أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - معتز حيسو - أزمة الوعي الإجتماعي















المزيد.....



أزمة الوعي الإجتماعي


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 11:17
المحور: المجتمع المدني
    


من الأهمية بمكان بحث إشكاليات الوعي الإجتماعي الراهن ، ذلك من خلال الوقوف على أشكال انعكاس الوعي المجتمعي المجسٍّدة وفق تجلياتها المتنوعة والمختلفة لمضامين ومكنونات البنى النظرية والثقافية المكونة لشخصية الفرد بمستوياته الخاصة والعامة ، والتي تتمظهر في السياق العام بالممارسة اليومية معبرة عن السمات الثقافية العامة المحددة والمتحددة بمجموعة من العوامل الإقتصادية ، السياسية ، الإجتماعية ...
إن المرحلة الراهنة تمتاز بانفتاح فضائي أمام كافة المؤثرات الثقافية والإعلامية ،مما يؤدي إلى تضاؤل نسبي لفاعلية الحدود القومية بأشكالها الجغرافية القائمة ، والتي كانت تشكل الملاذ الفعلي في مواجهة المؤثرات الخارجية لإبقاء الداخل محصناً من تأثير الإستطالات الخارجية ، أما في اللحظة الراهنة فأن الأشكال والأساليب المتبعة للمحافظة على الهوية الوطنية من المؤثرات والمتغيرات /الخارجية /تعبر عن آليات ممارسة ثقافية وسياسية لا تتجاوب مع المتغيرات الراهنة وتحدياتها المستقبلية معبرة بذلك عن الخواء والعجز الذي بات من سمات ثقافتنا الراهنة المتسمة بلإنكفاء على الذات والتخلف عن مواكبة التطورات الحضارية والتقنية المتسارعة . مما يؤكد بأن أحد أهم السبل للخروج من الإشكاليات الراهنة تكمن في وعي الذات وإدراك أسباب تخلفنا و هزائمنا وتحليلها بأشكال موضوعية وعلمية بحيث يكون عمادها الأساس الرؤية النقدية المنفتحة ، وإلا سنرتد إلى أحط لحظاتنا التاريخية .
ــ لقد تشكلت ثقافتنا بناءً على منظومات معرفية متعددة قد يكون أبرزها وأكثرها تجذراً في قاعنا المعرفي هي المنظومة المعرفية الإسلامية التي كان لها الدور الأبرز في تشكيل وتحديد هويتنا الثقافية .وقد ترسخت باعتبارها منظومة قيمية معيارية للممارسة الفردية بحيث تشمل كافة الجوانب الحياتية للمجتمع باعتبارها منظومة متكاملة وشمولية تعتمد القرآن بكونه المرجعية التشريعية للمسلمين ، إضافة إلى السنة النبوية. لقد ساهم جمود المرجعية المعرفية الإسلامية وعدم توفر الإمكانية الموضوعية لتطورها بحكم قداستها في انسداد آفاق التطور الإجتماعي نسبياً ، وزيادة الانغلاق على الذات في مواجهة الآخر المختلف و الأكثر تطوراً، إضافة إلى القيود المفروضة على الحريات الشخصية وتحديداً المرأة . إن تمثيل الثقافة الإسلامية لغالبية المجتمعات العربية لم يمنع النخب الثقافية من تبني منظومات ثقافية أخرى تقوم على بنى معرفية ونظرية علمانية ونقدية تعتمد القطع المعرفي مع الفكر الديني ، ذلك لكون نقد الفكر الديني يمثل اللحظة الأولى في تكوين وتشكيل الثقافة الجديدة المنسجمة مع آفاق العصر الراهن لتكوين وتوفير إمكانيات وآفاق جديدة قادرة على إختراق التخلف الإجتماعي السائد وتجاوزه ، وكانت الأشكال الثقافية الجديدة تعبيراً عن إدراك النخب الثقافية لأهمية نقد الوعي الثقافي السائد كلحظة أولى في السياق العام للتطور الذي يفترض أن يفضي إلى تجاوز الإستنقاع الإجتماعي المهيمن ، وكانت هذه النخب مدركة لحجم أزمة الوعي الإجتماعي وفداحة انعكاساته السلبية نتيجة تواصلهم مع الثقافة الأوربية المتجاوزة في تطورها للفكر الديني من خلال إجراء القطع المعرفي بين الدين والسياسة . إن إدراك النخب الثقافية لمدى التطور الأوربي آنذاك والفجوة الكبيرة الفاصلة بين الغرب والشرق ساهم في تبنيهم فكرة اللحاق بالمجتمعات الغربية .
إن مختلف العوامل الخارجية والأزمات الداخلية أدت إلى ظهور المفاعيل النخبوية الداخلية التي ساهمت في إنتشار أشكال ثقافية علمانية متمظهرة بأشكال مختلفة ومتنوعة ، لكن الفكر الديني حافظ على وجوده في قاع الذهنية الإجتماعية مشكلاً البنية الأساسية لظهور أشكال سياسية معتدلة حيناً وعنفية أحياناً أخرى.
===========================================================
أولاً =أسباب التخلف الإجتماعي :
---------------------------
من الصعوبة بمكان بحث أسباب الأزمة الثقافية ونكوصها لاستنهاض بعض المنظومات المعرفية القائمة على المسلمات والبداهات بعيداً عن التحليل العلمي المنطقي الجدلي ، من دون تحديد الأسباب الحقيقية للتخلف الثقافي في سياق الأزمة الإجتماعية العامة ،والذي ساهم في تشكلها مجموعة من العوامل والأسباب السياسية والإقتصادية الداخلية منها والخارجية .
يعاني مجتمعنا على المستوى السياسي عموماً من مجموعة من الإشكاليات يمكن اختصارها باحتكار السلطة وغياب التداول السلمي للسلطة مما أدى إلى تحول النظم العربية عموماً إلى نظماً ملكية وراثية تعتمد العصبية والدين للحفاظ على استمرار سلطتها، وجمهورية شكلاً . توظيف أشكالاً أيديولوجية لا تتوافق مع المرحلة الراهنة ومقتضيات التطور العالمي . غياب الديمقراطية بتغييب المشاركة السياسية للتنظيمات السياسية المعارضة من جراء ممارسة العنف المنظم على المجتمع عموماً والتشكيلات السياسية خصوصاً. تفشي ظاهرة الفساد ،تزايد ة ظاهرة الولاءات الشخصية والمحسوبيات والإستزلام . التمييز القائم على أسس طائفية وعرقية وإثنية ومناطقية . تحويل المؤسسات والهيئات والجمعيات والنقابات إلى وسائل وأبواق مضللة تخدم استمرار النظم السياسية الراهنة والتي من خلالها يتم احتواء كافة الفاعليات الإجتماعية .سيادة الروتين الإداري وتفشي البيروقراطية .....
