أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد المعين الملوحي - بهيرة ورود على شاطئ الأربعين قطاف العمر















المزيد.....



بهيرة ورود على شاطئ الأربعين قطاف العمر


عبد المعين الملوحي

الحوار المتمدن-العدد: 1697 - 2006 / 10 / 8 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


أين وصلت بعد ست وستين سنة؟
(هكذا جاء في مذكرات الملوحي "شظايا من عمري" ص283 ـ ويمكننا القول بعد تسع وثمانين سنة أي حتى مغادرته حياتنا ـ شاهر نصر)
رحم الله ابن الرومي حين قال
ألا من يرين غايتي قبل مذهبي
ومن أين؟ والغايات بعد المذاهب
(ديوان ابن الرومي: شرح محمد شريف سليم: والمذاهب هنا الطريق وشرحه عنده: من يعرفني ما أصير إليه قبل أن أختار طريقاً أسلكه؟ ومن أين لي من يعلمني بمآلي والنهايات لا تعلم إلاّ بعد البدايات.)
نعم إنّ عليك أن تسلك الطريق لتصل إلى الهدف، وإلاّ فقد بقيت في مكانك، وكان علي أنّ أسير وأسير في الطريق لصل إلى معتقداتي، إلى:
الثالوث العربي المقدس:
1 ـ الإيمان بالله.
2 ـ الإيمان بالأمة العربية الواحدة.
3 ـ الإيمان بالاشتراكية. ولعلي في الصفحات التالية أصف معالم هذه الطريق الصعبة التي سرت فيها ستين سنة (تسع وثمانين سنة).
الإيمان بالله:
أول ما يذكره الطفل عن الله في شكل عنيف لا يزال يملأ عقله ونفسه أنّ الله كان يسكن في حي "بني السباعي" في حمص، وفي بناء عتيق قديم من حجر أسود، لعله كان زاوية من زوايا الصوفية: كانت البداية في زقاق مغلق، وكانت تتألف من عمودين كبيرين أسودين يقوم عليهما حجر أسود ثالث، عليه نقوش كتبت في وسطها كلمة "الله" ولعل الطفل أن يكون في الخامسة أو السادسة من عمره وأول ما تعلم القراءة والكتابة. وأول ما رأى اللافتة تعلو باب المدرسة، وقر في نفسه في زيارته لقريبة هل في ذلك الحي أن "اللّه" يسكن قربها. ذلك أنّها كانت لا تكف عن دعائه والتوسل إليه، ولا تنقطع عن الصلاة والصوم كي يهب لها الله ولداً، وكان زوجها عقيماً...
وما يزال الصبي وقد كبر، وأصبح كهلاً شيخاً يمر بذلك المكان في خشوع وخشية، وربما التفت ينتظر معجزة.
خيّل إليه آنذاك أنّ الله شيخ كبير جليل يلبس البياض وعلى رأسه عمامة ضخمة وله لحية كبيرة تتدلى على صدره أكثر طولاً من لحية الشيخ حسين الذي كان يراه دائماً في غرفة أبيه الشيخ "سعيد" في المسجد العمري الكبير في حمص.
ووقف الصبي خائفاً يترقب أمام باب الزاوية... وأحس بحركة في داخل البوابة فازداد رعباً ولكنّه أصر على أن يبقى واقفاً ليرى الله... ورآه حقاً ينتقل من مكان إلى مكان في الزاوية، كما تخيله تماماً، ولكنّه نشيط سريع الحركة، يشع منه نور يخطف الأبصار، وقال في إيمان عميق: لا إله إلا الله، محمد رسول الله... ومضى في طريقه إلى دار قريبته ولم يحدث أحداً أنّه رأى الله... ولم يقل أين وجده...
وبقي سنوات بعد ذلك لا يمر من أمام البوابة بل يعدو إلى بيته من طريق أخرى أكثر طولاً ولكنّها أقل خشوعاً ورهبة.
الشيخ الجاهل قتل إيماني
وحدثت بعد سنين حادثة نسيت فيها ربي ولكن ربي لم ينسني:
كانت نفسي قد اطمأنت بعد حصولي على الشهادة الثانوية وتعينين معلماً في المعضمية، قرب المزة، على بعد كيلومترات من دمشق. وكنت ربما عدت إلى دمشق بعض الأيام أسير على الأقدام عن طريق المزة، أو عن طريق داريا، وأعود في الصباح قبل الدوام إلى القرية لأقوم بالتدريس، وكنت أحياناً أنتظر السيارة عائدة من قطنا إلى دمشق في الطريق ـ وما أقل السيارات يومذاك ـ فإذا جاءت ركبتها، وغذا تأخرت سرت في الطريق أترقبها وربما وصلت دمشق قبل أن تصل السيارة.
وحدث في يوم من الأيام حادث ما يزال يثير في نفسي ألماً عميقاً. إنّ أطيب الأفكار وأحلى العواطف إذا لبست ثوباً سخيفاً، إذا أخذت شكل تهريج، تحولت إلى كابوس مزعج، وأصبحت أمراً لا يطاق، وشعرت أنّك يجب أن تتخلص منها مهما كانت النتائج.
جاءت السيارة الكبيرة وصعدت إليها، وألقيت السلام، كانت تغص بالركاب، وكان بين الركاب شيخ ذو عمامة بيضاء يتوسط حلقة من الفلاحين يصغون إليه في استسلام، وهو يلقي خطبة طويلة عن الإيمان بالله، وعن وجوده وعن الإلحاد، ومصير الملحدين، وجلست أستمع إليه، وأحببت أن يقول شيئاً حسناً، شيئاً يمكن أن نجد فيه فهماً وذوقاً، فإذا الشيخ يقول:
إنّ الله خلق كل شيء سوخره لنا نحن البشر: السيارات والطيارات والدراجات، وكل ما يخطر في بالك، وما لا يخطر في بالك، اسمعوا مثلاً:
لقد خلق الله لنا "بابور الكاز" لنطبخ طعامنا، كنا نستعمل الحطب، وكانت الزوجة أو الأم تعاني من صعوبة إشعال النار وجلب الحطب، حتى سخر الله لنا "بابور الكاز"... فكيف ينكر نعم الله أولئك الملاحدة في الشرق؟ وقد سخر لنا هؤلاء الملاحدة في الغرب يصنعون البوابير ونحن نستخدمها في بيوتنا.
...
منذ سمعت هذا الحديث السخيف تركت الصلاة، بل تركت صلاة يوم الجمعة...
....
مضت عشرون سنة من عام 1938 إلى عام 1956، حين عدت إلى الإيمان.
العودة إلى الإيمان
يتحدث الصوفية عن الكشف، وأراني مضطراً ـ رغم معارضتي الكاملة للصوفية ـ أن أتحدث عنها.
كانت عودتي إلى الإيمان كشفاً من الكشوف... وصفته في مقالي "على شاطئ الأربعين" ونشرته في مجلة "الفجر" في حمص عام 1956 حينبلغت الأربعين من عمري.
قلت في هذا المقال:
(سهرت حين بلغت الأربعين، سهرت وسمعت الساعة تدق اثنتي عشرة دقة، وأطفأت النور بيدي، وقبلت صبية كانت في حضني، قبلت ابنتي خزامى، وتمنيت أن أقبل صبية أخرى لكنّها لم تكن في حضني، بل لم تكن في بيتي، إنّها هناك في قبرها في طريق الشام.
كنت في تلك الليلة كثير العنف، كثير المرح، كنت أرقص وأغني، ومضى الضيوف زوجاً زوجاً، وفرداً فرداً، وصعدت إلى المكتبة ووقفت على شفتها أتأمل الوجود.
كانت السماء صافية شديدة الصفاء، والنجوم لامعة...
واعترتني رعشة، إنّها ليست رعشة البرد يا صاحبي، تلك التي اعترت ميرابو وهو يساق إلى المقصلة، ولكنّها كانت رعشة الموت، نعم إنّها رعشة الموت... ولعلها أيضاً رعشة الحياة... من يدري..؟
... لقد قضيت عشرين عاماً في الأربعين الأولى في إيمان مطلق، وقضيت عشرين عاماً أخرى في جحود مطلق، وأريد أن أقضي ما بقي لي من أيامي في إيمان قلبي ناعم لذيذ وفي استسلام عقلي هادئ عذب، فمن ذا الذي وزع حياته مثلما وزعتها..؟ وعدت أنظر إلى السماء.
كل شيء ساكن... هذه النجوم ما تزال تنظر إليك، ساخرة منك، هازئة بك، لست أنت الغبي الوحيد الذي نظر إليها طويلاً وساءلها طويلاً، ثم لم تنظر إليه قط ولم تجبه قط...
ثم نظرت إلى الأرض... المدينة هادئة، كأنّها ماتت في منتصف الليل...
واعترتني رعشة أخرى... إنّها الآن رعشة البرد حقاً، وجعلت أصرخ بملء فمي: كلمات إيماني القديم، وأحسست أنّ كلّ نقطة في دمي تصرخ: لا إله إلا الله.
وأحسست في أعماقي أني مؤمن إيماناً لا يعدله إيمان... دخلت المكتبة وجلست وراء منضدتي، وكتبت؟؟
سيقول السفهاء من الناس: هذا تناقض. هذا نفاق. وأنا أقول لهم في صراحة إنّ÷ ليس تناقضاً، ليس نفاقاً، هكذا عشت، وهكذا كتبت، وأنا أنا في كل خلجة من خلجات حياتي صادق جد صادق.
كتبت القصيدة ثم خرجت من المكتبة ووقفت على الشرفة. لقد ملأت السحب السماء، وحجبت النجوم، وتوارى القمر، إلاّ دائرة من النور تمشي خلف الغيوم، وهطل رذاذ من المطر جعل يعبث بوجهي، فأمسحه بيدي، أهبط الدرج لأنام... ونمت وأنا أسمع من المسجد القريب صوت المؤذن يسبح، ومن الكنائس البعيدة أصوات الأجراس... وإليكم القصيدة:
على شاطئ الأربعين
"نظرت إلي الأربعون" وكاد عودي الصلد يكسر
فوقفت أنظر للسماء منادياً: "الله أكبر"
***
نظرت إلي الأربعون فأصرخت "كالثلج" شيبي
فوقفت أنظر للسماء منادياً "الله ربي"
***
"الله أكبر" إنّ مغزاها التحرر والكرامة
"والله ربي" إنّ معناها التسامح والسلامة
***
بك آمنت أعماق قلبي، والتوت أفعى لساني
ملأت بسم الريب أوراقي، وعاثت في كياني
***
رحماك ربي! طالما أسرفت في شكي وجهلي
رحماك ربي! طالما قطعت بالشهوات ليلي
***
يا رب! عفوك عن أثيم جاء يرجو منك عفواً
إني لأطمع في رضاك أرى به أمناً وسلوى
***
يا رب! فهمك لا يطيق الناس، كل الناس، فهمك
يا رب! علمك لا ينال الخلق، كل الخلق، علمك
* * *
يا رب! زينت السماء بأنجم زهر منيره
فاترك لبيتي يا إلهي قبسة منها صغيرة
***
يا رب بيتك واسع الأرجاء عال في السماء
فاحفظ إلهي! بيتي المصنوع من رمل وماء
* * *
كم طال بي عهد الجنون، فهل مضى عهد الجنون؟
كم طاب لي زمن الفتون، فهل مضى زمن الفتون؟
* * *
إني مشيت موزعاً نصف الطريق إلى ضريحي
أترى سأمشي نصفها لباقي بأحمد والمسيح؟
* * *
إني رأيت أبي يموت، كأنّه يدعى لعرس...
ويقول لي في نشوة كالبحر تغمر كل نفسي:
* * *
لا يدرك الإيمان بالعقل الصغير ولا الكبير
لا يدرك الإيمان إلاّ باختلاجات الضمير
* * *
يا شيخ لا تجزع! وكنت تحبني حباً عنيفاً
إني أحسك في العروق أباً وإنساناً شريفا
* * *
سأعود للإيمان يملأ برده عقلي وقلبي
سأعود أحمل في دمي ربي وإيماني بشعبي
* * *
حمص 24/1/1956
بهيرة

