أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي بندق - البلطة والسنبلة.. إطلالة على تحولات المصريين1















المزيد.....



البلطة والسنبلة.. إطلالة على تحولات المصريين1


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 08:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة*

قبل البداية، نأمل ألا يعكر على وعينا، ضجيجُ الأيديولوجيات (التي هي وعي زائف وتجسيد للجهل والأوهام والخرافة) بينا نكون عاكفين على بحثنا هذا، الرامي إلى معرفة من نكون نحن المصريين، وماذا نريد، وهل ترانا قادرين على تحقيق ما أردناه، وما هي العقبات الداخلية والخارجية التي تواجهنا وتحول دون مرادنا.. إلخ.
في البداية إذن لابد أن نستبعد هذا التوجه الأيديولوجي الدوجمائي، الذي ينسب شعباً بأسره إلى بيت كبير (برعو=الفرعون) أو إلى عرق (العروبة) أو إلى عائلة (الطولونيين، الفاطميين، الأيوبيين) أو إلى فئة أو طبقة (المماليك) أو حتى إلى دين (المسيحية، الإسلام) ذلك أنه حين ينسب الجذر إلى الفرع، والأقدم إلى الأحدث، والطبيعي إلى المصنوع؛ فإن الخلل الفكريَّ الناتج، لحري بأن يغطرش على كل محاولة هدفها التوصل إلى إجابة علمية عن الأسئلة التي سقناها آنفاً، جراء وقوع كل الإمكانيات العقلية في أحابيل الأيديولوجيا. وهذا هو ما ألقى بالمصريين في دوامات الحيرة والاضطراب عبر تاريخهم الممتد من عصر الأسرات الفرعونية وحتى يومنا هذا.
ولكن كيف استطاعت الأيديولوجيا أن تمارس سطوتها على الأذهان طوال هذه العصور؟ ذلك مرده إلى انقسام المجتمعات القديمة مع اكتشاف الزراعة وتكريس الملكية الخاصة لوسائل إنتاجها، وبالتالي ظهور المجتمع الطبقي. وحيث احتاجت الطبقات المالكة إلى إضفاء صفة الشرعية على مكتسباتها، فلقد قامت باختراع الدولة.
فما هي الدولة؟
إنها جهاز سياسي، مهمته إضفاء صفة النظام على المجتمع، ومنعه من الوقوع في الفوضى، وذلك بحماية المالكين، وتأمين أملاكهم وحياتهم بالضد على من وجدوا أنفسهم بلا ملكية، فاضطروا إلى العمل بالشروط المفروضة عليهم. في البدء كان شيخ القبيلة هو الموكل إليه مهمة حل المنازعات، ولكن مع الوقت احتاج شيخ القبيلة هذا إلى تفرغ، وإعاشة، ثم إلى حراس خصوصيين، وحجَّاب ينظمون دخول أطراف النزاع إلى حضرته. وبهؤلاء صار شيخ القبيلة ملكاً، وصار يعاونه وزير أو وزراء. ورويداً رويداً انضم إلى حاشيته ساحر القبيلة فصار كاهناً ممثلاً للجانب المعنوي من السلطة، ورويداً رويداً تكاثر الحراس المسلحون فصاروا جهازاً للشرطة، وتألف بالتوازي معهم جهاز للدفاع عن البلاد فصار جيشاً، وهكذا اكتملت العناصر المادية للدولة بالملك والمؤسسة الإدارية، والمؤسسة الدينية، والمؤسسة العسكرية. واكتمل لها عنصرها المعنوي بالأيديولوجيا: مجموعة الأفكار والعقائد والمفاهيم الواجب اتباعها، والممنوع تجاوزها أو الخروج عليها، لأجل أن يستقيم النظام.
غير أن الدولة -مثلها مثل كل اختراع اصطنعته البشرية- لم تسلم من النقد، فمن الطوباويين والفوضويين (وأبرزهم باكونين) إلى الفلاسفة (أهمهم شلنج) إلى المفكرين الثوريين (انجلز) وحتى مدرسة فرانكفورت الماركسية النقدية، ظهرت إشارات من زوايا مختلفة، تؤكد أن بإمكان الجنس البشري تجاوز فكرة الدولة وهيمنتها، لكي يتم التحرر من عناصر الزيف التي تروج لها وتكرسها. أما الديموقراطيون فلا يذهبون إلى إلغاء الدولة، بل لترويضها حسب. لكنهم بكتاباتهم لا يلتفتون إلى إشكالية Paradox مفادها أن الكتابة "إملاء" Dictation، وبالتالي فالكاتب "الديموقراطي" هو أيضاً دكتاتور، فكيف يتحدث دكتاتور عن الديموقراطية؟! وينطرح هذا السؤال على خلفية الواقع التاريخي الماثل وراءنا، منذ تأسس الاقتصاد على مبدأ الملكية الخاصة، ومنذ أن قامت الفلسفة على التسليم الأنطولوجي بالحضور في هذا العالم باعتباره أعلى سقف لمظان الضرورة Necessity، وليس بوصفه أمراً عارضاً (مثل الدولة وغيرها) أمراً كان ممكناً ألا يحدث، أو كان ممكناً لغيره أن يوجد بدلاً منه، حيث نرى في ظاهرة الموت اقتران الحضور بالغياب. فهل يدرك الديموقراطيون أن المسألة برمتها تستدعي ضرورة تفكيك الظاهرة من جانبيها: الوجودي والمعرفي؟ وذلك من حيث أن التفكيك إنما يتحرك تلقائياً فور ظهور تناقض أصيل بالنص (والوجود أيضاً نص) يلتهم ذاته وثباته.
فمن تراه -قادراً- يقوم بهذا التفكيك؟ إنه المثقف العضوي.. ذلك الذي ينهض لأداء مهام وظيفته الثقافية (نقض المعرفة الخرافية، وإحلال المعرفة العلمية محلها) بصفته طليعة الكتل الاجتماعية الصاعدة، بإدراك منه أن المعرفة صنو السلطة Power. وبالطبع فإن المسألة لا تتعلق -حسبُ- بالسلطة السياسية، بل بكل سلطة: كونية ً كانت، أم دينية، أو مجتمعية ثقافية. فمن نافلة القول التشديد على أن الجهل ضعف والمعرفة قوة. وينسحب هذا ليس على الأفراد فحسب، بل وأيضاً على الدول، وعلى الفروع المختلفة لحضارة الإنسان Homo-Sipience .