وترتبط الأزمة السياسية مع الواقع الإقتصادي الذي يعاني من أزمة بنيوية وهيكلية تتجلى في سيطرة بعض النخب السياسية على صناعة القرار الإقتصادي و السياسات الإقتصادية وتكريس ظاهرة تهريب الأموال ومراكمة الثروات الوطنية بما يخدم مصالح النخب السياسية المهيمنة . تهميش وتعطيل القطاعات العامة .انتشار ظاهرة توظيف الرأسمال السياسي ،تبييض الأموال . إهتلاك وسائل الإنتاج مما يقود إلى تدني مستوى الإنتاج ونوعيته ، مما يستوجب تطوير وسائل الإنتاج وإعادة هيكلتها وأتمتتها بالترافق مع إعادة تأهيل القوى العاملة الحية ،تخلع القطاعات الإنتاجية . انعدام القدرة التنافسية للصناعة الوطنية مما يهدد بكارثة إنسانية في حال فتح الأسواق الوطنية أمام البضائع الغربية ذات التقانة المرتفعة والجودة العالية والأسعار الرخيصة ذلك لأسباب متعددة. غياب السياسات والبرامج الإقتصادية التنموية والرؤية الإقتصادية الواضحة المنسجمة مع الواقع الراهن وأفاق تطوره المستقبلي . انحسار مشاركة القطاع الخاص في الصناعات الإستهلاكية ذلك لارتفاع معدلات الربح وسرعة حركة رأس المال إضافة لأسباب سياسية واقتصادية أخرى . انعدام نسبي لزيادة القطاعات الإنتاجية . إستمرارالأشكال الزراعية المتخلفة والخاضعة للطبيعة وذات إنتاجية متدنية في نوعيتها وكميتها . هيمنة الفساد على كافة المستويات الإجتماعية . تدني أهمية العمل كقيمة محددة للإنسان. جميع الأسباب الواردة وغيرها أدى إلى زيادة نسب البطالة ومعدلات الفقر وتعيمق الأزمات الإجتماعية القضائية والتعليمية....
بالعودة إلى موضوعنا الذي لم نخرج عنه إلا شكلياً نرى موضوعياً بأن المستوى الإقتصادي يتكون بوصفه عاملاً محدداً لباقي المستويات الإجتماعية ، أما المستوى السياسي يتشكل كعامل رئيسي في علاقته بباقي المستويات ، ولهذا نشير إلى ضرورة الترابط الموضوعي لكافة المستويات والعوامل الإجتماعية في إطار علاقاتها المحددة والمتحددة التي تفضي لتجلي الأزمة الراهنة بوصفها أزمة بنيوية شاملة ومركبة.
لقد تأسس وعينا الإجتماعي عموماً على تركة واسعة وثقيلة من التراث المعرفي السلفي الماضوي الذي ما زال يمسك بتلابيب الحاضر وآفاق تطورنا المستقبلي ، ذلك لقيامه وتطوره بناءً على منظومات معرفية وقيميّة شمولية مغلقة يدعي من يتبناها صحتها المطلقة .
إن الفكر الإسلامي بشكل عام باعتماده على القرآن والسنة كمرجعية مطلقة الصحة والصلاحية لكافة الأجيال والمجتمعات يقوم على مجموعة واسعة من المفاهيم والبداهات القائمة على تنظيم وتحديد علاقة الإنسان بالله ، و علاقة الإنسان بالإنسان في إطار ينظم العلاقات الإجتماعية بكافة جوانبه ،في هذا المستوى تتوضح لنا الإمكانية المحدودة لمنظومة معرفية شمولية تأسست من بدايات القرن السابع الميلادي// الجهادـ الولاء ـ البراء ،حقوق المرأة ـ الجزية ـ أهل الذمة ـ حقوق المواطنين الشرعية والمدنية ـ التسامح الديني ....// على قيادة المجتمعات في المرحلة الراهنة ، ذلك لكونها تحتكر الحقيقة المطلقة مكفّرة الآخر المختلف ،ولكونها تفتقر إلى الرؤية والمفاهيم والبرامج السياسية والإقتصادية القادرة على التلاؤم مع الواقع الراهن وتطويره بما ينسجم مع قوانينه العالمية و العامة المحددة . ليقع ممثلو الفكر الإسلامي في تناقض صريح بين فكر سلفي أقفل فيه باب الاجتهاد عند ابن رشد وبالتالي لم يعد يلبي معطيات المرحلة الراهنة ، وبين مشروع إسلامي عولمي ، يقوم بشكل أساسي من وجهة نظرهم على فكرة صراع الحضارات وليس صراع المصالح،مشكلاً بذلك وهماً حقيقياً في الوعي الإنساني من خلال تحويل الأنظار عن التناقض الإقتصادي والسياسي المهيمن عالمياً ،وإظهار التناقض الراهن على أنه تناقض حضاري ، وإن الدين الإسلامي هو المستهدف ، مغيباً بذلك إستراتيجيات الدول الكبرى وشركاتها العملاقة في السيطرة والهيمنة على العالم بعيداً عن وهم الانتماءات الدينية والمذهبية ، مؤكداً بذلك التضليل الإعلامي الذي تروجه الدول الكبرى في حربها ضد الإرهاب ذي المنبع الإسلامي والذي من خلاله تحاول فرض سيادتها العولمية بترويجها لمفاهيم وشعارات إعلامية تتناقض بنيوياً مع مصالحها الحيوية وسياساتها الإستراتيجية .ومن المهم الإشارة إلى أن بعض النصوص العقائدية يتم توظفها سياسياً و يتم الاشتغال عليها بما يتناسب مع رؤية ومصالح النخب السياسية الحاكمة و بعض رجال الدين المتنفذين خصوصاً، ونخص بالذكر النصوص والتي تحض على طاعة الله والرسول وأولي الأمر في سياق يخالف النصوص التي تدعوا لعدم طاعة الحاكم في معصية الله ، والنصوص الجبرية المؤكدة بأن سيرورة حياة الإنسان مرسومة سلفاً مما يسقط مغزى الحساب الأخروي الذي يفترض أن يتأسس على إرادة إنسانية حره ،رغم وجود نصوص أخرى تؤكد على حرية الإنسان و مسؤوليته عن أفعاله الدنيوية ، إن ما يستوقفنا هو خطورة التوظيف السياسي لبعض النصوص القرآنية في سياق من الممارسة السياسية الرسمية المشتغلة على تأبيد سيطرتها السياسية الشمولية . إن إمكانية تأويل وتوظيف النص القرآني بأشكال ومستويات مختلفة تعبر عن حالة إيجابية تكشفت في اجتهاد الفقهاء وعلماء الدين والتي تأسس بناءً عليها تنوع المذاهب الفقهية / المعتزلة ، الصوفية ، الباطنية ، الأشعري ، المالكي ، الشافعي ، الحنبلي ، ..../. لكن مكمن الخطورة في أدلجة النص القرآني لتأبيد هيمنة رجال السياسة ورجال الدين في إطار مصالحهم الخاصة و تأبيداً لسلطة الحكام وتبرير ممارساتهم السياسية.
في جانب آخر تكمن إشكالية النص الديني بكونه نصاًً مغلقاً لا يحتمل الاجتهاد أو التطوير وهو ضد المنطق والمتمنطقين وتحديداً فيما يخص الجوانب العقائدية ، بخلاف كافة النظريات والمنظومات المعرفية التي تخضع للنقد والتطوير بما يتناسب مع السيرورة المتطورة للتاريخ الإنساني ، إن ما نود الإشارة إليه ،يتمثل في ضرورة تحييد الخطاب الديني الهادف في سيرورة ممارسته إلى الهيمنة الثقافية، العقائدية الإجتماعية والسياسية و المتناقض في الكثير من جوانبه مع ما وصل إليه العلم، والقوانين المدنية ومع الفكر الديمقراطي القائم على التعددية والإعتراف بالأخر.... و حصر الممارسات الدينية بجوانبها الإيمانية العقائدية في إطار علاقة الفرد الشخصية بالله ، والحؤول دون تحول الأديان إلى سلطات سياسية تهدف فيما تهدف إلى تنظيم العلاقات الإنسانية الحياتية وفق أسسٍ مذهبية يكون فيها التمييز بين البشر على أسس دينية ومذهبية وصولاً لتأسيس سلطة أو دولة دينية تمثل أو تنوب عن الله في الأرض ، لنصل إلى هدفنا الرئيس والذي يتحدد في توفير مناخ اجتماعي تسوده الحرية الإنسانية ، والذي من خلاله يتوفر للإنسان إمكانية اختيار أشكال علاقته بالله بشكل حر ، ذلك لعلمنا بأن الإنسان الحر والمسؤول هو فقط من يمكن محاسبته.
