أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسام سليمان - ديمقراطية المجتمعات المتفسخة















المزيد.....


ديمقراطية المجتمعات المتفسخة


حسام سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1644 - 2006 / 8 / 16 - 07:18
المحور: حقوق الانسان
    


عندما نقول : أن الأفكار تحكم العالم ، أو تمارس قوة حاسمة في التاريخ فإننا نفكر على العموم في تلك الأفكار التي تعبر عن أهداف إنسانية، و تعتمد من أجل تحقيقها على الإرادة الإنسانية، أهداف من مثل الحرية و التسامح الديني و المساواة في الفرص و إلغاء التمييز و حقوق الإنسان و الديموقراطية ....
إن بعض هذه الأهداف قد تحقق جزئيا ً، و ليس هناك ما يدعو إلى عدم تحقيق بعضها تماما ً، إذا كان ذلك هو الغاية المشتركة لمجتمع ما و للعالم، هذه الأهداف تستحسن أو تدان لما فيها من صحة أو خطأ و الحضارة تحركت و تتحرك في الاتجاه المرغوب فيه، و لكن لكي نحكم أننا نتحرك في الاتجاه المرغوب فيه، علينا أن نعرف على وجه الدقة ما هي الغاية و كيفية الوصول.... الحصيلة المطلوبة بالنسبة لمعظم الناس حالة نتمتع فيها جميعا ً بالرخاء و الازدهار و الرقي الفكري و الإبداع.

تعريف بالديموقراطية و حقوق الإنسان:
تعتبر الديموقراطية كلمة مطاطة، تستوعب العديد من المفاهيم و المبادئ المختلفة، و الديموقراطية تحتوي على الكثير من التعاريف، ما يقارب من المائة و الخمسين تعريفا
أولا ً- التعريف التقليدي للديموقراطية:
تعود كلمة ديموقراطية Democracy إلى أصل إغريقي و تعني حكم الشعب أو سلطة الشعب، فهي في اللغة اليونانية تتكون من مقطعين، الأول Demos و معناه الشعب، و الثاني Kratin و معناه حكم أو سلطة، و يعتبر هذا التعريف من أقدم تعاريف الديموقراطية.
بينما يعرفها أحد الرؤساء الأمريكيين السابقين Lincoln بأنها حكم الشعب بواسطة الشعب، و من أجل الشعب.
أما الفقيه Seely فإنه يوسع من هذا الاصطلاح و يعطيه وصفا ً واسعا ً فيعرف الديموقراطية بأنها (النظام الذي يملك فيه كل فرد نصيبه). بينما يعرفها البعض بالحكومة التمثيلية للعدد الأكبر.
أما الديموقراطية الحديثة: يمكن تعريفها بأنها منهج لاتخاذ القرارات العامة من قبل الملزمين بها و هي مبادئ و مؤسسات تمكن الجماعة السياسية من إدارة أوجه الاختلاف في الآراء و تباين المصالح و الحروب الأهلية

ثانيا ً- تعريف بحقوق الإنسان
ماذا نقصد بكلمة الحق ؟
ومن هو الإنسان الذي يجب أن نحميه ؟
يمكن الإجابة من خلال عرض بعض التعاريف للحق و للإنسان، ثم الانتقال إلى تعريف موحد لحقوق الإنسان.
تعريف الحق:
لكلمة الحق معان عدة حسب الحقل المعرفي الذي تعرف من ضمنه، و عموما ً يمكن حصر استعمالها في فكرتين أساسيتين:
أ- الحق ما يكون متطابقا ً مع قاعدة محددة، و من ثم يكون واجبا ً شرعيا ً و قانونيا ً، و يكون بالتالي مستحقاً، لأن القوانين و الأحكام تأمر به، أو لأنه مطابق للرأي على الصعيد الأخلاقي.
ب- الحق ما يكون مسموحا ً به، مباحا ً بالقوانين المكتوبة أو الأحكام المتعلقة بالأفكار، أو مباحا ً بشكل أخلاقي، لأن العمل المقصود إما أن يكون صالحا ً. و إما أن يكون محايدا ً أخلاقيا ً.
تعريف الإنسان:
إن النطلق بمعنى التفكير ليس وحده كافيا ً لاستيعاب هذا الكائن العملاق.
إنه كائن مكلف و مقصود لرسالة وضعت في يديه- لتحقيق العلم الذي يرفعه درجات أو الجهل الذي يسحقه.
إنه الحر الملتزم و هو إنسان مسؤول عن الإنسانية و حريتها.

