أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...2-2















المزيد.....

نحن نقص عليك أحسن القصص...2-2


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7976 - 2024 / 5 / 13 - 08:55
المحور: كتابات ساخرة
    


كنت أعرف القليل عن عائلة أميرة، لأني منعتها من الكلام عنها. وكانت تعرف أقل عن عائلتي لأني لم أكن أذكر عنها إلا شذرات. في القليل الذي سمعته منها عن أسرتها، علمت بوجود شخص مميز عندها وهذا الشخص كان خالتها. أصولنا أنا وأميرة لم تكن من تلك المدينة أين كنا ندرس، ووجود خالتها فيها كان سببا رئيسا لاختيار أميرة الدراسة فيها.
نعمة تلك الأيام أني لم أكن أفكر كثيرا، أظن أني كنت أشعر فحسب، ما أعجبني أخذته وما لم يرقني تركته. أميرة كانت جميلة وتصلح لأشياء، أخذتها. ما لم يرقني فيها تركته، ويوم مللتها تركتها إلى غيرها. وحتى غيرها كان فيها أشياء أعجبتني وأخرى لم ترقني، فمشيت معها دون تفكير في طول الطريق أو قصره، في نقطة ما كنت سأغير مساري، إن حدث ذلك، وإن لم يحدث كنت سأواصل.. لم يكن الأمر غريزة، لم يكن عقلا أكيد، لكنه لم يكن غريزة، لأن أميرة لم تكن فقط جنسا ولو كانت كذلك ما كنت أمضيت معها الليالي دون جنس. لم أحبها ولم أكن أعرف لتلك الكلمة لا معنى ولا لفظا، ولم أكن أخشى من فقدانها يوما ولم يخطر ذلك ببالي لحظة، كنت أمشي في طريق وكفى، لم أفكر حتى في تغييره برغم رفضي لاقتراحات من هنا وهناك. حصل التغيير، وبدأت في التفكير في إخراجها من طريقي فقط بعد أن خجلت من خالتها. كذا ظننت، وظني كما ترى متهافت ولا منطق فيه، لكني كذا شعرت وكذا حدث...
ربما التخبط الذي لا أستطيع تفسيره هو الذي جعلني أواصل سيري نحوها، وبرغم أني لحظة رأيتها شعرت بخليط من فرحة وخوف، ولا أدري مما خفت بالضبط، إلا أني سرت نحوها مباشرة وأخذتها في حضني وضممتها بقوة ثم قبلت جبهتها ثم خدها الأيمن ثم الأيسر تماما مثلما أفعل مع أمي. قالت كلام سلام كل الناس وقلت مثله، ودخلنا الكلية، سرنا قليلا وفي القليل الذي سرناه أوقفني بعض زملاء دراسة وسلموا عليها وكلهم ظنوها أمي فلم أصحح لهم ولم تصحح.
ثم جلسنا، دام ذلك القليل دقائق، أيقظني منه سؤال مباشر أعادني قليلا إلى رشدي: "هل تحبها؟". ودون تفكير كان ردي المباشر: "لا". فأخذت بيدي وقالت "أنت أحمق، مثلها، لكن لا ألومك، لازلت صغيرا". سكت، لكنها زادت "وخسيس، نعم أنت خسيس وهي غبية". ثم تركت يدي وقامت، وضعتها على رأسي وزادت "كل الرجال أخساء إلا كريم، وربما في المستقبل... أنت".. مشت هامة بالخروج فالتحقت بها ومشيت بجانبها حتى خرجنا من باب الدخول، فقالت لي "عندك محاضرات" فأجبتها "لا يهم". فطلبت مني أن أدخل ودعتني للعشاء في منزلها وقالت أن أميرة لن تكون موجودة فقبلت، وافترقنا عند الباب.
