أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - المجتمع المدني التونسي : خصائصه وآفاق تطوره ( محاولة للتفكير)















المزيد.....


المجتمع المدني التونسي : خصائصه وآفاق تطوره ( محاولة للتفكير)


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 6538 - 2020 / 4 / 15 - 16:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نصوص في التنمية السياسيّة :1: المجتمع المدني التونسي خصائصه وآفاق تطوّره


لما نتناول موضوعة المجتمع المدني في محاولة لتعريفها وتفكيكها الى عناصرها الأساسية المكونة لها ، بهدف إعادة تركيب
العلاقات القائمة فيما بينها وبالتالي رصد حراكها واستشراف تطورها واتجاهاته ، تعترضنا رؤيتان أو تصوران شائعان للمجتمع المدني
حيث يعرف البعض المجتمع المدني ،من جهة، بوصفه ذلك المجتمع المستقل عن المؤسسة الدينية ، ومن جهة ثانية مجتمع غير خاضع للسلطة العسكرية (المجتمع العسكري)، وثالثا مجتمع مستقل عن المؤسسة السياسية وعن أجهزة الدولة الدائمة.
وانطلاقا من هذا الطرح يمكن القول أن " المجتمع المدني " هو ذلك المجتمع (الأفراد والمجموعات ) الذي ينشئ كيانه الذاتي ويصوغ مبادئ تنظيمه واشتغاله ويحدّد مجموعة العلاقات الممكن قيامها بين مكوّناته ، ويقيم قانونه أو عقده الاجتماعي الخاص به والمميز له تاريخيا ، حضاريا وجغرافيا . إن هذا التصور، المتطابق مع مواقف طليعي القرن الثامن عشر، يتفق وأفكار معينة من قبيل التحضر والاحترام وكذا فكرة القانون المدني. وبحسب هذا الافق المعرفي فإن المجتمع المدني هو عبارة عن مجتمع يتألف من مواطنين أحرار، يستطيعون وقادرين على العيش سوية وبشكل مشترك، بحسب القواعد التي ضبطوها وصاغوها بشكل طبيعي فيما بينهم، والتي تتحوّل الى عادات واساليب حياة لا يمكن تجاوزها.
ويتميز هذا المجتمع بكونه مستقل عن كل الظاهرات والمؤسسات التي لا تمثل إحدى إفرازات حراكه وتفاعل مكوناته ، وهو بهذا الشكل مجتمع عقلاني وعلماني وواعي ومستقل عن السلطة السياسية .
هو عقلاني لان العلاقات الاجتماعية التي تصاغ ضمن حراكه وتفاعل مكوناته فيما بينها ومع محيطها ، تخضع في مجملها الى قانون المصلحة المشتركة لكل الناس ، وهي تخضع بشكل كلي الى الادرك العقلي ، وينظر للإنسان الفرد وفي المجموعة في آن واحد معا بوصفه سيد مصيره لا يحتكم في ادارة شؤونه والتبصر في ما يحيط به إلا إلى العقل والتجربة وحدهما بوصف الاول غير ثابت بل هو متحرك ومتطور في الزمان والمكان وهو نتاج مراكمة التجربة التاريخية الخاصة والجماعية على حد السواء وبوصف الثانية –أي التجربة- هي مقياس الحقيقة الأكثر موضوعية .
وهو علماني لأنه عقلاني ولان كل نشاطه وتحولاته لا تخضع إلا إلى متطلبات وحاجيات مكوناته ، التي تضع قوانين وآليات فض النزاعات والتداخلات وفق ما تفرضه مصالحها العامة دون وصاية من كل المؤسسات الخارجة عنها ومنها المؤسسة الدينية اساسا وكل المؤسسات الإيديولوجية التي لا قدرة لها مهما سيطرت على العقول ومهما نشرت الأوهام والتبسيطات أن تغير من واقع الحاجيات الاجتماعية والمادية ، التي تنشا بشكل موضوعي وخارجا عن إرادة الناس والجماعات من ناحية ، ومن ناحية ثانية فان المجتمع المدني بمختلف مكوناته ومنظوماته لا ينظم الا العلاقات العامة والمشتركة بينها كلها ولا يتدخل في العلاقات الخاصة وفضاءات الممارسات الخاصة لمكوناته افرادا كانو أو جماعات ومنها ممارسة الشعائر الدينية ومسالة الاعتقاد والايمان بل ويحمي حرية وسرية وخصوصية ممارستها مهما تنوعت ومهما اختلفت وتعددت .