ـــــــ 1

قدر وجريمة :

فَرَغَ الإلـهُ وجندُهُ من قَتْلِ زَوجـتيَ الصغيــرَهْ
تجمَّعوا يتضـاحكـونَ ، وقـد تَـوارتْ فـي حَفيــرَهْ

هذا يقـولُ : تركتُهـا في القبـرِ هــامـدةً وحيــدَةْ
ويقـولُ آخـرُ : قد لـمـسـتُ التـرْبَ أبعثُ فيه دودَهْ

ويصيحُ ثالثُهـم : ومـاذا تبتغـي الـديـدانُ منهـــا ؟
أنا قد أذبتُ عظامَها ، وسلختُ حتى الجلدَ عنهـــــا

وأجابَ رابعُهم : ـ وكان اليومَ نشوانَ انتصـــــارِ ـ
ما أعذبَ الألحان ترسلُها عروسٌ باحتضـــــــارِ

ويقولُ خامسُهم : ما أحلى أغاريدَ اليتامــــــــى
ما سرَّني إلا سماعُ عويلِ طفلتِها خُزامــــــــى

وأحبُّ رؤيةَ زوجِها تنسابُ أدمعُهُ مَريــــــــرَهْ
إذ راحَ يلثُمُها وصاحَ : مع السلامــةِ يـا "بَهيـــرَهْ"

وأهابَ سادسُهم وهزَّ المأتمُ الدامي فـــــــــؤادَهْ
هذي السعادةُ ، ليسَ يُرضيني سوى هذي السعــــادَهْ

أصغى الإلهُ وقد تلمَّظَ بالأحاديثِ العِــــــــذاب ِ
هذا عذابي : مَنْ أردتُ شويتُهُ بلــظـى عــذابــي

اليومَ تمَّ مؤزراً نصري على فـرخَي حمـــــــام ِ
دمَّرتُ عشَّهما ، وَوَاريتُ الحَمَامة في الــرغـــــامِ

سجدَ الملائكُ خُشَّعاً ، واللهُ يرمقُهـــم بعيـــــدا
لو شاء حوَّلَهُمْ دُمى ، أو شاءَ صيَّرَهُمْ قــــــرودا

ورآهُمُ إبليسُ عن كَثَبٍ فشجَّعَهُمْ بنظـــــــــرَهْ
وعلى ذرى شفتيهِ ماتتْ بسمةٌ صفراءُ مُـــــــرَّهْ

كَمْ ثائرٍ للكبرياءِ ، بكَتْ عليهِ الكبريـــــــــاء ُ
الحقدُ مثلُ النَّارِ ، يأكلُهُ وتلعنُهُ السمــــــــــاءُ

ورمى الإلهُ إلى سوادِ الأرضِ نظرَتَهُ الرهيبــــــةْ
فإذا حبيبٌ ساهرٌ يرعى مريضتَه ُ الحبيبــــــــةْ

نادتْهُ ـ والآلامُ تَنْهشُها ـ حَنَانَــك يــا حـبـيبـي !!
نادتْهُ : تحسَبُ في اسْمِهِ الميمونِ أدويةَ الطبيــبِ . . . !!

سمعَ الإلهُ فغاظَهُ ـ في نوبةِ الحّمى ـ نداهــــــا
ما بالُها تَدَعُ الإلهَ ؟؟ ومالَها تدعو فَتَاهـــــــــا ؟؟

أنا قد خلقتُ الأرضَ لا ابغي طعاماً أو شرابــــــا
أنا لو دعاني الناسُ كانتْ رحمتي الكبرى جوابــــا

هيا انزعوها من يديهِ أو انزِعوهُ من يديهـــــــا
أنا لا أطيقُ معانيَ الإخلاصِ تملأ مقلتيهـــــــا

سجدَ الملائكُ ثمَّ راحوا يركبونَ الليلَ خَيـْــــــلا
يا رُبَّ جُرمٍ ظنَّهُ الإصباحُ بعدَ الليل لَيـْـــــــلا

ــــــ 2

لو ..