قبل الجامعة، كنت كثير العراك وسهل الاستفزاز. فكرة الكاراتيه لم تكن مني، لكن من أختي الصغرى وكانت على حق، وقد ساعدني كثيرا المدرب الذي أخذني على عاتقه وهذب الكثير من مشاكلي الثلاث: عراك الشوارع، سرعة الغضب والرقص. مع نهاية سنتي الأولى الجامعية شعرت بالتغير الذي جعل أميرة تتعلق بي أكثر. عرفتها منذ بداية السنة الأولى، وبمرور الوقت صرت أكثر صبرا معها، وبدأ صوتي يخفت قليلا قليلا حتى غاب تقريبا نهائيا مع نهاية تلك السنة، لكن صوتها الذي لم أكن أسمعه في البداية، كان يعلو شيئا فشيئا حتى صار مزعجا في سنتنا الثالثة وكان ذلك من الأشياء التي أبعدتني عنها رويدا رويدا، لكنها لم تفطن وربما خلطت بين صوتها ونحن نتعارك عراكنا المقدس وبين صوتها ونحن بعيدان عن الفراش. تجربة جميلة جدا أن ترى النهاية تقترب والآخر لا يرى شيئا، فيها ترى عدلا قلما تراه في كل ما يحيط بك، ذلك العدل الذي إن تنازلت فيه عن حقك وأحقيتك تندم وتعيش المهانة وعدم الراحة مع أناس لا يجمعك بهم الكثير أو ودون تجميل أناس أنت أرقى منهم بكثير. ذلك العدل فيه ألم أكيد، لكنك لن ترفضه ولن تعترض عليه؛ ذلك الشخص سيموت في غضون أسبوع على أقصى تقدير، والآخر ينتظر معجزة لن تأت، ذلك الآخر عندما يقع اعلامه، ويرفض، ويواصل سالكا نفس الطريق، عندما يحل العدل عليه، لن تتأثر، وإن فعلت من المفروض أن تتعلم ألا تفعل ذلك مجددا، لأنك إن فعلت تكون رفضت حقا لا يرفض وهربت من حقيقة يجب أن تواجه وتقبل.
لولا الكاراتيه ما كنت مررت كلام عجوز وصفتني بالخسة لأني هجرت فتاة لا تملك شيئا غير جسد جميل. لم أفعل ذلك قبل الجامعة ولا أتذكر أن احترام الكبير كان يعني لي الكثير، فكل من تجاوز كنت أوقفه وأحيانا كثيرة أرد بالمثل وأكثر، وكان أبي يتهم أمي في ذلك زاعما أنها أفسدت تربيتي وصنعت مني "قليل حياء لا يحترم أحدا"، أما هي فكانت تتهمه بإفساد تربية البنات وخصوصا أختي الصغرى، وتقول له "على الأقل أنا ولد ومهما فعلت أبقى ولدا". تفوقنا في الدراسة أنا وأختي شفع لنا عندهما، وكثيرا ما كنت أنجيها من أمي وهي تنجيني من أبي وكل منا يستغل مكانته عند كل منهما.
بعد حضوري المحاضرة الأولى، وجدت الصاحبة الجديدة تنتظرني أم المدرج، جاءت لتقول إنها تريد أن تنهي ما بدأناه، كانت تدرس في كلية بجانب كلية أميرة، قالت بأنها سألت عنها ورأتها، لم تكلمها لكنها رأتها من بعيد. قالت إني كذبت عليها، ولم تكن تتصور أن علاقتي بها دامت قرابة الثلاث سنوات. وعندما قلت لها أن ذلك غير مهم ثلاث سنوات أو خمسون المهم أنها انتهت، كان جوابها أنها تحبذ الانسحاب منذ البدء لأنها لن تخاطر بأن تتعلق بي ثم أهجرها وأعود لأميرة. لم أتفاعل معها كثيرا، وكانت عيني على صديقي، الذي كان ينظر لي باشمئزاز على بعد أمتار. استدارت ومشت خطوات، ثم عادت وقالت إنها كانت تعلم أنها على حق في انهاء علاقتها بي، لأني لا أزال أحب أميرة وهي لم تكن تعني لي شيئا، بدليل موقفي اللامبالي لكل ما قالت، ثم رحلت. كانت على حق في أشياء كثيرة لعل أهمها أني لم أبالي، وصلنا إلى نهاية ذلك الطريق القصير الذي مشيناه معا، فليكن. كنت أقول عنها أنها كانت ذكية، لأنها عرفت الحقيقة واجهتها وقبلتها؛ عندما يحين وقت الرحيل يجب المغادرة، التساؤلات التي ستبقى دون أجوبة ستأتي حلولها في وقتها... لحسن حظي أنه لم يحدث بيننا شيء، لحسن حظي. آخر مرة تكلمت مع أميرة قالت لي "لا تمسها أرجوك" فأجبتها أن ذلك لن يغير أي شيء بما أن علاقتنا انتهت، وكان ردها "علاقتنا ستنتهي وقتها"، لم أجبها ولم أهتم... التحقت بصديقي المدافع عن أميرة، فقال لي باحتقار "باع سرجه واشترى حمارا"، فأعلمته أني صرت بلا سرج ولا حمار.