من ناحية أخرى يبدو جلياً إن النص الإسلامي يعاني الكثير من الإشكاليات في موقفه من المرأة ، فالمرأة عورة تنقض الوضوء وتفسد الصلاة ولا يجوز أن تؤم المصلين وهي مصدر للغواية والإغراء وهي من ضلع أعوج وهي مصدراً لشؤم، والمرأة بحاجة لوصاية الرجل مهما كانت مكانتها الإجتماعية أو العلمية لكونها قاصرة عقلياً ،وهي بحاجة للرجل لتقويم ممارساتها اليومية بالحسنى وإلا بالقوة والإكراه. وناقصة ُدين، ولا يحق لها تبوء المناصب القيادية ، ولا يمكنها السفر دون موافقة زوجها أو من تكون تحت وصايته ، محاصرة المرأة والتضييق عليها بخصوص حضانة أطفالها بذريعة عدم الأهلية، ولها نصف ما للرجل في الميراث ،وشهادة الرجل في المعاملات الرسمية توازي شهادة امرأتين ،فرض الحجاب بوصفه لباساً يخص المرأة المسلمة بالدرجة الأولى وتخلي المرأة عن التحجب يعني تجاوزها للأحد الخطوط الحمراء. إن قضية الحجاب بحد ذاتها تحتاج لبحث خاص من المنظور التاريخي أولاً ، ولأهمية ظاهرة التحجب ودورها في تحجيب العقل وتغييبه ليس فقط بالنسبة للمرأة المحجبة بل بالنسبة للرجل لما له من دور في الابتعاد عن كثير من القضايا الأساسية والجوهرية ثانياً .فإن البحث في قضية الحجاب لايعني الدعوة لعدم الاحتشام والترويج للأزياء المسيئة للأخلاق العامة . إضافة إلى إن فرض الحجاب يأتي في إطار فرض الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية السلفية النكوصية على كافة مستويات المجتمعية والشخصية . بطبع إن الاهتمام بموضوع الحجاب لا يقلل من أهمية باقي القضايا التي يركز عليها المسلمين المتشددين ويصرون على تطبيقها ،والتي هي مثار جدل وخلاف في الأوساط الإجتماعية والثقافية .
مجمل هذه النقاط وغيرها الكثير تظهر بأن الثقافة الإسلامية ثقافة بطريركية تكرس سيادة وهيمنة الرجل اجتماعياً ، وهذا ليس بجديد ، ذلك لكون المجتمعات الشرقية والإسلامية تاريخياًً تتسم بكونها مجتمعات ذكورية يهيمن فيها الرجل على مجمل مساحات حياة المرأة ،بناءً على التوظيف المؤدلج سلبياً للتفارق والتمايز الفيزيولوجي.
إن مأوردناه لا يلغي الجوانب الإيجابية والومضات المضيئة في الفكر الإسلامي وانعكاساتها الإيجابية على المجتمعات العربية والإسلامية عموماً .
أما فيما يتعلق بالمستوى الآخر من هذا البحث والذي يتمحور حول آثار الفكر القومي وانعكاسه الإجتماعي من خلال حركاته وتياراته المتنوعة والمتعددة على المستوى الفكري المستند في عمقه الفكري والمعرفي على الموروث الثقافي الإسلامي ، إضافة إلى الإستفادة من بعض الرؤى النظرية و التجارب السياسية الأخرى ، مؤكداً بذلك على الترابط والتشابك المفترض بين العروبة الممثلة بالتيارات والأحزاب القومية والإسلام ، في محاولات للتوفيق بين الأشكال القومية العلمانية والمنظومة الإسلامية المناقضة والمنافية للعلم والعلمانية في الكثير من جوانبها العقائدية المعبّر عنها والمتجلية في العلاقات اليومية ،إضافة إلى الإعتماد على بعض المفاهيم والمقولات المجتزئة من سياق المنظومات الثقافية الطبيعي مشكلة في تمازجها في بنية فكرية واحدة خليطاً ثقافياً هجيناً قائم على مجموعة من الأنساق المعرفية المتجاورة التي ساهمت في تشكيل الوعي الإجتماعي . وبذلك لم تتوصل النخب الثقافية والسياسية في لحظة التشكل المفاهيمي في سياق الممارسة النظرية للسياسة القومية إلى ترسيخ وبناء منظومة معرفية موضوعية خاصة بالواقع الجيوبولوتيكي والثقافي للمنطقة تتجلى من خلالها سمات هويتنا الثقافية. وتفاقمت هذه الإشكالية موضوعياً في انتقال الفكر السياسي من الحيز النظري إلى حيز الممارسة السياسية اليومية وتحديداً بعد تسلم ناصية القرار السياسي ، لتتجلى بمجموعة من الإشكاليات النظرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية على أسس ممارسة شمولية استبدادية تتناقض مع المناخ العام.
إن التجاور الثقافي والمعرفي المشكّل لمخيالينا الإجتماعي لم يتشكل فقط من خلال هذه الإشكالية المعرفية والثقافية بل كان مترافقاً بشكل موضوعي مع التعايش الطبقي لشرائح وفئات إجتماعية متناقضة بحكم موقعها الإجتماعي الموضوعي وساهمت الشروط والعوامل السياسية الموضوعية في استمرار تعايشها من خلال تمثيل هذه الفئات سياسياً في ظل مناخ عام اقتصادي وسياسي يقوم على التبعية الإقتصادية والارتهان السياسي . وهذا لاينفي إن الفكر القومي كان في بعض اللحظات معبراً عن الكثير من المهام السياسية والإجتماعية والإقتصادية الضرورية والملحاحية المعبرة عن تطلعات شعوب المنطقة محققاً حضوراً واسعاً في القاع الإجتماعي ، ومساهماً في ارتقاء وتطور الوعي المجتمعي في لحظة تشكله لكونه فكراً يمثل مهمات لحظة تاريخية محددة .
لكن الفكر القومي عموماً لم ينتقل موضوعياً في سياق تطوره الطبيعي من طور القوة إلى طور الوجود بالإمكان كمشروع يعبر عن حاجة موضوعية ذلك لعدم توفر المناخات السياسية و الإقتصادية والإجتماعية الذاتية منها والموضوعية ، ولذلك بقي مسودات لمشاريع نظرية وسياسية يقوم على توظيفها قادة التنظيمات السياسيةً بما يتناسب ومصالحهم السياسية ، في إطار ممارسة سياسية قطرية تهدف شكلانياً لبناء دول وطنية في إطار وسياق سياسة قومية هدفها الوصول لبناء دولة قومية ،لكنها فعلياً كانت تكرس وتجسد الحدود الجيوبوليتيكية المصطنعة . إن الشعارات والمهمات القومية الكبرى كانت تطرح في سياق التوظيف السياسي للنخب السياسية المسيطرة ، مكرسةً في سياق الممارسة السياسية المباشرة التبعية الإقتصادية والارتهان السياسي ، في مناخ سياسي عالمي سمته الأساسية التطور والإنفتاح القائم على التناقض الطبقي ، مما ساهم في بروز أشكالاً من الممارسة السياسية لبعض النخب والتي كان استمرار سيطرتها الطبقية وهيمنتها السياسية مرهوناً باستمرار التناقض الدولي
إن تجارب النظم السياسية القومية ساهمت من خلال ممارستها السياسية في تأسيس وعياً اجتماعياً سمته الأساسية التناقض داخل الذات الفردية والذي من الممكن رده إلى التناقض الذي كانت تتعايش وتستمر من خلاله منظومة الفكر القومي القائم على أنساق معرفية متناقضة ، إضافة إلى التناقض بين المستوى النظري وبين الممارسة السياسية الشمولية ، مما أدى في سياق سيرورة الممارسة السياسية إلى الخصاء الإجتماعي وتذويب الفرد في الكل العام الموظف لمصلحة الحاكم البطريركي المتجسد في أشكال من السلطة الأبوية ، والتي هي بطبيعة الحال من سمات المجتمعات الشرقية الذكورية و التي لم ينجح المجتمع في تجاوزها حتى اللحظة الراهنة بل يزداد انتشارها مع تزايد اتساع موجة المد الإسلامي والتعصب المذهبي ....
