أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد الفيتوري - محاكمة عمر المختار















المزيد.....

محاكمة عمر المختار


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1680 - 2006 / 9 / 21 - 11:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


[ إن هذا المتهم الذي إنتدبت للدفاع عنه : إنما يدافع عن حقيقة كلنا نعرفها ، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره ، إن هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم ، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوا له ، ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة ، حتى يخرجه منها أو يهلك دونها ، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية .. إن العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذر حكم التاريخ ، فهو لا يرحم ، إن عجلته تدور وتسجل ما يحدث في هذا العالم المضطرب . ]
• من مرافعة المحامي روبرتو لونتانو المنتدب للدفاع عن عمر المختار ؛ وهو ضابط شاب برتبة نقيب في الجيش الإيطالي .


1

اذا كانت الشعوب تقيم رمزا لنضالها المسلح وأيقونة تحت مسمى " الجندى المجهول " فإن أيقونة الليبيين " عمر المختار " أي جندى معلوم ؛ يحتفل بيوم اعدامه ، وضع كشعار للعملة الوطنية ، سميت شوارع باسمه ، انتج واحد من أضخم الافلام انتاجا في تاريخ السينما حول نضاله ، اقيمت بعض الندوات لدراسة هذه الشخصية ؛ دراسة نضالها المسلح على الخصوص ، لكن بقيت هذه الشخصية مجهولة من حيث حياتها الشخصية وبعدها الاجتماعي والانساني .
حتى الآن لا نعرف من حياة عمر المختار إلا ما يخص كونه شيخ المجاهدين الذي آثار نضاله المسلح العالم حينها ، لم يقم أحد بتأريخ هذه الشخصية أو كتابة سيرتها الذاتية ، لم تقم ايما جامعة من خلال مدرسيها أو طلبتها باعداد رسالة علمية في الخصوص . ونجد الجميع يعتمد على المراجع الايطالية أو بعض الشذرات التي نشرت هنا أو هناك ، أضف لذاك أن الإدباء والكتاب لم يحولوا في هذا الاتجاه البته ، غير عبد الله القويري – الذي ولد وعاش شبابه في المهجر- حيث كتب في مرحلة مبكرة من عمره تمثيلية اذاعية قدمت في حينها ونشرها القويري في كتاب . كذلك فإن الجانب التوثيقي لنضال عمر المختار بقي مبعثرا بين هذا الكتاب وذاك ، في هذا المركز وتلك الجامعة وعند بعض الافراد ، لم تهتم المؤسسات المعنية أوغير المعنية ، في الداخل أو الخارج للقيام بهذه المهمة ، ليس ثمة أي مبادرة في هذا الاتجاه في حد علمى ، ولم نسمع أو نرى هنا أو هناك مجرد محاولة في هذا .
لم يمون أحد أية محاولة لتذليل هذه المهمة ، الكثير من المال يصرف هنا وهناك والجهد يهدر بين هذه وتلك ، والكثير من المثقفين الليبيين هنا وهناك يملك الامكانيات الكبيرة على الأقل المالية لكن لا أحد يفكر في مهمة كهذه - وان حصل من هؤلإ اهتمام فهو اهتمام بذوى القربة وحتى هؤلإ ندر ، بختصار مخل لا نعرف عن عمر المختار جندينا المعلوم / شيخ المجاهدين إلا القليل والمكرور ؛ يعيد نسخه الناسخون وتحت هذه الكوم من الرمال يترمل البطل .
لهذه الاسباب كان أقوي ترميز لعمر المختار الجندي المعلوم قد تمثل في " أنتوني كوين " الممثل الذي قام بدور عمر المختار في الفلم الذي يحمل نفس الاسم ، حتى أن بعض المؤسسات الاعلامية والمؤسسات الرسمية الاخرى بالتبعية والكثير من الافراد قد اتخذوا صورة انتوني كوين وهو يمثل شخصية عمر المختار بديلا للصورة الاصلية .
ان لهذا الاستبدال تأويل يرى ذلك : استعارة رمزية للممثل باعتباره تعبيرا عن قوة واقع الحال ، وان الاستخفاف هنا تعبير عن احتقار للذات .
لكن ذلك لا يمنع أن الليبيين يتخذون من هذه الشخصية أيقونة هوية يجمعون عليها تقريبا ورغم ما أشرنا اليه من استخفاف فإنهم يتشبتون بالمعاني الدالة عليها ، الاجماع حول هذه الشخصية كأيقونة وطنية حتى في لحظات سخطهم وتنقضاتهم السافرة حيث أن " الإنسان كائن يتشبت بشبكة المعانى التي نسجها بنفسه " أو كما قال ماكس فيبر ، فما يجمع أطراف مجتمع ما معا ، هو تماسك أطراف عالم دلالاته ؛ هذه المعانى التي يتم نسجها الخيال الاجتماعي حيث " أن الحقائق هي أيضا تخيلات " فرغم كل الاعتبارات يتخيل الليبيون حقائق شخصية عمر المختار كحقيقة جمعية واحدة ، خاصة في هذه المرحلة التي فيها : " يتسلط على العالم الحديث وسواس تلاشي التمايزات ، فهو يخشى توحيد الأشكال ويشعر بالتالى بقلق عام متعلق بالهوية " – جان فرانسوا بايار ؛ أوهام الهوية . ففي مواجهة حاضر متسلط ومشوش واحساس بالعجز يتم الاغتراف من ماض قريب ؛ بمعنى ما استعارة معلوم في مواجهة مجهول ، في حين أنه فقط عن طريق المقدرة العليا للحاضر يحق أن تمد الايدى إلى الماضى ذلك " أنه على اي إنسان أن يتعلم قبل كل شئ أن يعيش وألا يستخدم التاريخ إلا لصالح الحياة التي تم تعلمها " أو كما يقول نيتشة .
ان الإنسان الذي يضع بنفسه أهدافه فلا بد أن يكون حرا و لا بد أن هذا نهج عمر المختار ونبراس المهمة التي أوكلها لنفسه لنهاية مختارة باقتدار وحس تاريخي نادرين ، من هذا فإن مهمة العمل من أجل استعادة هذه الشخصية وإعادت ترتيب تراثها ليست عادية بل المهمة تدلى بدلالة متعلقة بالساعة التي تقوم بها هذه المهمة .