وهو واعي لأنه عقلاني وعلماني ولأنه يدرك التناقضات والاختلافات التي تشق منظوماته وأجزائه ولأنه يضع الآليات التي تحل هذه التناقضات والتداخلات والتي تحافظ كل مرة على وحدته في ظل الاختلاف وهو مدرك لها ومدرك لنسبيتها من حيث التحقق والنجاح وبالتالي مدرك لحراكها الدائم ومنخ تغيرها وتطورها والأهم من هذا وذاك انه يدرك في كل وضعية تاريخية ومكانية مصالحه ومتطلباته وسبل الاستجابة لها وآفاق تجاوزها وهو لهذا يسعى لتحقيقها وتطويرها .
وهو مستقل عن السلطة السياسية الرسمية او الدولة وعن المجتمع السياسي (مشروع دولة) لأن وعيه ينطلق من حاجياته الموضعية المتبدلة والمتغيرة والمتطورة دوما وأبدا وهي لذلك تتعارض واحيانا تتناقض مع البرمجية والإرادية والتخطيط ...الخ وبشكل عام مع كل إشكال الثبات والمحافظة التي تفرضها الوحدة السياسية والتنظيمية والأيدلوجية للأحزاب السياسية من ناحية وأجهزة الدولة الرسمية من ناحية أخرى ، فالدولة أو السلطة محافظة بطبيعتها تضع البرامج والخطط المعقدة وطويلة الأمد من منطلق الحفاظ على استمرارية الدولة وثبات القوانين والأعراف والأخلاق أو تحولها البطيء جدا ، ومن منطلق حماية السلم الاجتماعي وتحويله من حالة استثنائية في ظل أنظمة الاستغلال إلى حالة دائمة وهو ما يستوجب منها الحفاظ على حالة موزين القوى الاجتماعية كما هي عليه ورفضها الشديد لمحاولات تغييرها ، لذا ينتصب المجتمع المدني كسلطة مضادة للسلطة الرسمية محاولا تغيير موازين القوى الاجتماعية والعلاقات المنبثقة عنها لتتطابق مع تطوره ومع حراك واحتياجات مكوناته وأجزائه أفرادا كانوا أو جماعات
بينما يجنح الباحثون والكتاب المعاصرون وخاصة منهم السياسيون الى تعريف المجتمع المدني على نحو اجرائي بأنه جملة " المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة " ، لا يخضع لجهازها الرسمي ولا يأتمر بأوامرها ولا يحمل بالضرورة برامجها وتصوراتها ، رغم انه يتفاعل معها حسب الحالة سلبا أو ايجابا ، والمجتمع المدني بهذا الوصف انتصب بوصفه مؤسسات سلطة منظمة ومضادة لسلطة الدولة الرسمية ، يعدل خياراتها ويضع معها برامج وتصورات سياسية واقتصادية وثقافية ، ورغم ان هذا التعريف يضيق حدود مكونات المجتمع المدني وحراكها ويقصرها في مؤسسات وتنظيمات ذات روابط اكثر ثباتا وأكثر وضوحا إلا انه حافظ على مقومات التصنيف الكلاسيكي التي تميز المجتمع المدني وهي العقلانية والعلمانية والوعي والاستقلالية ، وأضافت إليه المأسسة أو المؤسساتية لا بوصفها الأطر والمؤسسات الصماء والحرفية التي تعج بها بلدان العالم الثالث ومنها تونس ، ولكن بوصفها فلسفة كاملة تتعلق بالعلاقات والروابط وآليات التفاعل والتواصل بين مختلف مكونات المجتمع المدني ومنظوماتها واجزاء المنظومات المتعددة والمتميزة ، المتداخلة والمتنافرة ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، التي تنشأ بشكل منظم و طوعي وحر في ظل القانون الوضعي والتعاقدات الاجتماعية التي يفرزها الحراك والصراع وحتى السلم الاجتماعي .
وخلاصة القول فان دور المجتمع المدني وعلاقاته مع محيطه ومع المجتمع السياسي وسلطة الدولة عليها ان تتغير وتتطور استجابة لتطوره ، لكي يتحول المجتمع المدني من فضاء للمارسة السلطة المضادة يرفض ويراقب ويحتج الى مكون من مكونات السلطة عن طريق مؤسساته ومنظماته المستقلة لتكون له القدرة على التاثير على القرارات السياسية تشريعا وتنفيذا من خلال تمكنه من آلية اقتراح القوانين والتشريعات بشكل رسمي .