أ بهيرتي : هذا إلهُ الغابِ في العهدِ القديــــــــمِ
لا يرتضي لقباً يليقُ بهِ سوى الربِّ الرحيـــــــمِ

أ حبيبتي : خرفَ الإله ومات من زمنٍ بعيــــــدِ
فعلامَ تعبُدُهُ البهائمُ بالركوعِ وبالسجـــــــــودِ ؟؟

لو ذاقَ ربُّكِ لوعةَ السَّرطانِ في نَوْبَاتِـــــــــهِ
لو ذاقَ حُرْقَتَهُ وقدْ أعيا علاجَ أُساتِــــــــــهِ

لو كانَ مسلولاً يَمجُّ دماءَهُ عند السعـــــــــالِ
ويرى على منديلِهِ رئتيهِ تُنْثَرُ كالرِّمـــــــــالِ

لو كان مشلولاً يرى الأفعى تسيرُ ولا يسيـــــــرُ
لو كان مجنوناً يهيمُ فلا يُجَرُ ولا يُجيـــــــــرُ

لو ذاق أحلامَ الشبابِ وذاقَ آمالَ الصبايــــــــا
لو ذاقَ مصرَعَها الوجيعَ يموجُ فـي صـدرِ الضحايـا

لو ذاق ربُّكِ لذَّةَ الدُّنيا وأفراحَ الحيــــــــــاةِ
لو ذاقَ طعمَ القبلةِ الأولى على شفتـي فتـــــــاةِ

لو كان ربُّكِ والداً يحنو على الطفلِ الرضيــــــعِ
لو كانَ يدركُ ما يريدُ اللحظُ في الوجــهِ البديــــعِ

لو كانَ يفهمُ ثورةَ الأحرارِ في دنيا العبيــــــــدِ
هدموا السجونَ وشيَّدوا مستقبلَ الشعبِ السعيــــــدِ

لو كان ربُّكِ يقرأُ الألوانَ في سِفْرِ الصـبــــــاحِ
لو كان يَنْشَقُ طِيبَ أنفاسِ البنفسجِ و الأقاحــــــي

لو كان يشعرُ بالوجودِ بكلِّ أعماقِ الوجــــــــودِ
في الشمسِ ، في الأنسامِ ، في ترنيةِ النهرِ البعيــــدِ

لو ذاقَ هذا ، لم يَكُنْ يرضى بقتلِ الكونِ ظُلْمـــــا
لكنَّهُ ما ذاقَهُ .. لكنَّهُ ... ما كانَ يومــــــــــا

ــــــ 3

حق ووهم

أبهيرتي !! لا تزعمي : أنْ قَدْ عرفتِ الحقَّ بعــــدي
أنا صُنْتُهُ وبذلتُ في تعليمهِ عَرقي وجهـــــــدي

أ بهيرتي : ما الحقُّ تحتَ الأرضِ أو بعدَ المـمـــاتِ
الحقُّ ، فوق الأرضِ ، في الإنسانِ ، في هذي الحيــاةِ

ما في القبورِ سوى الترابِ سوى الظلامِ ، سوى الصخورِ
والبعثُ بعد الموتِ كانَ – وما يزالُ – مِنَ الغُـــرُورِ

لا ترتَجي فَرَحَ النعيمِ وترهبي هولَ الجحيـــــــمِ
هذا وذلك أصبحا ذكرى من الماضي القديـــــــمِ

لا تطلبي الإيمانَ مني ، إنَّه ولَّى و راحــــــــا
قَتَلَتْهُ كارثَتي وكان مكابداً أمسِ الجراحـــــــــا

لا تزعمي أنَّ المماتَ سبيلُ عدلِ اللهِ فينــــــــا
لن أرتضي غيرَ الحياةِ وغيرَ دينِ العقـلِ دينـــــا

أ حبيبتي : العدلُ أنْ نبني الوجودَ كما نشـــــــاءُ
كم بائسٍ نادى السماءَ ، فَهَلْْ أجابتْهُ السمـــــــاءُ ..؟

صَمْتُ الفراغِ يلُّفها ، فاشرَبْ على نَغَمِ الفـــــراغِ
واعجَبْ فكَمْ خطُّوا لها كتباً وصاغوا من بـــــلاغِ

إن كنتُ جانبتُ الصوابَ – وما أظنُّ – فاخبرينــــي
ماذا لقيتِ لدى الترابِ ؟ وما حقيقةُ كلِّ ديــــــنِ .. ؟

ما لي أراكِ سَكَتِّ عن ردِّ السؤالِ ولم تجيبـــــي ..؟
قد كانَ معنى الصمتِ أمس : نَعَمْ فهمتُكَ يا حبيبـــي

الصَّمتُ أبلغُ منطقٍ يهدي النفوسَ إلى الحقيقـــــهْ
هل ضَجَّةُ الأمواجِ تُسمعُ أنفساً عاشتْ غريقــــــهْ

يا ليتَ بعدَ الموتِ بعثاً للجسومِ و للنفــــــــوسِ
لو كانَ مزّقتُ الحياةَ على ضريحـكِ يـا عـروســي

لكنني أحيا على سؤرِ الهوى و الذكـريـــــــاتِ
وأعيشُ أعصِرُ خمرةَ الأوهامِ من سُمِّ المَمَــــــاتِ

وأعيش كي تجدَ ابنتي كالناسِ فيَّ أبــاً و أمـــــا
نامي إذن يا أمَّ ابنتي ، واهنئي في القبر نَوْمــــــا

ــــــ4

جنون

أ بهيرتي !! بلْ لستِ لي .. بلْ لأنتِ خائنةٌ أثيمــــهْ
حمَّلتِني عبءَ الهوى وتركتِ طفلَتَنا يتيمـــــــهْ

ما الداء ؟ لو لم ترتمي للداء خاضعةً إليـــــــهِ ..؟
لمَ لمْ تهبّي – حينَ حلَّ الداءُ – واثبةً عليـــــــهِ ..؟

ما الموتُ ؟ ليسَ الموتُ عذراً للخيانةِ في الخــــؤونِ
لمَ لمْ تثوري للحياةِ ؟ وتقطَعي كفَّ المنـــــــونِ ..؟

أَ زَعَمْتِ أنكِ متِّ ؟ لا ، ما ماتَ منكِ سوى الوفـــاءِ
ولقد شقيتُ وكنتُ فيه وحدَهُ ألقى عزائــــــــي

سنةً قضيتُ على فراشِكِ ساهراً بَرَّاً شفيقــــــــا
حينَ ارتميتِ ولمْ تري أهلاً ولمْ تجــدي شـقـيـقـا

كانوا – وكنتِ مريضةً – يرجونني بهوى خـــزامى
واليومَ أمسَتْ طفلتي نهباً كأموالِ اليَتامــــــــى

كانوا – وكنتِ مريضةً – يتنافسون علـــــى وِدادي
واليومَ باعوا ثوبَ عرسِكِ يا بهيرةُ في المــــــزاد

جاءوا بقمصانِ العروس و أبرزوا سربالَهـــــــا
فَشَرَتْهُ مومسةٌ لتحرقَهُ وتخسرَ مالَهـــــــــــا

غَضَبتْ لبيعِ كساءِ ميتةٍ ورأت فيــه عـــــــارا
وهي التي باعَتْ – لتأكلَ – عرضَها الغالي جهــــارا

جاءوا بمنديلِ الزفافِ عليهِ آثارُ الدمــــــــــاءِ
لما رأى السمسارُ حمرَتَهُ تلعثمَ بالنــــــــــداءِ

أخفاهُ مذعوراً فرامَ النبشَ عنـــهُ أخٌ حــريـــصُ
يا لَلُّصوصِ !! لو أنّهم شهدوهُ لانتحرَ اللـــصــوصُ

سنةً قضيتُ أريقُ وجهي للصديقِ و للمرابـــــــي
وأموتُ من جوعٍ لأدفعَ عنكِ أهوالَ المصـــــــابِ

أسقيكِ من قلبي دماً وجعلتُ دمعَكِ لي شرابـــــــا
وأرى عذابي في رعايتِكِ السعادةَ لا العذابـــــــا

