أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ناظم ختاري - محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة















المزيد.....


محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة


ناظم ختاري

الحوار المتمدن-العدد: 1746 - 2006 / 11 / 26 - 11:09
المحور: سيرة ذاتية
    


إذن غادرت هذه العوائل المقر من أجل التسليم لهذه القوات وكنا نتمنى لها الخير غير أن نظام البعث لم يكن يعرف غير الشر لمواطني العراق بشكل عام ولم يكن يفي بأي وعد يقطعه على نفسه، فرغم قرار العفو الذي أشرنا إليه في المحطة السابقة كانت هذه العوائل مع عشرات الآلاف من الأكراد الآخرين من مختلف مناطق كوردستان ضحايا لهذه الحملة العسكرية ، وقرار العفو الصادر عن ما يسمى بمجلس قيادة الثورة لم يكن غير مصيدة ضمن هذه الحملة لتمكين قواته من القضاء على أكبر عدد من المواطنين .

أصبحت قواتنا وحيدة في هذه المنطقة من جبل كارة ولم يكن لنا أي علم بمكان وجود قوات حدك وأي المناطق التجأت إليها ، فكان في تصورنا ربما إنها استطاعت أن تجد طريقها إلى الحدود ، ولكنه تبين فيما بعد إنها كانت تعيش أيضا في نفس الحصار إلى ما بعد أيام طويلة من مغادرة العديد من مجاميعنا نحو الده شت . وهذا ما سأتطرق إليه في المحطات القادمة اعتمادا على المعلومات التي حصلت عليها من الرفيق أبو عمشة لأنه كان من ضمن المجاميع التي بقيت فترة غير قصيرة في كارة وحاول كثيرا التنسيق مع مفارز حدك لغرض الوصول إلى الحدود التركية .



أشرت في المحطة السابقة ، بأننا تحركنا من أجل تشكيل مجاميع لاختراق خطوط هذه القوات المنتشرة بكثافة لم تشهدها مناطق كوردستان في السابق ، بالرغم مما كانت ترتكبه القوات العسكرية من جرائم في ظل ممارسات مختلف الحكومات المتعاقبة على السلطة في العراق للسياسات الشوفينية ضد الشعب الكوردي وحقوقه القومية المشروعة ، والجدير بالقول أن أشير إلى أن هذه السلطة نفسها أي حكومة صدام الدكتاتورية لم تتجرأ الإقدام على مدار فترة حكمها على مثل هكذا جريمة وبهذا المستوى البشع وبواسطة هذا القدر من القوات والمسلحة بهكذا أسلحة قتل جماعية وقادرة على تدمير فظيع ، ربما يرتعب المرء عندما يسمع بكل ذلك فكيف بضحايا هذه الحملات والعمليات التي ابتدأتها في به هدينان عندما دمرت القرى الأيزيدية ( ملاجه به را و كاباره وطفطيان وخورزان وكه رسافا و(ديده فان) ..كان يسكنها الكوجر .. من العشائرالكوردية الرحالة استقرت في القرى والأرياف الكوردستانية )* هذه القرى المتاخمة للسلسلة الجبلية بين قضاء شيخان وناحية ألقوش وثم في كه لي زيوة عندما قتلت فيها الشيوعيون بواسطة الغازات السامة وبعد ذلك أرتكبت جريمة العصر عندما قتلت سكان حلبجة جماعيا بالغازات السامة أيضا وعندما توغلت في جرائمها في كل مكان من كوردستان في باليسان وشيخ وه سان وبه رى كارة والعشرات غيرها التي عاشت ويلات هذه الأسلحة .

