أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد انعيسى - عبد الله بن سبأ في شمال افريقيا دراسة تحليلية لنظرية المؤامر ة















المزيد.....


عبد الله بن سبأ في شمال افريقيا دراسة تحليلية لنظرية المؤامر ة


محمد انعيسى

الحوار المتمدن-العدد: 1721 - 2006 / 11 / 1 - 01:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


1ـ مقدمة عامة
لعل أول سؤال سيتبادر الى ذهن القارىء بمجرد وقوف عينيه على العنوان هو:كيف يمكن ان يكون عبد الله بن سبأ حيا يرزق في شمال افريقيا، علما ان هذه الشخصية المعروفة في التاريخ الاسلامي قد ماتت خلال القرن الأول للهجرة ؟ اهذا افتراء جديد من افتراءات بعض الصحف ؟ ام ان هذا العنوان مقتبس من عناوين احدى افلام الخيال العلمي ؟او ربما نظرية الانسان المتفوق قد تحققت وصدق نيتشه في تكهناته ؟ام ان هذا العنوان يحيل الى مسألة اخرى غير المعنى المباشر ؟
والحقيقة ان كل هذه الاسئلة مشروعة منطقيا لتماسكها المنطقي ،فكل انسان فان ،عبد الله بن سبا انسان، اذن فعبد الله بن سبا فان .هذا من جهة ومن جهة اخرى فمعرفتنا المتواضعة للتاريخ الاسلامي تؤكد ان عبد الله بن سبأ قد مات في القرن الاول للهجرة ،فمن منا لا يتذكر ذلك الانسان اليهودي الذي كان وراء تدبير جميع الفتن التي اصابت المسلمين كما علمونا في المدرسة والمسجد ؟
ونحن اذ نهدف من خلال هذه الدراسة الى كشف وتحليل حقيقة هذه الشخصية خاصة وان الدارسين للتاريخ الاسلامي قد وقفوا مواقف متعارضة من حيث حقيقة هذه الشخصية ،فقد انقسموا الى قسمين ، القسم الاول يؤكد على حقيقة وجود هذه الشخصية وانها كانت فعلا وراء تدبير الفتن والقسم الاخر ذهب الى عكس ذلك واعتبر ان عبد الله بن سبأ ما هو الا شخصية خرافية كان وراء ابتداعها مصالح معينة.لا يسعنا الا ان نحلل الاراء والمواقف بربطها بالواقع الموضوعي للتاريخ الاسلامي ، بعيدا عن الاحكام المسبقة والافكار المنمطة حتى لا نسقط في فخ الذاتية ،والمهم من خلال دراستنا هاته هو محاولة الوقوف عند ما وراء هذه الشخصية والوقوف عند نظرية المؤامرة عند المسلمين سواء كانت هذه الشخصية شخصية حقيقية او خرافية .
ما نريد ان نؤكد ونركز عليه بالدرس والتحليل هو مكانة هذه الشخصية على المستوى الرمزي ،ويمكن ان نقول ان هذه الشخصية قد تركت آثارا عظيمة في العقلية العربية الاسلامية .فغالبا ما يتم استحضار هذه الشخصية باشكال مختلفة عندما يعجز المسلمون عن مواجهة التحديات المفروضة عليهم وهكذا يتم خلق الآخر الشرير الذي يدبر المؤامرات والفتن ضدهم ، اذن فعبد الله بن سبأ حاضر في اللا شعور الجمعي وهو حي يرزق على المستوى الرمزي حتى وان مر على وفاته اكثر من 14 قرنا من الزمن وللاشارات وفقط فنحن لا ننفي بعض المؤامرات التي تحاك ضد المسلمين او العكس فهذا من طبيعة البشر وقانون من قوانين الاجتماع البشري ،لكن تعتبر جميع الأخطاء التي سقط فيها المسلمون كانت من تدبير الآخر العدو فهذا ضرب من الأوهام التي لا يقبلها المنطق .