لقد أسست الممارسة السياسية في العقود الماضية والمستمرة بأشكال مختلفة نسبياً حتى اللحظة الراهنة إلى سيادة الفكر العقائدي الأحادي ، والذي جب تاريخياً مختلف الأشكال المعرفية المتساوقة معها والتي تقع في الإطار العام للفكر المهيمن ،بشكل متلازم مع إقصاء و تغييب الأنساق والمنظومات المعرفية والسياسية النقيضة ، مما أسس لمرحلة من الخواء الثقافي والسياسي المجتمعي المختلف والمتناقض مع الفكر السائد مؤدياً إلى تفريغ الفكر مضمونه الإيجابي بفعل فساد بعض النخب السياسية المتحكمة بالقرار السياسي ، إضافة إلى غياب النقيض السياسي الذي يفترض وجوده الطبيعي المساهمة في تصحيح المسارات السياسية السلبية من خلال مشاركته في تحديد ورسم السياسات العامة من موقعه السياسي المختلف .
إن هيمنة الفكر الأحادي القائم على النزعة القومية الشوفينية ساهم بأشكال مختلفة في تغييب الأشكال الثقافية للأقليات في محاولة لطمس التنوع الإثنوغرافي وتغليب هوية الأكثرية القومية والدينية مما أدى مع غياب الحياة الديمقراطية إلى نشوء تكتلات أقلوية لحماية هويتها الثقافية وللدفاع عن مصالحها الموضوعية في مناخ تضعف فيه سلطة الدولة ومؤسساتها الفعلية التي يفترض أن تكون الممثلة للمواطن في سياق تحقيق المواطنة فعلياً بعيداً عن الانتماءات الإثنية أو العرقية أو المذهبية...
لقد شكل الانغلاق على الذات للمحافظة على الهوية الوطنية والثقافة القومية الإشكالية في مرحلة الانفتاح العالمي حالة من التقوقع والتخلف المعرفي والثقافي في لحظة تفترض الانفتاح كشرط موضوعي لتطوير مضامين الثقافة الوطنية بما ينسجم مع سمات المرحلة الراهنة ذات السمة العولمية، وذلك في سياق مواجهة هيمنة الفكر الأحادي الشمولي الذي ساهم في إنتشار ثقافة استهلاكية ووعي مفوت ومجوف يقوم على فكرة الخلاص الفردي المتنافية مع المهمات المرحلية الأساسية .
وهنا يجب التوقف عند نقطة على غاية من الأهمية بكونها تجلياً وتمظهراً لهيمنة الحزب الواحد ذو الرؤية الأحادية والتي أسست من خلال ممارستها السياسية إلى تغييب الفرد واعتباره صفراً مهملاً في إطار تعميم ثقافة إجتماعية مفادها رفض الآخر وتكفيره ونفيه بالمعنى الإجتماعي والسياسي وصولاُ لتحقيق الذات الفردية من خلال تحطيم الآخر مما ساهم لاحقاً في سيادة ثقافة الأنا المتضخمة بمفهومها السلبي متساوقة مع باقي الأزمات الإجتماعية .
إن تحول الفكر إلى عقيدة مستبدة تحتكر الحقيقة وتؤسس لهيمنة سلطة الفرد المطلق ذو السمات الإلهية المستغني عن الآخر والمحطم له بنفس الوقت .... هي من بعض سمات ثقافتنا الموروثة المكرسة والمتجسدة واقعياً عبر هيمنة وسيطرة الحزب الواحد القائم على الفكر الأحادي الذي يوظف براغماتياً مفاهيم ومقولات ونصوص من مرجعيات ثقافية مختلفة ومتناقضة في تأبيد هيمنته ، ونلاحظ بأن نمو فكرة الحزب الواحد المتمحورة حول القائد الزعيم تأسست على الثقافة السلطانية والعصبية وتقاطعت مع أسوء ما تم اقتباسه من الفكر القومي الغربي الشوفيني ، لينتج هذا التقاطع :
ــ تجدد صيغة إمارة الاستيلاء في الدولة السلطانية في أشكال الانقلابات العسكرية في الدولة المعاصرة
ـــ تجدد العصبية في مفهوم ملتبس للقومية .
ـــ الإستقواء السياسي بالدين كقاعدة للصراع بين القوى السياسية .
ـــ تجلي ظاهرة الحق في التولية أو الولاية ( السلطة ) بصيغ جديدة وشعارات أيديولوجية من نتاج المرحلة الجديدة : تحقيق الوحدة العربية ، تطبيق الشريعة ، تحرير فلسطين ....(2) وتتجلى المنظومة الثقافية المسيطرة سياسياً كبنية ثقافية هجينة وانتقائية قائمة على التجاور المعرفي .... غير قابلة للتطور كبنية ثقافية تعبر عن واقع اجتماعي وثقافي محدد، وغير قادرة بنفس الوقت على الهيمنة إلا عبر استخدام ثقافة العنف والخوف في مناخ من الهيمنة الشمولية الأمنية .
إن ما أوردنا ه من تأثير الموروث الثقافي لا ينطبق فقط في انعكاساته السلبية على آليات الممارسة السياسية للنظم ذات التوجه والنزوع القومي بل يتعداه إلى التأثير على أداء التجمعات الدينية السياسية منها والغير سياسية ،والتي تعتمد بالمطلق على الإرث الثقافي الماضوية ،إضافة إلى تأثيرها على أداء وممارسة التشكيلات السياسية العلمانية
أما المستوى الآخر للبحث فإنه يتمحور حول المنظومة الثقافية (الشيوعية ) والتي بقيت خاضعة في سياق ممارستها السياسية النظرية والسياسة المباشرة للوعي الثقافي الإجتماعي المهيمن رغم إدعاء الكثير من ممثليها وأفرادها تجاوز الوعي الإجتماعي السائد .وبما أن الفرد ناتج واقع اجتماعي محدد فإنه من المستبعد أن يكون متجاوزاً بالكامل لواقعه الإجتماعي فهو متحدد بواقعه ونتاج هذا الواقع ، لذلك فأن تجاوز الواقع نسبياً بقي محصوراً على المستوى الفردي ، ولم يأخذ السمة المجتمعية ذلك لخضوع البنى الإجتماعية عموماً لمؤثرات الموروث الثقافي القابض على آليات التفكير الإجتماعي المرهون والخاضع للماضي الممانع لمعظم مفاعيل وأشكال التغيير ومستوياته .
إن هذا التحديد ينطبق على كافة المنظومات الثقافية ، والتي شكلت اختراقاً للبنى الإجتماعية السائدة بحكم التفاعل والتأثير والترابط العام، ذلك بحكم تفارقها واختلافها عن الواقع الثقافي المهيمن على البنى الإجتماعية ، ليبقى تأثير المنظومات والأنساق المعرفية الوافدة هامشية التأثير ، وغير قادرة على إختراق العمق الإجتماعي وتغيير آليات التفكير الإجتماعي العام ، لينحصر تأثيرها على مستوى النخب الثقافية ، والتي بقيت لأسباب متعددة أيضاً ذات تأثير اجتماعي محدود . أي إن النخب الثقافية بقيت غير قادرة على اختراق القاع الإجتماعي لتبقى محلقة في فضاءات الفكر الذي عجز أن يتحول إلى قوة فعل مادية ملموسة ، ينتقل فيها الفكر من حقل الممارسة النظرية إلى حقول الممارسة السياسية المجتمعية .
