أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - حُبّ














المزيد.....

حُبّ


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 6548 - 2020 / 4 / 27 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


قام بجولتين متباعدتين نسبيا في الزمن في الجوار ، تارة يَحُثُّ الخطى و أطوارا يبطئ ، ومرات يتوقف لِيُشعِلَ سيجارة ويتلفّت يسرة ويمينا ، تلك عادة قديمة إكتسبها أيام التنظيم السري من زمن بعيد يذهب قبل الموعد دوما ، فيتأكّد من خلو المكان من متابعة أو مراقبة أو خطر .
إلتقاها صدفة في مقهى جوار مقَرّ عمله ، انيقة دون تكَلّفٍ ، ذات نظرات ، جذّابة جريئة ومندفعة ، هي تصغره بعشرين سنة على الأقل ، ولَكِنّه لا يزال يُحافظ على بعض رشاقة تُزينها أناقة مُحترمة ووقار نسيه عنده الزمن وهو يحمل أشياءه ويغادر .
هو مُحدّثٌ لَبِقٌ يَشُدُّ السامع وهي مستمعة جَيّدة مع قليل من التّنَمُّر المحبب .
بعد عِدّة لقاءات الصدفة المنتقات من جانبيهما كما علم في مابعد مثلما أسرّت له يوما ، وهما يرتشفان قهوتي الصباح في نفس المقهى ، أنها أنشدت له من أوّلِ لقاء عابر وهو يفسح لها السبيل بحركة مسرحية مازحة تلقائية لتتقدمه في الصف طلبا لقهوتها .
ارتسمت صورته في عقلها من حيث لا تدري لأيام ، وحرّكت فيها مشاعر عِدّة وحنينا تُجاهه يكبر كل ليلة ، جامعية من عائلة متوسطة أو مرتاحة نسبيا ، لم تتجاوز الثلاثين بعد ، موظفة في شركة محاسبة ، هي أصغر اختيها .
تَطوّرت علاقتهما وتوطّدت ، تبادلا المشاغل والذكريات و ارقام الهواتف ، تجاوزا ساحة المقهى الى المطاعم في بعض الأمسيات ، حتى تسَلّلَ الحُبُّ إلى قلبيهما أو خُيِّلَ لهما ، دعته يوما الى شُقّتها في إقامة في أحد أحياء العاصمة .
لم يََكُن يوما نَزِقاً أو مُتعدّدَ العلاقات مع الجنس الآخر في الجامعة ، رغم تَوَسُعِ قاعدة معارفه وعلاقاته لطبيعة نشاطه النقابي والسياسي ، عاش في يراعته وشبابه قِصّتي حُبٍّ أو ثلاثة بالتزام كبير ، أقواها علقت بعقله وكيانه لزمن طويل وانتهت لِسراب في النهاية .
تقاسما الكثير من إندفاع الشباب و تيارات جارفة من دفق المشاعر والحب ، عاشا تجارب نضالية مُشتركة ، حَلُما بِثورة ، أعَدّا لها طيلة سنوات ، أُعْتُقِلا عديد المَرّات وضحكا من ذلك كُلَّ مَرّة وزاد إصرارهما ، ضغطت عليها العائلة كثيرا ، وهي الفتاة الريفية ، بعد التخرّج ، طلبت منه أن ينقذا نفسيهما ويستقِلّا من كل الضغط حتى يواصلا المسيرة ، لم يقدِر أعجزه خوفه من المجهول رُبّما أو إنسداد السّبُل غصبا ، افترقا وفارق معها رويدا رويدا كُلَّ أحلامهما المشتركة و انقطع عن الحياة .
أنهى جولتيه ، إرتسم واقفا أمام باب الإقامة ، تفقّد زُجاجة النبيذ التي اوصته عليها وكأنه يتفقّدُ كُرّاسا تحريضيا أو جريدة حزبية سرية ، ضحك من نفسه كثيرا ها هو في الخمسين زمن الحرية ، تُحَرِّكُ فيه لذة لقاء وعشق سِرّي ، ذكريات وأحاسيس خال نفسه دفنها تماما منذ ما يُقارب العشرين سنة ، و كأنّ كل فرق وزارة الداخلية تُراقب سكناته وحركاته للقبض عليه مُتلَبّسا في حضرة المشرف على الخلية .
صبيحة الرابع عشر من جانفي ، خرج للشارع مع الناس بعد طول إنتكاس ، صرخ ، حَرّضَ رفع الشعارات ، ضرب البوليس بالحجارة ، التقى العديد من الرفاق القدامى ، تحادثوا ، لم يسأل أحد الآخر اين كنت أو لماذا انسحبت يوما ، الكل كان واحدا منصهرا ضمن تيار الثورة ، الحلم يتحقّق ، الداخلية بجبروتها تنهار ، الطاغية فارّ من ساحة القتال ، إستعاد شجاعته شق الصفوف "إلى الأمام ، إلى الأمام " باحثا عن نفسه التي فقدها منذ مُدّّة .
صَعِدَ درجات السُّلّمِ القليلة ، وقف أمام الباب ، نظر فوق ثم إلى الخلف في حركة رتيبة وكأنه يتأكّد من مخارج الطوارئ للهروب ، ارتبك عند هذه الخاطرة وضحك من نفسه ، ضغط جرس الباب ، انتظر قليلا ، سوى شاربيه بحركة سريعة ، فتحت الباب .
- إتفضّل حبي وطبعت قبلة على شفتيه بل عميقا في نفسه .
تسكن وحدها منذ توظّفت ، يتيمة الاب منذ عشر سنوات و امها تسكن مع اختها الكبرى إحدى مدن الساحل ، "يا الله ما أروعها" مشرقة ، حيّة كما لم يعرف واحدة منذ عقد ونصف من زمن البشر ، هي انيقة كعادتها ولكِنّها أكثر إثارة في فستان السهرة المثير الذي سُكِبت فيه وكأنه قُدَّ لها مع الألواح المحفوظة.
لم تكن لعوبا ولَكِنّها خبرت بعض العلاقات العاطفية في حياتها ، أجلسته في الصالة تحت إضاءة خافتة ، شغّلت موسيقى رومانسية دون كلمات ، قالت بدلال .
- "إنتظر قليلا ساجلب كأسين" ، ثم بغنج الليلة ساحضر لك الجَنّة .
نحن جَنّتُنا ، نحن ثورتنا ، بنا تُزهر الثانية لتعمر الأولى ، هكذا كانت ترفع من هِمَّتِه كُلَّ ما هبطت ، بعد كل ضائقة أو إعتقال ، أو حتى مشاكل في التنظيم ، قبل أن يخذل نفسه ويخذلها ويفترقا .
كانت "الثورة" و تأسست الأحزاب الرسمية ثم الإنتخابات والأموال والوفاقات وتشابكت المصالح "فوق الطبقية" وما "بعد الثورية" ، عادت الدماء تنبض في عروقه ، التقاها مرة صدفة في نشاط عام كانت كما عهدها لا تبرد حماستها وثقتها بالنفس رغم نضج ظاهر ، تحادثا ، تذكّرا ، إختلفا قالت مازحة بمسحة من جد " انت لم تعد انت لم أعرفك " ، أدرك حينها أن الدماء التي عادت لتسكن عروقه كانت فاسدة ، كما أدرك فيما بعد أنهم قتلوا الثورة كما خرب يوما جنته ، افترقا ثانية و أعتزل الحلم ..
هَلّت سريعا من المطبخ بِطَلّتها البهية وفستانها الاسود القصير الكاشف لزندين زبديين و أعلى نهدين مُتلألئين ، و الذي تتخلله خطوط متكسّرة حمراء وبيضاء تشي بالرغبة والبراءة ، وضعت على الطاولة كأسين وفتّاحة وقالت بدلال .
- إفتح وأسقنا لنرتوي .
فتح القارورة ملأ كأسين ، ناولها الاول ، وحرك كأسه ليضربها بكأسها قائلا :
- "في صحتك "
قبل أن ترد رن هاتفه فجأة ، نظر إليه ، إرتبك ، تغيّرت سحنته ، فتح الخط ."الو ، عندي شغل الليلة سأتأخّر " ، تذكّر فجأة أنه أنجب ولدا لَمّا تمكّنّت منه الدماء الفاسدة وتزوّج منذ ثلاث سنوات زواج مصلحة تقليدي حتى يرتقي في سلم المسؤولية الوظيفية .
أغلق الهاتف ، فصل البطارية ، وعزم أن يسترجع نفسه الليلة ويستنهض هِمَّتُهُ الثورية التي فقدها مع حُبٍّ ضائع في الزمن .