هل تلمست مثلي الآن جمال المثل؟ في ذلك الوقت، كانت السيارات والقطارات والطائرات، لكن المثل لم ير إلا البهائم من حمير وأحصنة، أكيد أن الحصان أحسن من الحمار لكن الإثنين -وهنا الحكمة والعظمة- بلا عقل، متاع، ومركوبان. لا تزال جالسا على كرسيك تسمع لي، وأنا أمشي وأجيء بين يديك، آن وقت الاقتراب منك والنظر في عينيك وسؤالك: أليس القول بأني لم أر في أميرة إلا جنسا، أني اعتبرتها أقل شأنا من حمار؟ الحمار يؤدي أعمالا غير الجنس وأنا لم أر فيها شيئا غير الجنس؟ هل يوجد احتقار لبشر أكثر من اعتباره أقل منزلة من حمار؟ لكن، ما العمل إن صدق حكمي؟ كيف يعقل ألا ترى امرأة حقيقة منزلتها وتلقي بكل اللوم على من حكم عليها وعدل في شأنها وأنصفها؟ وتعميم هذا المخصوص قد يجعلك تسأل السؤال نفسه عن جميع البشر وفي كل شؤونهم: من له الحق في الحكم على من؟ وهل حجج كل طرف ستكون كافية؟ أين الحق، الحقيقة؟ هل سيؤدي ذلك إلى عدل؟ وهل سيقبله البشر ومن ثم يلتزمون بنتائجه؟ إذا كان ذلك السفاح الذي قام بالفظائع لن يرض بشنقه وسيرى نفسه مظلوما، فكيف يتوقع أن يقبل أحد بحكم يستنقص من شأنه؟ حتى وإن اعترف بذنبه فإنه لن يرض بكل الحكم عليه وإن قبل بعضه... السفاح إذا قبل بذنبه، سيرفض أن يعدم وسيرى حبسه المؤبد عدلا. في البدء سيراه كذلك، لكن بمرور السنوات، سيطالب بأن يفرج عنه، وإن لم يتحقق له ذلك سيرى نفسه مظلوما. تلك طبيعة البشر وقل وندر من شذ عنها.
اسرح في القادم بين العدل والجمال. الإعلام الأوروبي في تلك الفترة، كان ينقل العديد من جرائم البيدوفيليا، بين بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا ووصل الأمر إلى أمريكا. جماعة المؤامرة يقولون بالارتباط بين كل الجرائم، والاعلام يسفه ذلك، لكنه في نقله لا يتتبع القصص إلى النهاية. المهم، في تلك الفترة، زوج أوروبي على ضفاف البحر، تدفع المرأة عربة أطفال فيها رضيع، أنا والزوج نمشي كل نحو الآخر، تدوم القصة لحظة تقاطع، تلاحظ المرأة أن غريبا ينظر إلى رضيعها نظرة لم ترقها، فتسرع من سيرها ناظرة باحتقار لذلك الناظر. أما الناظر، فشأنه أنه رأى جمالا شده، ولا فرق كان عنده بين جمال لوحة أو غزالة أو سيارة أو حجر أو بشر مهما كان جنسه أو عمره أو لبسه أو مشيته. هل تلام المرأة؟ هل ألام؟
على نفس ذلك الكورنيش، قصة أخرى، بين الجمال والعدل، يعنف فيها شاب وسيم رجلا خمسينيا. عقدة الشاب أن هيأته يرى فيها الكثيرون أنه أقرب لأنثى منه لذكر، عقدته جاءت من ثلاث مشاكل لم يكن له فيها الخيار: صوته الأنثوي، مشيته المثيرة ووجهه الذي لا شعر فيه. كان الليل، وكان ينتظر حبيبته التي لم يكن على وفاق معها وقتها، كان غاضبا وقد أبطأت عليه. في تلك اللحظات وهو يغلي، يقترب منه الرجل الخمسيني ليراوده عن نفسه... لم يتوقف الشاب عن ضرب الرجل إلا عندما سمع صراخ حبيبته وهي تحاول ابعاده عنه "لقد قتلته، لقد قتلته!"