كَمْ قلتِ لي : صبراً فسوفَ تعيشُ مسروراً سعيــــدا
وأغضُّ أجفاني ليبصرَ قلبيَ الأمــلَ الشريــــــدا

أ هزأتِ بي ؟ وزعمتِ انَّكِ كنتِ في طُهرِ الحَمَــــامِ
ووعدتِني بسعادتي فجعلتِني أشقى الأنـــــــــامِ

لا تزعمي انَّ الهوى لم يستطعْ للموتِ دفعـــــــا
الحبُّ منتصرٌ ، فهل أحببتِني ؟ أو كنتِ أفعــــــى ..؟

إن خُنتِني فعلامَ خُنْتِ رضيعةً لمْ تُكْسَ لحمـــــا ...؟
لمْ تأوِ للصدرِ الرحيبِ ولمْ تَذُقْ للنَّهدِ طعمـــــــا

ستعيشُ لا تجري إذا سمعتْ نداءَكِ : يا خزامــــى !!
ستعيشُ تقتُلُني إذا نادَتْ – مع الأطفالِ – مـــامـــا

لا .. لن أكونَ ضحيّةً للغدرِ يا أختَ النســـــــاءِ
ستفورُ في قلبي – فتغسلُ كلَّ ما فيهِ – دمائــــــي

موتي : فإنّي خالدٌ ، هل يعرفُ الموتُ الخلــــــودا
سأُميتُ في قلبي الهوى وأعيشُ – في السلوى – وحيـدا

موتي ! فلا عاشَ الجبانُ فلو أردتِ العيشَ عشــــتِ
إن كنتِ أهلاً للحياةِ ومجدِها فعلامَ مُـــــــــتِّ ..؟

مصِّي ترابَ القبرِ واعتصِري جسومَ الدودِ خمــــرا
لا عاشَ في الدنيا سوى مَن كانَ فوقَ الأرضِ جَمــرا

موتي !! فما لكِ في فؤادي غيرُ جرحٍ سوفَ يشفــــى
الماردُ الجبَّرُ لا يأسى لميتٍ ماتَ ضَعْفـــــــــا

ـــــ5

اعتذار

أ بهيرتي ! هذا الجنونُ فعفوَ قلبكِ عن جنونــــــي
لم أستطعْ فهماً لموتِكِ يا بهيرةُ !! فاعذرينـــــــي ..

ما زلتِ في نفسي تفيضينَ الهوى جسداً ونفســــــا
فإذا اِلتَفَتُّ – ولم أجدكِ – قضمتُ كأسَ الخمرِ يأســـا

ما كنتُ أحسبُ أن تموتي والصِّبا كالطَّلِّ ينــــــدى
فيرشُّ نهدَكِ زنبقاً ، ويبللُ الخديـــــــــنِ وردا

بيني وبينَ الموتِ حربٌ لمْ تزلْ حرباً عوانــــــا
وسقطتِ فيها فانثنيتُ أجِّعُ النفسَ الهوانـــــــــا

قد كنتِ أولَ ميْتةٍ أوحتْ إلأى نفسي الهزيمَـــــــهْ
ما أقتلَ الذلَّ الجديدَ لأنْفُسٍ عاشتْ كريمَــــــــهْ

قد كنتِ ينبوعاً من الإخلاصِ في صحراءِ غَـــــدْرِ
أطلقتِ لي روحي ورحتِ لتطلقي كالنسرِ فكـــــري

زعموا الكمالَ – ولمْ نَعِشْ لسواهُ – في الدنيا مُحـــالا
وأراكِ أدركتِ الكمالَ – فَلَمْ يغرَّكِ – و الجمـــــالا

لهفي على تلكَ الليالي الواثباتِ على السريـــــــرِ
ما بينَ تمتمةِ الشفاهِ وبينَ عربدةِ الصــــــــدورِ

لهفي على ثلجِ الجبالِ يذيبَه لَهَبُ الصحـــــــارى
لهفي على الوعْيِ الذكيِّ يمجُّهُ هَزْلُ السكــــــارى

لهفي على العشرين يحفرُ قبرَها زوجٌ جريـــــــحُ
فتَّانةٌ كالوردِ لو يسطيعٌ فدَّها الضريــــــــــحُ

ــــــ 6

كان وصار

يا أمَّ أحلامي !! تعاليْ نُحْصِ أحلامي القتيلَـــــــهْ
كمْ بتُّ أسقيها فماتَ الزهرُ وامَّحَتِ الخميلَـــــــهْ

قد كنتُ أرجو في هواكِ الأمنَ من نُوَبِ الزمـــــانِ
فغدوتِ أنتِ مُصيبتي الكبرى وقاتلةَ الأمانـــــــي

قد كنتُ أرجو أن أرى في صدرِكِ الفوّاحِ واحَـــــهْ
آوي إليهِ من الزمانِ وأتَّقي فيهِ جراحَـــــــــهْ

فغدوتِ والسَّرطانَ يفتكُ فيهِ لا أسطيعُ مسَّـــــــهْ
يمتَصُّ نضرتَهُ ويُنمي فيهِ – رغمَ الموتِ – حسَّــــهْ

الدمعُ والزفراتُ قد جَّربْتِ حرقتَها جميعــــــــا
في وَجْنَتَيكِ وقلبِكِ الواهي بَنَتْ وَكْراً منيعــــــــا

يا صرخَةَ السَّرطانِ تسمعُها الجبالُ ولا تميـــــــدُ
لو أنَّها دَهَتِ الحديدَ لذابَ – كالثلجِ – الحديـــــــدُ

كم غفوتِ على يدِ " المورفين" بينَ يديَّ ساعــــــهْ
وأراكِ نائمةً فأخنُقُ – في دمي – صوتَ المجاعَــــهْ

يا زندَها لمْ يَبْقَ فيهِ موضعٌ ما ذاقَ إبـــــــــرَهْ
قد كانَ أبيضَ ناصعاً فغدا من الوخزاتِ جَمْـــــرَهْ

قد كانَ أمسِ لرأسيَ الواهي – إذا أغفو – وِسَـــــادا
واليومَ أصبحَ زندها كالشوكِ يمنعُني الرقـــــــادا

أثوابُ عرسِكِ يا عروسَ العامِ قد كُفِّنْتِ فيهـــــــا
لمْ تلبسيها في الحياةِ ولمْ تَمِسْ برضاكِ تيهـــــــا

قد صارَ عرشُ الحبِّ – منذُ الليلةِ العذراء – نعشــــا
واليومَ قد أكلَ الترابُ كليهما : نعشاً وعرشـــــــا

ــــــ 7

حُمّى

أ بهيرتي ! – ذاتَ الشعورِ الحُمْرِ – قد طلعَ الصبـــاحُ
والدِّيكُ صاحَ ، فكيفَ لمْ يوقظْكِ للحبِّ الصيــــــاحُ ؟

ما بالُ طَرْفِكِ لا يفيقُ مرنّقاً يرعى الحبيبــــــــا ؟
ما بالُ ثَغْرِكِ لا يرنُّ بقبلةٍ تححي القلوبـــــــــا ؟

قومي بنا نرتع ، فقد طالَ الرقادُ على السريــــــرِ
قولي ألا يؤذيكِ لمسُ الترابِ ، لا لمسُ الحريـــــرِ ؟

ما زلتُ الثمُ ثغرَكِ الوضَّاءَ في الرّسْمِ الصغيــــــرِ
قُبَلَ الأماسي لستُ أنساها ، ولا قُبَلَ البكـــــــورِ

قولي : أما يفترّث ثغرُكِ في ظلامِ القبرِ فجــــــرا ؟
فتنيرُ بسمتُهُ الضريحَ وتملأُ الديدانَ ذُعــــــــرا

قولي : أليسَ يردُّ لي قُبَلي وكانَ بها ولوعـــــــا ؟
كم ثرتِ بي إنْ أنسها يوماً .. فأذكرها سريعــــــا

وهمٌ أريدُ لهُ البقاءَ – ولا بقاءَ – لكيْ أعيشَـــــــهْ
أُحييهِ في قلبي فيصبحُ – في مهبِّ الريحِ – ريشَــــهْ