3- تعريف حقوق الإنسان: طرحت تعاريف عديدة بغية تحديد المصطلح فمن التعاريف ما طرحه ( رينيه كاسان) أحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه –
فرع من فروع العلوم الاجتماعية، موضوعه دراسة العلاقات القائمة بين الأشخاص وفق الكرامة الإنسانية.
في عام 1973 وضع مجموعة من الباحثين و على رأسهم ( كارل فاسالك ) المشهور بأبحاثه و أعماله في ميدان حقوق الإنسان، وضعوا حوالي خمسة آلاف لفظ، تستعمل في مجال حقوق الإنسان، و تم إدخالها إلى الحاسب، و بعد دراستها خلصوا إلى التعريف التالي
(حقوق الإنسان هو عمل يهم كل شخص و لاسيما الإنسان العامل، الذي يعيش في إطار دورة معينة، و الذي إذا ما كان مهتما ً بخرق القانون أو ضحية حالة حرب).
استُخلص : من هذا التعريف أن الإنسان العامل هو المخاطب الأول و أن مبدأ المساواة الذي ينص عليه القانون هو الذي يأخذ الأولية، أي أن كل حق و كل حرية يستطيع أن يمارسها الإنسان تدخل ضمن تعريف حقوق الإنسان باستثناء ما نص عليه القانون، بعدم ممارستها، و إلا تعتبر مخالفة للقانون و مضرة بمصلحة الغير.

نلاحظ أن التوجه الديموقراطي يركز على الحريات العامة و حقوق المواطن و خاصة حرية الرأي و الرأي الآخر و التعددية الحزبية و تأليف الأحزاب و الانضمام إليها و هذه الحقوق تمثل في الوقت نفسه جوهر حقوق الإنسان و حرياته الأساسية مثل حق المساواة و العدالة.
أعود إلى موضوع التوجه الديموقراطي فلدينا على الساحة العربية من المفاتيح العجائبية الكثير مفاتيح النقلة الفجائية ( بمعنى المعجزة) بدون مجهود ولا كلفة و لا زمن من واقع التأخر إلى مثال التقدم ففكرة الديموقراطية تضطلع اليوم بالوظيفة نفسها التي اضطلعت بها في طور فائت فكرة الاشتراكية، و فكرة الثورة، و من قبلها فكرة الوحدة، أو فكرة النهضة.........
فالكل يحلم بموضوع الانتقال إلى الديموقراطية في فترات مختلفة و مهمة خصوصا فترة ما قبل الاستقلال و فترة ما بعد الاستقلال و الأخيرة اتسمت بتعقيد ظروف الصراعات الخارجية و النزاعات الداخلية .
فقد جرى الحديث و بصوت عالٍ عن أهمية حشد كل الجهود لتعبئة الطاقات للمعركة مع العدو الصهيوني ، و بررت بعض القوى التضحية بالديموقراطية و التنمية تحت حجة الصراع العربي – الإسرائيلي و كان ثمة في الأمر تناقضاً ففي الوقت الذي يمكن للديموقراطية أن تعزز فيه من دور المشاركة الشعبية في التصدي للعدوان الإسرائيلي فإن التنمية ستكون عاملا أساسيا و مهماً في تهيئة المستلزمات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية إضافة إلى العسكرية لمقاومة العدوان و الدفاع عن الحقوق المستلبة .

فالانتقال إلى الديموقراطية أمامه معوقات كثيرة داخلية و خارجية
لا بد من بحث المعوقات الأساسية التي تقف عائقا أمام الانتقال إلى الديموقراطية و حائلا أمام طريقها الشائك

