أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد بولكيد - علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (2)















المزيد.....

علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (2)


جواد بولكيد

الحوار المتمدن-العدد: 6579 - 2020 / 5 / 31 - 07:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن الحديث عن العلم بمفهومه الحديث، لن يكون ممكنا دون الرجوع إلى تاريخ النشاط المعرفي الإنساني. والذي بدأ منذ محاولة الإنسان البدائي صنع أدواته الحجرية وتلمس طريقه كي يتعلم إيقاد النار والتحكم بها.
وقد أظهرت الأبحاث التاريخية والأركيولوجية: أن حضارات ما بين النهرين والحضارة الفرعونية وغيرهما، قد استعملت الرياضيات وطورت الكتابة الموضعية للأعداد والأساس العشري لتسهيل العمليات الحسابية، ودرست بعض المواد وخاصياتها في إطار الخيمياء alchimie ، واستعملت هذه المعارف في صناعة مجموعة من المواد كالزجاج ومواد البناء...وقد استمرت البشرية مع تعاقب الحضارات، في تطوير معارفها، وتنقيح أساليب بحثها ودراستها لمختلف عناصر الطبيعة والكون، غير أن الاستكشاف التجريبي والحسي للطبيعة ظل مهيمنا على هذا النشاط المعرفي الإنساني الذي شمل مجالات: الطب والمعمار والفلاحة وحتى الكيمياء والفيزياء في شكلهما البدائي..، فيما كان التجريد والتفكير النظري، مقتصرين على الفلسفة وعلى الرياضيات في مرحلة أولى، ثم شملا الدراسات اللاهوتية المرتبطة بمختلف الديانات، بداية من الديانة اليهودية وتأليف "الميشنا" ليستمر ذلك مع المسيحية والإسلام خلال القرون الوسطى.
ولقد طورت الإنسانية معارفها في شتى المجالات، وطورت معها مناهج اشتغالها؛ وإذا ما أخذنا الرياضيات نموذجا: فإن طريقا طويلة، قطعها هذا العلم، نقلته من علم بدائي يهتم بالأعداد ويعنى بحل مسائل تواجه مواطنا سومريا في حياته اليومية، ليتحول إلى علم نظري وتجريدي يجسد المنطق الإنساني؛ في شكل نقط ومستقيمات ودوائر، تتفاعل فيما بينها في بنية متسقة ومتماسكة..ظهرت جليا مع كتاب "العناصر" لأقليدس، قبل أن يصير فيما بعد، على النحو الذي نعرفه الآن؛ العلم الأساس والوسيلة والذي بدونه لن تقوم قائمة لأي علم آخر.
وما ينطبق على الرياضيات، هنا، ينطبق على باقي العلوم كالفيزياء والكيمياء والبيولوجيا...فكلها تحولت من شكل بدائي: وإن كانت له نفس مواضيع اشتغال العلوم الحالية، إلا أنه كان يفتقر للوسائل المنهجية، وكان يحتاج للتراكم الكمي الذي استلزم تحقيقه عدة قرون، حتى تبلورت قوانين التفكير المنطقي، بفضل أعمال الفلاسفة وعلماء الرياضيات بداية بأريسطو وأقليدس.
وقد تعززت المعارف الإنسانية في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها قدماً، في العصرين القديم والوسيط، وبرز علماء كبار نذكر منهم أرخميدس وابن الهيثم وغاليلي وكوبرنيك، حاول كل منهم استقصاء المعلومات والحقائق، وصياغة القوانين التي تحكم مختلف الظواهر التي استرعت اهتمامهم، والتي همت: قوانين الحركة وخاصيات الضوء والمادة وتفاعلاتها...