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايا رتيبة
- أضن الله يعلم
- حلم ..
- اضن ان الله يعلم
- سكارى
- نحو إعادة تركيب العلاقات الاجتماعية
- المجتمع المدني التونسي : خصائصه وآفاق تطوره ( محاولة للتفكير ...
- ماكرون -الطائي- سيذبح أفريقيا مرة أخرى إحتفاءا بضيفه الكورون ...
- متى نضع حدا لجشع الانسان -الراسمالي- حتى نُنقِذ الإنسانية جم ...
- الانسان في دولة الكورونا و-القتل الرحيم-
- الكورونا ، الحرية ، الفلسفة ووهم الصين الشيوعية
- الكورونا مقابل الحرية ، او تصدير الخوف -المعلّب- مقابل انسان ...
- استسقاء !! او استخارة !!
- خطاب تولي الرئاسة : رئيسنا السعيد يرفرف دون أجنحة!!!
- رجة الانتخابات الرئاسية التونسية ، الصندوق يضرب كل التنظيمات ...
- قيس سعيد مرة أخرى : جملوكية أو داعشية !!!!
- رئاسية تونس 2019 ، ماهي الشخصية المفترضة في رئيس الجمهورية ا ...
- -الكي- أو طائر الفينيق !! في النقد والنقد الذاتي حتى يرتقي ا ...
- اليونان : يسار ... يمين ، دوريتهما الانتخابية من دورية أزمة ...
- مأساة سيدي بوزيد !! برنامج وطني للإصلاح الزراعي وحده الكفيل ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - حُبّ