نقول فروع الحضارة، ولا نقول الحضارات، لأننا نشارك القائلين بوجود حضارة إنسانية واحدة، وتاريخ واحد رأيهم.. مع تحفظ ابتدائي يشير إلى أن التنوع Diveristy هو أهم تجليات هذه الوحدة، بل وأفضل عناصرها طلباً للازدهار المستمر، لولا الانحراف الذي حمل الناس إلى جعل الاختلاف مؤدياً إلى التفرق ثم العداء. وهو الانحراف الذي أخذ المجتمعات من المسارات الإنسانية إلى أخرى أشد وحشية من حياة الغاب، بسبب جليّ هو استئثار القلة بملكية وسائل الإنتاج، وحرمان الكثرة منها. والآن نرى أصحاب نظرية "الحضارات" ينفخون في الرماد لإحياء الصراع القديم، تسويغاً للعدوان، وتبريراً للحروب باسم حماية الديموقراطية من الأعداء الذين يجهلونها لنقص طبيعي فيهم!
ليكن مدخلنا النظري إذن، هو اعتبار الحضارة كـُلاً واحداً، مثل شجرة لها فروع متعددة. يبلغ فيها الفرع الحضاري مرحلة الذبول ساعة أن يتوقف أصحابه عن إنتاج المعرفة. و قد تبقى فيه بعض الثمار صالحة لفترة، يستهلكها الناس إلى أن يصبح رصيدهم منه صفراً. عندئذ يسقط الفرع متيبساً وقد غاض ماؤه، وجف لحاؤه.
ذلك بالضبط ما حدث للفرع الحضاري الفرعوني. فمنذ القرن السابع عشر قبل الميلاد ولأكثر من ألف عام، راح المصريون يعيشون على ثمرات الماضي في العلم والفنون والإدارة، دون أن يضيفوا إليها شيئاً جوهرياً. بل لعل الدولة المصرية حين اندفعت إلى الفتوحات الكبرى في عصر الإمبراطورية (بدء من الأسرة الثامنة عشر) إنما كانت تحاول تعويض ما فـُـقد داخلياً من عناصر الإبداع. ولكن هيهات، فالقوة العسكرية وحدها ليست مما يبني الحضارة أو يجددها. والمثال الأوضح على ذلك قبائل الهون والفندال وجيوش الجرمان في التاريخ القديم، وجحافل المغول والتتار في التاريخ الوسيط. أما الفرع الحضاري الروماني فقد اضمحل، وسقطت أوراقه جراء بلوغ روما ذروة الازدهار -بحسب المؤرخ إدوارد جيبون- وماذا بعد القمة غير الترف والاستمتاع الكسول؟ اللذين يؤديان بدوريهما إلى البدانة، فالجمود، فالشيخوخة، فالموت؟ وهو نفس المعنى الذي استخلصه عبد الرحمن بن خلدون في "المقدمة" تشخيصاً لسقوط الدول والأنظمة. وحدد منطوقه في عبارة "الترف مؤذن بخراب العمران".
الأمر ذاته فيما يتعلق بفرع "الحضارة" الإسلاميّ، ذلك الفرع الذي بلغ مكانة سامقة في العصور الوسطى، إلى أن توقف عطاؤه في القرن الحادي عشر الميلادي، حينما أعلن العرب المسلمون عن اكتفائهم بما تحقق من إنجاز معرفي (مبتداه النص المقدس ومنتهاه تفسيره وتأويله)، فكان أن أعلنوا عن إغلاق باب الاجتهاد، الذي سعت المعتزلة والفلاسفة للنفاذ منه إلى ما هو أبعد من حدود "النص" فكان تهميشهم (بل أحياناً تكفيرهم) مؤشراً على بدء تراجع البحث العلمي، وتخلخل البُنى الثقافية، مما انعكس على قوام بنية المركزية السياسية، حيث صارت الخلافة الواحدة خلافات، والدولة الواحدة دويلات متصارعة. فكان ذلك كله وكأنه دعوة للحملات الصليبية أن تأتي لتبدد ما بقي من وحدة العالم الإسلامي لقرنين من الزمان. وكان لسقوط بغداد على يد المغول (1258 ميلادية) بمثابة إعلان النهاية لهذا الفرع الحضاري العظيم.
وبنفس هذا القانون "الجبيوني/الخلدوني" يمكننا أن نلاحظ كيف اخضر فرع الغرب الحضاري ناهضاً من ظلمة ويباس العصور الوسطى، ليزدهر ويثمر فيما بين عصر النهضة والقرن التاسع عشر، لنرى كيف ضمر وتيبس في القرن العشرين حينما أعلنت الحداثة الأوربية عن نهايتها بمفارقتها لمبادئها ذاتها: العقلانية، والإيمان بجدارة الفرد وحقوقه الإنسانية، والثقة في أن التقدم مستمر إلى ما لا نهاية.

وبغض النظر عن نبوءات توينبي واشبنجلر وبول كينيدي وغيرهم، وبغض النظر أيضاً عن الحروب العالمية والإقليمية التي يشنها الغرب، وعن استدعائه للفاشية وتوظيفه للإرهاب (الذي يزعم انه يحاربه)؛ فإن أيديولوجيات ما بعد الحداثة تؤكد أن الغرب لم يعد قادراً على العطاء الفلسفي الذي باشره منذ ديكارت وكانط وحتى هيجل وهيدجر وحتى محاولة سارتر تطعيم الماركسية بالعنصر الذاتي والتي قضى عليها جفاف لويس ألتوسير. وبالطبع فإن جفاف الفلسفة لهو أقوى دليل على ذبول فرعها الحضاري.

***
الحديث عن مرحلة الحضارة القادمة هو غاية بحثنا ومراده، ويتمحور حديثنا هنا حول ما يمكن أن يساهم به المصريون في تأسيس تلك المرحلة الحضارية القادمة.. حضارة المستقبل، التي تبدو شواهدها في بلوغ القمر الغربي دور المحاق، يقابله استنبات بذور مختلفة في الشرق (الصين والهند) وفي أمريكا اللاتينية (انتعاش الفكر اليساري في البرازيل وفنزويلا وشيلي وبوليفيا) وربما نضيف إليهما صعود تيارات التحديث -ولو على مهل- في أفريقيا، وجميعها بذور تلمح إلى إمكانية ميلاد حضارة عالمية جديدة، أساسها تعميم العلم والتكنولوجيا (وليس عولمة السوق الذي هو الاسم الحركي للرأسمالية المتوحشة) وأما أعمدة هذه الحضارة القادمة فمقاربات المراكز الإنتاجية في تكاملها لا في تصارعها، وأما سقفها ففيه متسع لثقافات الأمم التي تثري بتنوعها معرفة الإنسان بنفسه وبالآخر المختلف، تبعاً لمبدأ القبول المتبادل، والاحترام المتكافئ، المبدأ الذي يؤدي طواعية إلى وحدة مصير الجنس البشري المعترف بالتنوع.