إن هذا بالضبط أحد أشكال تجليات أزمة الفكر( الشيوعي الكلاسيكي ) في منطقتنا ، والذي بقي محصوراً بالقشرة الإجتماعية المسيسة التي لم ترتقي بممارستها النظرية والسياسية لتكون الممثل الحقيقي للفكر الماركسي العلمي والنقدي ، إضافة إلى أنها لم تتجاوز واقعها الثقافي والاجتماعي المهيمن ، وهذا ما أضفى سمات خاصة على أشكال تمظهر وتجلي الفكر الشيوعي المعرب والممنطق ، ليتشكل وفق المنظومات الثقافية المهيمنة وبناءً عليها .
لذلك يمكننا القول بأن الممارسة النظرية والسياسية للنخب الشيوعية ليس فقط لم تتجاوز ما هو راهن بل أنها ألبست الفكر الماركسي لبوس الواقع الإجتماعي والثقافي المهيمن ،لتتجلى في حقل الممارسة السياسية والنظرية الموضوعية بوصفها عقيدة تضاهي في انغلاقها وتزمتها في بعض اللحظات أشد المرجعيات الثقافية رجعية .
إن تحول المنظومة الشيوعية إلى عقيدة مطلقة الحقيقة وذات صلاحية أبدية حولها إلى تابوا غير قابلة للنقد ، وعلى هذه القاعدة تم تكفير الفكر النقدي لهذه المنظومة ، حتى لوكان قائماً على نفس القاع المعرفي .
وتتجلى إشكالية الفكر الشيوعي الكلاسيكي بتحوله من أدوات نظرية ومعرفية تحليلية غايتها التغيير الإجتماعي وفق تحديدات فلسفية منطقية تخضع للبحث العلمي المعبر عن واقع ملموس إلى نصوص مقدسة وعقائدية أحادية تعبر عن رؤى ذات ميول تطورية حتمية ، يصبح فيها إثبات صحة المرجعية النظرية من خلال المماحكات النظرية المجردة هو الأساس وليس تعبيرها الموضوعي عن الواقع المحدد والملموس ، ليجد أصحاب نظريةحتميةالتطور الأحادي المحدد نظرياً أنفسهم أمام إشكالية نظرية وسياسية تقودهم إلى تطويع الواقع بما يتناسب مع الفكر وليس العكس ، أي تصبح الإشكالية في الواقع الملموس الذي لم يخضع في سياق تطوره الموضوعي للفكر الشيوعي المحدد ، أي أن الإشكالية تكمن في الواقع وليس في الآليات التي تمت فيها القراءة النظرية والتي من خلالها يجب استنباط الحلول والإستراتيجيات للواقع الملموس .إن هذا يقودنا مباشرة للقول بأن الممارسة النظرية والسياسية للنخب الشيوعية الرسمية خصوصاً ، كانت تقوم على التبعية والارتهان للسياسة السوفيتية . مما أدى إلى أن مجمل المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تجلت في بعض المفاصل التاريخية لم يتم قراءتها وفق منظور معرفي معبر عن المتغيرات الموضوعية ، بل وفق بنية معرفية ثابتة ومغلقة وتابعة تجاوزها الواقع في الكثير من اللحظات ، وهذا لاينفي بعض المساهمات الفكرية الفردية الرائدة والمبدعة والجريئة التي استطاعت تحطيم المقدس وتجاوز البنية الدوغمائية المغلقة للمنظومة الشيوعية الكلاسيكية ، لكن هذه المحاولات لا تعبّر عن سياق السيرورة الموضوعية للمنظومات المعرفية الشيوعية الكلاسيكية .
ويجب التنويه بأن تبني وتمثل المنظومات الثقافية من النهضة الأولى كان قائماً أو متأثراً بالبنية الثقافية الإسلامية بشكل ما ، إن هذا يساعدنا في التأكيد بأن الموروث الثقافي العقائدي المهيمن يساهم حتى اللحظة في أشكال تجلى الأشكال الثقافي في المنطقة ، ويمكننا القول بأن منظومة الفكر الشيوعي بدخولها لمنطقتنا كانت متناسبةً مع مستوى إدراكنا المعرفي ومستوى التطور العلمي والاجتماعي والإقتصادي والسياسي . أي أن الفكر الشيوعي المعرب كان يعبر في الممارسة النظرية والسياسية ً عن قاعنا الفكري المتشكل وفق أشكال متخلفة تتسم بسيطرة الأشكال العقائدية التكفيرية والمظاهر الطائفية ، متجلياً بوصفه فكراً إطلاقياً حتمياً يقوم على فكرة تقديس الفرد وتضخم الأنا الشخصي ذات النزعة الذكورية البطريركية ،و سيطرة آليات التفكير العشائرية والجهوية والعائلية والطائفية ..... بمعنى عام ومختصر لقد ألبسنا الفكر الشيوعي رغم ما يعانيه من إشكاليات لبوس منطقتنا بأشكالها المتخلفة ، لذلك وفي ظل الترابط الواقعي الموضوعي للمستويات الإجتماعية ، فإن المناخ السياسي والإقتصادي المهيمن كان لهما الأثر السلبي على إمكانيات تطور الفكر الشيوعي عموماً على مستوى الممارسة النظرية والسياسية .
==========================================================

ثانياً : سمات تخلف الوعي الإجتماعي :
======================
من الصعوبة بمكان استعراض كافة جوانب ومستويات تخلف الوعي الإجتماعي ، لذلك سنكتفي بتناول بعض المظاهر الأساسية المترابطة في سياق تطورها الموضوعي بالمستويات الإجتماعية الأخرى .
نشير بداية بأن العام في سياق السيرورة التاريخية هو المحدد للخاص/ الفردي ، وإن العام هنا لا يتحدد ببنية أو منظومة محددة، بل بالكل المهيمن إجتماعياً والمتكون على أساس ترابط كافة البنى والمنظومات المشكلة لقاعنا المعرفي ، والمؤثر بأشكال مختلفة في سياق تحديده لتجليات الحالات الفردية المعبرة عن نمط الوعي المهيمن.
وإذا انطلقنا من ترابط المنظومة الثقافية الدينية المسيطرة مع بعض الأشكال السياسية التي توظف بعض المفاهيم والمقولات الدينية لإحكام هيمنتها على الوعي الإجتماعي و لتحديد حركة الفكر في سياق محدد يهدف إلى تثمير وتوظيف الحضور الواسع والمكثف للخطاب الديني في سياق مباشر لتأبيد الأنظمة السياسية .
فإن ما أوردناه يترابط مع المستوى الإقتصادي المحدد لكافة المستويات الإجتماعية ، وبحكم تخلفنا الإقتصادي وازدياد حدة التباين والتفارق بين واقعنا الراهن وبين المستوى الحضاري والتقني الفائق التطور الذي وصلت إليه بلدان العالم الأول ،يتشكل بناءً على هذا التفارق فجوة حضارية ورقمية لايمكن رأبها ، مما يساهم في تحديد تطور وعينا الإجتماعي الذي لا يزال رهينة الماضي القابض على تلابيب الحاضر .