من المعوقات الخارجية

- التحديات المستمرة للبلدان العربية و شعوبها التي تهدد مصيرها و وجودها و التي اقترنت بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر
الإرهابية في محاولة لاقتلاع الهوية و وصف العالم العربي و الإسلامي كله بالإرهاب و كأنه صفة لصيقة به .
- من التحديات الخارجية الاحتلالات التي ما تزال قائمة على الأراضي العربية ، الاستعمار الاستيطاني الاجلائي في فلسطين و حاليا الهجمة الصهيونية ضد شعب فلسطين و لبنان التي تصاعدت في الآونة الأخيرة و الحلول التي ارتكست بعد وصولها إلى طريق مسدود فاتفاقات أوسلو و ما ارتبط بها كلها لم تستطع إيجاد حل سلمي و عادل لطالما بقيت حقوق الشعب الفلسطيني مهدورة و خاصة حقه في تقرير المصير .
و ماذا عن الاستهداف الذي ما زال مستمر ضد شعب العراق
إضافة إلى مشكلة اللاجئين و الحدود و القدس و المستوطنات و غيرها من الحقوق الثابتة و غير القابلة للتصرف .
- فضلا عن ذلك هناك العدوانات المستمرة على العديد من البلدان العربية كالاجتياحات التركية للأراضي العراقية بشكل مستمر و يمكن أن نضيف هنا الحروب الخارجية أيضا بين البلدان العربية - و بين بلدان عربية و إسلامية مثل الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988 و غزو الكويت 1990 و ما تبعها من عدوان ضد العراق كل هذه العمليات ساهمت و تساهم في تعطيل قضية الديموقراطية
- يمكن أن نضيف الحصارات الدولية التي تنفرض على شعوب بكاملها مثل حصار الشعب العراقي الذي استمر ما يزيد على اثني
عشر عاما . و الحصار ضد الشعب الليبي و السوداني ، و النزاعات الحدودية بين العديد من البلدان العربية .

المعوقات الداخلية

لنتأمل بعض ما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، لقد غطى التقرير 280 مليون عربي يقطنون 22 دولة عربية في عام 2000 و يشكلون 5 % من سكان العالم ، لنترك بعض الأرقام تتحدث
إن الناس في المنطقة العربية كانوا أقل استمتاعا بالحرية على الصعيد العالمي في تسعينيات الألفية الأخيرة ، تأتي المنطقة العربية في المرتبة الأخيرة وفق ترتيب لجميع مناطق العالم ، و المشاركة السياسية دون المستوى المتحقق في جميع مناطق العالم و منظمات المجتمع المدني تعاني من عقبات تحد من إنشائها و عملها بفعالية .
ما زالت المرآة العربية تحتل 3.5 % فقط من مقاعد البرلمانات في الدول العربية و هي الأكثر تدنيا في العالم .
واحدة من كل امرأتين عربيتين لا تعرف القراءة أو الكتابة .
انخفض الإنفاق على التعليم للفرد في الدول العربية نسبة إلى الدول الصناعية من 20 % عام 1980 إلى 10 % في منتصف التسعينيات ، أن الالتحاق في التعليم في كل المستويات أقل من الدول النامية الأخرى ، يقل الالتحاق بالتعليم العالي و نجد عدم توافق بين التعليم و سوق العمل و نجد النساء منسيات في كل المستويات بما فيها التعليم العالي .
شكلت النفقات العلمية عام 1996 نسبة 0.14 % فقط من الناتج الإجمالي العربي .
استخدام المعلومات في الدول العربية أقل من أي منطقة أخرى في العالم حيث لا يتجاوز نسبة مستخدمي الأنترنيت 0.6 % و يملك 1.2 % فقط من المواطنين العرب حاسوبا شخصيا .
بمراقبة بعض الأرقام نجد أن خمس العرب يعيشون على أقل من دولارين في اليوم .
نسبة البطالة في العالم العربي 5 % فهي الأعلى في الدول النامية .
ما زال في منطقتنا العربية 65 مليون عربي بالغاً أمياً ثلثاها من النساء .
%نسبة الالتحاق بالتعليم العالي محدودة لا تتجاوز 13
تدني نوعية التعليم مما يعني تدني التحصيل المعرفي و القدرات التحليلية و الابتكارية .
( سأترك لكم المجال للتحليل و الربط بما ذكرت و ما سأذكر )