وأقترح هنا وقفة للتفــريق بيـن هــذا المصطلــح (التنوع Diversity) وبين شبيهه اللغوي العربي (التعدد)، ذلك أن مجرد الانزلاق إلى استخدام مصطلح التعددية الثقافية Cultural Multiplicity إنما يؤكد الفصل بين الثقافات، كوجه من وجوه الفصل العنصري Racial Discrimination الذي قام الاستعمار بترويجه في القرن التاسع عشر، والآن يسعى مفكرو الغرب الامبريالي العولمي لبعثه في New-look تبريراً وتأييداً للنظام الرأسمالي (فوكوياما) وتحريضاً للحرب ضد المسلمين بحجه حماية الثقافة الغربية (هنتنجتون) وتنظيراً من "بنجامين بابر" لتصفية كل أشكال المقاومة الوطنية دون تفريق، بحجة الإرهاب، كما جاء بكتابه عالم ماك والجهاد.
فهل يمكن للمصريين -باعتبارهم الشعب الذي أنجز أول شكل حضاري في التاريخ- أن يسهموا في سقاية شجرة الحضارة العالمية الإنسانية القادمة؟ الأرجح أنهم قادرون على ذلك، بحكم الخبرة التاريخية، وبفضل الميمات Mimes الثقافية الإيجابية المتوارثة، شريطة حذف ومحو الأخرى السلبية، وما أكثرها!، ومن الواضح أن هذا المحو، وذلك الحذف، رهينان بأعمال النقد الذاتي بالمعنى العلمي للكلمة (وتلك مهمة النخب الثقافية) مع الالتفات إلى طابع التغير الدائم في الشخصية الفردية والقومية على السواء، وآية ذلك ما عرف عن الإنسان المصري- عبر العصور التاريخية المختلفة- من تدين دون تطرف، ومن وداعة تنبذ العنف، ومن صبر على المكاره إلى حد امتصاص الكوارث الكبرى، بفضل تجذره في التربة ونفوره من الترحال والتغرب، وهو ما يمكن لنا أن نرمز إليه برمز "السنبلة"، إلا أن متغيرات كثيرة رانت على هذه الشخصية، وبالذات منذ حكم العسكر البلاد في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تحولت أحلام التحرر الوطني إلى كوابيس المعتقلات والتعذيب، والقمع السياسي الشامل، فكانت الهزيمة العسكرية في 1967 التي تلاها الانكسار النفسي للشعب، بعد تفريط نظام يوليو (السادات) في النتائج الإيجابية لحرب أكتوبر 1973 حين سلم لعدوه الاستراتيجي (إسرائيل) بمطلبها العزيز: إخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإمبريالي، في الوقت الذي فتح فيه الباب أمام الرأسمالية العالمية كي تعصف بالمكتسبات القليلة التي حققها الشعب بنضاله في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، بينما أطلق سراح المتطرفين الدينيين ليس برغبة تحريرهم من السجون والمعتقلات، بل لكي يضربوا، ويصفوا -بالتحالف معه- قوى المعارضة التقدمية من يساريين وقوميين وليبراليين، مفسحاً الطريق للانفتاحيين الطفليين ورموز الكومبرادور ليدشنوا عصر النهب الرهيب للرأسمال الوطني مادياً ومعنوياً، الأمر الذي أدى إلى ما يشبه الانهيار لمستويات معيشة الشعب على كافة الأصعدة.
في ظل هذا المناخ المضطرب، لم يكن غريباً أن تستبدل الشخصيةُ المصرية -في معظم نماذجها - الشراسة بالوداعة، والتطرف بالاعتدال، والطقوس الشكلية بروح الدين ومعانيه وأخلاقياته، فحل الفساد محل الاستقامة، وعممت الرشوة بين البيروقراطيين مقابل تجذر الفقر في الأوساط الشعبية، فتضاعفت جرائم القتل لأسباب تافهة، وأصبح الاغتصاب مألوفاً، وظهرت المذابح الجماعية، بجانب توظيف "البلطجة" في مؤسسة الشأن العام، لممارسة قتل وجرح وهتك أعراض المعارضين السياسيين، ومنع مؤيديهم عن الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات تجرى بإشراف القضاة منذ أن عصف العسكر بالديموقراطية في أزمة مارس 1954. أضف إلى ذلك اعتبار العنف الشديد وسيلة أولى للتعبير الخلاف السياسي حتى داخل الحزب الواحد (قام الوفديون -أصحاب التاريخ الليبرالي العريق بإحراق مقرهم متبادلين فيه إطلاق الرصاص!) وحتى النساء تحول بعضهن إلى ممارسة العنف إلى حد القتل وتقطيع جثث الضحايا.. وهكذا يمكن القول بأن رمزاً جديداً قد رُكب في يد الشخصية المصرية، ذلك هو رمز "البلطة"، فهل كان هذا كامناً، موجوداً بالإمكان Potential منذ البداية، فخرج الآن إلى الوجود بالفعل؟ أم ترى البلطة والسنبلة وجهين لنفس العملة؟!
سؤال لا يمكن الإجابة عنه بغير الاستعانة بنتائج العلوم الإنسانية (التاريخ، الاقتصاد، علم النفس وعلم الاجتماع..الخ) وبغير بناء نموذج ابستمولوجي يكون بمثابة الضوء الكاشف، لا يسلط فحسب على موضوع الدرس بل وأيضاً على الدارس نفسه (بألف لام الجنس لا العهد) به يعرف أي الأدوات التحليلية يستخدم وأي النتائج المنظورة يعتبرها الأكثر احتمالا ً . فمثلاً بالنسبة للأدوات التحليلية هل يعتمد على نظرية الليبيدو الفرويدية أم يأخذ بنهج علم النفس الاجتماعي كما أسس له ايريك فروم ؟ وفيما يتعلق بالنتائج، فهل ينتظرها الباحث "محايداً" بارداً على طريقة الوضعية؟ أم تراه من منطلق انساني ووطني يستبق الإجابة، عاملاً على أن يسفر البحث (بالجهد الباحث نفسه)عن إمكانية تخلي الشخصية المصرية عن ثنائية السنبلة والبلطة. آملا ً أن يُستبدل بها الكتاب (=العلم) والجهاز Device (=التكنولوجيا) إذ يوجه الباحث الأنظار إلى حقيقتين.. الأولى -وهي تتعلق بالمضمون- تثبت أنه بدون الكتاب والجهاز، فلا أمل إطلاقا في أن نسهم نحن المصريين في بناء الحضارة العالمية القادمة. وأما الحقيقية فمنهجية تعي أن التحول -بما هو كذلك- قابل للنفي، لا بمعنى الارتداد إلى الحالة الأولى (السنبلة) بل بمعنى التجاوز والعلو الدائمين. وفي هذا السياق فإن عملية إخضاع موضوع للبحث في حد ذاتها، إنما هو إجراء يشي بأن تحولا ً فيه لابد سيحدث، تماماً كما يتبين علماء الفيزياء أنهم بمجرد أن يسلطوا شعاعاً من الضوء ليدرسوا موضع الإلكترون، فإن هذا الموضع قد يتغير بتأثير الشعاع الصادم الكاشف. فهل يدرك علم الاجتماع (المصري) تلك الحقيقة؟!
