك......"عَنْ جَدْ" جَهِّز نفسك......."يا رجل وظِّبْ أغراضك"........اسمك في القائمة......نعم نعم أكيد......والله أكيد.........ترك خالد باب غرفة إبراهيم وعاد للضابط.....تناول قائمة الأسماء.........ودار على غرف السجن غرفةٍ غرفة ينادي الأسماء بصوت مرتفع: فلان....علان.........زيد......عمرو.......
كبيرة كانت مفاجأة إبراهيم. راح يقَلِّب الأمر في ذهنه. ضجَّ رأسه بسيلِ أسئلة متناقضة: هل أَقْبَلُ الإفراج؟....... كلا، "روابط القرى" حركة خائنة للوطن!!!...... هل أَرفض؟!!...........تبقى لي مدة طويلة....... وربما تحصل خلالها اعتقالات جديدة..... وتطالني منها اعترافات.........عليَّ قبول الإفراج كغيري مِن الزملاء!!!...... كلا لن أقبل!!!...... ألا يحرج رفضي بقية زملائي؟!!!......هل هم أقل مني صلابة وانتماء للوطن؟........ وهل.......وهل......
لم يستقر على رأي. دار في حلقة مفرغة.........السؤال ونقيضه.......اعتراه صراع غير مسبوق.......راح يحدِّثُ نفسه: "لن أقبل"....."بل سأقبل".....لا......بلى......لا.......بلى......لا......قطع خيط تفكيره صوت شرطي يفتح الباب يدعوه للخروج. شاغله ضجيج رأسه عن وداع زملائه.....كاد ينسى.....انتبه في آخر لحظة........ودَّعهم بعفوية ودون تركيز......خرج مع مَن خرجوا...... وصلوا بوابة السجن الخارجية....... داعبت وجهه نسمات الحرية الطرية.......مدينة نابلس تضج بالحياة. لاحت في ذهنه قلقيلية مسقط رأسه. هناك تنغرس بعمقٍ ذكريات وذكريات. تنهد. نظر حوله......تفاجأ بوجود طاقم تلفزيون إسرائيلي ينتظر..... قال لنفسه:
-"آه هذا هو الثمن.... يريدون إظهار تأييدنا السياسي ل"روابط القرى" المنبوذة.....يريدون كسر إرادتنا.......والمس بصدقيتنا.......وخدش سمعتنا........سحب نفسا عميقا.....أشعل سيجارة......راح جسده يرتجف......استجمع كامن طاقته وقرر.....اعتلت مخيلته صورة فاطمة........طفلته الوحيدة........قال يوم ولادتها "أخشى أن تكوني كعب أخيل صلابتي"......... لم تفارق صورة فاطمة مخيلته......إلا بحلول صورة والدته الهرمة تتوسله: أن أُخرج يا إبراهيم.........أريد أن أحضنك قَبلَ أن أرقد رقدتي الأبدية تدنو مِن باب عمري.......أشعل سيجارة أخرى.......حاول طرد صور زوجته......والده......شقيقاته.......أشقائه.......أصدقائه.......رفقاء كفاحه.......جيرانه........زملاء الجامعة حرمه السجن منهم.......صورٌ أحبةٍ خالهم يحضرون لملاقاته وتهنئته بالتحرر مٍن السجن......صور تتراءى له...... تمكَّن مِن إزاحتها إلا صورتها هي.......صورة فاطمة......كاد بلطف تحريك صورتها مِن مخيلته......لكن عبثا حاول.......اهتز جسده......تحركت صورة فاطمة........ هربت....... طردها صوت مدير السجن يقول:
-"نريد مِن أحدكم التحدث لوسائل الإعلام نيابة عن المجموع". تقدم إبراهيم يسأل مدير السجن:
-"ما المطلوب قَوْلُه"؟ ردَّ مدير السجن:
-"لا شيء سوى شكر "لجان روابط القرى"، على طلبهم الإفراج عنكم..... وشكر حكومة دولة إسرائيل على تلبية الطلب".
-" فقط"؟!!! سأل إبراهيم.
-"نعم، ولا شيء غيره"!!! أجاب مدير السجن.
-"حسنا". قال إبراهيم يلتفت لزملائه يسألهم:
- "هل تأذنون لي بالتحدث نيابة عنكم"؟...... ردوا بالموافقة.
استجمع إبراهيم كامن طاقته......راح ينتقي كلماته..... فكَّر ملياً في كل كلمة سيقولها....... تقدم بخطىً ثابتة صوب طاقم التلفزيون ينتظر...... وبنبرة واثقة قال:
"حياة السجن قبيحة وقاسية....لا أحد يتمناها.... وحياة الحرية جميلة وزاهية.... وكل سجين يحلم بها.......لا أحد يتمنى السجن.....(توقف هنيهة عن الكلام يخال فاطمة تعاتبه)....ولكن ليس بأي ثمن......وأضاف:
"لجان روابط القرى" حركة خائنة...... ومشروع للاحتلال..... لفظها شعبنا.....ولا تمثل إرادته وتطلعاته..... ومن ناحيتي لا يشرفني تحرري بطلب منها....... أعيدوني إلى السجن...... لأُمضي ما تبقى لي من سنوات......هي سبع سنوات لن أُغادر السجن قبل قضائها......أعيدوني إلى السجن"!!!......صمت كمَن أزاح عبئا عن كاهله........تقدم لوداع زملائه....
سحبه حراس السجن....عاد إلى غرفة سجنه......وعادت صورة فاطمة تغطي مخيلته..... هزت كيانه موجة من الغضب...... حاول تمالك نفسه...... تمتم:
"ستكبر........وتتفهم معنى موقفي......ستفهم تأخير فرصة احتضانها....... ولقائها مباشرة...... من دون حاجز "شبك" الزيارة "!!!
عاد طواعية وعن طيب خاطرٍ للسجن..... أمضى فيه سنوات أخرى......اعتقلوا عددا مِن رفاقه.....اعترفوا عليه كقائد لهم.......أعيد للتحقيق.....اغتاله محققوه..... رحل عن الحياة شهيدا....... رقد رقدته الأبدية.......صدقت نبوءةً كان "هَدَسَ" بها يوم لاحت له فرصة للحرية......يوم كَبِرَ على شروط السجان......غاب للأبد دون احتضان فاطمة.......هو إبراهيم الراعي......لا نُحركُ بقلمنا سوى يسير اليسير من إيقاع حياته ترقد ببراءة في سكون قبره.......ولا نروي سوى قليل القليل مِن قصته الحقيقية.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُغَّب الحاضر
- ذاكرة حرية تسيل
- -الحرية مِن- وإعاقة التحرر الحالة الفلسطينية نموذج


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جرادات - أعيدوني إلى السجن