ويردُّني هولُ المماتِ إلى الحياةِ إلى الحضـيــــضِ
ألوانُ حُمّى هازئاتٌ بالطبيبِ وبالمريـــــــــضِ

ـــــ 8

قوة

أ حبيبتي لا تطلبي مني الوفاءَ ولا الأمانَــــــــهْ
أصبحتُ " شيئاً " ليسَ يَدري : ما الوفاءُ و ما الخيانـَـهْ

الروضُ والأطيارُ والأنهارُ قد نسيت هوانــــــــا
ومضتْ – كما كانتْ – تفيضُ منَ الحنانِ على سوانـــا

والشمسُ ما زالتْ – كما كانتْ – تغيبُ و تشـــــرقُ
والغصنُ يزهرُ حينَ يلثُمُه الربيعُ و يُـــــــــرِقُ

والأرضُ كَفَّنَها الشتاءُ فعادَ يُحييها الربيــــــــعُ
والنهرُ أطلَقَهُ فراحَ وكانَ يسجنُهُ الصقيـــــــــعُ

ما زالتِ الأزهارُ عاطرةً تميسُ على الغصــــــونِ
ما زالتِ الأطيارُ تشربُ لحنَها أُذُنُ السكـــــــونِ

ومضتْ تريدُ الحبَّ أسرابُ العذارى والبغايـــــــا
ويقلنَ لي : مازال في الدنيا – فلا تجزَعْ – صبايــــا

ما زالتِ الشقراءُ يَخْجِلُ جيدُها زهرَ الأقاحـــــــي
وتودُّ تسرقُ شعرَها لشعاعِها شمسُ الصبـــــــاحِ

ما زالتِ السمراءُ تنبضُ شهوةً وتبضُّ فتنــــــــهْ
ما بينَ نهدَيْها تثورُ وتنطفي نارٌ و جَنَّــــــــــهْ

ويرينني أذوي أسىً فيقلْنَ : ويحَكَ يا غبــــــــيُّ
الناسُ كلُّ الناسِ في فرحٍ وأنتَ بنا شقـــــــــيُّ

مشتِ الحياةُ على المماتِ فلا يَلُمْها مَنْ يَمــــــوتُ
يحيا وكلُّ دقيقةٍ من عمرهِ عُمُرُ الخلــــــــــودِ

لا يستطيعُ السَّيْلُ إيماناً بشحًّ في السحــــــــابِ
فيضٌ من الخيراتِ تفزَعُ من تدفُّقِهِ الروابـــــــي

فتركتُهنَّ ورحتُ أسعى نحوَ أرْزَتنا الوحيـــــــدَهْ
فوجدتُها لمْ تَرْعَ مفجوعاً ولمْ تَنْدُبْ فقيـــــــــدَهْ

أغصانُها امتدَّتْ – على غيظٍ – لتطردَني و حزنــــي
وحفيفُها غضبانُ يهتفُ : يا شقيُّ إليكَ عنْـــــــي

لولا السعادةُ لمْ أعشْ عمراً يحَرُ بِهِ الزَّمــــــــانُ
أنا للهناءَةِ عشتُ لمْ أُخْلَقْ ليقتلَني الهـــــــــوانُ

والغرفَةُ الزرقاءُ في هضباتِ " إخْدِنْ " لا تبالـــــي
ساءَلتُها عنَّا وعنْ أسرارِ هاتيكَ الليالــــــــــي

فوجدتُها خرساءَ مدَّتْ في غباءٍ ساعديْهـــــــــا
كالمومسِ العمياءِ مَنْ تسمعْ تَخَلْهُ رَنَا إليهــــــــا

مرآتُها لمعتْ تريدُ لوجهها وجهاً جديـــــــــدا
وسريرُها متوثِّبٌ مترقِّبٌ عرساً سعيــــــــــدا

ومضيتُ لا حجرٌ ولا شجرٌ ولا بشــــــــرٌ أراهُ
وشربتُ وحدي لوعتي ودفنتُ في قلبي أســــــاهُ

وهناكَ قامَ على الصخورِ الصمِّ زوجَكِ كالصخــــورِ
أقوى مِنَ الدنيا وأسمى من تصاريفِ الدهــــــورِ

جبلٌ مِنَ الفولاذِ تلطُمُهُ البحارُ فلا تكــــــــــلُّ
لا الطَّوْدَ مُنْهَرٌ ولا الأمواجُ مِنْ عَبَثٍ تَمِــــــــلُّ

ـــــ 9

ضعف

أ بهيرتي : لا البومُ ناحَ ولا هزارُ الروضِ غنـــــى
ماتتْ تعابيرُ الوجودِ فما لها في النفسِ معنـــــــى

إن كنتِ من موتى الفناءِ فإنني ميْتُ الوجـــــــودِ
البيتُ قبري ، والدُّجى يأسي ، وهذي النــــاسُ دودي

قالوا : " العزاءَ " فقلتُ : قد ماتَ العزاءُ معَ الحبيبَـــهْ
ستعيشُ نفسي – بعدَ أختِ النفسِ – واحدةً غريبــــهْ

قد كنتُ ارجو أن نسيرَ معاً ونمضيَ في الطريـــــقِ
لكن طلبتِ " الراحةَ الكبرى " فسرتُ بلا رفيــــــقِ

ما كانَ أحلانا لَوَ أنَّا لمْ نَزَلْ بينَ الرفـــــــــاقِ
إيمانُنا في قلبِنا خفقٌ ونورٌ في المآقــــــــــي

أ بهيرتي : إني لأسمَعُ صرخةً في أرضِ شعبـــــي
أنا واجدٌ في بعثِهِ سَلوايَ بعدَ مَمَاتِ حبّــــــــي

أسعى إلأى نبعِ الحياةِ بجرّةٍ مُلِئَتْ دموعــــــــا
هل ينقذُ الماءُ القراحُ فتىً يموتُ ضنىً وجوعــــــا ؟؟

ـــــ 10

رثاء رثاء

أ بهيرتي : قالوا لنا : .. ما هكذا عُرِفَ الرثــــــاءُ
قولي لهم : بلْ إنّهُ نارٌ بها احترقَ البكــــــــاءُ

صورٌ ملونةٌ تهزُّ بلغزِها أعماقَ نفســــــــــي
من ثورةٍ وتمرُّدٍ أعمى ومن ضَعْفٍ ويــــــــأسِ

الموتُ – ماتَ الموتُ – وحشٌ كاسرُ الأنيابِ قــــاسِ
يلهو بأعراسِ الحياةِ فتستحيلُ إلى مآســـــــــي

خاتمة المطاف

ونظلُّ – رغمَ الدَّاءِ – رغمَ الموتِ – نَفرَحُ بالوجـــودِ
ونظلُّ – رغمَ الدَّاءِ – رغمَ الموتِ – نحلمُ بالخلــــودِ

حمص 1 / 8 / 1947

ورود
(22 شباط 1957 – 7 كانون الثاني 1970 )

ــــ 1
الناس والطبيعة

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى ذَبلََتْ لمصرعِها الـــورودُ ؟
كَلاَّ ! فهذا الروض دغدغَ زهرَه عامٌ جديــــــدُ

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى سكتتْ أغاريدُ الطيــــورِ ؟
كَلاَّ ! فما زالتْ تزقزقُ في المساءِ وفي البكــــورِ

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى وقفتْ على الأرضِ الحيــاةُ ؟
كَلاَّ ! فما زالتْ تمَخَّضُ بالبنينَ الأمهـــــــاتُ

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى ضَحِكَ الصغارِ مضى و ولّى ؟
كَلاَّ ! فما زالتْ تضجُّ به الدروبُ ، وألفُ كَــــلاَّ

ماتَتْ ورودُ ! وما تزالُ الشمسُ تُشرقُ أو تَغيــــبُ
والبدرُ يسطعُ والنجوم لقلبِها أبداً وجيــــــــبُ

ماتَتْ ورودُ ! ولم يزلْ بردى يسيلُ و لا يبالــــي
أبداً يجودُ – كما تعودَ – بالمياهِ وبالظــِّـــــلالِ

صفصافُه يحنو على العشاقِ يحسبهم سَكـــــارى
وضفافُه غصَّتْ بأسرابِ الصبايا و العـَـــــذارى