***

النقد الذاتي .. المنهج والممارسة

من نافلة القول الإشارة إلي النقد الذاتي بأعتباره أول خطوة علي طريق التغيير, تجاوزاً لسلبيات ترسخت, واختراقاً لحصار طال أمده, وانطلاقا إلي فضاء طالماً اشتهت الروح أن تتنفس فيه وتتألق وتبدع.
وعلي هذا فليس مما يمكن تسميته بالنقد الذاتي تلك الاتهامات التي نتوجه بها إلي أنفسنا في ساعات الهزائم , أو فترات الإحباط , مثل القول بأننا مقصرون, فاشلون, سلبيون كسالي, عُبـَّاد ملوك ومنافقو رؤساء... إلي آخر هذه القائمة المنبثقة عن حالة سيكوباتية ( مازوكية) يتطوع بتردادها العامة و الكتاب السطحيون.النقد الذاتي مسألة مختلفة تماما. فهو عملية Process ذات منطلقات تعرف إلي أين نتوجه . وهو عمل يبدأ بالحفر حتي الجذور، مستخدماً منهجاً " علمياً" مرناً, يقطع مع " علماوية " الوضعيةPositivism التي تدعـي الحياد, بينمــا هي تبــرر للســائد المستقـــر بحجة التوصيف الموضوعي، حيث تتصور أن القوانين التي يسنها البشر إنما هي ذاتها قوانين الطبيعية, ومن ثم تكرس لما يسمي بالحق الطبيعي , ذلك التعبير الذي ينتمي لعالم ما قبل الحداثة Modernism Pre- ,بينما منهجية النقد الذاتي تتلون بلون الحقل الذي تعمل فيه , كل حقل بما هو عليه من محددات عملية قابلة بدورها للمراجعة , وللتخطئة , وللتجاوز.. ومثال ذلك أنها- أي المنهجية العلمية المرنة- حين تأخذ علي كاهلها تحليل المعطيات الديموجرافية (علاقة الناس بالأرض ) و المتغيرات الجيومورفولوجية Geomorphology المصاحبة لإعادة تشكيل الجغرافيا البشرية بالهجرة ( من/ إلي) أو بالغزو الخارجي المؤقت أو المنتهي بالاحتلال الاستيطاني , فإنها لاريب ستعتمد علي التحليل العلمي الصارم. أما حين تنتقل إلي محاولة رصد التاريخ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي للعالم , أو لأمة بعينها , فإنها لا مشاحة سوف تغير الكثير من أدواتها وآلياتها إذ تقابل الفعل الإنساني بتعقيداته التي يشتبك فيها ما هو موضوعي بما هو ذاتي, و التي تختلط فيها الحقائق بالخرافات, ويتصارع علي ساحتها العلم والأيديولوجيا , ويمضي في دروبها المتعرجة النضال من أجل التحرر جنباً إلي جنب دواعي الاستكانة, و القبول المتخاذل بالاستلاب Alienation بل والدفاع عنه أحياناً , فكم من عبيد حاربوا في صفوف أسيادهم ضد من جاءوا ليحرروهم وكم من عمال مقهورين ناصروا رأسمالييهم المستغلين لهم!
بهذا الوعي للإمكانيات المنهجية, يغدو النقد الذاتي بمثابة " الغربلة" التي تقصد إلي فصل الأرز عن " الذنيبة", وإلي فتح الحدود أمام موكب التقدم , لإنهاء الحصار المضروب علي العقل باسم " الثوابت" أو الطبيعة البشرية العاجزة, أو الطبيعة القومية المائزة . وحيث يضع هذا الموكب العقل علي أرض مصالحة الحقيقية, في صراعها " الواقعي" مع مصالح الغير , فإنه-لاغرو- سيقبل بالدخول في هذا الصراع مسلحاً بأدواته الأصلية ( الشك, طلب الوضوح, التحليل , التركيب) وبذلك لا ينزلق إلي مهاوي الخرافة, ومنهـــا الإيمــان بنظرية المؤامرةConsparcy theory تلك التي تفترض أعداء ( دهريين؟!) لا هم لهم إلا الإضرار بنا, وإيذاءنا, وتحجيم قامتنا , استجابة منهم لطبيعة " شريرة" ركبت فيهم ( فما ذنبهم إن صح هذا ؟!) بالضد علي " طبيعتنا الخيرة الوديعة" كذلك سائر الخرافات السياسية مثل الإيمان بالمُخلـِّص الفرد , واعتبار الماضي- أيا كان – ذهبياً نقياً. وهكذا ما أن يتخلص العقل من الخرافة حتى تشرع منهجية النقد الذاتي في بناء نموذج إيستيمولوجي حداثي مؤسس على أن الإنسان هو صانع مصيره، لا صنيعة وجود متعال Transcendental Entity . أما أعمدة هذا النموذج فنتائج العلوم الإنسانية ، والقوانين المنبثقة منها، وهي قوانين مغايرة تماماً لقوانين الطبيعة وشرائع الغاب، وأما سقف النموذج فملكوت الحرية، إن كان للحرية سقف. وهو بعد هذا وذاك نموذج يقطع مع الميتافيزيقا بترسيخ الوعي المادي التاريخي وإن أخذ في الاعتبار الإنجاز العظيم للهيجلية خاصة منهجها الديالكتيكي الذي حل محل منطق أرسطو الذي يضيق بالتناقض ، ولا يتصور وجوداً دون علة أولى ، بينما الهيجلية لا تركز على البدايات بقدر ما تعنى بالغاية النهائية باكتمال التاريخ في نسق تتحقق فيه حرية الفرد بجانب نظام الدولة الراعية، لا الدولة المستبدة. فهنا يتفق هذا النسق الهيجلى، في غايته، مع نسق المادية التاريخية في كون الاثنين لا يفصلان بين ما هو سياسي ، وما هو اقتصادي ، وإن اختلفت طرق الوصول.