مقاربة لفهم واقع المجتمع المدني التونسي خصوصياته ومنحى تطوّره بعد أحداث 14 جانفي والانقلاب الحاصل في مستوى السلطة السياسية .


انّ ولادة وحراك المجتمع ككلّ في تونس وخاصّة المجتمع المدني كانت صعبة ومرتبطة بشكل مباشر بواقع ميل السلطة السياسيّة بعد الاستقلال والتي تلتها الى الديكتاتورية والانغلاق ومحاولة بسط السيطرة التامّة على كل أشكال الحياة السياسيّة ومجمل النشاط المدني والنقابي والحقوقي ، مع دعم شكلاني لوجود مؤسسات تؤطّر النشاط الثقافي والجمعياتي ، العام والعلمي والرياضي ، تلعب دور المجسّات ومراكز الاخبار عن الحالة والنفسيّة العام للشعب ، لصالح الحاكم كما تلعب دور الوسيط الاجتماعي " رجال مطافئ " لاتسيعاب حالات الانفجار الممكنة والفجائيّة .
فلم يتمكن التونسيون من خلق منظومة مؤسسات للمجتمع المدني ، وضبط تصوّر لها يحدد امكانيات نشاطها وحدود تدخّلها وأشكالها التنظيميّة ، بما يستجيب للخصوصية المجتمعيّة التونسية ، لذا فقد اربتط مجمل النشاط الجمعياتي والمدني بالشخوص المؤسسة له وتأثرت اشكالها التنظيمية والعملية بالاشخاص والرموز اكثر مما تعلقت باهدافها وتوجهاتها الاستراتيجيّة ، بوما انّ للتونسي عموما شخصيّة مستنفرة مهووسة بمظهرها وحظوورها الخطابي والركحي وعموما بشكلها الخارجي فقد انعكس ذلك عى اغلب الجمعيات والمنظمات التونسيّة الناشطة التي ركزّت في برامجها وعملها ودعايتها على التنظير والأطروحات العامّة والمبدائية تزينها وتظهرها على حساب خلق تنظيمات فعّالة وناشطة وتدعم الفكرة التطوعيّة والاترباط الجماهيري العميق بين عموم الناشطين .
يضاف الى هذا واقع القمع والانغلاق والتضييق على النشاط الحقوقي والمدني الذي مارسته الانظمة الديكتاتوريّة ، الى جانب سعيها الى تدجين المنظمات الناشطة في الحق الشبابي والتلمذي ( الكشّافة والشبيبة المدرسيّة والمصائف والجولان وحتى الهلال الأحمر ...الخ) لتحويلها الى مدافع رسمي عن سياسات السلطة ، مما شكّل ضربة قاسمة للمشروع التطوعي والتضامني الذي يقوم عليه النشاط الجمعياتي عموما ، وهذا الشيئ انعكس على منظمّات اخرى مثل الاتحاد العام لطلبة تونس ليصطفّ بدوره في صفوف الممانعة السياسيّة ويخضع للمحاصصة الحزبية المعارضة ، بهدف تعديل الكفّة لصالح المشروع الديمقراطي وقوى التقدّم مما جعله يغفل دوره الاساسي المطلبي والنقابي والتثقيفي عموما في اتّجاه دعم العقليّة التطوعيّة .
هذا الرصد الأولي يدفعنا الى التعمّق في دراسة الظواهر التي شهدتها الساحة التونسيّة (فيما يتعلّق بالمجتمع المدني ) بعد 14 جانفي فنقسمّها الى :