اذن فعبد الله بن سبأ هو رمز الشر المطلق عبر الزمن وكلما واجه المسلمون شرا الا وكان عبد الله بن سبأ وراء تدبيره، وعبد الله بن سبأ بما هو رمز الشر يتم استحضاره في حلل متعددة باختلاف الشر الذي يصيبهم ومن بين هذه الاستحضارات نجد : الصليبية،اليهودية، الماسونية، الصهيونية،الشيوعية، الغرب ...وهذه الرموز الاخيرة ماهي الا الاوجه المتعددة لمتعدد الوجه في فضاء التاريخ عبد الله بن سبأ ، وخلاصة القول ان نظرية المؤامرة عند المسلمين دائما حاضرة ويعتبر عبد الله بن سبأ وثيقة الميلاد الشرعية لهذه النظرية
2 ـــ من هو عبد الله بن سبأ؟
يقول احمد عباس صالح : ( وهنا يتردد اسم عبد الله بن سبأ وهو شخص كان يهوديا وأسلم ، تصوره لنا كتب التاريخ على انه كان الشيطان وراء الفتنة التي قتل فيها عثمان ، بل وراء جميع الأحداث ...وقد وقف منه الكتاب مواقف متعارضة، فمنهم من ينكر وجوده اصلا ،ومنهم من يعتبره أساس كل الفتن وكل ما جرى ، بل أساس ما دخل في الاسلام من مذاهب غريبة منحرفة )
من خلال هذا النص نجد في البداية ان غالبا ما يتم ذكر عبد الله بن سبأ بصفته يهوديا وأسلم وهذا يعني ان الهوية الدينية لعبد الله بن سبأ لم تتغير رغم اعتناقه لدين جديد، وهذا ما يتعارض مع منطق المسلمين ، اذ ان اي انسان كيفما كانت هويته الثقافية والدينية عندما يعتنق الدين الاسلامي يتم نسيان ماضيه ليبدأ حياة جديدة مبنية اساسا على الدين الجديد فهذه هند زوجة ابو سفيان تأكل كبد حمزة بن عبد المطلب لكن عندما أسلمت تم ضرب ماضيها عرض الحائط وهذا نفس الشيء بالنسبة للذين كانوا اعداءا للمسلمين بل قتلوا المسلمين في معارك يذكرها التاريخ لكن بمجرد اسلامهم ودخولهم في الدين الجديد بدأوا صفحة بيضاء ونسي ماضيهم ، وهنا يطرح السؤال: لماذا يوصف عبد الله بن سبأ في كتابات المسلمين بصفته يهوديا وأسلم؟ طبعا فالكلمات غير بريئة واغلب الظن ان ذكر اسم عبد الله بن سبأ بتاريخه قبل الاسلم يفتح مجالا ويضفي شرعية لما سيلحق لهذه الشخصية من اتهامات فيما بعد .وهكذا يتخلص المسلمون تاريخهم في جانبه الاسود بالحاق ما اصابهم من مصائب بالمنافق عبد الله بن سبأ الذي كان دخوله في الاسلام لغرض تشويه الاسلام وتدبير الفتن لغاية القضاء على الدين الجديد.اذن رغم اعتناق عبد الله بن سبأ للاسلام فهو مشكوك في أمره لانه يهودي لكن في نفس الوقت هناك يهود أخرين دخلوا في الاسلام ولم يك فيهم احد بل الأكثر من هذا يذهب المسلمين الى اليهود ليعرضوا عليهم الدين الجديد ةهذا تناقض صارخ وواضح...اذن فكما قلنا سواء كانت شخصية عبد الله بن سبأ خرافية ام حقيقية فانها شخصية اسطورية لما الحقت من أثار على العقلية العربية الاسلامية ،والمهم عندنا هو تفكيك الافكار التي انتجت حول هذه الشخصية ، فكتب التاريخ تروي لنا قصصا بوليسية رائعة بطلها هو عبد الله بن سبأ فهو المسؤؤل عن الثورة ضد عثمان بن عفان ومعركة كربلاء وجميع المواجهات الدامية بين المسلمين ، وما يمكن ان نتوصل اليه هو ان عبد الله بن سبأ يعتبر شخصية أسطورية حقا اذ في جميع الأحوال يعتبر بطلا فاذا كانت شخصيته خرافية فهذا دليل واضح على عجز عقول المسلمين على التحليل العلمي للتحديات المفروضة عليهم ، وفي نفس الوقت يعتبر ابتداع شخصية خرافية للتغطية على الواقع قمة الابداع، اما اذا كانت شخصية عبد الله بن سبأ حقيقية فهذه قمة الأسطورة ، اذ كيف يعقل أن يدبر شخص واحد جميع المؤامرات في العصر الذهبي للاسلام؟ والأكثر من هذا فهذه المؤامرات تم تدبيرها للاطاحة باقوى المومنين بالاسلام (العشرة المبشرين بالجنة نموذجا) صحابة رسول الله؟
اذن خلاصة القول والارجح ان شخصية عبد الله بن سبأ شخصية خرافية ابتدعها المسلمون الاوائل تغطية لعجزهم لما لحقهم من اذى داخلي افقي وهكذا يتم رسم دولة نموذجية فاضلة تسمى بالدولة الاسلامية التي ستعتبر المرجع الاسمى لكل حركة سياسية هدفها الوصول الى السلطة السياسية وفي هذا الصدد بالذات يقول احمد عباس صالح: ( وعبد الله بن سبأ شخص خرافي بغير شك ، فأين هو من هذه الأحداث جميعا ؟ وأين هو من الصراعات الناشبة في هذا العالم الكبير المتعدد... وماذا يستطيع شخص مهما كانت قيمته ان يلعب بمفرده بين هذه التيارات المتطاحنة ).ربما لان المسلمين الاوائل لا يؤمنون بالصراع حول السلطة في مجتمع سموه بالعصر الذهبي للاسلام وهذا المجتمع الذي تكون في تلك الحقبة كان مجتمعا مثاليا افلاطونيا لا تنطبق عليه مبادىء المجتمعات الاخرى .
