أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير سوكاح - حول أحادية كتابة التاريخ العربي والإسلامي















المزيد.....

حول أحادية كتابة التاريخ العربي والإسلامي


زهير سوكاح

الحوار المتمدن-العدد: 1747 - 2006 / 11 / 27 - 07:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مما لا شك فيه أن كتابة التاريخ الإسلامي منذ اللحظات الأولى لنزول الوحي إلى يومنا هذا قد غلبت عليها النظرة السياسية والعسكرية للأحداث; فمجريات ومراحل هذا التاريخ الممتد على مدى خمسة عشر قرنا قد تم التأريخ لها كأحداث سياسية وحربية بالدرجة الأولى مما خلق لدى المتتبع والقارئ المهتم بتاريخ الحضارة الإسلامية انطباعا خاطئا مفاده أن هذا التاريخ مليء بالصرعات والنزعات السياسية والحروب الطاحنة.
معظم المصادر التاريخية الرئيسية وما تلتها من قراءات وأبحاث تاريخية عديدة قد كرست هذا النهج الأحادي في التعامل مع تاريخ الحضارة الإسلامية وأهملت جوانب هامة فيه بشكل يثير الاستغراب.
هذه النهج الأحادي لا يقتصر على مرحلة معينة من مراحل هذا التاريخ الطويل بل يلقي بظلاله على جل مراحله ومجرياته بل ويبدو أنه قد أضحى نهجا لا محيد عنه في فهم هذا التاريخ, فأصبحنا لا ننظر إليه ولا نفهمه إلا عبر زاوية نظر جد ضيقة ألا وهي النظرة السياسية والعسكرية السالفة الذكر وبالتالي فإننا إزاء عملية اختزال غير مبررة لتاريخ حضارة الإسلام, بل وإن بعض المفردات من قبيل: غزوة, فدية, المارقين, ردة, فتنة, أسرى وغيرها أضحت تشكل المصطلحات الرئيسة في قاموس الكتابة التاريخية للحضارة الإسلامية.
في كتب السيرة النبوية على سبيل المثال تم التركيز بشكل ملفت للنظر على غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يخيل للمريء أن حياة النبي الكريم ما هي إلى سلسلة من الغزوات والحروب المتواصلة.
كما أسهبت معظم المصادر العربية والغربية في وصف الفتن والثورات والصراع على الحكم بين الولاة بدءا من فترة الخلفاء الراشدين ومرورا بالعهد الأموي والعصر العباسي ووصولا إلى الخلافة العثمانية.
أيضا ركزت هذه المصادر في فهمها وتقيمها للمراحل التاريخية في المنطقة على دراسة الشخصيات وسير الأسر الحاكمة والأنساب والقبائل والطوائف , إذن ليس من المبالغة في شيء إذا ما اعتبرنا أن تاريخ المنطقة برمته والذي يتم تكريسه في مناهجنا التعلمية داخل مدارسنا وجامعاتنا هو تاريخ الملوك لا غير.
لا أنكر دور بعض الشخصيات والأعلام والتي احتلت سيرتها مكانة هامة على صفحات المصادر التاريخية في تغيير حركة التاريخ الإسلامي وتوجيه مساراته ولا أنكر أيضا ما للأحداث السياسية والصرعات العسكرية من تأثير عميق على سيرورة المشهد التاريخي للمنطقة, لكنني بالمقابل اعتبر أن اختزال التاريخ العربي ـ الإسلامي في كل ما هو سياسي وعسكري فقط , هو تشويه لهذا التاريخ بل هو ظلم في حق الحضارة العربية الإسلامية .
لست أدعو هنا إلى ضرورة إعادة كتابة تاريخ المنطقة من جديد لأن هذا لن يتم إلا عن طريق مجهودات علمية جبارة تسهر على إرساء قواعدها ومقوماتها وتضمن استمراريتها شبكة من المؤسسات المختصة والمعاهد البحثية داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي هدفها فهم وإعادة كتابة تاريخ المنطقة بشكل علمي ورصين. وفي غياب الإرادة السياسية الحقيقية وما يترتب عنها من دعم حقيقي ومستمر فإن هذا المشروع الذي لا طالما نادى به الكثير من مثقفينا سيضل يراوح مكانه شأنه في ذلك شأن العديد من المشاريع الحضارية والرؤى النهضوية التي طالها التهميش واللامبالاة .
لكني بالمقابل أرى أنه قد آن الأوان لإعادة الاعتبار لجوانب محددة من تاريخنا ضلت إلى يومنا هذا في طي النسيان ولعل من أبرزها الجانب العلمي في تاريخ الحضارة الإسلامية هذا الجانب الذي لم ينل الاهتمام الحقيقي والجاد من طرف المؤرخين والمتخصصين.
لم يعد يخفى على أحد تفوق العرب والمسلمين في معظم العلوم الحياتية طوال العصر الوسيط وإنجازاتهم الفريدة في فروع علمية عديدة. ولا ينكر أحد حيوية وثراء الحياة العلمية في تلك الحقبة والتي جعلت من الحضارة العربية ـ الإسلامية حضارة علمية بالأساس.