إن الفئات المهيمنة تساهم بشكل مباشر في رسم تفاصيل المجتمع وفق مصالحها السيادية ، وبحكم الظروف السياسية والإجتماعية الخاصة بالمنطقة، فإن وصول فئات من البرجوازية الصغيرة ذات المنبت الإجتماعي العسكري ــ الريفي ساهم من خلال ممارسة سياسية تقوم على إحكام السيطرة الطبقية لهذه الفئات التي تبنت مشاريع سياسية واقتصادية سماتها العامة تحقيق مصالح الفئات الدنيا من خلال مشاريع تنموية تقودها مؤسسات الدولة العليا وفق خطط واستراتيجيات موجه، لكنها عجزت في رسم مستقبل التطور الإجتماعي ، وقد يكون أحد الأسباب الرئيسية إضافة إلى العجز البنيوي التي تعاني منه الفئات المسيطرة ،هو تغييب الطبقة الوسطى التي تحمل موضوعياً إمكانيات التطور إضافة إلى الكثير من الأسباب السياسية والإقتصادية والإجتماعية المحددة بنيوياً لإشكالية الفئة الإجتماعية التي قادت المشاريع التنموية وفق سياسات عجزت عن الاستمرار في الإرتقاء الذاتي والموضوعي بحكم السيطرة الطبقية الشمولية المتشكلة على توافق ثقافي يقوم على الانتقائية الوظيفية والذي ساهم بشكل ملموس في تفاقم ملامح تخلف الوعي الإجتماعي المؤسس على المفاهيم العقائدية الدوغمائية ، والتي ساهمت في إفشال المشروع التنموي وتعميم ظاهرة الفساد التي باتت من سمات المجتمع المتخلف والمتموضعة بشكل واضح في مراكز صنع القرار ، ويمكننا إيجاز أسباب إنتشار ظاهرة الفساد بـــ :أولاً :غياب المناخ الديمقراطي الذي يغييب فيه القانون لصالح هيمنة قانون الطوارئ والمحاكم الإستثنائية . ثانياً : تفشي ظاهرة البطالة كحالة إجتماعية عامة ، يعاني منها بشكل رئيسي الشباب والخريجين تحديداً . ثالثاً : إنتشار الفقر كأحد مظاهر وتجليات المجتمعات المتخلفة نتيجة ًلشفط الموارد الوطنية ـ رابعاً : سيادة الوعي الإعلامي المضلل والزائف . خامساً غياب المشاركة الإجتماعية في الحياة السياسية وفي صناعة القرار. سادساً :غياب مبدأ المحاسبة والرقابة .
ــ ويرتبط مع ما سبق سيادة العلاقات القهرية وفق تراتب هرمي يتدرج من القمة إلى القاعدة لتتجلى كمنظومة مسلكية إجتماعية متخلفة في سياق العلاقات الإجتماعية القائمة على المازوشية والسادية .
ـــ تجلي ظاهرة الخصاء كأحد الأشكال التربوية السائدة المعبرة عن مستوى الوعي الإجتماعي المسيطر ، بوصفها تجسيداً حقيقياً لحالة العجز والخضوع التي يعيشها الفرد في أوساطه الإجتماعية والوظيفة. فالخصاء ظاهرة تعبر عن فقدان الفرد القدرة على المواجهة ، وفيها يصل الفرد لحالة من العجز والشلل القائم على الخوف والرهاب .
ــ التعامل مع الطبيعة كأم للإنسان والإنسانية بوصفها قوة خارقة وجبارة لايمكن مقاومتها أو الوقوف في وجهها متخوفين من هجرها وصدها أحياناً ، و كأم حنون نلوذ لصدرها لحظات التعب والضيق فهي الصديق والعدو ، الطيبة والقاسية ، نخافها ونحبها ، نتضرع لها في لحظات تأزمنا ونتودد لها في لحظات هدوءها الجميل ، ونكفر بها لحظات غضبها العارم ..... ونخشى هجرها ......
ــ إن غياب دور المؤسسات المدنية المعنية بالدفاع عن الفرد ، شكل أحد الأسباب الرئيسية في إنتشار العلاقات المجتمعية القائمة على التكتلات العائلية والعشائرية والطائفية والجهوية وفق منظومة من الوعي الاجتماعي القائم على آليات من التفكير العشائري والطائفي ... لتكون أحد السمات الأساسية للمجتمع المتخلف .
ــ ذوبان الفرد في التجمعات الأهلية / العائلية ، الطائفية ، العشائرية.../ ، كونها ما تزال مصدراً للقوة ،وأحد أشكال إثبات الوجود الشخصي في الإطار الجمعي بشكليه المادي و المعنوي .لكن في إطار هذه التجمعات تغيب الشخصية المستقلة للإنسان بكونه كائناً إنسانياً متميزاً ومبدعاً له سماته الخاصة وميزاته الفردية التي يجب إبرازها وإنضاجها باستمرار لكونها تعبيراً عن حالة خاصة ومستقلة عن هيمنة الجماعة ، وهذا لا يلغي تبادل التأثير في الإطار الإجتماعي في سياق التفاعل الإجتماعي شريطة التكامل والتبادل القائم على الندية والمساواة والإعتراف بالإنسان الفرد كقيمة مطلقة .
ــ سيادة الوعي الماضوي وفق آليات معرفية سلفية بسبب العجز الذي يعيشه الفرد في الحاضر مما يزيد من تمسكه بالماضي الخيالي والافتراضي ، فاستمرار الفرد مرهون باجترار الماضي بشكل موهوم ومرضي، إضافة إلى التمسك بالعادات والتقاليد بوصفها ملاذاً من فقر الواقع المعاش و يأتي هذا في سياق انعدام القدرة الذاتية والإجتماعية من الدخول في سيرورة التطور الموضوعي .
ـــ عودة العصبية والدعوات الدينية للظهور في أشكال تتلائم مع تجليات أشكال الدولة المعاصرة وبأشكال أيديولوجية قومية يتمظهر فيها جدل العلاقة بين العصبية والدعوة بأشكال سياسية تعتمد الاستيلاء والقوة كأحد أشكال الوصول للسلطة .(3)
ـــ إنتشار مظاهر التورية والمخاتلة في استعمال الألفاظ والتعابير المعبرة عن الواقع ،تحت تأثير ثقافة الخوف والقمع .
ــ إزدياد مظاهر الإتكالية نتيجة الإحساس بالخوف والعجز ، وغياب الإحساس بقيمة المبادرة الفردية المستقلة ، وتتساوق هذه الظاهرة مع تنامي ظاهرة الانكفاء على الذات ، وعدم المشاركة في الأعمال الجماعية وتحديداً المنظمة منها سواءً كانت سياسية أو مدنية ...
ــ إن ظاهرة التماهي بالمتسلط تمثل أحد سمات الإنسان المقهور في المجتمعات المتخلفة ، وتتجلى من خلال التماهي الشكلي للإنسان العاجز والتابع في علاقته الدونية والتبعية مع المتسلط ـ المسيطر والتي تتجلى في الممارسات الفردية من خلال تمثل شخصية المتسلط والتماهي بعدوانيته وأحكامه ، لتتحول في سياق تطور الفرد إلى أشكال من الممارسة اليومية . ويجب التنويه هنا بأن انعكاسات وتجليات التماهي مع المتسلط تتشكل وفق منظور هرمي ، أي تتجلى في سياق الممارسة الفردية التراتبية ، سواء كان هذا التراتب في سياق العمل الوظيفي ، أو في سياق العلاقات الإجتماعية و العلاقات الأسرية وغالباً ما تكون السيطرة للرجل لكونها سمة المجتمعات الشرقية و المتخلفة القائمة على السيطرة الرجولية ــ الذكورية ــ البطريركية ، وفق تراتبية قهرية .
ـــ إنتشار الظواهر الخرافية للسيطرة على الحاضر ، أو لقراءة المستقبل والتنبوء بمجرياته من خلال استمرار مظاهر زيارة الأولياء والمقامات والسحر وتأويل الأحلام وقراءة الطالع أو الحظ ......