2

لقد قام الأستاذ عمران بورويس بتحرير المادة الوثائقية لمحاكمة عمر المختار وغيرها من الوثائق التي تخص حبسه والمرافعة القيمة تاريخيا التي قام بها المحامى روبرتو لونتانو المنتدب للترافع في قضية عمر المختار ، هذه الوثائق المبعثرة هنا وهناك . وكانت هذه المهمة ستكون أكثر قيمة لو لم تتثقل بفصول : الفصل الرابع الخاص بـ " زعماء حركات الجهاد بالمغرب العربي ومصر " ، الفصل السادس الخاص بـ " قصائد الشعراء العرب في رثاء شيخ الشهداء " ، حتى الفصل الثاني خاصة المبحث الأول " أحكام المحكمة العسكرية الإيطالية الصادرة في مواجهة المجاهدين الليبيين " . أعتقد أن هذه الفصول تضيع – " وقائع أسر ومحاكمة وشنق عمر المختار " ؛ عنوان الكتاب – هذه الوقائع وتربك القارئ وتجعل المادة الرئيسية مهمشة بهذه الفصول التي كان يمكن أن يضمها كتاب آخر ، وقد حوى الكتاب على العديد من الصور والخرائط ، وصورة للصفحة الاولى من جريدة " بريد برقة " التي نشرت خبر المحاكمة وشنق عمر المختار ، من ناحية أخرى هناك بعض التداخل في المادة كان من اللازم مراجعته واعادت ترتيبه .
ان المحامى عمران بورويس الذي كان قد أعد موسوعة المحامين العرب ثم كتابا عن تاريخ المحاماة الليبية يقوم بمهمة كهذه – بالتزام شخصي وعلى حسابه – لأنه يضع أهدافه بنفسه . وهو إذ يهتم بهذه الشخصية التاريخية الهامة ويقوم بجمع وثائقها فإنه بذلك وكمحامي يريد أن [ يحذر حكم التاريخ ، فهو لا يرحم ، إن عجلته تدور وتسجل ما يحدث في هذا العالم المضطرب. ] ، وذلك باعتبار أن ما لا يدرك كله لا يترك كله . والكتاب الآن في الاسواق ويحتاج للاهتمام به وتركيز الضوء عليه ، كما يعد هذا فرصة من أجل كتابة سيرة عمر المختار وتموين باحثين يجمعون شتات هذه السيرة ، وبعض من الوثائق الموجودة هنا وهناك .
3