هذا التراث العلمي الهائل من الفرضيات والاختراعات والاكتشافات العلمية وأساليب البحث العلمي المبتكرة وغير ذلك لا نجد له الصدى الحقيقي والمكانة اللائقة في كتبنا التاريخية ولا في مناهجنا التعليمية من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة ,فهو مغيب بشكل يدعو إلى الحيرة. وفي أفضل الأحوال نجد أن هذه المرحلة الإبداعية في حضارتنا والتي استمرت أكثر من ٠ ٨٠ سنة لا تحتل إلا حيزا ضيقا على صفحات المصادر التاريخية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعبر عن الحقيقة التاريخية لتلك المرحلة المجيدة من تاريخ الحضارة العربية ـ الإسلامية.
فهل نحن فعلا إزاء اختزال مقصود وتهميش متعمد لهذه الحقيقة التاريخية؟
لا يمكن الإدلاء بإجابة محددة في هذا الصدد مخافة الانسياق وراء تكهنات قد لا تجدي نفعا. بالمقابل اعتقد أنه قد حان الوقت لتسليط الأضواء على هذا الجانب المعتم من تاريخنا وأرى أن الاهتمام الجاد بتراثنا العلمي هو محاولة حقيقية وعملية في سبيل إنصاف التاريخ المشوه لهاته الحضارة .
بدأ يتضح أن البحوث العلمية والدراسات التاريخية حول هذا الجانب المغيب من تاريخنا قد بدأت في التنامي منذ عقود, لكنه يتحتم بالمقابل إخراجها من عزلتها الأكاديمية وجعلها في متناول القارئ العربي ولعل من أفضل السبل إلى ذلك هو دمج حصادها المعرفي وحقائقها المشرفة ضمن المنظومة التعلمية على اختلاف مراحلها.
وهنا أشير بالتحديد إلى المنشورات الأكاديمية القيمة لمعهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية التابع لجامعة فرانكفورت الألمانية(١) والذي يشرف عليه البرفسور فؤاد سزكين. منذ تأسيسه سنة ١٩٨٢ قام هذا المعهد بإصدار أكثر من ألف مجلد غالبا باللغة الألمانية تتعلق بمجالات عديدة مثل علوم الآداب واللغة والفلسفة والرياضيات والفلك والصناعات والطب والفيزياء والزراعة وغيرها من العلوم, وتقدم صورة واضحة وجلية للإنجازات العلمية للعرب والمسلمين.
راكم هذا المعهد لوحده وبإمكانات متوسطة حصادا معرفيا ضخما, بينما جامعنا ومعاهدنا ومراكزنا البحثية في الوطن العربي لازالت في غيبوبتها المعرفية ولم تقم الجهات العربية إلا بترجمة عدد ضئيل من إصدارات هذا المعهد الألماني إلى اللغة العربية . حيث قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود بترجمة أجزاء من كتاب تاريخ التراث العربي, المؤلف من اثنا عشر جزءا (٢)
أرى أنه بات من الضروري أن تقوم نخبة من الجامعات العربية أو المؤسسات المهتمة التراث العربي بالتنسيق مع هذا المعهد الغربي من أجل ترجمة متدرجة للأهم إصدارات المعهد إلى اللغة العربية وخصوصا تلك التي تتناول تاريخ العلوم الحياتية نظرا لأنها تشكل في نظري أساس لا غنى لنا عنه في فهم حقيقي لتلك الإنجازات العلمية المبهرة. كما أقترح أن تتم ـ كخطوة تمهيدية ـ ترجمة الدورية السنوية التي يصدرها المعهد منذ سنة ١٩٨٤ وهي مجلة تاريخ العلوم العربية والإسلامية (٣) ونشر نسختها العربية بشكل دوري ورقيا أو على الأقل إلكترونيا
كما أضم أيضا صوتي إلى صوت الباحث الأكاديمي د. محمود السيد الدغيم (٤) الذي نادى بأن تتولى المؤسسات المعنية في العالم العربي الإسلامي إعادة إنتاج ونشر هذا الكم الهائل من إصدارات المعهد إلكترونيا وجعلها في متناول المتخصص والقارئ العادي على حد السواء بواسطة الأقراص المدمجة بل وعبر شبكة الإنترنت.
خلاصة القول إن الاهتمام العملي والسعي الدؤوب لإعادة اكتشاف وفهم تراثنا العلمي العربي والإسلامي هو ضرورة ملحة أملتها الظروف الراهنة في محاولة جادة لتصحيح توجهات ومسار الكتابة التاريخية المستمرة للمنطقة¸هذه الكتابة التي لا تتوقف البتة عن إعادة استدعاء منطلقات ورؤى تشويهية لتاريخنا بشكل ممنهج حتى أضحت بمرور الوقت مسلمات بل و حتميات أوجدت بين ظهرينا أجيال تزدري تاريخها بل و تلعنه وتنظر إلى حاضرها ومستقبلها نظرة تيه وضياع.
فهل من مجيب!



هوامش
١. Institut für Geschichte der Arabisch-Islamischen Wissenschaften an der Johann
Wolfgang Goethe-Universität

2. العنوان الاصلي للكتاب باللغة الالمانية:
Geschichte des arabischen Schrifttums, صدر أول جزء منه سنة 1967

3. Zeitschrift für Geschichte der arabisch-islamischen Wissenschaften

4. محمود السيد الدغيم: الرياضيات الإسلامية والفلك بين الاهتمام العالمي والإهمال العربي, الحوار المتمدن, العدد ١٠٨٧



#زهير_سوكاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير سوكاح - حول أحادية كتابة التاريخ العربي والإسلامي