1) المجتمع المدني في شكله المجرّد
2) المجتمع المدني المؤسساتي

المجتمع المدني في شكله المجرّد

نقصد به كما بيّنا سابقا ، المجموع المتحرّك والذي يتبادل علاقاتها الاجتماعيّة باستقلالية نسبيّة عن منظومة السلطة الرسميّة في كلّ مستوياته الاجتماعيّة ، والاقتصادية والأخلاقية ، وهو مجموع الأفراد والمؤسسات المرتبطة بشكل مباشر ببعضها البعض .
رغم غياب العقليّة التطوعيّة والحس التشاركي المواطني لدى التونسي ، الاّ اننا شهدنا غدات 14 جانفي تضامنا وتنضّما سريعا وملفتا للنظر للشباب والمواطنين في حملة وطنيّة شاملة لحماية انفسهم وممتلكاتهم واحيائهم ، بشكل مستقلّ كليا عن مؤسسات الدولة الرسميّة – المنهارة آنذاك- ومستقل نسبيا عن بقية المجتمع السياسي – المتذبذبة مواقفه آنذاك – وهذا الشكل التنظيمي الضرفي والاستثنائي ، تميّز بـ :
- جماهريته المطلقة
- تقسيم الأدوار على مستوى الاهالي كلّ حسب قدرته العطائيّة بين من يحرس ومن ينسّق ومن يوفّر الاعدادت اللوجستيّة واهمّها الاكل .
- ذاتيّة التنظّم في اغلب الأحوال – في بعضها قادته مجموعة من النقابيين والنشطين –
- غياب الاتكّال وظهور روح من الوطنيّة والانتمائيّة العالية .
ان هذا الشكل التنظيمي للمجتمع المدني تجلّى في اشكاله الأكثر تجرّدا والاكثر استقلاليّة وتطوّعيا ، وقد كان استثنائيا سرعان ما اخلى المكان لاشكال اخرى دفعت في اتّجاه مأسسته رويدا رويدا ، كانت بادئ الأمر في ما يسمى بمجالس حماية الثورة التي سعت الى تحويله الى سلطة سياسيّة او "دولاتيّة " باتم ما في الكلمة من معنى مستأنسة في ذلك بعض القوى السياسيّة بتجربة "السوفياتات " وبالفراغ الذي والاضطراب الذي عانت منه اجهزة الدولة الرسميّة ، وجزء منها تحوّل الى نيابات خصوصيّة ، وعموما فان هذا المنحى سار الى الفشل النسبي لانّه كان قافزا على الحالة التاريخيّة وعلى مستوى وعي الجماهير وعلى متطلّبات المرحلة .
امّا فيما بعد فقد تحوّل جزء كبير منها الى مستوى الماسسة على الشاكلة البرججوازيّة الكلاسيكيّة اي الجمعيات والمنظّمات الاهلية والمدنيّة ، قطاعيّة كانت أو فئويّة او ذات صبغة عاّة ، ولكنّها في جلّها تشكّلت من ناشطين سياسيين تقليديين والعديد من الناشطين والوجوه الشبابيّة التي برزت أثناء الحراك –الانتفاضة الجماهريّة بين ديسمبر وجانفي ، وخاّصة مجموعات الشباب التي تميّزت في مجالس حماية الثورة وفي الاحداث ما بعد فرار بن علي وبداية تشكّل المشهد السياسي الجديد .

المجتمع المدني المؤسساتي .

ونقصد به هنا مجموع المؤسسات الناشطة خارج فضاء السلطة المباشرة وخارج دائرة التنافس المباشرة عليها والمتكّونة من جمعيات ومنظمّات قطاعية واهلية وفئويّة ...الخ .
وهنا نلاحظ ، حجم نموّها الكمي السريع والكبير مقارنة بالعشريّة الفارطة ، فمثلا منذ سنة 1990 الى 2010 لم تشهد تونس سوى زيادة بما يقارب 5000 جمعيّة بنسق تطوّر مكبوح ( سنة 1990 4821 جمعيّة سنة 2010 9600 جمعيّة ) بينما في سنتي 2011 2012 شهدنا زيادة تقارب 2500 جمعيّة بعدد جملي تقريبي وهو 12000 جمعيّة سنة 2012 .