3ـ عبدالله بن سبأ والمدينة الفاضلة
يقول علي الوردي: ( يقول المغفلون أن المحرك الأكبر للثورة على عثمان هو ابن سبأ ، وأنا أعجب من عقول هؤلاء اذ ينسبون تلك الثورة الكبرى الى تحريض رجل لا نعرف عنه شيئا كثيرا .وهل من الممكن أن يثير هذا الرجل الناس على عثمان ولا يعرف عثمان عنه شيئا ؟)
الغريب في الأمر تنسب جميع الشرور لعبد الله بن سبأ ولا تنسب لشخص آخر عربي مثلا كان يعيش معهم أيام الجاهلية وهذا دليل واضح على أن الاخر عند المسلمين العرب هو الشر المطلق وهو المؤامرة في حد ذاته، هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد اختلقت شخصية عبد الله بن سبأ من أجل اضفاء صفة التنزيه على المجتمع الاسلامي خلال العصر الذهبي كما يدعون وبالتالي فان جميع ما عرفته الدولة الاسلامية من نزاعات داخلية واغتيالات سياسية للخلفاء من تدبير يد شريرة خفية هدفها الاطاحة بنظام الحكم الاسلامي ، فدولة الاسلام انذاك كانت دولة كاملة مثالية منزهة عن صراعات الحكم والسلطة اذ ان الوازع الديني هو المتحكم في الرعايا الاوفياء لخليفتهم الذي يحكم بما أنزل الله وهم يعتبرون ان اي خطاء ارتكبه احد الصحابة أو ازواج النبي (ص) فكأنما الاسلام هو الذي ارتكب هذا الخطاء وهذا فهم خاطىء للدين وهكذا اضفيت صفة القداسة على مرحلة من مراحل التاريخ ، وهذا منطق مغلوط وملغوم في نفس الوقت ،فاذا كانت الخلافة أسلوبا من أساليب الحكم فطبيعي ان ان تكون هناك اخطاء مرتكبة اذ أن السياسة كما يقال ماهي الا فن الخطأ والصواب ، ويمكن لحاكم اي كان ان يرتكب اخطاءا قد تكون قاتلة احيانا كما حدث للخلفاء الراشدين اذ أن ثلاثة منهم ثبت انهم قد أغتيلوا وهناك من يعتبر أن ابا بكر الصديق قد قتل مسموما ، لكن العقل المنمط لا يستطيع ان يتقبل أفكارا مثل هذه الأفكار التي يصدقها العقل البسيط وهكذا ينفون الأخطاء على صحابة رسول الله (ص) اذن خلاصة القول أن شخصية عبد الله بن سبأ ابتدعت من أجل اقامة الجنة على الأرض، والدعوة اليها من طرف الحركة الاسلامية التي بنت كل مرجعيتها على نظرية المؤامرة.