فمع مغادرة العوائل لتسليم مصائرها بيد دراكولا العراق بدأت تتشكل مفارز خفيفة من الأنصار كل واحدة منها تأخذ طريقها إلى ناحية ما ، للبحث عن طريق وعبور الحدود سواء كان إلى تركيا ومن هناك إلى أيران أو إلى سوريا ، طبعا هذا الأمر لم يكن بغياب علم قيادة الحزب التي عملت من أجل الاستعداد لاستقبال المجاميع التي تصل إلى الحدود السورية بالتنسيق مع سلطاتها ، وأنا كنت ضمن أول مجموعة تأخذ طريقها وتتوجه إلى (الده شت) أي سهل الموصل لغرض العمل على تهيأة هذا المنفذ أي منفذ سورية وكم سنستطيع تحقيقه من إيصال الأنصار إلى هناك ، وتزامنت انطلاقتنا مع مجموعة أخرى تحركت نحو الحدود التركية عبر مناطق سرسنك بقيادة النصير الشيوعي أبو سلوان الذي كان احد أعضاء اللجنة المحلية حينذاك وهو من الرفاق العرب وكل ما أعرف عنه رغم الدراسة معا في معهد العلوم الاجتماعية بموسكو هو أن الرفيق كان حقوقيا ، ولم يكن مناسبا أن نسأل بعضنا البعض في تلك الأيام العصيبة من الكفاح المرير ضد الدكتاتورية عن معلومات شخصية خاصة بكل واحد منا .. وكانت مفرزتنا تتكون من حوالي عشرة أشخاص بقيادة الرفيق أبو أمجد الذي كان عضوا في اللجنة المحلية وشغل لسنوات عديدة صفة المستشار السياسي للفوج العامل في مه رانى قبل عملية الدمج التي تحدثنا عنها في المحطات السابقة وهذه الصفة كانت تؤهل صاحبها أن يكون عضوا في المكتب العسكري لكل وحدة يتواجد فيها من وحدات الأنصار التي كانت عادة تبدأ بالحضيرة ويليها الفصيل وثم السرية والفوج والقاطع وكان لكل وحدة من هذه الوحدات مستشارها السياسي أي المسئول الحزبي إلى جانب المسئول العسكري والمسئول الإداري .. تحركنا ليلة 9- 9 / 10- 9 منحدرين قبل حلول الظلام من القمم التي كانت تعلو فوق مقر مه رانى . باتجاه الجبل الذي كان يفصله (مقر مه رانى ) عن قرية صوصيا والتي تبعد عنه مسافة نصف ساعة سيرا على الأقدام .

كان في مثل هذا الحصار الشديد التحرك بأي اتجاه يعني مجازفة قد يكون ثمنها الموت والبقاء انتظارا في هذا الجبل هو الآخر بمثابة انتحار ، لذلك كان لابد من الحركة وكان على أفراد هذه المجاميع أن يضعوا في الحسبان أخطر الاحتمالات بدءا من أول خطوة يخطونها وانتهاءا بالخطوة الأخيرة التي كنا ننتظر الظفر بها بعدما كان الخوف والمخاطر العديدة والرهيبة تنال من الكثيرين منا الجرأة المطلوبة للتصدي لهذه المجازفات من أجل الخلاص من الطوق الرهيب والمفروض علينا .

ولذلك كان ينبغي علينا أن نتحرك بحذر شديد في مثل هذه الأجواء الجديدة والتي تسيطر فيها القوات العسكرية للنظام على مجمل الأرض التي كنا نتحرك عليها قبل أيام من هذا الوقت وبأعداد هائلة ، وكان الوضع يشبه وكأننا دخلنا هذه المناطق الخطرة لأول مرة ، فلم يتسع لنا الوقت الكافي لاستطلاع مواقع العدو المزروعة في الطرق والمناطق كافة وهذا ما حتم علينا أن يكون تحركنا اعتمادا على الخبرة التي تراكمت لدينا عبر السنوات الطويلة التي قضاها كل واحد منا في هذه الجبال ضمن وحدات الأنصار المختلفة واستغلالها ضمن هذه المفرزة الصغيرة ... بعد أن ودعنا الرفاق عاهدناهم أن نبذل جهودا مضنية من أجل تنفيذ مهمتنا على أكمل وجه لخلاص أكبر عدد من الرفاق ، خلال المنفذ الذي ذهبنا من أجله نحو الده شت ، سرنا باتجاه المقبرة القديمة التي كانت تقع على مرتفع في نهاية مه رانى وعلى الطريق إلى وادي (كه لى آفوكى) ومن هناك أخذنا اتجاهنا بين الغابات نحو نهاية الجبل الذي كان يفصل المقر عن قرية (صوصيا ) وكان علينا تسلقه قبل الدخول في (كه لى آفوكى) لأنه مع كل محيطه كان محتلا من قبل قوات الجيش والجحوش ، وعادة ما كانت الإطلاقات التنويرية ترشدنا على طرق وأماكن خالية من هذه القوات ، لأننا كنا نتجنب الأماكن التي تنطلق منها ، ومعروف لدى أبناء هذه القرى والأنصار العاملين فيها حدة صعود هذا الجبل من هذه المنطقة بالذات رغم عدم ارتفاعه كثيرا ، فهو عبارة عن قطع صخري قائم على شكل شبه قائم من الصعب جدا تسلقه من جهته الشمالية ولذا فهو ليس موضع شك لدى هذه القوات وبالتالي احتمال أن تكون هذه المسافة هي نقطة عبور الأنصار .