... نهاية القصة حزينة، الخمسيني كان من علية القوم، الشاب أمضى مدة في السجن ثم طرد من دراسته، وحبيبته هجرته. لأنه عنيف، وعنفه جاء من رفضه للقدر ولما وهبه الله، كانت قد حذرته من أن تهجره إن هو واصل عنفه الذي رأته مرة أخرى فرعبت منه، لكنها لم تفهم السبب. كانا في مطعم، فلاحظت أن أحد الشبان من طاولة مجاورة يغازلها، فأعلمت حبيبها الذي نظر قليلا ثم قام إلى المتطفل ولم تمض لحظات إلا وهو يعنفه بشدة. ظنت أن المتطفل ينظر إليها ويغازلها هي لكن الحقيقة أنه كان يغازل حبيبها. حادثة كهذه، يمكن أن تشترى اليوم بملايين الدولارات، الشاب هوموفوبك والمجتمع كله مثله! والمثليون في خطر! ومجتمع كهذا مهدد بكل أنواع العنصرية والتعصب! والنجدة! هتلر يقرع على الباب يطلب الدخول... الحقيقة أن المسكين لا علاقة له بكل هذا، بل كل ما طلبه هو ألا يُقترب من عقده التي لا خلاص منها. تستطيع أن تقول أنك مكانه كنت ما كلمت المتطفل أصلا -لو حكمت عليه بالتطفل-، أو ربما كلمته وأعلمته بكل لباقة أنك لا تحمل ميوله، وتستطيع أيضا أن تقول أن العنف وسيلة العاجز ولا يمكن تبريره، وأستطيع أن أزيد عليك الكثير، لكن السؤال باق: من له الحق في الحكم؟ وهل حكمه عادل لا يشوبه النقصان والجور؟
نعود إلى قصتنا... لم أفكر كثيرا ذلك اليوم، لم أشعر بعزة خدشت أو بهزيمة أو إخفاق حصل، بعد أن هجرت من فتاة بالكاد بدأت الطريق معها، لم أفكر كثيرا في موعدي ولم تخطر أميرة ببالي. بحلول السادسة مساء، غادرت الكلية، امتطيت صهوة قطاري دون سيوف ورماح، وانتظرت فقط أن أصل وأرى كيف ستجري الأمور. لكن، حصل ما لم يكن في الحسبان. جلس صديقاي معا، وجلست على بعد أمتار منهما بجانب امرأة كلمتني مباشرة بعد جلوسي ولم تسكت، لم أشاركها الكلام لكن اكتفيت بالنظر إليها بين الحين والآخر، كنت أجيبها بابتسامات حرجة لم تستطع مطالبتها بالسكوت حتى توقف القطار، صعد الناس، وامتلأ المكان حتى ما عدت أرى صديقاي. واصلت المرأة كلامها ولم يسكتها إلا لكمات انهالت علي من فوقي في رأسي ورقبتي، وبدأ الصياح وهرب من ملأوا المكان ولم يبق إلا القاعدون ونفر قليل وقوف وصديقاي يمسكان من اعتدى علي، أحدهم شل حركته من خلفه والآخر كان يغطه حتى بلغ منه الجهد. رأيت الرجل فلم أعرفه، لكننا فهمنا بعد حين أنه زوج من جلست بجانبها، وكان يراقبها وظن أنه أمسك بها مع خليلها. عندما صعد الرجل في المحطة السابقة، ظل وقتا قليلا ينظر، رأى زوجته تكلمني، فظن ما ظن، فاقترب وانهال علي لكما دون حتى أن يسأل، ولا أعلم لم لم يضربها هي. الزوجة ظلت ساكتة عندما طلبت منها أن تقول لزوجها أنها لا تعرفني، وصديقاي لم يقبلا ترك الرجل دون أن يعتذر، وبينهما غضبت لهدوئي المشين الذي تعلمته من