4 ـ العقلية الاسقاطية وعبد الله بن سبأ
لفهم العقلية الاسقاطية لابد في البداية ان نعرف العقلية الاسقاطية في علم النفس فما المقصود بالاسقاط؟
(الاسقاط عملية عصبية ونفسية يميل المتعضي من خلالها الى تحويل كل ما يزعجه الى الخارج ،على شكل نبذ .بالمعنى التحليلي النفسي، الاسقاط هو اوالية يطرد الشخص من خلالها صفات ،او مشاعر ،أو رغبات أو نزوات ، أو أفكار لا يعترف بها ولا يستطيع أن يتقبلها كجزء من ذاته .انه يطردها كي يركزها في الخارج في الأشخاص والظواهر المادية والعلاقات ملصقا اياها بهم ،ونافيا للتهمة عن ذاته ،وحيث ان ما يسقط عادة يثير مشاعر ذنب أو خجل أو عار اذا وعاه الشخص كجزء من ذاته .فهو يتهرب منه بالصاقه بالغير أو اتهام الغير به في نوع من تبرئة الذات .الاسقاط اوالية نفسية بدائية جدا.. انه عبارة عن تخلص من كل ماهو سيء باتهام الأخرين به)
اذن فالعقلية الاسقاطية هي العقلية التي تحاول دائما اتهام الغير وتبرئة الذات من كل الشرور وهذا هو حال المسلمين وبعض الشعوب الاخرى ، والعقلية الاسقاطية ناشئة أساسا من وهم اعتقاد المسلمين انهم خير أمة اخرجت للناس وهذه الأمة لا يمكن أن تصنع الشر حسب هذا الاعتقاد البدائي .وهكذا عندما يواجه المسلمون اسئلة حرجة من قبيل كيف حدثت الفتنة الكبرى وكيف أغتيل الخلفاء الراشدون ؟ فيكون الجواب وفق العقلية الاسقاطية أن جميع الفتن دبرها اليهود أو المنافقين بقيادة عبد الله بن سبأ.ويجب الاشارة الى أننا لا نقصد طبعا جميع المسلمين ،بل نريد أن نؤكد على أن العقلية الاسقاطية ناشئة من التكوين النفسي والاجتماعي للفرد خاصة من طرف وسائل التنشئة الاجتماعية التقليدية (مساجد عتيقة، مدارس دينية......)،وطبيعي ان تكون عقلية العامة لدينا عقلية اسقاطية ،ويمكن أن نجزم وفق هذا أن التربية الحديثة تقلص من حدة العقلية الاسقاطية ، كما أن شيوع ثقافة الاتباع والنقل على ثقافة الابداع وحرية التفكير تساهم بشكل كبير في نمو العقلية الاسقاطية.
اذن فالعقلية الاسقاطية تعتبر مجالا خصبا لنمو نظرية المؤامرة .
5 ـ تطور رمزية عبد الله بن سبأ
عبد الله بن سبأ حاضر في عقول المسلمين، في لا شعورهم الجمعي ، فكلما واجهوا منطقا غير مقبول لديهم يتم اختلاق يد خفية وراء ذلك ، وهذا راجع الى تكون العقلية الاسقاطية التي تحدثنا عنها في الفصل السابق وهكذا يمكن أن نتحدث عن الايديولوجية الاسقاطية التي تعتبر الذات خيرا مطلقا والاخر شرا مطلقا وفق ثنائية المنطق الارسطي الذي كان له دور كبير في نمو العقلية الاسقاطية.وفي هذا الصدد يمكن ان نقول أننا نعيش في عصر انفتحت فيه عيون الناس واخذت عقولهم تجول في الافاق شرقا وغربا ،فليس من السهل ان يستتر قوم على معاييبهم ويتظاهرون بالكمال ،ففكرة او نظرية المؤامرة اصبحت فكرة قديمة لا تفسر شيئا يالمقارنة مع التبريرات العلمية المتقدمة ،ويمكن أن نشير الى أن رمزية عبد الله بن سبأ سافرت في الزمن مع عقول المسلمين لاعتبار التكون التاريخي للعقل وهكذا أصبحت نظرية المؤامرة التبرير الوحيد لكل المصائب التي تصيب المسلمين فتارة يتم الالتجاء الى الصليبية باعتبارها الشر المطلق ضد المسلمين ، وتارة اخرى الى اليهود أو الصهيونية ،وهكذا يمكن القول أن عبد الله بن سبأ سافر مع الزمن رمزيا لانه اليهودي الذي كان وراء تدبير كل الفتن ، وما المؤامرات التي تحاك ضد المسلمين ماهي الا تعبير جديد لافكار عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق.