وبينما كانت الجمعيات ذات الصبغة العامّة والنسائيّة والتنمويّة والخيريّة ، تعاني من ضعف نبي في عددها قبل 2011 ( 129 جمعية ذات صبغة عامّة ، 602 جمعيّة تنمويّة ،24 جمعيّة نسائيّة ،485 جمعيّة خيرية ، 495 جمعيّة علميّة ) ، فانّها بعد 2011 شهدت نموّا سريعا في أعدادها وهي على التوالي ووفق التنظيم السابق( 513 ،828 ،111، 1191،765 )
أنّ هذا الانفجار العددي في حجم الجمعيات جاء نتيجة طبيعيّة لحالة الانفتاح والتسهيل في الإجراءات التي شهدتها تونس بعد انهيار اعلى هرم السلطة الديكتاتوريّة وهو من ناحية اخرى يعكس حالة التعطّش للعمل المدني واستعداد التونسي ( في نخبه على الاقلّ) على الدفاع عن حقّه في تسيير الشأن العام والتعبير عن آرائه والمساهمة في بناء مستقبل البلد .
وممّا يلاحظ هنا العدد الكبير لوجود الجمعيات ذات الصبغة العاّمّة التي غلب على نشاطها وتسمياتها ورؤاها التوجّه نحو التثقيف السياسي وخلق مجموعات ضغط مواطنيّة وشبابيّة خصوصا ، وهي تعنى بقضايا الديمقراطية ، وكذلك الجمعيات النسائية والتنمويّة وحتى العلميّة والاختصاصيّة القديمة والحديثة ، (وحتى مجمع الخبراء المحاسبين التونسيين نحى هذا المنحى لمّا عرض استعداه للمشاركة في لجان تقصي الفساد ومثله العديد ) ، وامّا الجمعيات التنمويّة بعد ان كان دورها منحصرا ومركزّا على القروض الصغرى – او ما يسمى بالحقن المسكّنة الاجتماعيّة – فانها بعد 14 جانفي اختّصت باعداد الدراسات والبحوث والزيارات الميدانيّة حول واقع التنمية الجهوية ، وتحبير مقاربات تنمويّة تخدم هذا المشروع السياسي أو السلطوي أو ذاك .
والى جانب هذا التطوّر الكمي للجمعيات شهدت الساحة التونسيّة ظاهرى التعدد النقابي القطاعي والوطني عبر ظهور منظمتين نقابيتين عماليتين الى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل ، وظهور محاولة منظمة نقابيّة طلابيّة ثانية الى جانب الاتحاد العام لطلبة تونس ، كما شهد قطاع القضاة ازدواجيّة في تمثيليته بين الجمعيّة التقليديّة والنقابة حديثة التشكّل ، امّا اكثر الظاهرات جذبا للاهتمام هو بعث نقابات قوّات الامن الوطني وما تطرحه من اشكاليات متعلّقة بهيكلة الوظيفة الأمنيّة وخصوصياتها في حدّ ذاتها ، باعتبار ولوجها الى المعلومات المتعلّقة بمجمل النشاط المدني والاجتماعي من ناحية وطبيعتها العسكريّة ( او شبه العسكرية) وبكونها مجموعات مسلّحة من ناحية أخرى .
لئن كان يمكن اعتبار هذا النموّ في عدد الجمعيات ظاهرة صحيّة او طبيعيّة بالنظر الى حالة الانفتاح السياسي الفجائي التي شهدتها تونس ، ويمكن اعتبارها افرازا طبيعيا من افرازات الانتقال الديمقراطي مثلها مثل ظاهرة الاحزاب والصحف ...الخ ، الا انّ المتابع لنشاطها يجدها تسعى الى انتزاع جزء كبير من مشمولات الأحزاب السياسيّة في جانب كبير منها ، ومجموعات اخرى تعمل على تهيئة الأرضيّة الانتخابيّة لأحزاب أخرى او اطروحات سلطويّة بعضها يناقض بعض وخاصّة منها الجمعيات الخيريّة ، ومجموعة ثالثة نصّبت نفسها حكما على كلّ المشاريع السياسيّة والحزبيّة رافضة لها ، فانتصبت معارضة للسلطة والدولة بكلّ اشكالها ، وهذا الخرق لحدود النشاطات والاختصاصات المجتمعيّة أحدث ارتباكا كبيرا في المشهد السياسي التونسي عموما ، خاصّة لمّا يرتبط ببحث مصادر التمويل المحليّة والاجنبية للاحزاب وحملاتها الانتخابيّة ، فكان التضخّم الكبير في عدد الجمعيات سببا في تحوّل العديد منها الى معابر قانونية " ومقبولة" لمصادر التمويل المشبوهة والأجنبيّة لبرامج حزبيّة بعينها ، نخصّ بالذكر منها حركة النهضة .
كما تحوّلت بعض الجمعيات الى مكاتب للاسترزاق والسمسرة الحقوقيّة ، او مواقع استعلامات متقدّمة للمجموعة الاوروبيّة وشبكاتها المعلوماتيّة ، تقوم من خلالها بجمع المعطيات وتجنيد مجموعات الشبان بهدف صناعة رأي عام وتوجيهه خدمة لأغراضها واهدافها التدخليّة في الشان الوطني ، وخلق مجموعات ضغط تحرّكها للتاثير في هذا الخيار او ذاك وتحضير الارضيّة لقبول مشاريعها السياسيّة والحضاريّة .
ولخلاصة هذه العجالة نسوق إشكاليات لمزيد البحث والتعمّق تتعلّق بجملة النقائص والمعيقات التي اعترضت هذا التحوّل الكمي والنوعي صلب المجتمع المدني التونسي ومؤسساته :
- اوّلها : جدير بالملاحظة انّ جزءا من النشاط المجتمع المدني في شكله المجرّد تمت ادلجته " دينيا" من قبل المجموعات السلفيّة ليتحوّل الى مجموعات عنف منظمّة تستولي على جزء من مشمولات الدولة ويحتكر العنف لتطبيق منهج ومشروع بعينه ينسب الى اقامة دول الخلافة والحكم بشرع الله ، وهو في شكله هذا الغير رسم والغير دولاتي ، لا يمكن الا ان يشكّل مشاريع ارهاب وارضيّة لمحاولات انفصاليّة وهو بذلك خرج من سياقه المدني والماوطني من الباب الواسع ، ولا يمكن التعاطي معه الا من منطلق تهديد للوحدة الوطنيّة والسلامة العامّة بل وكل المشروع السلم الاهلية ، وهي حالات سوسيو اجتماعيّة تستحقّ كثيرا من البحث والعناية في البحث .
- ثانيا : ان معضم الجمعيات والمؤسسات المدنيّة التونسيّة الصرفة ( تاسيسا وتمويلا) لا تزال عاجزة عن وضع تصورات عصريّة لأشكال تنظمّها وعملها ولم تتقن بعد كيف تشتغل باحترافيّة على مصادر تمويلها الذاتي ، وعلى مواردها البشريّة او على انتشارها فهي لا تزال مقتصرة على شخوص مؤسسيها وقلّة قليلة من المتفرّغين من الشباب ، كما انّها لم تتمكّن بعد من تركيز منظومة للعمل المدني التطوّعي مستقلّة عن الشان السلطوي والتنافس الحزبي والانتخابي .
- ثالثا : ان الجمعيات الأكثر تنظيما والأكثر نشاطا وجماهيرية وقدرة على العمل الميداني (باستثناء المنظمّات النقابيّة التقليدية ) ارتبط جلّها بشبكات تمويل وانشطة الاتحاد الاوروبي ، وانّ هذه الشبكات تستميل جزءا كبيرا من الطاقات الشبابيّة النشطة في مجال حقوق الانسان والمواطنة ، بقدراتها التمويليّة الضخمة والآفاق الوظيفيّة ومستوى الأجور التي تقدّمها .
تونس في 18 جوان 2012