الكاراتيه، لأني لو كنت سالف عهدي لكنت وصديقاي رقصنا فوقه وفوقها فلامنكو، ونسيت إعلامك أن صديقيّ كانا يكنيان بأوبيليكس 1 وأوبيليكس 2. بقية الأحداث اطلعت عليها في الغد لأن المترو توقف وكانت محطتي فسارعت بالنزول، والغريب أن الرجل وكان كفأر بين قطين، والرعب يطغى على وجهه، لم تأتني الرغبة حتى في صفعه صفعة صغيرة قصاصا. قال صديقاي أنهما تركاه بعد أن اعتذر، لكنه ظل يصرخ في وجه زوجته معددا مخازيها وقاذفا لها، وكان يشهدهما عليها حتى بلغ تلك المرحلة التي توقع فيها أن يجيباه وينصراه. لم يجبه أحد، المسكين؛ لكن المسكين الأكثر هو من يعطي بشرا مثله ومثلها الاهتمام على رأي أوبيليكس 1، أما أوبيليكس 2 فقال إنهما بعد عدة محطات نزلا معا وأكيد أنهما أمضيا الليلة بالأحضان وكأن شيئا لم يكن، فيعمد أحدهم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه، و"الله يعوضني" في لكماتي. 2 هو المدافع عن أميرة، قال ذلك معرضا بي أن النعيم لا تُعرف قيمته إلا عند الحرمان منه، وهو سلوك قليلي العقل والتجربة عادة، السفهاء الذين لا يدركون أن الجمرة تكوي إلا عندما يدوسون عليها: انظر وضاعة الناس وما يعيشون، فاعرف قيمة ما عندك، وارض به وحافظ عليه. لكن المسألة مع أميرة لم تكن كذلك، المشكلة رقم 1 عنده كانت كيف أقول أنها تافهة ولا تصلح إلا للفراش، والمشكلة رقم 1 عندي كانت "حكمت هكذا وهكذا أرى" لكنها تحولت بعد توبيخاته لي وبعد ما حصل في موعدي مع خالتها "الجديدة لم تكن تصل كعب أميرة فلماذا قبلت بها؟"، هل كانت القصة كسيارة بعت الأولى ويلزمني أخرى لأتنقل لا أكثر ولا أقل؟ وهذا احتقار شنيع لو كان صحيحا لرأيته مع كل النساء، ولو باختلاف، وواقعي كان يكذبه، لأني لو أغمضت عيني عن كل النساء اللاتي عرفت، فلن أستطيع تفسير موقفي الذي يصل حد التقديس لأختي الصغرى، وقبولي الدعوة الأولى لعجوز ربما كانت زعيمة عصابة ووصفها لي بالخسيس وقبولي دعوتها الثانية.
وأنا أسير حتى منزل خالة أميرة، لم أتذكر لكمات ذلك الرجل، لم أفكر في أميرة، لم أفكر إلا في كلمة "خسيس"، اللعنة كيف سمحت لها أن تقول عني ذلك؟ لم يأت في بالي أنه يمكن قبول ذلك كموقف منها كمجرد وجهة نظر خاطئة لا غير، لكني وككل أحمق رأيت تلك الكلمة لا يمكن أن يقولها عني بشر، لأنها بكل بساطة ليست لي طبعا. نعم أن يقول أحد على فتاة قد تكون حلما لملايين الرجال "مجرد جنس"، منطق. لكن أن يقال عمن يتجرأ على قول ذلك، "خسة"، فذلك هو الهرطقة التي لا يمكن أن تقبل أو تفسر. الكاراتيه، أوبيليكس 2 وخالة أميرة كانوا التربية التي لم أتلقاها من والديّ، الكاراتيه أبعدني عن أميرة، أوبيليكس 2 جعلني أفكر في عقدة الجنس التي كانت عندي وأتجاوزها، وخالة أميرة جعلتني أعرف عن طرق الحب. والثلاثة أيقظوني أين كانت توجد أصل أصول المشكلة.