الوصول إلى القمة كان بحذر شديد ولكننا بحماس ودون مشاكل تذكر بلغناها ومن هناك كان علينا أن نراقب عن كثب أماكن تواجد القوات من خلال الأصوات التي نسمعها أو الإطلاقات التنويرية التي كانت تنطلق من كل مكان أو النيران المشتعلة للتدفئة ، وفي الحقيقة لم يكن من السهل أن يتوقع أي أحد منا بأننا سنستطيع النجاة والقدرة على اختراق هذه الحلقات المتتالية من القوات دون أن نصطدم بها ، وكنا ندرك أن أي اصطدام بيننا وبينهم سيوقع بنا خسائر من شأنها أن تشل حركتنا ووضعنا في ورطة حقيقية لم نكن نرغب بذلك لأن وضعنا لم يكن مؤهلا لذلك وكان علينا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح الأنصار ، تم وضع خطة حركة منضبطة من هذا المكان نحو الجبل المقابل عبر أراضي قريتا (ميزى وبانيا ته علا ) ، وكان وقت وصولنا إلى هذا الجبل هو الكفيل فيما إذا كنا سنواصل السير أو سنتوقف في حالة عدم تعرض هذه القوات لنا أو وقوعنا في أحدى كمائنها ، وعلى هذا الأساس أي بعد كشف المنطقة بالطريقة التي جرى ذكرها اخترنا الأماكن والوديان التي نسير عبرها نحو النقطة المحددة ، فلذلك انحدرنا من هذا الموقع نحو الوادي والنهر الذي كان يشق عمقه بمياه عذبة قادمة من مه رانى ومن ينابيع كانت تنتشر في وادي آفوكى وصرنا بذلك على الجهة الغربية لقرية (جه مانكى) ، وشيئا فشيئا كنا نميل ونتوجه غربا حتى نصل إلى منطقة بعيدة نسبيا عن فتحة الوادي من نهايته وبعيدة أيضا من قرية (بانيا ته علا ) ، وهي أماكن تواجد مكثف لهذه القوات حسب ملاحظتنا لها خلال فترة الاستطلاع التي قضيناها على قمة الجبل وما كنا نشاهده من نيران مشتعلة وأصوات تصل إلى أسماعنا ، من تلك النقطة عبرنا النهر باتجاه نهاية السلسلة الجبلية والتي تفصلها عن نهاية هذا الوادي طريق ترابية للمركبات كان يستخدمها الأهالي قبل هذا الوقت لنقل منتجاتهم من المزارع إلى القرى ومنها إلى الأسواق في المدن عملت على تنفيذها سلطات نظام صدام للأغراض العسكرية .