غير أن "العلم" كما نعرفه اليوم، وكما سنوضح لاحقا، لم يظهر إلا في القرنين السابع والثامن عشر، نتيجة إعادة اكتشاف أوروبا لأعمال أريسطو، واطلاعها على إسهامات العلماء والفلاسفة المسلمين (الخوارزمي-ابن رشد..)، والطفرة التي عرفتها الرياضيات والفيزياء بعد ذلك، بفضل أعمال ديكارت خصوصا؛ حين أسس لفيزياء تعتمد على القوة المنطقية للاستدلال الرياضي من خلال أعماله في البصريات، ووضع اللبنة الأولى للمنهج العلمي من خلال أعماله الفلسفية، حيث يعد الأب المؤسس للعقلانية، رافضا بذلك منهج علم الكلام لدى المسيحيين scholastique، والذي كان كما هو الشأن لدى المسلمين، محاولة للتوفيق بين النتائج التي يقود لها العقل والتفكير المنطقي وبين العقيدة المسيحية.
ولقد تسارعت وثيرة الاكتشافات العلمية في عهد الأنوار واستمرت على ذات الوثيرة إلى أن صار بإمكاننا اليوم تبين عناصر المنهج العلمي، واستقرت لدينا الثقة في نجاعته ودقته في استكشاف الحقائق وتفسير الظواهر، وهي الثقة التي تعززت بعد الثورة الصناعية واختراع الآلة البخارية واكتشاف الكهرباء وغيرها من الاختراعات والاكتشافات المبنية على النتائج والنظريات العلمية، وبروز العلم كمحرك للاقتصاد والتنمية .
فما المقصود إذن بالمنهج العلمي؟
في محاولة فهم العلوم والمنهج العلمي؛ انقسم العلماء والفلاسفة إلى فريقين رئيسيين: الأول يرى أن المنهج التجريبي والذي يقوم على استقراء القوانين، انطلاقا من الملاحظة والتجربة الحسية، هو المنهج القادر على قيادتنا نحو استكشاف الحقيقة العلمية وفهم الطبيعة، والثاني يضع التفكير المنطقي والمبدأ الإستنتاجي أساسا لكل بحث علمي، ويمنح للعلم بذلك، بعدا نظريا أكبر. ولقد استمر هذا "الجدل" واحتد خلال القرون الثلاثة الأخيرة. والواقع أن هذا النقاش الفلسفي، كان يتم على هامش الفتوحات العلمية في مجالات الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وحتى العلوم الإنسانية؛ حيث ظهرت الفيزياء الكلاسكية لنيوتن، ونظرية التطور لداروين، كما حدثت ثورة حقيقية في الرياضيات بداية من القرن السادس عشر بفضل ديكارت وليبنيز وعلماء آخرين. وتجدر الإشارة هنا ، إلى كون المنهج العلمي، ليست وليد فلسفة العلوم، بل هو نتاج للتطور الداخلي لكل علم، وللتقدم الحاصل في المعرفة البشرية عموما.
من هذا المنطلق،يمكن القول بأنه لا يمكن الحديث عن منهج علمي محدد وعام وشامل لكل فروع العلم، وهو الأمر الذي يفرض علينا تصنيف العلوم من حيث مواضيعها ووسائل اشتغالها وطرق بحثها، وهنا نجد أن المنهجين التجريبي والعقلاني لا يتناقضان بل يتكاملان، وكل منهما ضروري في صيرورة البحث العلمي، حسب طبيعة الموضوع المدروس والعلم المعني بدراسته؛ فإذا كانت الرياضيات علما تجريديا يغلب عليه الطابع الاستنتاجي، وحيث التجربة الحسية تكاد لا تلعب أي دور، والتماسك المنطقي يسمح بتقديم براهين حاسمة على المبرهنات والنظريات الرياضية، فإن علوما كالطب أو البيولوجيا تلعب فيها التجربة الحسية والملاحظة ثم الاستقراء دورا أكبر تبقى نتائجها غير حاسمة.