ماتَتْ ورودُ ! فما وقفنا في المقابرِ غيرَ سَاعـَــــهْ
هرعَ الصحابُ إلى العزاء هناك ، وانصرف الجماعَـهْ

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى متنا لها ظمأً وجوعـــــا ؟
كَلاَّ ! فقد جعنا وعدنا نأكلُ الدنيا جميعــــــَــا

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى شَيَّعت عاطفتي و حسـّـِــي
كَلاَّ ! فما زال الجمالُ يهزُ للأعماقِ نفســـــي

ماتَتْ ورودُ ! فهل تُرى ولَّى – مدى العمرِ – السـرورُ
هُجِرَ السريرُ لَيَالياً ، وغداً سيجمَعنا السريــــــرُ

ما شاركَتْنا في مصائبنا الحياةُ ولا الطبيعـــَــــهْ
ونظلُّ ، إن ولّى الشتاءُ وثلجُهُ ، ننسى صقيعَـــــهْ

الأرضُ تذرونا جميعاً ، مثلَ أوراقِ الخريــــــفِ
وتدوسُنا ، والويلُ ، كلُّ الويلِ ، للواهي الضَّعيــــفِ

سننَ الحياةِ بقاءُ هذا النوعِ ، والأفرادُ وهـــــــمُ
مأساتنا الكبرى : لنا ثكلٌ ، وللأطفالِ يتـــــــمُ

لا تعبأُ الأشجارُ بالأوراقِ تنثرُها الريـــــــاحُ
والزَّهْرُ يسخر بالندى دمعاً يبدّده الصبـــــــاحُ

يفنى رذاذُ البحرِ يزبدُ موجُه ، والبحرُ يبقــــــى
نحن الرذاذُ رمى بنا بحرُ الحياةِ وراحَ طلقــــــا

تجري الحياةُ ، ولا تبالي : مَنْ يعيشُ ومَنْ يمـــوتُ
مَنْ شاءَ فليصرخْ ، فما لي حيلةٌ إلاَّ السكــــــوتُ

لا يا ورودُ ! صرختُ حتى سَلَّ حنْجَرتي الصُّـــراخُ
ماذا يضيرُ الذئبَ ذا الأنيابِ إن ذُبِحَ الفِــــــراخُ ؟








ـــــ 2
الأم الثكلى
اللَّيلُ أقبلَ ... والزقاقُ يغط في نومٍ عميـــــــقِ
وسهرتُ ، أرقبُ أُمّكِ الثكلى ... على حذرٍ و ضيــقِ

وكتمتُ أنفاسي .. فقالتْ لي : - وهزتني طويـــلا –
أ تنامُ ؟ قل لي : هل تنامُ ؟ وأردفت : نوماً ثقيـــلا

وسَكَتُ ، أكتمُ صرختي كيف السبيلُ إلى الهجـــوعِ ؟
قلبي تمَّزقُهُ جراحاتي ، وتحرُقُهُ دموعــــــــي

وتركتُها تمضي – على أملٍ يراودها – إليــــــكِ
مدتْ يديها – في جنونٍ مطبقٍ – تبغي يديْــــــكِ

وتلوبُ في الحجراتِ تهتفُ : يا ورودُ ! ولا جــوابُ
وتُفَتِّحُ الأبوابَ ، تسألها : عسى يخفيكِ بــــــابُ

وصرخْتُ – لمَّا لمْ تجدْ أحداً - : تعالي ! أينَ أنــتِ ؟
وألومُها – يا ويحها – لِمَ لَمْ تجدْ في البيتِ بنتــــي ؟

هذا الجنونُ ! وهل لنا مِنْ مهربٍ غيرُ الجنـــــونِ ؟
وأعودُ ، أصطنعُ الوقارَ ، لخدعةِ الأمِّ الحنـــــونِ

عبثاً أعزِّيها ، فقد جلَّ المصاب عنِ العــــــزاءِ
وجعلتُ أبكي ، مثلما تبكي ، ليَشْغَلَها بكائــــــي

وأعدتها لسريرِها ، وطفقتُ أبحثُ عن ضميــــري
فوجدتُهُ مازالَ يسألُ عنكِ في ذاكَ السريـــــــرِ

وأظلُّ أخدعُها ، فإن نامتْ قتيلَ أسىً و سُهـــــدِ
أقبلتُ أسترقُ الخُطى ، وأهيمُ في الحجراتِ وَحْـــدي

وجعلْتُ أبحثُ مثلَما بحثَتْ ، وأفعلُ فِعْلَ أمِّـــــكْ
فلعلَّها نَسِيَتْ – وقد ينسى العجولُ – مكانَ نَوْمـِـــكْ

البيتُ أصبحَ – ويله – لما طواكِ الموتُ أكبـــــرْ
والضوءُ فيهِ أصفرٌ مترنحٌ ، والموتُ أصفــــــرْ

وصحوتُ ، ما لي كنتُ ابحثُ في زوايا البيتِ عنـّـي ؟
مازالَ صوتُكِ ، مثلَ وجهكِ، ملء سمعي ، ملءَ عينـي

ورجعتُ – يا خجلَ الجنونِ – إلى فراشي يـا ورُودي
وعرفتُ أنّكِ في الترابِ – هناكَ – في القبرِ البعيـــدِ



ـــــ 3
موتُ الأطفال
يا طفلتي ! هذا أبوكِ يظلُّ ينعقُ كالغـــــــرابِ
أشعاره سودٌ ، تعششُ في الظلامِ ، وفي الخــــرابِ

خلّفتِ أهلكِ جثةً مصلوبةً ، إحدى المجــــــازرْ
القبرُ أصبحَ جنةً ، والبيتُ أشبهُ بالمقابــــــــرْ

هذي عتابُ رأيتُهَا هرِمتْ ، وكانت أمسِ أصغــــرْ
وقفتْ تُحَدِّقُ في سريركِ فارغاً ، والوجهُ أصفــــرْ

ومضتْ على عجلٍ ، فجاءَتْها تواسيها البنـــــاتُ
يسألنَ – يا تعبَ الطفولةِ - : ما الحياةُ ؟ ومـا المماتُ ؟

اللهُ هل يرضيهِ موتُ الطِّفلِ ؟ هل يغنيه شَيـــــا ؟
واللهُ كيفَ يُحبُّه ميتاً ؟ وَيَعرِضُ عنه حَيَّـــــــا ؟

قالت وفاءُ : لسوفَ يغدو الطفلُ في الجناتِ طيـــرا
وتُجيبُ هندٌ : لا ، فقد صَنعوا له كفناً وقبــــــرا

قالت عبيرُ: هبيه طيرا ، أين يرقدُ حينَ يتعـــــبْ ؟
أ تُراهُ يبكي مثلَنا ؟ أ تُراهُ يلعبُ حين نلعــــــبْ ؟

وتقول سلوى : من يغطيهِ إذا ألقى اللحافـــــــا ؟
من ذا يُسَرِّحُ شعرَه ؟ ويضمُه إن كان خافــــــا ؟

ومنى تساءلُ : من يقصُّ عليهِ في الليلِ الحكايــــا ؟
والله يعرفُها ، ويعرفُ كلَّ ما صنعَ البرايـــــــا

قالوا لنا : إنّ العقابَ يصيبُ أصحابَ الذ نـــــوبِ
قولوا لنا : ماذا جنى الطفلُ البريءُ من العُيــــوبِ ؟

ومضى التساؤلُ ، والبناتُ يجبن أو يصغين سمعـــا
وخرسْتُ – يُعييني جوابُ صغارنا ، وأضيقُ ذَرعــا

إنَّ الجوابَ على سؤالِ الطفلِ مفتعلٌ سخيــــــفُ
وتساويا : غِرٌّ يردد ما يقالُ ، وفيلســــــــوفُ

وأخوكِ منصفُ ، خلفَ نعشِكِ ، يملأُ الدنيا عويلُـــهْ
من ذا ينافسُه غداً في طولهِ ، إن زادَ طولُــــــهْ ؟