واصلنا السير بحذر بين مواقع العدو الكثيفة جدا حتى كانت المسافة في بعض الأحيان بيننا وبينها لا يمكن حسابها إلا بأمتار قليلة ، ولكن كل ذلك كان يتم دون أن يشكل خطرا علينا ، غير التأخير الذي كنا نخشاه والذي كان يمكنه في النهاية أن يشكل خطرا علينا قبل أن نصل إلى منطقة نستطيع الاختباء فيها لليلة أخرى لكي نجدد المسير نحو النقطة المحددة لنا وانتظار مجاميع أخرى هناك للشروع الفعلي نحو تحقيق منافذ خلاص ، وصلنا إلى هذه النهاية الجبلية وسط هذه المواقع وعلى أرض منبسطة تتخللها وديان وتلال لا يتعدى عمقها أو ارتفاعها إلا أمتارا قليلة ، قطعنا جزءا منها على سبيل الابتعاد أكثر من قرية (ميزى)،) التي كانت يكثر فيها مواقع العدو ، حتى صرنا بينها وبين قرية (باك باكى) ومن هناك انحدرنا باتجاه الطريق الترابية لعبورها والقادمة من وادي (سبيندارى) وكذلك النهر القادم من هناك أيضا فكانت هذه الطريق تنتهي على الشارع المبلط بين قريتي (كاره فا وشكه فتى)* أما النهر فكان ينتهي بمصبه في بداية وادي (كه لى كانى مازى) بعد أن كان يلتقي مع النهر الذي ينحدر من كه لي (سيده را) عبر قرية (آطوشى) ، وكانت مناطق ما بعد الشارع والنهر تبدو أفضل وأهدأ من تلك التي تجاوزناها ، فكانت مواقع القوات الظاهرة من خلال نيرانها أقل بكثير من ما قبلها وأعتقد أن سبب ذلك كان يعود إلى عدم وجود قرى في قسم كبير منها وبالتالي فإن هذه القوات لم تكن تتوقع أن تستطيع مجاميعنا الوصول إلى هناك واختراق خطوطها المتعددة ، لذا كانت المسافة التي ما بعد عبور هذا الشارع الترابي والنهر أسهل سيرا لم نكن نضطر للسير في طرق بعيدة وملتوية ، فأسرعنا الخطى نحو الجبل ، ومعروف أيضا أن هذا الجبل فيه غابات كثيفة أكثر من غيره علاوة على حدة ارتفاعه الذي يصعب تسلقه بسهولة إلا عبر الطرق التي كان يعتمدها القرويون ، وبالنسبة لنا وفي ظل هذه الظروف لم نكن نفكر أن نسير عبر هذه الممررات الجبلية بتاتا كون غالبيتها كانت مراقبة بمجموعات من هذه القوات . لذا اخترنا منطقة للصعود كانت بعيدة عن الشبهات وهي التي استطاعت أن تنال منا الكثير من قوانا ورغم ذلك كان لابد لنا أن نواصل السير في كل الأحوال ، فبلغنا القمة ومن هناك أيضا حاولنا مراقبة ما يدور في حوض هذا الجبل الذي كان يحتضن ضمنه قرية واحدة وهي ( كه فه ركى )* فضلا عن بعض القرى البديلة لم نكن نعرف كلها ، كان الوضع هادئا في هذا الحوض الواسع وتوقعنا إن يكون خاليا في الليل تماما من القوات العسكرية ، وهذا ما أدخل الطمأنينة في قلوبنا بعض الشيء ، لأنه يوفر لنا الفرصة اللازمة لكشف الطريق في اليوم الثاني إن أخفقنا العبور في هذه الليلة أو في ليلة أخرى .

انحدرنا مرة أخرى من هذا الجبل لكي نصل إلى قاع حوضه الواسع وثم خوض تجربة أخرى من الصعود وسط غابات كثيفة وعدم وجود ممرات مطروقة وأن غابات هذه المنطقة لم تكن قد تعرضت إلى الحرق لحد هذا اليوم رغم أن النيران كانت تلتهم كل شيء حولها وكانت تشدد من الخناق عليها شيئا فشيئا ، كان الوقت لا يزال كافيا للوصول من هذا المكان إلى قمة تشرف على قرية (هه سنه كا )* لاستطلاعها والعبور مباشرة من خلال أراضيها إن تبقى لنا من الوقت ما يكفينا للوصول إلى الجهة الثانية أي عبور الشارع المبلط الذي يربط بين زاويتة وأتروش ، أو على الأقل عبور القرية لكي يتسنى لنا في اليوم الثاني مراقبة الشارع نهارا واختيار الطرق الملائمة لعبوره ، وهكذا وجدنا أنفسنا في هذه القمة نراقب (هه سنه كا ) وبعد مراقبة متأنية أخذت من وقتنا الكثير وكان لتبادل الرأي حول المناطق الممكنة العبور من خلالها التأثير الحاسم على التراجع وسط الانتشار الكثيف جدا للجيش والجحوش في جميع هذه المناطق التي تقع على خط عبورنا وعدم إمكانية إختراقها ، هذا من جهة ومن الجهة الثانية كان الوصول وسط هذا الانتشار المكثف بحاجة إلى وقت كافي ، وهذا ما كان ينقصنا بعد هذا الاستطلاع فقد تجاوز الوقت منتصف الليل وبدأت خيوط الفجر تظهر والظلام بدأ يتبدد والصباح كان قادما .

