عادل عبد الزهرة شبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6589 - 2020 / 6 / 10 - 10:25
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يعاني العراقيون من ازمة الكهرباء والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي منذ 2003 والى اليوم , أي خلال سبعة عشر عاما , وعلى الرغم من انفاق الحكومات المتعاقبة نحو ( 60 ) مليار دولار على قطاع الكهرباء حسب التقارير الا ان البلاد لم تشهد بناء أي محطة توليدية رصينة وفعالة معتمدا على استيراد الكهرباء من ايران حيث ان الانتاج المحلي للكهرباء لا يكفي حاجة البلاد للكهرباء . وعلى الرغم من مرور قرن على دخول الكهرباء العراق الا انها لم تتحسن . ومنذ 2003 والى اليوم عجزت الحكومات المتعاقبة عن توفير كهرباء مستمرة للمواطنين رغم انفاق المليارات من الدولارات والتي كانت كافية لبناء احدث محطات توليد الكهرباء ومد خطوط النقل في ظل وجود تخصيصات مالية كبيرة من الموازنة لقطاع الكهرباء . فما السبب في عدم تحسن الكهرباء وعدم استمرار التيار الكهربائي لعشر ساعات مستمرة رغم صرف المليارات عليها ؟
يعتبر الفساد المالي والاداري هو السبب الرئيسي الذي يقف عائقا امام تحسن واقع الكهرباء في العراق , حيث نرى الفساد مثلا في انشاء محطات توليد كهرباء تعمل بالغاز في حين ان العراق بلد نفطي بالدرجة الأولى وان الغاز الموجود في العراق غير مستثمر ويتم حرقه هدرا واستيراد البديل من ايران بمبالغ طائلة . فلماذا يتم انشاء محطات كهرباء غازية وليس لدينا الغاز الكافي لذلك ؟ لقد بددت وزارة الكهرباء والجهات المتنفذة الأموال الكبيرة المخصصة لقطاع الكهرباء وان جميع المحطات الكهربائية التي بنيت بعد عام 2003 اما تعمل بالنفط الأسود وهذه تكون معرضة للتوقف عن العمل عند ارتفاع الحرارة, او محطات تعمل بالغاز الذي لا يتوفر اصلا في البلاد ويتم استيراده من ايران , وكل ذلك يعد فسادا . كما يشير الواقع الى وجود قوى سياسية متنفذة مدعومة اقليميا لا تريد ان يتحسن واقع الكهرباء في العراق , اذ ان تحسن الكهرباء يعني عودة الصناعة المحلية وهذا معناه تقنين الاستيراد الأجنبي مما يعني تضرر احدى دول الجوار التي تغرق السوق العراقية بمنتجاتها المختلفة الصناعية والزراعية . وتزود ايران العراق بالكهرباء بواقع 1300 ميغاواط عبر اربع خطوط هي :( خرمشهر – البصرة , وكرخة – العمارة , وكرمنشاه – ديالى , وسربيل زهاب – خانقين ), وتستخدم ايران ورقة الكهرباء كورقة ضغط على العراق عبر انصارها داخل العراق في عرقلة بناء محطات للكهرباء لتبقى ايران ممسكة بهذه الورقة الحساسة التي تدر عليها مليارات الدولارات .
ان مشكلة الكهرباء في العراق حسب المتخصصين في هذا المجال لا تقتصر على توليد الكهرباء فقط وانما هي : التوليد والنقل والتوزيع. والتي تعتبر من المشكلات الكبيرة التي يعانيها العراق في الوقت الراهن والتي تحتاج الى استثمار من قبل الشركات الأجنبية المتخصصة والرصينة .فبعد مشكلة التوليد فإن العراق يعاني من مشكلة نقل الطاقة الكهربائية حيث لم تفلح الحكومات المتعاقبة في مد أي شبكة نقل جديدة للضغط العالي , فظل الاعتماد على ما هو قائم أساسا , كما ساهمت الحرب على داعش في تدمير شبكات النقل في شمال وغرب ووسط البلاد بما نسبته اكثر من 40% , وقد دمر خط الـ ( 400 كيلوواط ) بنسبة 100% والذي كان ينقل الكهرباء من بيجي الى كركوك ونينوى . كما تضررت الكهرباء في المناطق الغربية من الأنبار بفعل الحرب ضد داعش , مما يتطلب تحسين واقع التوليد والنقل والتوزيع . تشير الأرقام الى ان العراق قد انفق خلال الأعوام الأربعة الماضية اكثر من ثلاثة مليارات دولار على استيراد الكهرباء من ايران , وهذه المبالغ الكبيرة الم تكن كافية لبناء محطات توليد جديدة ومد خطوط نقل حديثة ؟؟؟!!!