ويمكن بالتالي القول، أن المنهج العلمي ليس واحدا بل يتعدد بتعدد التخصصات وحقول البحث، غير أنه وبالمقابل، فإن النتائج الذي يصل إليه باحث في الرياضيات أو في الفيزياء، تبقى أقوى وأكثر ثباتا بالنظر إلى اجتيازها اختبارات الانسجام المنطقي والقدرة على التفسير والتنبؤ واحتوائها على العناصر التي تسمح بالتحقق منها تجريبيا de façon empirique، ويبقى أنه في الحالتين فإن المنشود هو بناء نظريات ونماذج تفسر الظواهر الكونية و الإنسانية، ويشترط فيها قابلية الدحض وكما يقول كارل بوبر: "كل نظرية، لا يمكن أن نتصور بشأنها حدثا يسمح بدحضها هي نظرية غير علمية" ؛ وما يرغب بوبر في قوله هنا، هو أن النظرية العلمية، ولأنها تسمح في إطار بنيتها باستخراج نتائج جديدة فهي تحمل في ذاتها قابلية الدحض، وهي دائما في مواجهة النقد وبمجرد سقوطها نتائجها وقوانينها في تناقض مع التجربة تصبح "خاطئة" أو بالأحرى تعبر عن محدوديتها وعن ضرورة تجاوزها، وهنا يمكن أن نثير مفهوم العائق الإبستمولوجي لدى غاستون باشلار والذي يضعه هذا الأخير كمفهوم مركزي، يعد المنعطف الذي يقفز بالعلم إلى مستويات أعلى.
فالنظريات إذن لا تناقض بعضها، لكن علمية نظرية وحتمية نتائجها متعلقان بالحدود التي تتحقق فيها نتائجها، وحتميتها déterminisme تصبح بذلك موضعية وليست مطلقة، لكن هذه الموضعية ليست زمنية بل تتعلق بشروط صحة النظرية؛ وفي سياقنا الحالي فإن النسبية العامة لأينشتاين والنظرية الكمية هما معا: نظريتان تحققان النجاح تلو النجاح، وتخضع نتائجهما وتنبؤاتهما للاختبارات التجريبية على نحو مستمر، غير أن كلا منهما عاجزة عن تفسير الظواهر التي تفسرها الأخرى، أو بمعنى آخر فإن النظريتين تعبران عن حدودهما وعن ضرورة إنجاز قفزة علمية جديدة رغم صحة نتائجهما في حدود معينة.
خلاصة لما سبق، يمكن إجمالا القول بأن العلم قد قطع مسيرة تاريخية طويلة، قبل أن تتمكن الإنسانية من الإمساك بقواعد التفكير المنطقي وأدوات التحليل الرياضي، اللذين مكنا في مرحلة لاحقة، من تطوير بقية العلوم وعلى رأسها الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والطب. وقد سمحت إنتاجات فلاسفة العلوم وبعض العلماء أنفسهم، في تبين ملامح المنهج العلمي، ووضع الشروط اللازم استيفاؤها لأجل وصف نظرية ما بالعلمية: بعضها عام وبعضها خاص بكل علم على حدا. والذي يمنح للعلم قوة ويجعله موضع ثقة ويضفي على نتائجه صبغة "الحقيقة"، هو نجاعته وطبيعته الوظيفية؛ كونه الأساس الذي سمح لنا بعلاج الأمراض وبناء ناطحات السحاب وصناعة السيارات والطائرات والحواسب والهواتف وفهم طبيعة النجوم والكواكب والمادة والطاقة وتفسير تنوع الحياة...وسمح لنا بالتحكم في كل هذا،إلى حد بعيد، وحقق لنا بذلك طفرة في جودة الحياة، ووفر وسائل الأمن والحماية والراحة. وبهذا أصبح سؤال "العلمية" مركزيا وأصبحت الثقة والمصداقية في نتائج بحث علمي معين مرتبطة بمدى احترامه للمنهج العلمي المعتمد في حقل اهتمامه، والأصل أن مصدر هذه الثقة هو فاعلية العلم وإنجازاته الملموسة.
فهل يمكن إذن، إعطاء نفس المصداقية للعلوم الشرعية الإسلامية؟ (يتبع)



#جواد_بولكيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (١)
- الإسلاميون و تحريف مفهوم -الأغلبية-
- من المعجزة إلى الإعجاز
- هل تحتاج البشرية للأديان؟
- حول تجديد الخطاب الديني
- هل الإسلام علم؟
- أسطورة الشريعة


المزيد.....




- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد بولكيد - علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (2)