وهكذا فإن مادية هذا النموذج الذي يسعي النقد الذاتي إلي بنائه ,لا تخلو من الروح(=الديمقراطية) فالديمقراطية ليست مجرد إدارة للحكم بقدر ما هي فلسفة تضع الأنا في دعوي Thesis يقابلها نقيض ( الآخر) Antithesis يمتصهما مركب Synthesis هو نحن (= الجنس البشري) فالأنا لا معنى له إلا بوجود الآخر, و الآخر هو الأنا خارج جسدى, وسعيي للتوحد به سعي لتأكيد الذات, بقدر ما يكون نفيه نفياً لذاتي ابستيمياً بل وأنطولوجياً . ومن هنا فإن التأمل في قصة حي بن يقظان تكشف عن استحالة وصول هذا الشخص المنعزل إلي حقائق الوجود, فتسمية الأشياء تحتاج إلى لغة، ولا توجد لغة بغير جماعة تتوافق على تسمية الأشياء . ومن ناحية أخري فإن الجماعة حين توجد , فإنها لا تكتفي طبعاُ بالعمل اللغوي , بل هي تسعي للعيش بالعمل الإنتاجي المادي: طلب الطعام , بناء المساكن , التزاوج , توزيع المنتج.......الخ وأثناء ما تقوم بهذه المهام فانها بالضرورة تسميها, هكذا توجد اللغة , لا باعتبارها كائناً علوياً منفصلاً يهبط من لامكان Utopia بل كمنتج لمسيرة طويلة , بدأت مع بداية الكون , وانتقلت إلي المخ البشري عبر تطورات فيزيائية وبيولوجية وفسيولوجية وبيئية معقدة. وعليه فإنني حين أتكلم أعبر عن الكون بأسره.. عن الانفجار الكبير Big Bang وعن مولد المجرات و النجوم, و الكواكب , و الشمس , و القمر, و الأرض.. أعبر عن النار و الهواء و التراب و الماء , عن الأميبا و الفطريات و الزواحف و الثديات و القرود العليا , وأشباه الإنسان , و الإنسان البدائي... الخ وحين أصدر صوتاً بفمي فإنني استخدم أرقي ما أنتجه التطور الخالق من تقسيم لخلايا المخ بنشاطه الكيمائي الكهربي، وعلاقة هذا النشاط بتحرر عظام الفك , وتحرر اللسان و الرقبة, بل وبتكيف اليد مع ما جري بانتصاب القامة حين هبط الإنسان الأول من العيش فوق الأشجار كالقردة , إلي المشي علي الأرض , وانعكاس هذا النشاط علي نمو المخ ذاته.
بهذا الفهم يمكننا التأكيد بأن اللغة هي الكون المتجلي Phenomenon وهو ما يعني عند هيدجر " الذي يظهر نفسه في نفسه" أي تجلي المتجلي جمعاً بين تعبيري Logos&Manifest . ومن ثم فإذا كان الكون هو الذي يتكلم من خلال الأنا / الآخر , فلاشك أنه قاصد إلي شئ . وهذا هو ما دعي هوسرل Husserl إلي تأسيس قصدية الوعي Intentionality of consciousness حيث الوعي قصدي , بمعني أنه يقصد موضوعاً محدداً وما يقصده الوعي ليس مجرد كيان سيكولوجي فردي , بل هو وحدة ممتصة لكل الخبرات الممكنة , وعليه فإن قصد المتكلم (مثلاً الأنا ) لا يمكن أن يكون محصوراً داخل عقله, فالعقل بغير الآخر ( سواء أكان موجوداً بالفعل أم بالتصور) مجرد عظم فارغ شأن الصخرة الجامدة أو السحابة العابرة.
وربما كان هذا الفهم لموضوعية " الأنا " (وليس لذاتيتها المطلقة) هو ما دعا علم النفس " ما بعد الفرويدي" إلي انتقاد حصر " الأنا" في مبدأ اللبيدو . وهو أيضا ما حفز البنيوية , في جانبها الأنثروبولوجي , إلي تحجيم هذا " الطفل المدلل فلسفياً و الذي لا يحتمل" – بحد تعبير ليفي ستروس Strauss-كي يفسح المجال أمام العمل الجدي. ولعل ستروس كان يقصد بالعمل الجدي. البحث عن وسائل ملائمة, تساعد الجنس البشري علي العيش معاً , بديلاً عن هذا التاريخ الفاجع. المثقل بالكراهية, و العنصرية و المجازر, و الحروب ...الخ.
ذلك هو المعني الفلسفي المحايث لمصطلح الديمقراطية , فالكون يؤسس لمبدأ المساواة في الفرص لجميع الكائنات , وأما الإنسان – أرقي تجليات الكون – فينبغي أن يؤسس لمجتمعه علي نفس المبدأ , نابذاً كل دواعي التمايز Discrimination العنصري و والجنسي و الديني و الطائفي .الخ نبذاً غير مشروط . فأي شرط أيديولوجي ذلك الذي يمكنه أن يناجز الحقائق البيولوجية و الفسيولوجية و الفلسفية الساطعة؟
في كتابة "العرق والتاريخ" Race et Histoire ، ينسف كلود ليفى ستروس كل دعاوى التمييز والتفرقة بين الحضارات، بل وحتى من يسميهم الغرب بالبرابرة، يراهم ستروس أصحاب ثقافات مائزة، قد تتفوق في بعض عناصرها على كثير من تمظهرات الثقافات الحديثة، "فالآخر هو أيضاً إنسان ، ليس في تميزه، ولكن على الرغم من هذا التميز" أليس الإنسان هو كل من يمشى على قدمين دون ريش يغطيه، وفي نفس الوقت يمتلك روحاً، وله لغة يتواصل بها مع غيره؟ أليس هذا هو مبدأ الإنسانية؟
فمن الذى يتبنى دون غش ذلك المبدأ ؟ تتبناه الديمقراطية بغير شك. غير أنه في السياق التاريخي عرف البشر أنظمة سياسية مختلفة : الديكتاتورية (حكم الفرد) ، الأوليجارشية Oligarchy (حكم القلة)، الثيوقراطية Theocracy (الحكومة الدينية) فأورثتهم جميعاً البلاء والتعاسة، وعلى عكس هذا فإن الديمقراطية بشرت – ومازالت تبشر- بإمكانية حل المنازعات المجتمعية حلاً سلمياً مقبولاً: أغلبية تحكم ، وأقلية تعارض إلى أن تصبح بدورها أغلبية فتحكم. ومع ذلك فلقد يعكر التطبيق على هذا المصطلح إذا اقتصر معناه على الترجمة الحرفية للكلمة اليونانية Democracy أي حكم العامة. فلقد يقبل العامة – تحت وطأة الفقر ودعاية القلة المهيمنة – أن يعهدوا بمصائرهم إلى مستغليهم : المُلاَّك والرأسماليين ، قانعين بالشكل الليبرالى (=الانتخابات) المؤسس على فلسفة جون لوك، وتوماس هوبز، كما هو الحال في أمريكا وإنجلترا.
وقد يدخل العامة في شرك "الشكل الانتخابى" المفرغ من المضمون السياسى فيصوتون بإرادتهم "الحرة" لنسق شمولى Totalitarian (يبنى على اخضاعهم كأفراد للدولة ، فاشية دينية كانت أو علمانية) منفضين أيديهم بعد الانتخابات من أية مشاركة فعلية ، وكأنهم قد اختاروا بـ "حريتهم" أن يتنازلوا عن حريتهم ، وهو خُلف واضح، ومصادرة على المطلوب ، بهما معاً تصبح الديمقراطية جواداًُ ميتاً.
