أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - كوندوليزا رايس والقيم البيضاء














المزيد.....

كوندوليزا رايس والقيم البيضاء


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 06:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعالم الاجتماع الأمريكي الأسود إدوارد فرانكلين فريزر كتاب هام بعنوان "البورجوازية السوداء: نشأة الطبقة الوسطى الجديدة" صادر عام 1957، يتحدث فيه عن الكيفية التي ظهرت من خلالها البورجوازية السوداء الجديدة في أمريكا. يكشف فريزر في كتابه الهام المفارقة بين تدهور أوضاع السود في أمريكا وبين نشأة البورجوازية السوداء المتوحدة مع أهداف وقيم البيض على حساب المجتمع الأسود الأكثر فقرا. ورغم أن فريزر ينتمي لنفس الطبقة البورجوازية التي يتحدث عنها، إلا أنه قد امتلك ذلك القدر من الوعى الذي سمح له بأن يرى وضعيته الجديدة ضمن إطار هيمنة المجتمع الأبيض. وعلى ما يبدو أن فريزر قد تنبه في أخريات أيامه أنه ورغم الإمتيازات الهائلة التي يتمتع بها والتي سمحت له بها الأغلبية البيضاء، فإنه لن يستكمل كيانه وهويته طالما بقيت الجماعة السوداء التي ينتمي إليها تعاني من التمييز العنصري الموجه ضدها من قبل البيض.

يطالعني كتاب فريزر دائما كلما سمعت تصريحات وبيانات السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية. يذكرني الكتاب بكون رايس جزء من هذه الطبقة صنيعة الهيمنة البيضاء الأمريكية. تتسم السيدة رايس بقدرة كبيرة على إطلاق التصريحات وصك البيانات بشكل متواصل ومستمر. كما أنها تتسم بجرأة وقدرة على الهجوم على الآخرين بطريقة لا تتناسب مع كونها تنتمي إلى الأقلية السوداء الأكثر تعرضاً للقهر والتمييز العنصريين حتى الآن. كما أنها تتميز بذلك القدر من الصلف الذي يتيح لها قلب الحقائق، واتهام الآخرين، وتأليب العالم عليهم. إضافة إلى ذلك، فإن خطابها ينطوي على قدر ضخم من التهديد والوعيد بشكل لا يتناسب مع كونها وزيرة خارجية من المفروض أن يتحلى خطابها بالعقلانية والرصانة والهدوء.

تمثل رايس الطبقة البورجوازية السوداء التي تحدث عنها فريزر بامتياز. حصلت السيدة رايس على تعليم متميز، كما أنها تتقن عدة لغات أجنبية، إضافة إلى مناصبها الأكاديمية والحكومية الرسمية المتلاحقة التي انتهت بها إلى سدة كرسي وزارة الخارجية الأمريكية.

لا يعني ذلك أن الأقلية السوداء في أمريكا تعايش نفس الوضعية الخاصة بالسيدة رايس من حيث الحصول على مستويات تعليمية متميزة، وشغل الوظائف الجيدة، إضافة إلى ظروف العيش الإنساني الكريم. العكس هو الصحيح تماماً، فأعلى معدلات للفقر والجريمة وتدني المستويات التعليمية هي تلك المنتشرة بين الأقلية السوداء في أمريكا.

ورغم الثورات المدنية التي قام بها السود في أمريكا منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، ورغم البرامج الاجتماعية المتلاحقة التي انتهجتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، بنسب متفاوتة، لتعويض السود عن فترات الحرمان التي واجهتهم، فإنهم مازالوا يعانون من تدني المستويات المعيشية بشكل بالغ ومزمن. وما الصور التي نشاهدها للمغنيات الأمريكيات وللرياضيين وللسياسيين السود المعاصرين، إلا الجانب المشرق من الصورة الذي يخفي قبح الممارسات الأمريكية الداخلية ضد المواطنين الأمريكيين السود.

لا تستطيع السيدة رايس أن توجه سهام نقدها وحدة لسانها إلى نقد النظام الاجتماعي الداخلي الأكثر تمييزاً ضد السود وغيرهم من الأقليات الأخرى غير البيضاء، لكنها تترك كل هذا التمييز والظلم الواقع على السود لتهاجم إيران وسوريا، وتحاصر حماس، وتنتقد شافيز. وهو نفس الخطاب الذي تتبناه النخبة البيضاء الأمريكية. لا تستطيع رايس أن تهاجم القيم البيضاء التي أوصلتها إلى كرسي وزارة الخارجية لأكثر الدول قوة وهيمنة على الآخرين، كما أنها لا تستطيع أن تتحدث عما يحدث لأبناء جلدتها من امتهانات يومية، لكنها تستطيع أن تهاجم إيران وتتهمها بجرأة لا تحسد عليها بأنها البنك المركزي للإرهاب العالمي.

لا تستطيع رايس أن تشير إلى انتشار الجرائم بين السود في أمريكا، لكنها تستطيع أن تتهم كلا من إيران وسوريا بأنهما يحرضان العرب والمسلمين على التظاهر ضد الرسومات المسيئة للرسول الكريم. ولا تستطيع رايس أن تتناول عنف البوليس الأمريكي ضد الشباب الأسود، لكنها تهدد وتتوعد الحكومات العربية التي يمكن أن تمد يد العون للفلسطينيين بعد النصر الكاسح لحركة حماس.

نحن لا نطالب رايس بنقد ما يحدث في معتقل جوانتنامو، أو بتناول صور التعذيب الجديدة في سجن أبو غريب، أو التعقيب على استخدام الأسلحة المحرمة في العراق وأفغانستان، أو الإشارة إلى الممارسات الإسرائيلية النازية ضد الفلسطينيين. نحن فقط نذكرها بحقوق الأقلية السوداء في أمريكا. نذكرها بأنها لا يجب أن تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتلقي الإتهامات يميناً وشمالاً، بينما أبناء جلدتها يعانون الأمرين في أمريكا. نذكرها بأنها يجب ألا تثرثر بخطاب الإصلاح بينما الأقلية السوداء في أمريكا تحتاج لإعادة إصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي وإنساني.

وإذا كانت السيدة رايس قد تجردت من انتماءاتها للأقلية السوداء، واستطاعت من خلال الإمتيازات التي أغدقتها عليها النخبة البيضاء أن تنسلخ كلية عن الجماعة السوداء التي تنتمي إليها، فإننا في العالم العربي يجب ألا نصغي لها ولوعيدها، ويجب ألا ننصاع لأوامرها ونواهيها. علينا أن نتذكر أن الفلسطينيين إخواننا في اللون واللغة والدين والثقافة، وأن تجويعهم مثلما تهدف رايس وأربابها في البيت الأبيض مسألة تتعارض مع قيمنا وتوجهاتنا العربية. علينا أن نتذكر أن السوريين أشقاء لنا، وأن الإيرانيين أقرب إلينا من أمريكا ومن إسرائيل. وعلينا أخيرا أن نترك رايس لمشاكلها النفسية والعرقية، ربما تفيق يوما ما، مثلما سبقها مواطنها الأسود إدوارد فرانكلين فريزر.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- قضاة يرفضون بيت الطاعة
- الإنترنت مهد الكراهية
- ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد
- تفعيل الكراهية
- للمرأة الفلسطينية كل الإجلال
- قراءة في بيان الليبرالية الجديدة
- الشخصية العربية المعاصرة، قراءة أولية
- 11 سؤال عن 11 سبتمبر
- إدوارد سعيد ونقد -الاستشراق-


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - كوندوليزا رايس والقيم البيضاء