سأذهب بعيدا... لأقول بدلا من دراسة العوامل العامة التي تتيح المجال أو تمهد الطريق أمام نشوء الديموقراطية لا بد من تحديد يقوم على دراسة كيفية خروج الديموقراطية إلى الوجود في المقام الأول ، النقطة المهمة هي ( الثقافة الديموقراطية ) فلا يمكن الحديث عن الديموقراطية و مسألة الانتقال إليها دون وجود ديموقراطيين بشكل عام . فضعف الثقافة الديموقراطية لدى النخب الحاكمة و غير الحاكمة لدى السلطات و لدى المعارضة يشكل عائق .
الديموقراطية ، تعريفا ، حكومة العدد الأكبر ، أو بتعبير أدق الحكومة التمثيلية للعدد الأكبر . و لكن هذا العدد الأكبر ليس مطلقا . و ليس في الديموقراطية أصلا مكانا للمطلقات . فالعدد الأكبر متغير دائم و مقولة من مقولات النسبية . و الغالبية في الديموقراطية مقولة أفقية لا عمودية ، فما هو عامودي في المجتمع هو كل ما له صلة بالهوية ، سواء تجلت هذه الهوية بالدين أو الطائفة أو الأثنية أو الطبقة . أما ما هو أفقي فما هو عابر لتلك الكيانات الثابتة و الدائمة ، و نظرا إلى ضعف ثقافة الديموقراطية في المجتمعات العربية فإنه كثيرا ما يُلحظ انزياح في تصور عامة الناس ، كما في كتابات بعض المشاهير من المثقفين " الديموقراطيين " من المفهوم الأفقي للغالبية إلى مفهومها العمودي ، فنصاب الغالبية عندهم جوهري لا عرضي و مسرح الصراع هو المجتمع نفسه ، في عمق عمقه ، لا مؤسسات السطح السياسي من برلمان أو غيره . ديانة في مواجهة ديانة . و طائفة في مواجهة طائفة ، و أثنية في مواجهة أثنية . و الغالبية هي غالبية إسلامية أو مسيحية ، سنية أو شيعية ، عربية أو بربرية . و التمثيل ، كما في " الديموقراطية " اللبنانية ، تمثيل طوائفي لا حزبي . و حتى إن وجدت أحزاب فهي بالغالب أحزاب طوائف و كما في لبنان دوما و أخيرا فإن المقياس الأول للغالبية هو العدد الإحصائي لأبناء طائفة بعينها . فالغالبية كانت بالأمس القريب مسيحية ، و هي اليوم ربما كانت مسلمة . و لانتقال السلطة برأسها الرئاسي و جزعها البرلماني من غالبية سابقة إلى غالبية لاحقة فليس من سبيل سوى حرب أهلية .

فمصيبة العالم العربي لا تكمن فقط في كون معظم حكوماته ديكتاتوريات و من طبيعة عسكرية في الغالب ، بل كذلك في كون هذه الديكتاتوريات قد تحولت في العقود الثلاثة الأخيرة من محض ديكتاتوريات أفقية قابلة للإطاحة بها بلا كلفة كبيرة ، بانقلابات عسكرية مضادة إلى ديكتاتوريات عمودية ترتكز على عصيبات دينية و طائفية و قبلية ، و غير قابلة للتغير إلا بكلفة بشرية باهظة تأخذ بالضرورة شكل مذبحة للنخبة الحاكمة هذا إن لم تأخذ شكل حرب أهلية .
و مما يزيد في وخامة هذه الصورة أن الديكتاتوريات لا تواجه في الغالب من قبل المعارضات من مواقع ديموقراطية فعلا . فالمعارضات العربية ، شأن الديكتاتوريات التي تعارضها ، تقف في الغالب على نفس الأرضية الطائفية أو القبلية ، و لكن من خندق مضاد . و الأقليات الحاكمة لا تكره و لا تعارض لأنها حكومة أقلية ، بقدر ما تحارب لأنها حكومة طائفية بعينها . و ليست الديكتاتورية بحد ذاتها هي موضوع المعارضة ، بل طبيعتها الطائفية أو القبلية المغايرة . على هذا النحو ليست الديموقراطية هي المرشح لأن تخلف ديكتاتورية ساقطة . فالديكتاتورية ستبقى بينما الطائفية أو العشيرة هي وحدها التي ستتغير .
و الفرد الديموقراطي يقف حائرا ، و في وضعية من الاستقالة . فما دام مسلسل الديكتاتوريات و الفئويات متوالية ، فإن ما يحتاجه العالم العربي ليس تغير الحكومات لاسيما أن مثل هذا التغيير بات عال الكلفة بالعنف و العنف المضاد ، فضلا عن دورانه على محور فارغ ، بل " أخذ الوقت " لبذر الثقافة الديموقراطية من خلال فترة " هدنة " تعلق فيها شعارات إسقاط الأنظمة القائمة لصالح مطلب إصلاحات ديموقراطية متدرجة تبدأ من الشارع .
هذه الاستراتيجية الطويلة النَفَس لا تخدم في نهاية المطاف سوى الديكتاتوريات القائمة و هذا اعتراض وجيه ، و الطريق إلى الخروج من هذه الدائرة المقفلة هو الانتقال من مفهوم عمودي للغالبية إلى مفهوم أفقي و ليس للغالبية الأفقية سوى مكان واحد للتظاهر فيه حَرَم البرلمان ، مسرح العنف اللفظي و الرمزي ، لا رحبة المجتمع مسرح العنف الفعلي و في حال غياب البرلمان الديموقراطي فعلا – و ذلك هو حال أغلب الأقطار العربية – فإن الشارع يمكن أن ينوب مؤقتا ما نابه . الشارع الأفقي كنقطة تجمع مكشوفة في التظاهرات السلمية التي تتسع لمشاركة جميع الأثنيات و جميع الطبقات و جميع طوائف الأمة ، و ليس المعاقل و لا الخلاية السرية التي لا تستطيع أن تنشط عموديا و لا أن تمارس لغة أخرى غير العنف و الإرهاب . و وحدها الديكتاتوريات التي تسقط بلا عنف - بإجماع الشارع – البديل المرحلي لبرلمان الأمة – أما العنف فليس من شأنه و لو كان مضادا إلا أن يؤبد الديكتاتورية . و زهرة الديموقراطية الهشة لا تنمو أبدا في تربته .