لذا كان علينا العودة سريعا إلى الخلف للبحث عن مكان اختباء يقينا من أية مداهمة لهذه القوات التي تبحث في النهار عن كل شيء يقع تحت يدها ، وهكذا وجدنا أنفسنا قبل حلول النهار بقليل في قرية بديلة تقع ضمن هذا الحوض الجبلي وخلف هذه السلسلة الجبلية وبالضبط خلف قرية (نه سره )* كان ما حول هذه القرية البديلة والسفح الذي يفصل بينها وبين القمة نحو الجنوب عبارة عن مزارع للكروم تعود إلى أهالي قرية كه فه ركى هي تكثر وتنتشر على طول هذه السلسلة الجبلية وتعطي ثمارا ذات جودة عالية تتميز عن بقية المناطق بسبب تعدد أنواعها وطيبة طعمها ذو المذاق الحلو ووفرة محصولها وكان اهالي هذه القرى يصنعون أجود أنواع الزبيب منها ، وإضافة إلى هذه المزارع كانت هناك بساتين مزروعة بالخضروات والفاكهة الصيفية يجري إروائها بمياه نبع تقع بالقرب من قمة الجبل الذي يقع جنوب هذه البساتين وينحدر إليها شمالا ... تقرر أن نمضي نهارنا بين تلك البيوت التي كانت موجودة هناك والتي لم تصلها لحد ذلك الوقت أية قوات حكومية ، وكان عددها ليس كثيرا .

في هذا المكان وقبل أن نبدأ بأي شيء حرصنا على أن نجهز حقائبنا بما يتوفر من طعام في هذه البيوت ، وكان في الواقع الطعام المفضل لنا في ظل ظرف نحتاج فيه إلى الخفة وسرعة الحركة هو ما نستطيع حفظه في هذه الحقائب ( حقائب الظهر، العليجة ) فكنا نعتمد على كمية من الحليب المجفف وكمية من السكر ومن يرغب كان يضيف عليها كمية من القهوة ( النسكافة ) وكمية من الزبيب وكمية من اللوز ، لأن هذه المواد كانت تشكل وجبات غذائية تقينا من التعرض إلى مشاكل حادة بسبب الجوع وفي الوقت نفسه أخف من أي طعام آخر ، وهذا لا يعني إننا لم نكن نحمل معنا خبزا أو أي شيء آخر نحصل عليه من هذه القرى ولكن بكميات أقل وكنا نتناول مثلها في أوقات الراحة أو البقاء الاضطراري في قرية ما أو بالقرب منها ، وهكذا بعد ذلك أي بعد فترة نوم وبحراسة مشددة صرنا نتفحص ما حولنا ، لم نجد ما يدل على وجود قوات عسكرية بالقرب منا ولكن أصوات الإنفجارات والرمي المتواصل دللت على وجودها ليس بعيدا عن هذا المكان ولكن خلف القمم التي تسيطر عليه وأعني على هذا المكان الذي نتواجد فيه .. في الظهيرة أردنا أن نجلب ماءا لكي نطبخ مادام الوضع هادئا فذهبنا إلى البساتين وجدنا مجرى الماء ، طبخنا وغسلنا وجوهنا بعد أن كان بيننا من لم يغسله منذ أيام طويلة وتكرر ترددنا إلى الماء ولكن حصول رمي بالقرب من هذا المكان لم نتعرف على مصدره جعلنا أن نبقى قابعين بين هذه البيوت وفي كهوف موجودة هناك مستعدين لأية حالة طارئة ... خلال هذه الفترة وجدنا كهفا مليئا بمواد بقالية تعود إلى أحد القرويين أو أحد التجار الذين كانوا يبادلون بضاعتهم بين مناطق سهل الموصل وبين المناطق الجبلية وبالعكس ، وكان ضمن هذه المواد الكثير مما يؤكل والكثير من الأقمشة مما دفعنا رغم المخاطر التي نعيشها إلى تبديل (البشاتين .. شووتك )* بأخرى جديدة لم نكن نستطيع اقتناءها في الأوقات العادية أو إذا كنا نريد شراءها بما يصرفه لنا الحزب من نثرية التي كانت لا تكفي إلا لشراء أقمشة ذات جودة رديئة ، استمر بقاءنا في هذا المكان إلى ما قبل الغروب حيث كان من الضروري التوجه من جديد إلى القمة المشرفة على قرية هه سنه كا لاستطلاعها من جديد ومحاولة العبور إلى الجهة الثانية .