غرسياني : هل كنت تأمل في يوم من الأيام أن تطردنا من برقة بإمكاناتك الضيئلة وعددك القليل ؟ .
عمر المختار : لا ، هذا مستحيلا .
غرسياني : إذا ما الذي في اعتقادك الوصول إليه ؟
عمر المختار : لا شئ إلا طردكم من بلادي لأنكم مغتصبون ، أما الحرب فهو فرض علينا والنصر إلا من عند الله .
يداه مكبلتان بالسلاسل ، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة ووجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه ويجر نفسه بصعوبة نظرا لتعبه أثناء السفر بالبحر ، بالاجمال يخيل أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال ، منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر هذا مما جاء في كتاب القائد العسكري الايطالي حاكم برقة وقائد الجيوش في الحرب الثانية غرسياني : برقة المهدأة . وقد ورد ذلك في كتاب " وقائع أسر ومحاكمة وشنق عمر المختار " الذي يوفر للباحث مجمل هذه المادة ، ويوفر على القارئ الكثير من الجهد ، كما يمكنه من مجمل خلفية هذه اللحظة التاريخية في تفاصيلها المتاحة في الوثائق الإيطالية .
ان الإنسان الذي يضع بنفسه أهدافه فلا بد أن يكون حرا :
[ ما لبث عمر المختار أن جاء على جواد صغير لفت حوافره بالقماش وكان يحيط به رجلان من كل جانب ، يتبعه كذلك عدد آخر ، عندما وصل إلى الصخور التي كنا ننتظره عندها ساعده أحد رجاله على النزول ، رأيت أنه كان يمشي بصعوبة ؛ عرفت بعدئذ أنه جرح أبان إحدى المعارك قبل ذلك بعشرة أيام تقريبا . على ضوء القمر المشرق استطعت الآن أن اراه بوضوح ؛ رجل معتدل القامة ، قوى البنية ، ذا لحية قصيرة بيضاء كالثلج ، تحيط بوجهه الكئيب ذي الخطوط العميقة ، عيناه عميقتان ، من الغضون المحيطة بهما باستطاعة المرء أن يعرف أنهما كانتا ضاحكتين براقتين في غير هذه الظروف ، إلا أنهما لم يكن فيهما الآن شئ غير الظلمة والآلم والشجاعة . اقتربت منه لأحييه ، شعرت بالقوة التي ضغطت بها يده على يدي .
- مرحبا بك ، يا ابني .
قال ذلك وأخذ يجيل عينيه في متفحصا ، عينا رجل كان الخطر خبزه اليومي . ] .
- * يناير 1931 لقاء المستشرق النمساوي محمد أسد ، شذرة مما جاء في كتابه " الطريق إلى مكة " .
رئيس المحكمة : كيف القي القبض عليك ؟
عمر المختار : نشب القتال بالقرب من الزاوية البيضاء ، أصبت بجراح وهويت من على صهوة الجواد ، الذي قتل ، ومن ثم قبض على جنود الحكومة .
رئيس المحكمة : هل أفضيت لهم باسمك ؟
عمر المختار : نطقت به ، في الحال .
[ عمر المختار ، بن عائشة بنت محارب ، البلغ من العمر 73 سنة ، مولولود بدفنة ، قبيلة منفة ، عائلة بريدان ، بيت فرحات ، متزوج وله أولاد ، يعرف القراءة والكتابة ، ليست له سوابق جنائية ، اعتقل في 12 سبتمر 1931 م واعدم في 30 منه .. ]
في الختام : لأننا لم نختر ميلادنا من آبائنا ، كذلك لم نختر وجودنا في أوطاننا ، أوطاننا ، إذا ، كآبائنا ، ليست هبة مقدسة فقط ، ولكنها أقدارنا . أو كما قال ابراهيم الكوني .
المراجع
1 – وقائع أسر ومحاكمة عمر وشنق عمر المختار- عمران محمد بورويس – النشر شخصي – بنغازي – الطبعة الأولى : 2003 م .
2 – سنوات الحرب والادارة العسكرية البريطانية في برقة – أحمد محمد القلال – منشورات جامعة قاريونس – بنغازي – الطبعة الأولى : 2002 م .
3 – أوهام الهوية – جان فرانسوا بايار ترجمة حليم طوسون – الناشر دار العالم الثالث – القاهرة - الطبعة الأولى : 1998 م .
4 – نيتشه مكافحا ضد عصره – ردولف شتاينر ترجمة حسن صقر – الناشر دار الحصاد – دمشق – الطبعة الأولى : 1998 م .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب
- حربستان .. عشق آباد
- ثلاثة وجوه لسيرة واحدة!
- الإصلاح ملابس داخلية!
- لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد الفيتوري - محاكمة عمر المختار