6ـ عبد الله بن سبأ في شمال افريقيا
قلنا ان العقلية الاسقاطية شديدة الارتباط بنظرية المؤامرة بل انها الوقود الذي يزود هذه الاخيرة بالطاقة لاستمرارها عبر التاريخ، فلا عجب أن نجد هذه العقلية في القرن العشرين أو الواحد والعشرين ، فمعظم مثقفينا ذووا عقلية اسقاطية حتى المتبجحين منهم بالتحليل الموضوعي العلمي للأمور،فعبد الله بن سبا قد تسلل الى عقول هؤلاء دون أن يحسوا بذلك .فمثلا عندما تبرز فكرة جديدة أو حركة جديدة في المجتمع فغالبا ما تتهم هذه الحركة بالعمالة للعدو أو تلقيها لدعم من الصهيونية على أقل تقديرولتعزيز فكرتنا اكثر نعطي أمثلة في هذا الشأن، فمثلا عندما ظهرت الحركة الاسلامية بالمغرب او في بلدان العالم الاسلامي ذهب الماركسيون مباشرة الىاعتبار أن هذه الحركة يجب محاربتها لانها عميلة للامبريالية العالمية ولم يكلف هؤلاء انفسهم عناء البحث والتنقيب عن أسباب ظهور الحركة ، وبعد أن أصبحت هذه الحركة الاسلامية واقعا لامفر منه دخل اليساريون والاسلاميون في مواجهات دامية لالتقاء عقليتين اسقاطيتين تعتبر كل واحدة منهماالآخرا لشر الذي لابد من اجتثاثه من الجذور، وهكذا تجد نظرية المؤامرة مجالا خصبا للنمو في العقليات الاطلاقية الاسقاطية ، وهكذا نجح عبد الله بن سبأ في تمثيل دور التوأمين في فيلم بوليسي بطله عبد الله بن سبأ وشريره عبد الله بن سبأ نفسه ، فعبد الله بن سبأ عند اليسار هو الاسلامويون وعبد الله بن سبأ عند الاسلامويون هو اليسارفكل واحد يعتقد أن الاخر شيطانا خلق من أجل القضاء على الخير .
هذا عن الحركة اليسارية بالمغرب وموقفها من الحركة الاسلامية ، لكن ما أن ظهرت حركة اخرى الى الوجود حتى انقض عليها السبئيون (نسبة لعبد الله بن سبأ) واتهموها بشتى النعوتات، فقد اعتبرت الحركة الأمازيغية حركة شوفينية ومدعمة من أيادي خفية هدفها تشتيت الوحدة الوطنية ويعتبر( الظهير البربري)
احد أوجه عبد الله بن سبأ اذ أن أي حديث عن القضية الأمازيغية يربط بهذا الظهير علما انه (أي الظهير) كانت له أهداف أخرى قانونية وتنظيمية بالدرجة الأولى.
ورد الفعل ضد الحركة الأمازيغية لم يكن مبنيا على أسس موضوعية اذ أن اية حركة تظهر في المجتمع لا بد أن يكون لها جذور اجتماعية وثقافية وسياسية
كما يقر بذلك علم الاجتماع الحديث.
عدم تقبل الآخر وعدم الاعتراف بالأفكار الجديدة، وجه من أوجه العقلية الاسقاطية التي دائما تتركز حول الذات وتعتبر الذات الخير المطلق في مواجهة الأخر الذي يمثل الشر المطلق.هذا شأن الحركات التي تحدثنا عنها ، والغريب في الأمر ان نظرية المؤامرة أصبحت عامة لدى الشعوب المتخلفة والشعوب الاسلامية خاصة اذ أن اي هزيمة تصيب الذات كان وراءها مؤامرة، فيكفي ان تسمعوا لتصريحات لأحد المختصين في رياضة معينة عندما ينهزم فريقه ضد فريق أخر ،فاما ان يلام حكم المباراة باعتباره حكما منحازا للفريق الخصم ، أو تلام أرضية الملعب التي لم تكن صالحة لعدم تأقلم لاعبي الفريق معها وكأن الفريق الفائز لم يلعب فوق تلك الأرضية، أو اضعف الايمان بنظرية المؤامرة أن يلام المناخ الذي كان في صالح الفريق الخصم.هذا مثال وفقط من التحليلات اليومية لعقلية المؤامرة من بين مئات من الأمثلة.