عن المحاولات التالية لعبور قرية هه سنه كا ، سيكون لنا حديث في المحطات القادمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- جميع الكلمات الواردة بين قوسين دون نجمة تدل على أسماء قرى ومناطق جاء ذكرها في المحطات السابقة .

- ( ملاجه به را و كاباره وطفطيان وخورزان وكه رسافا وديه ده فان )* كانت من أولى أهداف حملة الأنفال التي بدأها النظام في به هدينان ، فجرى تسويتها بالأرض وتهجيرها سكانها إلى مجمعات قسرية في كل من مجمع شيخكا ومجمع النصيرية .

- (كاره فا وشكه فتى)* قريتان صمن قرى به روارى الأولى مسقط رأس المغني الكوردي الفلكلوري الشهير عيسى به روارى والثانية من القرى المعروفة على مستوى كوردستان كونها كانت قلعة حصينة للبيشمه ركه بقيادة القائد العسكري حسو ميرخان لسنوات طويلة ، وتسمى القرية بشكه فتى نسبة إلى الكهف الموجود هناك والذي كان يتخذه البيشمه ركه مقرا لهم ، أي أن الكلمة تعني بالعربية كهف .

- ( كه فه ركى )* أحدى القرى القريبة نبيا من مه رانى كانت فيها شبيبة مثقفة وواعية وغالبا ما كان أنصرنا يذهبون إلى هناك لخوض مبارات كرة الطائرة مع فريق القرية وبالعكس كان فريقهم يزور المقر أيضا ، وكان العديد من شبيبة القرية في صفوف البيشمه ركايه تى .

- (هه سنه كا )*قرية تابعة إلى ناحية أتروش تسكنها العشائر المزورية وتقع على الطريق بين مناطق به روارى ومناطق الده شت وكانت محطة راحة لقوافل المناضلين ، وكان سكانها كرماء كباقي سكان مختلف مناطق كوردستان .

- (نه سره )* أيضا من قرى منطقة أتروش وتسكنها العشائر المزورية وكان أهلها كرماء يقدرون من يحل عليهم ضيفا ولهم مساهمات نضالية في الحركة الكوردية .

- (البشاتين .. شووتك )* البشاتين جمع لكلمة البشدين باللهجة السورانية ، وقام بجمعها رفاقنا العرب ، وهو ذلك القماش الذي يستخدمه الكوردي ولفه حول منطقة البطن مع الزي الشعبي الذي كان يستخدمه المقاتلون أيضا في كل كوردستان ، وشووتك تعطي نفس المعنى ولكنها كلمة مفردة وباللهجة البه هدينية .



#ناظم_ختاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا عن الميليشيات ..! أليست إرهابية ..؟
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الحادية عشرة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة العاشرة
- أبا فؤاد يوارى الثرى
- المحطة التاسعة - محطات من أنفال به هدينان
- الممنوع الجديد في العراق الجديد ..!!
- !..حربكم قذرة .. الوطن يحترق بنيرانها .. أنتم تتحملون مسؤولي ...
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثامنة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السابعة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة السادسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الخامسة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الرابعة
- محطات من أنفال به هدينان- المحطة الثالثة
- محطات من أنفال به هدينان - المحطة الثانية
- محطات من أنفال به هدينان
- محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ناظم ختاري - محطات من أنفال به دينان - المحطة الثانية عشرة