وشروقُ لا تخفينَ مُشطَكِ أو دُماكِ الشُّقرَ عنهـــــا
من ذا ينازعُها الثيابَ ؟ ومن يغارُ عليَّ منهــــــا ؟



وأخوكِ منقذُ هل يخافُ عليكِ حينَ نزلتِ قَبــــركْ ؟
قد كانَ يخشى أن يداعبَ ناعمُ الأنسامِ ثغــــــركْ

أ ذكرتِ - في غمراتِ موتكِ – أمكِ الصغرى خزامى ؟
ناديتِها : ماما ! فصاحتْ وانتشتْ : يا روحَ مــامــا ؟

من ذا يهزُّ البيتَ بالضحكاتِ – طولَ اليومِ – هـــزَّا
الضحكُ ماتَ ، وكانَ لي – في غمرةِ الأحزانِ – كنزا

من ذا إذا غنّى ( حليمُ ) يظلُّ يرقصُ أو يُغنّـــــي ؟
عودي وغَنّي ، وارقصي وخذي بقايا العمرِ منّــــي
ــــــ 4
قصيدة وقصيدة
يا ربُّ أنتَ وهبتَ لي بنتي ، وأنتَ حرمتنيهـــــا
زين سماءَكِ بالورودِ ، فما خلقتَ لها شبيهــــــا

هذي ابنتي أبدعتَها فأجدتَها خُلُقاً وخَلْقـــــــــا
أودَعتَها فرددتُها لكِ ، والودائعُ ليس تبقــــــى

يا ربِّ ! أنتَ قضيتَ لي ، وأنا صبرتُ لما قضيتـــا
حسبي وحسبُكَ أنني أرضى الذي ترضاهُ أنتـــــا

آمنتُ باللهِ العظيمِ ، وعشتُ للألمِ العظيــــــــمِ
آمنتُ أني ذرَّةٌ في ملكهِ الرَّحْبِ القديـــــــــمِ

آمنتُ لا أني أريدُ الربحَ ، أو أخشى الخَســـــارهْ
آمنتُ إيمانَ الهُدى ، وتركتُ للنَّاسِ التجــــــارهْ

يا ربِّ ! خُذني حيثُ شئتَ فإنني بعضَ الضَّحايــــا
لا تُحصِ أوزاري ، إذا كُشِفَ الحجابُ عنِ الخطايــا

كم قلتَ لي : مهلاً ، ولكنّي عكفتُ على الذُّنـُـــوبِ
لمْ أقضِ بالورعِ الشبابَ ، ولمْ يوقرني مشيبـــــي

أنتَ الجميلُ ، وقدْ عرفتُكَ خالقاً يهوى الجميـــــلا
لا تتركِ الديدانَ تأكلُ وجهَها الحلوَ النبيـــــــلا

يا ربِّ ! زينتَ السَّماءَ بأنجمٍ زُهْرٍ مُنيـــــــرهْ
فعلامَ تَحرِمُ أهل بيتي قَبْسةً منها صغيـــــــرهْ ؟

يا ربِّ ! بيتُكَ باذخُ الأرجاءِ ، عالٍ في السَّمـــــاءِ
فعلامَ تهدمُ بيتي المصنوعَ مِنْ طينٍ ومـــــــاءِ ؟

يا ربِّ ! قدْ جَربْتُ منذُ سنينَ – يومَ فُجِعْـتُ – كُفـري
واليومَ ها أنذا أمارسُ حلوَ إيماني و صَبــــــري

يا ربِّ ! عفوكَ – إن أطقْتَ العفوَ – عن تلكَ القصيـدهْ
هذا اعتذاري سَطَّرتْه اليومَ مأساةٌ جديــــــــدهْ

جربتَني يَوْمَينِ : يَوْمَ رِضَاً عليَّ ويَوْمَ نَقْمَــــــهْ
في تلكِ إيمانُ العذابِ ، وهذهِ إيمانُ رحمَـــــــهْ

إنَّ التناقُضَ في حَيَاتي لمْ يَزلْ – كَالرُوحِ سّـِــــرا
مثلَ الرَّمادِ تخالني طوراً ، ومِثْلَ النَّارِ طَـــــورا

إبليسُ في بُرْدي يُنازِعُ جَهرَةً مَلَكاً رَحيمـــــــا
ما أعْجَبَ الإنسانَ : إنساناً وشَيطاناً رجيمـــــــا
ــــــ 5
خبز المآسي
يا طِفْلتي ! يا وردتي ! يا نورَ عَيْنَي ! يا ضِيائــــي
ثُرْنا وعُدْنا صاغرينَ نُقِرُّ أحكامَ السَّمــــــــاءِ

أ ورودُ ! هذا ما أرادِ اللهُ ، لا ما نحنُ شِئْنـــــــا
ونظلُّ لا ندري : علامَ أتى بنا ؟ وعلامَ متنــــــا ؟

وغداً إذا جَاءَ الحسابُ ، ورحتُ أهوي للجحيـــــمِ
لا تأخذي يا وردتي بيدي إلى دارِ النعيــــــــمِ

خَلّي أباكِ ، فَمَا يَرى بشفَاعَةِ الأطفالِ حقـّــــــا
أنَا للشقاءِ خُلِقْتُ في الدُّنيا ، وفي الأُخرى سأشقـــى

لا تَحسَبي أني لآلامي - التي قاسيُتُ - نـــــاسِ
إِنّي لآكُلُ – مُذْ خُلِقْتُ لِشقوتي – خُبْزَ المآســـــي

ما زلتُ أقضمُ لُقمَتي مغموسةً بدمي حَقيــــــرهْ
مازلتُ أشربُ جرعتي ممزوجَةً دمعاً عسيـــــرهْ

قد كنتُ في شَرخِ الشبابِ أُصارعُ الأقدارَ فَـــــردا
فتركتِني وحدي عجوزاً لاهثاً عَرَقاً وكَــــــــدا

رافقتِني في رحلتي أيَّامَ أرفُلُ في شَبابــــــــي
وتَركتِني لمّا كبرتُ ، فكادَ يقتُلُني مُصابـــــــي

أينَ الوفاءُ ؟ فهل جنحتِ منَ الوفاءِ إِلى العقــــوقِ ؟
أينَ الحنانُ على أبٍ لمْ يَنسَ ما لكِ مِنْ حُقـــــوقِ ؟

في كلِّ يومٍ يا ورودَ يَزورنا خِطبٌ جديــــــــدُ
كلٌّ يريدُ ، ويَنثني ، واللهُ يفعلُ ما يريــــــــدُ

أنَا لمْ أُمَتّعْ ناظريَّ بوجهِكِ الحُلوِ الحبيــــــــبِ
قد كنتُ أخشى أن أراكِ ، وأنْ أمَسَّكِ من قريــــبِ

واليومَ هذا الوجهَ يأكُلُ حِسنَهُ نمــــــــلٌ ودودُ
يا ليتَني متّعتُ عيني من جمالكِ يــــــــا ورودُ

جاوزتُ خمسينَ السنينَ ، وكنتُ أحلمُ في بقائـِـــكْ
ومضيتُ والخمسونَ تصرخُ بي لأسرعَ في لقائِـــكْ

" إِنْ سارَ مَنْ خَلْفَ الفتى وَ أَمَامَهُ ، فالمَرءُ سائِـــرْ "
ما لي أقيمُ ؟ وطِفلتي قَبلي تواريها المقابِــــــرْ ؟

ـــــ 6
عضو يتقطع

قالوا : نظمتَ قصيدةً وسَكَتَّ ، قلتُ : وأينَ قلبــــي ؟
ووجدتُهُ يبكي ابنتي ، ولقدْ بكى بالأمسِ حبِّـــــي


جُرحي الجديدُ أتى لينكأ في زوايا القلبِ جُـــــرحا
جُرحاً قديماً لمْ يَزَلْ ينزو دماً ، وينزُّ قيحـــــــا

كلَُ المآسي ذقتُها ، وكأنّها تأبى فِراقـــــــــا
فوجدت ثكلَ الوالد المفجوعِ أوجعَها مَذاقـــــــا

عضوٌ تَقطّعَ منكَ تبصرُه على الأيدي مُدَمــــــى
وتَدسُّه في التُرابِ ، تحسَبُ دسَّهُ في التربِ غُنمــــا