أختي الصغرى كانت الرابعة في الأسرة وجئت بعدها بأربع سنوات. الثلاثة الكبيرات كن يقبلن على مضض تمييزي لها، ويقلن بقرابتنا العمرية التي رضينها كل عمري قبل الجامعة، لكن بعد ذلك صرن يقلن بأني لا أرى أحدا غيرها، وبمرور السنين التحقت بهن أمي التي صارت تغار من ابنتها علانية ودون تمويه مثلما كان أول شأنها. أذكر لوما منها قالت لي فيه "ألا تستحي من نفسك؟ أشهر ولا تزور أخواتك؟ تعاملهن وكأنهن لسن غريبات عنك بل عدوات مع معرفتك بحبهن لك؟ حتى أمك لا تراك إلا في المناسبات!".. بكت أمي يومها، لكني لم أتأثر، لم أر نفسي مخطئا، تعللت بعملي بالطبع، لكني وهي كنا نعرف أن ذلك غير صحيح.
من الأميرة الحقيقية حتى لحظة معرفتي بخالة أميرة؟ من أخذت كل شيء مني دون أن أعلم وأفهم؟ بداية معرفة الجواب كانت من سؤال بسيط من أميرة: لماذا لا تريدني أن أعرف أختك؟ حتى اسمها لا تريد أن تقوله لي؟ السؤال لم أفكر فيه وقت طرحه لكن بعد أن قطعت علاقتي بها وبعد دعوة خالتها، والجواب كان أمام عيني كالأنف في الوجه، لم أقل اللعنة لكني فرحت أكثر وأكثر، لأنها تستحق ولأني أستحق، لأنها المرأة المثالية الوحيدة في عالمي برغم أن استحواذها على كل شي هو الذي زرع في عقدة الجنس... دون أن أشعر، دون أن أفهم، لم تكن "الحب الوحيد" لم تكن "المرأة الوحيدة" بل كانت "الحب" وكانت "المرأة"، أخذت كل شيء فصارت كل نساء الأرض غيرها إما جنس كأميرة وإما مجرد نساء جمعني بهن نسب أو دراسة أو عمل أو كل شيء غير ذلك. "كمال" أميرة وتوبيخ أوبيليكس 2 جعلاني أقف على الحقيقة الأولى أنها "الحب"، وحضور خالة أميرة جعلني أفهم الحقيقة الثانية أنها "المرأة". لو لم أستيقظ، كنت أمضيت عمري أحبها حتى العبادة دون أن أفهم كيف لا تنجح لي أي علاقة بأي امرأة مهما كانت مميزاتها... لم أكن بذلك "الذكاء" لأفهم وحدي لكنها كانت مثلما أبدا "الألف والياء" وإن تكفلتُ بما بينهما، الثمن كان غاليا وكان واجب الدفع مني ومنها، لذلك لم أكن أتأثم من لوم أمي وأخواتي الثلاث، لكني لم أستطع أن أشرح لهن كيف نسفت أميرة الماضي ولم تترك لي ولم أترك لها إلا المستقبل، هن كن الماضي الذي أخذته "أميرة" ولم تترك منه لهن شيئا، والمستقبل كان "ماما كريمة" وابنة أختها أميرة. أختي الصغرى اسمها ايضا: "أميرة".
في القادم، والأخير، أكلمك عن ثلاث نساء ملكن كل شيء، رحلت إحداهن وبقيت اثنتان. أميرتان تعرف كل منهما من الأميرة الحقيقية، لكنهما رضيتا ومعهما رضيت.



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نقص عليك أحسن القصص...2-1
- نحن نقص عليك أحسن القصص...


المزيد.....




- موت إيجه إعلان حصري ح 36.. مسلسل المتوحش الحلقة 36 والأخيرة ...
- هتتفرج بدون اشتراك… رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 ب ...
- “باقة من البرامج والمسلسلات وأفلام السينما”عبر تردد قناة CBC ...
- “ابنك هيدمنها” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ج ...
- مايكل دوغلاس يزور مستوطنة إسرائيلية ويصف المتضامنين الأمريكي ...
- بتهمة -الفعل الفاضح-.. إحالة سائق -أوبر- بواقعة التحرش بفنان ...
- عز وفهمي وإمام نجوم الشباك في موسم أفلام عيد الأضحى 2024
- فرويد ولندن.. أتاها نجماً هارباً فجعلته أسطورة خالدة
- الروسي بيفول يهزم الليبي مالك الزناد بالضربة الفنية القاضية ...
- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...2-2