الأمر في الديمقراطية الحقة على العكس من ذلك تماماً فحكم الشعب نفسه بنفسه، يقتضى تحرير إرادة الناس من الاستلاب الواقع عليهم اقتصادياً (= سلطة رأس المال) أو أيديولوجياً (= سلطة الأوهام الميتاقيزيقية)لكي يتسنى لكل رجل وامرأة أن يشارك في صنع مصيره الفردي جنباً إلى جنب مصير وطنه، ومصير الجماعة البشرية كلها
فهل يطلب المصريون هذه الديمقراطية حقاً ؟
لا شك أن هذا السؤال يقتضى توضيح حدوده ، ثم مفهومه المرتبط بما صدقياته
فأولاً : السؤال – بما هو حد – موجه بالدرجة الأولى إلى النخب الثقافية ، فالنخب الثقافية مسئولة على الإجابة الصريحة التي لا تتلاعب بالكلمات ، ذلك أن ثمة إجابات متعددة (بتعدد الأيديولوجيات المعبرة عن المصالح المختلفة) والنخب الثقافية وحدها هي المؤهلة لاختيار الإجابة "العلمية" من بينها ، مع الوعي بأن الإجابة "العلمية" هذه لا يمكن أن تكون نهائية وصادقة صدقاً مطلقاً (لكنها ستكون مقبولة حتى تظهر إجابة أفضل) وآية ذلك أن يقول البعض إن المصريين، وإن فاتهم المغزى البعيد لمرامى الديمقراطية، إلا أن مصلحتهم الاستراتيجية تتحقق إن هم تبنوا أي شكل من أشكالها (المشاركة في الانتخابات) تمهيداً لخطى قادمة. وعليه فإن الإجابة على السؤال ستكون بنعم. ولكن هل يكفى المرء أن يطلب ليتحقق طلبه؟! وهل يظل قائماً على مطلبه إن رأى نفسه يبتعد عنه فعلياً ، إذ تعكر عليه عوامل ظاهرة أو خفية ربما تقوده إلى الكفر بهذا المطلب جملة وتفصيلاً ؟
فكيف يمكن للنخب الثقافية أن تمارس النقد الذاتي في هذا السياق ؟ يمكنها ذلك حين تراجع الأدوات المعرفية التي نشأت عليها، تلك التي نواتها فكرة الحتمية Determination. فالماركسيون يؤمنون بحتمية الحل الاشتراكي، والقوميون والناصريون يؤمنون بحتمية الوحدة العربية ، واللبراليون يصدقون خرافة نهاية التاريخ عند مرحلة الرأسمالية . لكن مناهج البحث المعاصرة تقتضي وجوب التفرقة بين الفلسفة الكلاسيكية التي كان اليقين غايتها (فكان الاعتراف بالحتمية وجهها إلا بستميى) وبين فلسفة العلم المستمدة مضامينها من حقائق الفيزياء والبيولوجيا التي تواضعت فسلمت بأنطولوجيا اللاحتمية لكي تلتقى بـ "الاحتمال" Probability في توقعاتها المعرفية. وذلك من شأنه أن يلقى على عاتق هذه النخب مهمة الإجابة على سؤال الديمقراطية، وهل هي مطلوبة أم غير مطلوبة.. آخذة في الاعتبار أن جينات البشر تخلو – تأكيداً – من برنامج معد سلفاً، هو الذى يحدد لهم ماذا يختارون.
فإذا قال البعض إن الميمات الثقافية (وهي موروث اجتماعي لا بيولوجي) تؤثر على الاختيار ، فإن البعض الآخر ممن ترتبط مصالحهم الثقافية بالمصالح الاستراتيجية لشعبهم ، سيعملون على تغيير تلك الميمات. وإنه لعمل نضالي ، شاق وطويل، ولكنه ليس محالاً، بحكم كونه عملاً اجتماعياً ينصَّب على وضع اجتماعي وجد في الزمان، ومن المتصور عقلاً أن يختفي في المستقبل. وعلى أية حال فإن محاولة الإجابة – في ظل إيستيمية علمية – سوف تصنف المثقفين تبعاً لإجاباتهم . والحصيلة الإيجابية لهذا التصنيف أن يختفى ذلك الوهم الذى يرتب المثقفين جميعاً في دائرة واحدة، أو يجعل منهم في نظر أنصاف المتعلمين "فئة" ، وفي نظر العامة "طبقة" !
ثانياً: وأما السؤال بأعتباره مفهوماً Connotation فينصب على لفظ "المصريين" بما هم شعب بالمعنى القانوني إزاء الدولة، وإزاء الدول والشعوب الأخرى. وهنا يكون المفهوم قد مر – بالنقد الذاتي – مثلما يمر الماء الصافي من شبكة الالتباسات والمعاظلات التي تحبس الفهم Comprchension في دلالات ترتبط بالمعاني المجددة، وربما يكون بذلك قد قارب "الوضعية المنطقية" التي تنكر "المفهوم" ابتداء ، وتنطلق مباشرة إلى الماصدق Denotation والوضعية المنطقية محقة في هذا إلى حد كبير وإلا فما هي جملة الصفات التي تكفي لتعريف كلمة مثل كلمة المصريين.
الأولى إذن أن نسأل عمن تصدق عليه هذه الكلمة . هل يُعنى بها المصريون من حيث هم جنس Race بحسبانهم الأقدم في التاريخ منذ العصر ما قبل الفرعوني، وبقوا متوحدين دون انقطاع حتى الآن؟ أم المقصود بهم "المصريون" منذ اعتبروا عرباً ، أو بالأقل أولاداً للعرب بالفتح الإسلامي وبالانصهار الجنسي واللغوي؟ وفي هذه الحالة الأخيرة بماذا يسمى الأقباط وأهل النوبة، تبعاً لهذا "المفهوم" القومى العربي؟! ولعلنا لا نجاوز القصد إن نحن عملنا - صابرين – في بحث هذه الأسئلة، وغيرها مما يدخل في ذات النطاق (مثل مسألة القومية كأيديولوجية ، وعلاقتها بالدين ، وبالعرق) وذلك بتأجيلها إلى موضعها المنطقى في الفصل الرابع من هذا الكتاب.
ومع ذلك فأننا نؤكد ابتداء بأننا نقصد بالمصريين : العامة Demos وليس الملوك والأمراء ورجالات العسكر، وذلك ما دامت الديمقراطية هي المنطلق، وهي الهدف.