7ـــ الحركة الأمازيغية في مواجهة عقليات المؤامرة

برزت الحركة الامازيغية كحركة مناضلة من أجل القضية الأمازيغية ،وتشكلت مجموعة من الجمعيات الثقافية الى جانب الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعات المغربية ،الى جانب فعاليات أخرى تناضل في نفس الاطار.وبالطبع فكما هو معلوم ظهرت الحركة الأمازيغية بعد الحركة الماركسية والحركة الاسلامويةفكان من الطبيعي أن يكون هناك رد فعل ازاء هذه الحركة التي تدعو الى اعادة كتابة التاريخ، وتدعوا الى ايديولوجية مناقضة تماما لايديولوجية الحركات السابقة عنها.فاذا كانت الحركة الماركسية بالمغرب بكل تلاوينها والحركة الاسلاموية كذلك تنبني ايديولوجيتهما على اساس واحد يتجلى في الانتماء الى نفس المنظومة الفكرية، اي منظومة الفكر القومي العربي.فماذا كان رد هاتين الحركتين ضد الحركة الأمازيغية التي قلنا أنها تبنت لخطاب جديد مناقض تماما لخطاب الحركتين؟
الحقيقة أن كل من الحركتين لم تكلف نفسها عناء البحث عن أسباب ظهور الحركة الأمازيغية ،فلم تجد هاتين الحركتين الا نظرية المؤامرة لتحتمي بها ضد عبد الله بن سبأ الذي عاد من جديد وفي حلة جديدة سميت بالحركة الأمازيغية.
الحركة الماركسية مثلا وكعادتها اعتبرت الحركة الأمازيغية وجه من أوجهالحركات البرجوازية المدعمة من طرف الامبريالية العالمية لغاية تحريف الصراع الحقيقي (الصراع الطبقي) بالمغرب وقد ربط هؤلاء ظهور الحركة الأمازيغية بظهير 16 ماي 1930 (الظهير البربري)الذي كان هدفه نشر الفتنة بين الأمازيغ والعرب كما يدعون طبعا.أما الحركة الاسلاموية فلم تخرج بدورها عن هذا التفسير البدائي فقد ذهبت الى ان الحركة الأمازيغية مسخرة من طرف أمريكا واليهود لغاية القضاء على اللغة العربية وتشتيت كلمة المسلمين .
الخلاصة أن العقلية الاسقاطية متجذرة في أوساط مثقفينا الكسلاء الذين لا يشغل بالهم الا قضايا الشعوب العربية وكأنما كلفهم الله بالدفاع عن هذه القضايا علما أن قضاياهم الحقيقية لا يتمادون في نسبها الى أياد خفية ، فعندما تقرأ مثلا مقالا لأحد الأساتذة الجامعيين الذين تحدثنا عنهم فانك ستحيي مما كتبه ويمكن أن تعتبر هذا الأستاذ أميا في علم الاجتماع علما أنه متخصص في نفس الميدان .لا يسع المجال لذكر جميع هؤلاء فلكم أن تتصفحوا بعض الجرائد اليومية وبعض الكتب المعروفة ،او أن تطلبوا هذا من العلامة الحاج كوكل على مواقع الأنترنيت، لتكتشفوا بنفسكم العقلية الاسقاطيةالتي تحكم معظم تحاليل مثقفينا ، خاصة لدى الاسلامويين، فقد تكاد النظرية الوحيدة لديهم لتفسير التحديات المفروضة عليهم لارتباط هذه النظرية بعبد الله بن سبأ اليهودي الذي اسلافهم.
8 ـ خلاصةعامة
لا يمكن في النهاية الا أن نعتبر عبد الله بن سبأ حيا يرزق على المستوى الرمزي ويتم استحضاره من حين لآخر لأنه الوحيد الذي يشفي غليل العقليات الاسقاطية، وبالتالي تبرير كل الأمور بارجاعها الى نظرية المؤامرة التي تحاك ضد الذات. رغم محاولات لاغتيال عبد الله بن سبأ من طرف الفكر العقلاني النقدي فانها باءت بالفشل ، فاذا كا ن أحد المفكرين قد قال: عندما تبدوا الدولة كجحيم فغالبا ما يكون هناك أناس يريدون اقامة الجنة على الأرض.فاننا نعكس المقولة ونقول:عندما يبدوا الآخر كجحيم، فغالبا ما تعتبر الذات نفسها كجنة، لا يمكن أن تكون مصدرا للشر.


المراجع المعتمدة في هذا البحث:
مهزلة العقل البشري: علي الوردي
اليمين واليسار في الاسلام : أحمد عباس صالح
سيكولوجية الانسان المقهور: مصطفى حجازي
معارك فكرية حول الأمازيغية: مجموعة من الباحثين



#محمد_انعيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد انعيسى - عبد الله بن سبأ في شمال افريقيا دراسة تحليلية لنظرية المؤامر ة