لو تطلعنا الى التجربة المصرية في تحسين واقع الكهرباء في مصر وتطويره , والاستفادة منها , حيث نجد ان مصر قد نجحت بالتعاون مع شركة سيمنز الألمانية في القضاء على ازمة الكهرباء لديها من خلال التعاقد معها وبكلفة تسعة مليارات دولار لتوريد محطات كهرباء تعمل بالغاز وطاقة الرياح بهدف زيادة طاقة توليد الكهرباء بنحو 50% , واستطاعت شركة سيمنز ان تسابق الزمن وحققت في غضون 18 شهرا فقط من تاريخ توقيع العقود وسجلت رقما قياسيا عالميا جديدا في تنفيذ مشروعات عملاقة في مصر وتم افتتاح المرحلة الاولى من المشروعات العملاقة لمحطات العاصمة والبرلس وبني سويف , وزادت من قدرات مصر في انتاج الطاقة الكهربائية مقارنة بقدراتها السابقة وتمكنت من تشغيل معاملها ووجود فائض للتصدير . فمصر انفقت تسعة مليارات دولار وتحسنت الكهرباء لديها وتولد لديها فائض خلال 18 شهرا , بينما العراق انفق خلال سبعة عشر عاما اكثر من 60 مليار دولار وما يزال يعتمد على المولدات الأهلية حيث لم يتحسن واقع الكهرباء بل نعمل على استيرادها فأين ذهبت المليارات الستين ؟ ان الانقطاع المستمر للكهرباء الوطنية اثقل كاهل العوائل الفقيرة المحدودة الدخل من خلال الاعتماد على الاشتراك بالمولدات الأهلية بمبالغ كبيرة حيث يتراوح سعر الأمبير الواحد بين 15 0 25 ألف دينار دون وجود أي رقابة حكومية وحتى لو تم تسعير الأمبير الواحد من قبل الجهات الحكومية كما حصل هذه الأيام بعد ازمة كورونا والتسعيرة الحكومية بتسعة آلاف دينار للاشتراك الذهبي الا ان احدا من اصحاب المولدات لا يلتزم بالتسعيرة الرسمية مستغلين عدم وجود رقابة حكومية ومحاسبة . وكان للانقطاع المستمر للكهرباء اثر سلبي على الانتاج الصناعي والزراعي مؤديا الى تراجعه وهجرة اصحاب المعامل الى دول الجوار بعد اغلاق مصانعهم بسبب الكهرباء والانفلات الأمني . غير انه في حال التعاقد مع الشركات الأجنبية المتخصصة والرصينة بعيدا عن الفساد الا تكون لها القدرة على النهوض بواقع الكهرباء كما فعلت مصر .؟ اضافة الى ان البنى التحتية تحتاج ايضا الى التعاقد مع شركات مختصة بالنقل والتوزيع.
اذن هو الفساد الأكبر الذي اعاق تحسن واقع الكهرباء في العراق الذي التهم الـ 60 مليار دولار على حساب مصلحة الوطن والشعب .
سبق وان كانت الكهرباء سببا في اشعال الاحتجاجات في المدن العراقية منطلقة من البصرة والتي استشهد فيها 14 شخصا بريئا , وقد اطاحت ازمة الكهرباء في العراق بوزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي بعد خروج خمسة خطوط لنقل الطاقة الكهربائية ذات الضغط الفائق عن الخدمة في المنطقتين الجنوبية والشمالية وهو ما ادى الى خروج آلاف المواطنين في احتجاجات شعبية واسعة في عدة محافظات .
فإذا اردنا كهرباء مستمرة دون انقطاع وبدون المولدات الأهلية واستغلالها علينا القضاء على الفساد المتفشي والتخلص من نهج المحاصصة والطائفية ومن الضروري في هذا المجال وبحسب ما جاء في برنامج الحزب الشيوعي العراقي :
1) ايلاء اقصى الاهتمام لتطوير استخراج الغاز الحر والاستفادة من الغاز المصاحب لغرض انتاج الطاقة الكهربائية واستخدامه كمدخل اساس في الصناعات البتروكيمياوية وغيرها من الصناعات التحويلية الى جانب تصديره .
2) اعتماد استراتيجية جديدة لقطاع الكهرباء لتحسين مستوى الأداء وتنويع مصادر التوليد وتأهيل وتطوير عمليات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية .
3) اعادة النظر في استراتيجية الاعتماد على المحطات الغازية المتبعة حاليا والتركيز على تشييد المحطات البخارية لإنتاج الطاقة الكهربائية وتجديد القائمة منها.
4) تأمين التمويل اللازم لتنفيذ الخطة الاستراتيجية المتكاملة لهذا القطاع لعشر سنوات قادمة . مع ضمان سلامة استخدام التخصيصات .
5) الاهتمام بإشاعة ثقافة الاقتصاد في الاستهلاك . واستحصال الديون الخاصة بأجور الكهرباء من دوائر الدولة والاوقاف وغيرهم مع استكمال نصب مقاييس الطاقة في الدور والمعامل والدوائر الحكومية .
6) تشجيع المشاريع والبحوث الهادفة الى تطوير مصادر الطاقة البديلة بجانب النفط كالمياه واشعة الشمس والرياح وغيرها .
7) وضع حد للتجاوز على الطاقة الكهربية عبر تعميم استخدام الكيبلات تحت الارض .
8) معالجة الخلل في التنسيق بين وزارتي النفط والكهرباء واعتماد الآليات المناسبة لذلك .
9) مكافحة الفساد المالي والاداري وتشريع القوانين الصارمة لذلك .
#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