و ليدخل الشارع في مواجهة سلمية مع الديكتاتوريات يستلزم إجماعا . و السؤال :
هل ثمة إجماع في الشارع العربي على الإشكالية الديموقراطية ؟

مع السيطرة المتصاعدة للحركات الأصولية على الشارع في العالم العربي تجعل طرح السؤال
صحيح أن بعض التيارات الهامشية في الحركات الأصولية نفسها تؤكد شعاريا على تمسكها بالقيمة الديموقراطية و لكن سواد الحركة الأصولية لا يخفي مجانبته لها . فالديموقراطية كما يدل اسمها بالذات ، قيمة " غربية " و الحضارة الغربية بأسرها مرفوضة . و حتى لو استولى الأصوليين على السلطة بطريقة ديموقراطية فإن أول عمل لهم سيكون إلغاء الديموقراطية نفسها بوصفها نظاما مستوردا و دخيلا .
هل تباح حرية النشاط السياسي لقوى سياسية لا تؤمن بالديموقراطية و لا تتوسل بها إلا بهدف إلغائها ؟
إن اختارت غالبية الشعب من الأصوليين أو غيرهم أن تلغى الديموقراطية أو أن تعلقها بأجل غير مسمى ، فليس للشعب أن يكون ديموقراطيا رغما عن أنفه .
الديموقراطية هي في نفس الوقت عقد . و كما في كل تعاقد فإن التزام جميع الأطراف بشروط العقد شرط لقيامه و سريان مفعوله . العقد الديموقراطي لا يقبل زغلاً أو تدليسا . و فضلا عن ذلك فإنه سريع العطب فكيف إن كان شرطه الرئيسي يعادل إلغاءه من أساسه
هل معنى ذلك أن الدفاع عن العقد الديموقراطي يبيح للأنظمة القائمة أن تقمع الحركات الأصولية لا ديموقراطيا على نحو ما تفعل حاليا ؟
لا يمكن إعطاء براءة نية للحركات الأصولية ، و لا يمكن إعطاء براءة ذمة للأنظمة الاستبدادية . و لا ننسى أن هذه الأنظمة كانت قمعت قوى الديموقراطية بمثل العنف الذي تقمع به اليوم القوى الأصولية و الواقع أن مطالبة الأنظمة القمعية باحترام شروط العقد الديموقراطي ، كمطالبة الحركات الأصولية به هي إشكالية زائفة . فالطرفان كلاهما يقفان خارج نطاق العقد الديموقراطي .
الفرد الديموقراطي يرفض الغرق في دوامة العنف و العنف المضاد ، ما يحرص عليه الفرد الديموقراطي ليس مطلب احترام شروط عقد ديموقراطي لا وجود له أصلا بل مطلب تهيئة الشروط المادية و الفكرية لقيام هذا العقد مستقبلا بمعنى ( لا يستطيع أن يقطف ثمرة الديموقراطية ناضجة من شجرة وهمية ) بل دوره المرحلي أن يمهد التربة لبذر البذرة . و هذا الدور من الصعوبة في منتهاها ( فالديموقراطية ليست جنة موعودة و الطريق إليها قد تكون مبلطة بنار جهنم ) إذ ما دامت الديموقراطية ثقافة و ليست مجرد آلية انتخابية فإن الموضع الأول لتظاهرها هو في الرؤوس و ليس فقط في صناديق الاقتراع و ثقافة الديموقراطية لا تستقر في الرؤوس بدون ثمن باهظ .