ـــ إزدياد مظاهر العنف بأشكاله الرمزية والمقنعة ،وتزايد حدة العدوانية المرتدة على الذات نتيجة الإحساس بالقهر والخوف والعجز محدثة بذلك الكثير من الإضطرابات النفسية والعصبية مما يقود في معظم الحالات إلى التناقض الداخلي في التركيبة النفسية والعقلية للفرد مما يؤدي لبروز الكثير من الأمراض العصبية .
ـــ تعتبر السياسية التعليمية أحد أهم أسباب التخلف لكونها تكرس غياب الرؤية العلمية والتخطيط المدروس والدقيق في اختيار المواد المنهاجية ، واعتماد أساليب التلقين والحفظ القائم على تكديس المعلومات في ذهن الطالب دون أي فائدة تذكر سواء في الحياة اليومية ، أو في تطوير المستوى العلمي، إضافة إلى نشر بعض المفاهيم الخرافية والتأكيد على بعض العادات والتقاليد و تكريس تبعية المرأة وتغييبها عن المشاركة السياسية ، والتأكيد على دونيتها في سياق إبراز السمة الذكورية للمجتمع ، تقديس وتأليهه القائد ، نشر بعض القيم الدينية التي تساهم في تأبيد هيمنة النظم السياسية وتعزز المفاهيم الإجتماعية السائدة .توظيف المؤسسات التعليمة إيديولوجياً ..وتحويلها إلى أبواق تساهم تأبيد سيطرة السلطة القائمة .......
ـــ إن ما أوردناه من بعض سمات التخلف الإجتماعي يفترض آليات دفاعية تتناسب مع الوعي السائد الذي يعجز فيه الفرد عن التعبير عن ميوله الفكرية وانتماءاته السياسية ومكنوناته الداخلية ونوازعه الشخصية لذلك فإنه يلجأ إلى أساليب وآليات دفاعية سلبية و الملتوية تتجلى كما ذكرنا في تبني القيم الطائفية والعشائرية ، الخضوع لهيمنة الفكر الخرافي ،التماهي بالمتسلط ،العنف المرتد على الذات ،الانكفاء على الذات ، التمسك بالتقاليد والقيم الماضوية ،النفاق والمخاتلة والتورية والكذب... ويساهم في تعميم هذه المظاهر سيطرة نظم سياسية شمولية تقوم على إحتكار السلطة بأساليب عنفية قهرية ...

==========================================================

إشكالية المرأة في المجتمعات المتخلفة :
=======================
تعتبر قضية المرأة أحد الإشكاليات المحورية والأساسية في المجتمعات المتخلفة الخاضعة ولمنظومة ثقافية ذكورية بطريركية ، وتحديداً في المجتمعات التي يسودها وعي ديني أصولي وفيها نرى بأن غالبية القوانين الوضعية والشرعية المتعلقة بالمرأة تخدم استمرار سيطرة الرجل .
إن وضعية المرأة عموماً تختلف بناءً على موقعها الإجتماعي ، السياسي ، الإقتصادي ، الجغرافي ، و هذه العوامل تساهم نسبياً في تفاوت هيمنة الرجل .لكن ومن منطق الأمور أنه لا يمكننا فصل إشكالية المرأة عما يعانيه المجتمع في ظل النظم السياسية الاستبدادية والشمولية ، لأن القهر الإجتماعي والسياسي ... يعاني منه الرجل والمرأة على حد سواء ، أي أن كليهما يخضعان لسلطة سياسية واحدة تعتمد في تأبيد هيمنتها على إخضاع المجتمع بطرائق وأشكال عنفية وقهرية مختلفة ومتنوعة. لكن يكمن الفرق في أن المرأة تخضع لقهرٍ مركب ومضاعف بفعل هيمنة سلطة سياسية شمولية توظف العقائد الدينية في استمرار هيمنتها على المجتمع وهيمنة الرجل على المرأة .لكن لا تخضع الفئات والشرائح الإجتماعية لمستوى واحد من التطور أو لدرجة واحدة من التأثر بالمستوى الإجتماعي العام فدرجة الخضوع أو التأثر بالمناخ العام تتفاوت حسب المكانة الإجتماعية للفرد .
وتأسيساً على ما سبق فإن المرأة في المجتمعات الريفية تعاني من إشكاليات قد لا تعانيها المرأة في الأوساط المدينية أو في الأوساط الغنية ، ذلك لأن لكل فئة أو شريحة إجتماعية إشكالياتها الخاصة المتناسبة مع البنى الإجتماعية المحددة بالبنية الثقافية السائد متجلية بأشكال ثقافية محددة من الوعي الإجتماعي .
لذلك نرى بأن المرأة في الأرياف والأوساط الكادحة لا تخضع بشكل كبير للقيم المعيارية المحددة لمسلكيتها ،فهي تشارك الرجل عمله الزراعي وتشاركه أفراحه في الأوساط الإجتماعية العامة ... لكنها تخضع بنفس الوقت لسيطرة مضاعفة من قبل الرجل أباً كان أو أخاً أو.... خارج وداخل المنزل ، إضافة لخضوعها لمجموعة من الأعراف والتقاليد الإجتماعية المقيدة لحريتها في قضايا الزواج والطلاق والتعليم والعمل خارج حدود الأرض الزراعية في حال توفره .
يجب التنويه هنا بأن المرأة في الأرياف لا تخضع لنفس الدرجة من القهر والتبعية للرجل بل تختلف بين ريف وآخر بشكل يتناسب مع مدى سيطرة منظومة العادات والتقاليد التي يتعامل فيها أفراد البنية الإجتماعية المحددة القائمة بناءً على المنظومات القيمية الدينية والإجتماعية السائدة ، إضافة إلى المكانة الإقتصادية أو الأسرية أو العائلية أو العشائرية أو الطائفية ....أما في الأوساط المدينية فإن حجم معاناة المرأة يعود إلى الوضع المادي والثقافي الذي يحدد درجة خضوعها للمنظومة القيمية الإجتماعية. لكن وكما هو ملاحظ فإن المرأة في أوساط الفئات المتوسطة أكثر قدرة على المشاركة في الحياة العامة واتخاذ القرارات الشخصية لكونها منتجة وبالتالي تتمتع باستقلال اقتصادي أكبر عن الرجل مما يعطيها هامشاً أكبر في التحكم بآلياتها الدفاعية ، إضافة لتحقيقها درجات أعلى من التعليم مما يساعدها على ضمان مكانة إجتماعية متميزة . إن عمق وسعة إمكانياتها الثقافية ورؤيتها النقدية يمكّنها من تملّك حريتها بشكل أكبر ، وبطبيعة الحال لا يجوز التعميم لأن الكثير من الحالات الفردية تخترق القاعدة بأشكال مختلفة .أما بما يخص وضعية المرأة ضمن الفئة الإجتماعية المهيمنة ذات الامتياز والنفوذ والمتحكمة نسبياً بشكل العلاقات الإجتماعية، فإن القواعد الإجتماعية والمنظومة القيمية الضابطة لآليات الممارسة الإجتماعية محدودة ، وتمارس هذه الفئات مجموعة من الطقوس والعادات الخاصة بها على أساس التفارق مع المنظومة القيمية الإجتماعية والأخلاقية السائدة ، ويترافق هذا مع توفر إمكانية الانحلال الإجتماعي والذي لم يعد سمة خاصة لفئة محددة ، بل أصبح سمة إجتماعية عامة في ظل الانفتاح الفضائي الراهن، وزيادة سيطرة وسائل الإعلام التي تساهم تقليص حدة تجليات الفوارق القيمية لصالح تعميم أشكال متقاربة من الثقافة الإستهلاكية ، و الترفية والمظاهرية لتتحول المرأة من كائن إنساني ذو قيمة أخلاقيةوإجتماعية ترى حريتها في إنعتاقها من المنظومة الإجتماعية المهيمنة إلى كائن مفرغ من مضمونه الثقافي و كائن مستهلك و سلعة رائجة ومربحة في أسواق العرض والمنافسة المبتذلة ، لذلك نرى بأن مفهوم الحرية في هذا السياق لا يقوم على أسس منطقية وعقلانية ، بل يتشكل على أساس شكلاني ظواهري . طبعاً يجب أن لا يفهم بهذا بأن المستوى المعيشي والاستهلاكي متساوٍ إضافة إلى أن المستوى الإقتصادي يحدد أشكال الإستهلاك لكن حدة التأثر بالوعي الإستهلاكي تتزايد بتزايد التأثيرات الإعلامية .