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكرون -الطائي- سيذبح أفريقيا مرة أخرى إحتفاءا بضيفه الكورون ...
- متى نضع حدا لجشع الانسان -الراسمالي- حتى نُنقِذ الإنسانية جم ...
- الانسان في دولة الكورونا و-القتل الرحيم-
- الكورونا ، الحرية ، الفلسفة ووهم الصين الشيوعية
- الكورونا مقابل الحرية ، او تصدير الخوف -المعلّب- مقابل انسان ...
- استسقاء !! او استخارة !!
- خطاب تولي الرئاسة : رئيسنا السعيد يرفرف دون أجنحة!!!
- رجة الانتخابات الرئاسية التونسية ، الصندوق يضرب كل التنظيمات ...
- قيس سعيد مرة أخرى : جملوكية أو داعشية !!!!
- رئاسية تونس 2019 ، ماهي الشخصية المفترضة في رئيس الجمهورية ا ...
- -الكي- أو طائر الفينيق !! في النقد والنقد الذاتي حتى يرتقي ا ...
- اليونان : يسار ... يمين ، دوريتهما الانتخابية من دورية أزمة ...
- مأساة سيدي بوزيد !! برنامج وطني للإصلاح الزراعي وحده الكفيل ...
- بلد المليون ونصف شهيد على كف عفريت
- ليبيا : سواءا تمكن حفتر من طرابلس او اندحر ! يبدو ا انه تم ا ...
- الشعوب السودانية تدخل تاريخ الثورات الحديث
- ردا على من لا يستأهل الرد ....تصويبا لأخطاء أقلام مأجورة
- شاهد زور منذ حل رحاله .... أو في تهافت الحكم وإن تزين
- كهربة البلد في خطر !!
- فرنسا : هل تنهض الكومونة من رماد الجمهوريات الخمس ؟ -شبح يجو ...


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - المجتمع المدني التونسي : خصائصه وآفاق تطوره ( محاولة للتفكير)