عضوٌ تقطَّعَ مِنكَ تمسِكُهُ عليكَ فلا تُطيــــــــقُ
عُضوٌ تَقطّعَ منكَ يدْفِنُهُ ـ فتشكرُهُ ـ الصّديـــــقُ

عُضوٌ تَقطَّعَ منكَ يُخفيه ـ فَتَلثَمُهُ ـ الرّغَــــــامُ
عُضوٌ تَقطّّعَ منكَ يُقصيهِ ـ فتصقُلُهُ ـ الرّخـــــامُ

عُضوٌ تَقطَّعَ منكَ تلْمَسُ لحمَهُ مِنْ جنسِ لحمـِــــكْ
وإذا تُنادى باسمِهِ فكأنّما نوديتَ باسمـــِــــــكْ

أنتَ الذي أبدعتَهُ وغذوتَهُ بدماءِ قلبـــــــــكْ
وتَخِذتَهُ ذُخْراً يُظَلّلُ دوحُهُ أَعشابَ شيبـِـــــــكْ

فإذا رياح الموت تعصف دوحة الروض الفتيــــه
فحنا عليها العشب يحضنها بأضلعه الوفيــــــه

أبكيكِ ، بل أبكي وفاتي يا حبيبةُ في وفاتِــــــكْ
وارى رُفاتي بالِياً أبداً .. يَحِنُّ إلى رُفاتــِـــــكْ

إنّي جنيتُ عليكِ حينَ صَنَعتُ خَلْقَكِ منْ وجــــودي
وحسبتُ أنّي فيكِ ألقى ما أُحِبُّ منَ الخـُـــــلُودِ

تلكَ الجريمَةُ يا لَعَارِ الأمِّ والأبِ والجريمَــــــهْ
يا ليتَني كنتُ العقيمَ ، وليتَها كانتْ عقيمَــــــهْ

في ولولاتِ الموتِ ما ينسي زغاريدَ الـــــولادهْ
بحرٌ منَ الآلامِ يطفو فوقَهُ زبدُ السعـــــــــادهْ

ـــــ 7
مأساة أمة ومأساة بيت

يا طفلُ ! يا مجنونُ ! لا يُغني البُكاءُ عنِ الصـِّــراعِ
ما أنتَ أولَ سالِكٍ خَدَعَتْهُ ألوانُ الأفاعــــــــي

يا طفلُ ! يا مجنونُ ! نارُكَ ما خبَتْ خمسينَ عامـــا
هوتِ النجومُ ، ولا ترى في ليلكَ الأعمى ظلامــــا

قد مالَ ظهرُكَ وانحنى ، وتظلُّ نفسُكَ مستقيمـــــهْ
والشيبُ غطَّى عارضيكَ ، ولستَ تشعرُ بالهزيمَـــهْ

ما زلتَ تؤمنُ بالحياةِ ، وقد أَلفتَ أسى الممـــــاتِ
إنّ التفاؤلَ في الحياةِ يُعينُ في حَمْلِ الحيـــــــاةِ

مأساةُ شَعْبي كدْتُ أنسَى عندَها مأساةُ بيتـــــــي
واحسرتا ! دهتِ المصائبُ أمَّتي ، وقَتَلْنَ بِنْتـــــي

وطني أَعَزُّ عليَّ مِنْ نفْسي ومنْ أهلي وَمالــــــي
مالي نسيتُ جِراحَهُ ، وذكرتُ جرحي – اليومَ – مالـي ؟

وطني يُمَزّقُهُ العدوُّ كما يُمَزّقُهُ بنــــــــــوهُ
عاشوا على أشلائهِ وتقاسَمُوهُ ومـَــــــــزقوهُ

الوحدةُ الغرّاءُ حطَّمها الدخيلُ و ما تــــــــزالُ
تدعو بأعلى صوتِها : أينَ الرجالُ ؟ ولا رجــــالُ

وطني الكبيرُ مُمَزَّقٌ ، فلكُلِّ مَزْرَعَةٍ حُـــــــدودُ
شَعْبي العظيمُ مُوَزَّعٌ ، فلكلِّ مغتصِبٍ عَبــــــيُد

وطني تَموجُ بهِ الدّماءُ وسَوفَ تغْسِلُهُ الدّمـــــاءُ
وغداً نوحِّدُهُ وتغمرُهُ المحبَّةُ والرّخــــــــــاءُ

يا موطنَ الأحرارِ ! هلْ أبصرتَ أحْرارَ العُروبَـــهْ ؟
زحفُوا ، فليسَ تصُدُّهم فِئةٌ تكيدُ لهمْ غريبَــــــهْ

مُستَقبلي فَجرُ الشعوبِ ، ولستُ إلاّ صـوتَ شعبــي
أخلصتُهُ حُبِّي ، وما دنستُ بالأطماعِ حُبّـــــــي

قَدْ عشتُ أيّامي على دَرْبِ التحرُّرِ و الرُّقــــــيِ
وقذفتُ أحجاري على الطُّغيانِ مَعْ شعبــي الأبـــيِّ

عَرَّضتُ صدري للرَّصاصِ وأعظُمي لبلى السُّجــونِ
ووقفت في صفِّ الحضارةِ وقفةَ الرجُلِ الأميـــــنِ

الثَّورةُ الحمراءُ كنتُ وقُودَها زمناً طَويـــــــلا
وهَوى العروبةِ في دمي كالسَّيلِ هـدّارا ً جليــــلا

النصرُ يا ولدي لنا ، ولو أنّنا نحن الضحايــــــا
ولنا غدٌ وجمالُهُ ، ولَو أنّنا عِشنا رَعَايــــــــا

هُو للشعوبِ عزيزةً ، لا لي ، ولا لكِ يا صغيـــرهْ
هو للصغارِ ، وكنتِ فيهمْ ، وردةً قُطِفَتْ نضيــــرهْ

لو عشتِ أنتِ لزدتِ يومَ النصرِ لألاء و زينَــــهْ
ولكنتِ في تاجِ العروبَةِ ألفَ جَوهرةٍ ثمينـــــــهْ

لَو عشْتِ عيدَ الفتحِ ، كُنتِ العيدَ بهجتَهُ وطيبَـــــهْ
ولكُنتِ في عُنوانِهِ : عادت فِلسطِينُ الحبيبــــــهْ

لكِنْ سقطتِ على الطَّريقِ ، وكدتُ أسقـط في الطَّريقِ
واحسرتا ! جفَّ الندى ، والشمسُ تؤذِنُ بالشـــروقِ
ــــــ 8
الدّمعة الأخيرةُ

ماتَتْ ورودُ ! ولَم ْ يزلْ في البيتِ عطرُكِ يــا ورودُ
وأظلُّ اهذي : - إن سُئلتُ متى تعودُ ؟ - غداً تعــودُ

ما زلتُ أهتفُ : يا ورودُ ، إذا أردتُ ســـوى ورودِ
غَلَطٌ أحِبُّ بقاءَهُ ، يدمى لهُ قلبُ الحديـــــــــدِ

أ أضُمُّها وأشُمُّها ـ يومَ القيامةِ ـ يا إلهــــــي ؟
ما لي أغِصُّ بدمْعَتي ؟ ما لي أعَضُّ على شفاهـــي !؟

ما باختياري : كانَ لي بنتٌ فصارت بنتَ غيـــري
ما باختياري : كانَ لي صِهرٌ فصارَ الموْتُ صِهـْـري

دمشق 7 /1 / 1970



#عبد_المعين_الملوحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد المعين الملوحي يرثي نفسه
- مقدمة عبد المعين الملوحي لأعماله الشعرية الكاملة التي لم تنش ...
- نظرة في كتاب: الدولة والمجتمع المدني
- إلى صديقي ناظم حكمت
- تحية إلى ثورة أكتوبر
- رسول حمزاتوف/ من القصائد الأخيرة / ترجمة: شاهر أحمد نصر
- إنجي أفلاطون 1924 ـ 1989 مناضلة شيوعية على المستوى العالمي


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد المعين الملوحي - بهيرة ورود على شاطئ الأربعين قطاف العمر