فالديموقراطية لا يمكن أن تكون نظاما فصاميا فلا يمكن أن تكون نظاما للحكم بدون أن تكون نظاما للمجتمع و ليس أن تسير العلاقات بين الحكام و المحكومين بدون أن تسير العلاقات بين المحكومين أنفسهم و مع أنها بالتعريف نظام للدولة فإنها بالجوهر نظام للمجتمع المدني .
فالديموقراطية هي بالأساس ظاهرة مجتمعية و المجتمع هو في المقام الأول نسيج من العقليات و لئن تكن الحرية الديموقراطية تنتهي لا محالة إلى صندوق الاقتراع فإن الصندوق الأول الذي تنطلق منه هو جمجمة الرأس و إن لم يتضامن صندوق الرأس مع صندوق الاقتراع فإن هذا الأخير لن يكون إلا معبرا إلى طغيان غالبية العدد .
إن الأنظمة العربية القائمة تقيم العثرات أمام الآلية الديموقراطية ، و المجتمعات العربية الراهنة تقيم العثرات أمام الثقافة الديموقراطية ، فالأنظمة العربية لا تتحمل انتخابا حرا ، و المجتمعات العربية لا تتحمل رأيا حرا . حتى المثقفين يريدون الديموقراطية في السياسة و لا يريدونها في الفكر .
من أين تأخذ الديموقراطية ؟ من بدايتها أم من نهايتها ؟
يجب أن تأخذ في أكمل أشكال تطورها و أكثرها إنجازا ، لكن لا يجوز أن يغيب عنا أن الأجسام المريضة تتفاوت في قدرتها على تحمل الجرعات من الدواء الواحد و المجتمعات العربية غير مهيأة بعد لتحمل جرعة الديموقراطية . حتى إذا رضينا باختزال الديموقراطية ..... فأي تهافت منطقي في موقف من يعتبر المرآة بنصف عقل و دين و من يصر على حرمانها من نصف حقها في الإرث و في الأهلية القانونية . فما دام أنصار الأصالة في الساحة العربية يرفضون فكرة التغريب أساسا و ما دام أنصار التغريب أنفسهم لا يقولون بتبني فوري مشروط لجميع معطيات الحضارة الغربية فما الداعي إلى استيراد الديموقراطية – هذا المنتج الأصيل و العظيم من منتجات الحضارة الغربية – بأحدث أشكالها و أتمها إنجازا بلا تبيئة و لا تدرج ؟
هل عممت أوربا الغربية نفسها حق الانتخاب قبل أن تعمم قبله حق التعليم ؟
من غير المنطق أن نتصور زهرة الديموقراطية – تنمو في تربة الأمية أو حتى النصف أمية و في بحر الانفجار الديمغرافي الذي تشهده المجتمعات العربية مع ما يعنيه هذا الانفجار اللا مسيطر عليه مع توسيع و تعميق لقاع الأمية فإن سفينة الديموقراطية لا تستطيع مهما يكن ربانها ماهرا و هو في شروط الدولة العربية غير ماهر أن تنجز بأمان رحلتها على شاطئ الأمان . و لقد وجدنا الأصوليين أو نفرا منهم يهددون حتى قبل بدء الرحلة بإغراق السفينة نفسها فور الوصول إلى مرفأ السلطة . و الحال أن الأصوليين هم أول و أبرع من يركب موجة الأمية . الأصولي الذي لا يطرح في الانتخابات برنامجا بل يدعو إلى التصويت على نص مقدس و هذه حيلة سياسية أثبتت جدواها و مأزق الديموقراطية في العالم العربي أن الثورة التعليمية لم تنجز فيه إلا أقل من نصف مهمتها .
( يرجى مراجعة – أرقام تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ) .



#حسام_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة حقائق وتساؤلات
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
- الإمبراطورية الأمريكية عنوان لحقوق الإنسان أم الإرهاب
- العنف ضد لمرأة
- الحرائق مسلسل لا ينتهي
- الحرائق مسلسل لا ينتهي
- التلوث هو الوريث الذي حل محل المجاعات والأوبئة
- المرأة بين الماضي و الحاضر وماذا عن المستقبل
- البيئة والانسان


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسام سليمان - ديمقراطية المجتمعات المتفسخة