ــــ أما فيما يتعلق بأشكال وأساليب القهر والاستلاب الذي تعاني منه المرأة فإننا يمكن التوقف عند :
ــــ الاستلاب الإقتصادي و يمكن ملاحظته في القطاعات الإنتاجية والمشاريع الاستثمارية الخاصة،وفيها يتم استنزاف واستغلال المرأة لأبعد الحدود ، ويتم توظيفها ببعض الأحيان بأشكال مهينة ، هذا إضافة إلى أجواء العمل السيئة التي تخلوا من القيم الأخلاقية والمعيارية.
ـــ الاستلاب العقائدي: تخضع المرأة عموماً للمفاهيم والقيم الإجتماعية السائدة ، و تعيد إنتاجها من خلال تربيتها لأطفالها ، و يتم في سياق الممارسة المباشر للمنظومة القيمية انتهاك حقوق المرأة والتقليل من إمكانياتها العقلية وتحويلها لبضاعة تروّج وفق مواصفاتها الجسدية.. إن المرأة المتحررة والمستقلة في اتخاذ قراراتها وفق منظور عقلاني قادرة على تربية أجيال متجاوزة عقلانياً للمنظومات القيمية السائدة أكثر من المرأة الخاضعة للمنظومة القيمية المهيمنة والسائدة إجتماعياً ، لذلك يجب التأكيد على أهمية وضرورة تحرر المرأة من هيمنة البالي من العادات والمفاهيم الإجتماعية المهيمنة ، وهنا نرى ضرورة التأكيد على أنه لا توجد بالمعنى العام امرأة حره في مجتمع يكون فيه الرجل مستلباً و خاضعاً للقيم المهيمنة ، أي إن سيرورة تحرر المرأة و الرجل مترابطة في سياق اجتماعي محدد.
ومن هنا تكمن أهمية و ضرورة التكامل الإجتماعي بعيداً عن التركيز على الهوية الجنسية ، لأن تحرر المجتمع يعني كافة أفراد المجتمع الخاضعين لآليات القمع والقهر ، ولكون المرأة تتعرض لاضطهاد وقمع مزدوج ومركب ، فهي معنية بشكل أكبر في مواجهة المنظومة السائدة التي تؤكد سلطة الرجل و تشكل مصدراً لقوته التقليدية ، ولهذا فالرجل بالشكل العام يقف في وجه التغيير الذي يقود إلى تقليص مكاسبه الإجتماعية ، ومن هنا نرى ضرورة مشاركة المرأة المتجاوزة موضوعياً لقيم واقعها السائدة بشكل مباشر في الهيئات أو الجمعيات أو الأحزاب ...التي تعمل على تغيير وتجاوز ما هو راهن وسائد من قيم بالية معيقة لعملية التطور الإجتماعي .
ــ الاستلاب الجنسي : في هذا المستوى يتم اختزال المرأة من كائن إنساني متكاملاً على المستوى العقلي والعاطفي إلى مجرد كائن جنسي خاضع لشهوانية الرجل لتتحول الحاجة الجنسية من حاجة إنسانية إلى حالة حيوانية يمارس فيها الرجل ساديته المقموعة في المجتمع المتخلف .
إن اختصار المرأة في حدود الجسد يشكل أحد أوجه القهر والإهانة لشخصيتها الإنسانية في المجتمعات المتخلفة ذات النزوع الإستهلاكية المبتذلة لينحسر دورها في الإغراء والإغواء الغريزي وإثارة النزعات الحيوانية .
وفي هذا السياق فإن انتهاك المرأة لا ينحصر فيما أوردناه بل يشمل تقليص حريتها الإجتماعية والسياسية وانتزاع كافة وسائلها الدفاعية العقلانية والقانونية المشروعة لوضعها في حيز ضيق تكون فيه متهمة بالقصور العقلي الذي يفترض الوصاية ، وإنها يجب أن تتحمل مسؤولية جسدها وتدافع عنه، وطالما هي قاصرة وضعيفة وجاهلة وقليلة دين وثرثارة وغاوية ...... فإنها غير قادرة على تحمل مسؤولياتها والدفاع عن نفسها لذلك فهي بحاجة إلى رعاية ووصاية الرجل الذي سيصبح في السياق الإجتماعي مستبداً للمرأة والمساهم الأبرز في انتهاك محرماتها التي يطالبها المجتمع بالدفاع عنها . فالرجل في المجتمعات الذكورية يدفع المرأة لارتكاب الأفعال المنافية لأخلاقيات المجتمع السائدة إرضاءً لنزعاته الشهوانية ، وبنفس الوقت يطالبها بالمحافظة على عفتها وشرفها وفق المقاييس الإجتماعية السائدة و عند استجابتها لنداء جسدها فإن الفضيحة والعار سمتها الملازمة التي تستوجب من الرجل قتلها دفاعاً عن شرفه.. هذا التناقض الذي يقع فيه الرجل الشرقي عموماً يمكن رده إلى انحسار تفكير الرجل بالمرأة بوصفها جسداً للمتعة ، وبناءً على ما أوردناه ، فإن المرأة المجردة من حقوقها الإنسانية ، ومن أشكال الدفاع القانونية عن ذاتها تلجأ لأساليب دفاعية يفرضها المجتمع الذكوري والتي تتمثل في توظيف جسدها وضعفها المصطنع كأحد أقوى الأشكال الدفاعية في ممارسة سيطرتها على الرجل. إضافة لذلك فإنها توظف أمومتها و واجباتها الأسرية في فرض سيطرتها الغير مباشرة على الرجل ويأتي هذا في إطار من السيطرة القائمة على التضخم النرجسي المتوافق مع الأشكال الثقافية البطريركية السائدة .
.... انتهى .....
============================================================
1ــ تنويه : للإطلاع أكثر يمكن مراجعة كتاب : التخلف الإجتماعي ــ مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
للدكتور مصطفى حجازي .
معهد الإنماء العربي
فرع لبنان
الطبعة الرابعة ـ بيروت 1986
2ــ راجع مجلة العربي العدد 577 ( التاريخ العربي من الدولة السلطانية إلى الدولة الحديثة ) د ـ وجيه كوثراني الصفحة 134ــ 137 .
3ـــ المصدر السابق .



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات العولمة الثقافية
- المناهضة في زمن العولمة
- تحديدات أولية في العولمة ونمط الإنتاج المتمحور حول الذات
- قراءة في الخارطة الجيوسياسيةواحتمالات المرحلة المقبلة
- جدل اللحظة الراهنة
- الوهم الديمقراطي
- ضرورة التلازم بين المستويين الديمقراطي والتنموي في ضبط التنا ...
- الرأسمالية الراهنة
- بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع


المزيد.....




- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - معتز حيسو - أزمة الوعي الإجتماعي