يعنينا في هذا المقام التركيز على مبدأ النقد الذاتي، والذى بدون ممارسته، فلا أمل في التخلص من الجمود الفكرى لدى النخب الثقافية وهى التي أوكلت إليها مهمة تنوير الشعب Demo بتنويرهم وتبصيرهم بطبيعة مطلبهم الاستراتيجى، سواء كانوا على وعي محدود به ، أو غافلين تماماً عنه. فبدون التصدي لهذه المهمة يصبح المثقف مجرد "مثقف تقليدي" – بحد تعبير جرامشى Gramci – مجرد موظف لدى السلطات القائمة يبرر لها "نظرياتها" ويتبدل بتبدل هذه "النظريات" وكم رأينا من هؤلاء من يعرِّبون البلاد تبعاً لمزاج الحاكم العروبى، ويمصرونها ساخطين على العروبة انسياقاً مع مزاج الحاكم الجديد (السادات) الذي أسخطه موقف الدول العربية من سياساته الانفصالية! وفي تقديرى فإن المشكلة ليست في التمصير أو التعريب بقدر ما هي كامنة في هذا التبدل من جانب مثقفي السلطة، هؤلاء الواقفين دائماً عند نقطة الصفر، لا نسمع منهم نقداً ذاتياً لمواقفهم السابقة يمكن أن تبنى عليه مواقفهم اللاحقة. وهذا هو سر الانقطاع المعرفى الدائم، وربما كان فيه أيضاً تفسير لثنائية النهضة والسقوط في نفس المرحلة.
المثقف الحقيقي .. المثقف العضوي نموذج مختلف بالأساس . ولدينا في هذا السياق مثال جيد لهذا النموذج : عالم الاجتماع المصري السيد ياسين . ففي كتابة "الشخصية العربية" يعترف الكاتب بصواب النقد الذي وجهه إليه د.سامي مصطفي ، من حيث اعتبر "ياسين" اللغة عنصراً من عناصر البناء العلوى – Super Structure في حين أن اللغة هي نتاج المجرى العام لتاريخ المجتمع ، بما فيه من أنماط وعلاقات الإنتاج التي تتعدد عبر القرون. ولم يكتف كاتبنا "ياسين" بقبول النقد والموافقة عليه حسب، بل رأيناه يمضى إلى نقد مقولته هو ذاته من خلال إعادة أسئلة سامى فهي، وأهمها سؤال عما إذا كان تغير أنماط الإنتاج والبناء التحتى المؤسس عليه، والبناء الفوقى المنعكس عنه، من شأنه أن يغير اللغة ، بما يجعلنا وكأننا أمام أمة جديدة؟ والحق أن السيد ياسين حين يعيد طرح السؤال – في سياق موافقته على ما وجه إليه من نقد – فإنه يكون بذلك قد وضع نفسه في نفس الخندق الناقد ، وموجهاً نقده الذاتي إلى علم الاجتماع العربي الذي لم يعن بإبداع نظرية مغايرة – أو حتى موازية – للنظرية الغربية حول نشوء الدول القومية بالمواكبة مع نشأة الرأسمالية ، وتمدد أسواقها .
وأما صاحب هذا البحث (م.ب) فيستطيع أن يمضى إلى ما هو أبعد ، إذ يتوجه بنقده الذاتي إلى أفكار سبق وأن تبناها في صدر الشباب – تأثراً بالأيديولوجية السائدة في الستينات – حيث استمرت هذه الأفكار تطل برأسها بين الحين والحين. ففي إطار الرفض لمقولة "الفرعونية" ، التي هي فكرة رجعية وخيالية تماماً، انتقد صاحب هذا الكتاب اتجاه بعض المفكرين من أمثال لويس عوض ، وحسين فوزي وسلامة موسى ، ليجد نفسه متعلقاً بالبديل العروبى رغم إدراكه النظري بأن مضاد الخطأ ليس صواباً بالضرورة. فواضح أن العروبة ليست نقيضاً للفرعونية ، إنما قد تكون الاثنتان قد غطرشتا على الصفة الأصيلة ألا وهي مصرية المصريين، بالرجوع إلى ما هو أبعد من العروبة والفرعونية معاً ، أي إلى ما هو سابق على الانقسام الطبقى الذى صاحب تأسيس الدولة الفرعونية ، كما هو أسبق – من باب أولى – من تعريب الدولة المصرية بعد الفتح العربى. ومن ناحية أخرى يمكن التركيز على مصرية المصريين بالنظر إلى ما هو مستقبلى حين تتراجع الدولة الطبقية، وتحل محلها إدارة اقتصادية واجتماعية course Immenant وليست متعالية Transcendental ، وهو ما سوف نفصل فيه حين نبلغ الفصل السادس من هذا الكتاب .
وبقدر ما يفتح النقد الذاتي فضاء الفكر كي ينطلق محلقاً بجناحي العلم والخيال المبدع، بقدر ما يشكل غيابه دائرة حصار ، يقبع فيها سجناء الفكر الماضوى، بجانب سجناء فكر اللحظة الراهنة من مثقفين تقليدين ، ومثقفين براجماتيين وقد تنشب بين هؤلاء وأولئك معارك طاحنة، لكنها معارك لا تنتج إلا جروحاً وأوجاعاً لا طائل من ورائها. وحتى الذين يسعون منهم إلى التخفيف من حدة هذه الأوجاع – بنهج براجماتي سطحىّ – فأنهم لا يظفرون إلا بسخط طرفي الصراع. أنظر مثلاً إلى كتابات حسن حنفي التي تناقض فيها في الكتاب الواحد، بل وربما في الصفحة الواحدة، ما بين الدعوة للديمقراطية والعلمانية، وبين تربيت أكتاف دعاة الدولة الدينية، بطمأنتهم – بمخايلة تاريخية – إلى أن أيديولوجيتهم سوف تسود العالم لخمسة قرون كاملة قادمة . وماذا بعد هذه القرون ؟!
نعم يستطيع حسن حنفي أن يفخر بأنه المفكر الإسلامي الذى وجه إلى تراثه نقداً راديكالياً كبيراً (وهذا نوع من النقد الذاتي العام) لكنه لم يكمل هذا الخط الشجاع بنقد حسن حنفى ذاته، ولو كان قد فعل لتبينا معه الظروف والأسباب التي تدعو المفكر إلى تغيير آرائه.. وليس هذا عيباً ، بل ربما كان دليلاً على حيوية ذهن المفكر، وقابليته للتفاعل مع المتغير السوسيولوجي والثقافي، شريطة أن يستعيد وعيه العلمي في كل مرة، لا على طريقة "توفيق الحكيم" في عودة الوعي، بل بأسلوب العلو المعلو السارترى، أو بأسلوب التطور الحلزونى الذى ألمح إليه "إنجلز" في كتابه Dialectic of Nature.
ثمة نموذج آخر للمفكرين الذين – يحجمون عن ممارسة النقد الذاتي، فيستدرجون من أحجامهم هذا إلى أرض الثقافة التقليدية (التبرير للسائد) أو إلى البراجماتية الفظة المفتقرة إلى أي أساس فلسفي. ومثال المثقف البراجماتي هنا: الدكتور ميلاد حنا. فهو وإن أثبت حرصاً نبيلاً على الوحدة الوطنية، إلا أنه أقام بناءه على غير أساس نظرى صلب، وما ذلك إلا لافتقاره إلى جرأة حسن حنفي، فلم يتمكن من توجيه أي نقد لـ "تراثه الفرعونى .. القبطي.. الإسلامي". ومن حيث أراد أن يربط "الشخصية المصرية" إلى أعمدة أربعة أخرى (ليكمل العدد المقدس سبعة!) فإنه جعل من هذه الشخصية بمثابة كرنفال أزياء لا تناسق ولا انسجام بينها. فالفراعنة ، والجريكو رومان ، والمسيحيون ، والعرب المسلمون ، والأوربيون العلمانيون ، والأفارقة الوثنيون جميعهم في غاية الكمال ، ولا عيب فيهم يتطلب النقد ! ولقد اضطره هذا المنهج التلفيقي Eclectical method إلى مجاملة العرب، مجاملة غير تاريخية، حين زعم أن "الغزو العربى لمصر لم بتم بحد السيف، بل تم بترحيب المصريين بالعرب كجزء من الخلاص في عهد الاضطهاد الروماني" (10) وهي أريحية لا يشاطره إياها المؤرخون العرب أنفسهم، مثل ابن خلدون ، وابن عبد الحكم، والكندي، والمقريزى، بله ساويرس بن المقفع. فمن المنطقى أن يكون الغزو العربى – في عصر الفتوحات الكبرى – مثله مثل أي غزو آخر، عنيفاً، وسواء تم الفتح عبر القتال الدامي، أو عبر التسليم الخاضع من المقهورين فإن العنف كان شرطاً هيكلياً لا مراء فيه . ويؤكد هذه الحقيقة أنه في خلال عشرة أعوام من خلافة عمر بن الخطاب (أخضع العرب الفاتحون لطاعتهم 36 ألف مدينة وقلعة، ودمروا 4000 كنيسة ومعبد" فإذا لم تكن هذه الفتوحات قد جرت بالسيف، فهل تراها تمت بحمل الورود وسعف النخيل؟!
لكن حري بنا ألا ندهش من قول حنا إذا نحن استبصرنا مقدار العنف العربي، الذي كان يلجأ إلى قتل المعارضين العقائديين، ويستثنى من القتل أهل الكتاب ، شرط أن يؤدوا الجزية صاغرين. وفي مناخ هذا شأنه، فمن المعقول أن يدخل دافعو الجزية في جلدهم، وأن يوطنوا أنفسهم على قبول الأمر الواقع باعتباره قدراً ليس يرد. إذن من الأفضل ، ولأجل السلامة النفسية ، التعامل مع هذا القدر كما لو كان خيراً مخفية دلالته. ويعرف علم النفس الاجتماعي مثل هذه الحالة بكونها أحد تجليات الاستلاب Alicnation الذي ينتقل من السلع في الأسواق إلى عقلية منتجها، فيتحول بالنظر إلى نفسه كما لو كان هو أيضاً سلعة .. موجوداً في ذاته، وليس موجوداً لذاته، وبهذا يحقق بعض الفائدة لنفسه، إذ يتخلص من عبء سواد الإيصالات الرمزية المستحقة لعمليات النضال ضد مستلبيه، وربما يمضى إلى ما هو أبعد، فتراه يرحب بآلامه المكبوتة، إلى حد الإعلان عن محبته لأعدائه. وهنا ينهض الجانب الأيديولوجي من العقيدة إلى وظيفته في تسكين الآلام، بل وتحويلها إلى مسرة "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم" و "اعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" مؤكداً بذلك على أتباعه أن يلزموا الهامش السياسي، زهاء ثلاثة عشر قرناً . فكان أن أورثهم هذا الهامش صفات السلبية والاستكانة، بل وأورث بعض من نشط منهم الرياءَ السياسىَّ ، على نحو ما نرى في كتابات ميلاد حنا وجمال أسعد وغيرهما .
على أن الأحداث "العنيفة" أيضاً من شأنها أن تكشف عما في القلب. وآية ذلك أن المخاوف من وصول الأخوان المسلمين إلى السلطة في مصر ، بعد نجاحهم المدوى في انتخابات 2005 مقابل التراجع النسبي الخطير لحزب الحكومة (الوطني) دفع بميلاد حنا نفسه إلى التصريح بأن الأقباط سوف يهاجرون من مصر حال تسلم هؤلاء النفر عرش البلاد!
ليكن أن الرجل قد غير أفكاره. بيد أن التغيير لم يحدث بطبيعة الحال بين عشية وضحاها. ومن هنا فإن النقد الذاتي هو وحده ما سوف يدعونا إلى تقدير هذا التغير. وبدون النقد الذاتي، فلسوف تظل "الشخصية المصرية" ممثلة فيه – في جانب من جوانبها – مجرد شرائح layers متراكمة بعضها فوق بعض ، دون استصفاء للنافع الذي يمكث في الأرض، مقابل محو ما ليس بنافع للناس . وإن هذا الاستصفاء ، لهو بالضبط ما تنتجه عملية Process النقد الذاتي، كما أوضحنا شروطها ، وقوامها ، وهياكلها بالصفحات الأولى من هذا الفصل . وفي هذا السياق ، فلابد من الاعتراف بوجود مشكلة قبطية (ضمن مشاكل فئوية وطبقية أخرى) وما لم يمارس جميع الأطراف – بما فيهم الدولة – عملية النقد الذاتي ، فإن المشكلة لا مشاحة سوف تتفاقم بما ينذر بعواقب وخيمة ، أقلها تدخل قوى أجنبية ذات مصالح في شئون البلاد (بأكثر مما متدخلة الآن) وأعظمها تطبيق استراتيجية اليمين الأمريكي الحاكم المسماة "بالفوضى الخلاقة" ! Creative Chaos والتـي ستنـتهي بالضـرورة إلى إعادة تقسـيم المنطقة – بما فيها مصر – إلى دويلات هزيلة تقودها إسرائيل إلى ما تحدده لها الرأسمالية العالمية على خارطة تقسيم العمل الدولي، بما يضمن استمرار نهب ثروات وإنتاج الشعوب المقهورة.
تم نشر الموضوع في مجلة تحديات ثقافية - العدد 25 - السنة السابعة - صيف 2006 *



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع الإسلام السياسي وثقافة الأساطير


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي بندق - البلطة والسنبلة.. إطلالة على تحولات المصريين1