عبد العزيز المسلط
سياسي وباحث اكاديمي
(Abdulaziz Meslat)
الحوار المتمدن-العدد: 6538 - 2020 / 4 / 15 - 00:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المبحث المـقــارن وبـناء صـورة الآخــر وتركيب البنية السياسية في الفكر الجمعي.
((البحث المقارن في المقاربات التقليديّة من الإلغاء إلى الاحتواء))
لا يشكل هذا التصور حول العلاقة بين علم السساسة وفعل السياسة، والحاجة إلى إخضاع البعد الثاني للأول، إلا مقتربا واحدا لمعالجة العلاقة الملتبسة بين الفكر والفعل في حقل السياسة، وحول الأدوار الأخرى التي تلعبها المعرفة السياسية بشكل أكبر.
و بشكل مستقل ومتميز عن السياسة كممارسة تقدم أطروحة الادب السياسي المقارن أهم مقاربة من مقاربات التمييز بين السياسة كعلم والسياسة كفعل، ثم تطرح الأدوار التي لعبتها المعرفة بالسياسية على مستوى الممارسة، ثم تعالج في نقطة ثالثة جوانب المعرفة السياسية المستقلة عن السياسة كممارسة.
وما فيها من لبس هو ما جعل المبحث المقارن للسياسة يتّسم في الكثير من النظريات والاطروحات التقليدية بالمعيارية؛ فالجدل والاشكالية التاريخية التي نشأت بين أتباع الأديان المختلفة عمّقت طبيعة الخلاف في الفكر السياسي المقارن وسعت الى تأصيل وحدة معرفية مستقلة ضمن دائرة الفهم الخاص بالسايسة. فهذا أبن خلدون يحاول ايجاز مفاهيم المقاربة الدينية في السياسة عندما أشار بكل وضوح الى أن العامل الديني برز في فضاء الاختلاف الفقهي الديني وسعى الى هدم الشكل العقدي للممارسة على حساب تكريس سلطة الدين في الفهم السياسي. ورغم تعدّد المحاولات الساعية إلى إعادة بناء علاقة الأنا بالآخر بعيدا عن القول بالتحريف، فإنّ تلك المحاولات انتهت - في تقديرنا- إلى نتائج متشابهة، رغم انطلاقها من مسلّمات فكرية متباعدة فالمقاربة التاريخيّة التي رامت تأسيس رؤية جديدة في صب علم السايسة المقارن شكّلت الروافد في تطور الفكر السياسي الحديث، كما كانت لأشكال التأثير والتأثر القائمة بين الأديان ميزة نوعية في تراكم مفرزات الفكر السلطوي الذي جاء نتيجة ثقافية سياسية بحتة لأنظمة الحكم التي تتالت في التاريخ.
هذه القراءة حاولت المقاربة الجدلية المادية أن تتجاوزها عندما رأت في تشابه الأوضاع الاجتماعية والعادات والتقاليد دليلا قاطعا على تماثل في الأوضاع الاقتصادية والمادية وبالتالي فإن علم السياسة هو نتاج كمّي تراكمي لكل تلك الاوضاع والمعطيات التاريخية.
"تاريخ وعلاقة علم الأديان بعلم السياسة وبناء أسس جديدة للمبحث المقارن"
شكّلت الدراسات المعاصرة المهتمّة بالظاهرة الدينيّة على اختلاف مشاربها ما يسمى بعلم النفس الديني، والذي اؤسس على علم الاجتماع الديني اضافة الى علم الأنثربولوجيا الدينيّة.
وكانت منظومة العلوم هذه تشكل حجرا الزاوية في مضمار العلاقات السايسية التي قامت على تبادل الادوار بين السلطات "الروحية والزمنية" حيث أخذ الكهنة دور المعلم السياسي للسلاطين والحكّام على مدار التاريخ القديم, ولعب الفلاسفة دوراً هاماً في ربط وشائج الصلات البينية لكلا العلمين من خلال طرحهم للنظريات الاخلاقية القائمة على احترام الدين من خلال ربطه باسس سياسية تقدم الحرية كرمز ديني, والسلطة كرمز اجتماعي ديني الخ....
وبعدها شهدت حركة التاريخ مراحل جديدة ركّزت على دور الحاكم في استعماله للسلطتين الروحية والزمنية بآن واحد معاً, فكان التشريع الديني هو مقدمة لصياغة جملة قوانين للمجتمع آنذاك.
حتى قامت ظاهرة الكنيسة الحاكمة "الحكم الكنسي اللاهوتي" التي اختزلت كل انواع السلطات في ذاتها الكنسية تحت شعار الحكم باسم "الرب", وصولاً الى العديد من الادوار الدينية التي اعتلى فيها السلاطين والخلفاء والحكام سدّة السلطة وكرسي الحكم باسم اللله, وباسم الدين.
وعلى تأكيد الوعي بأنّ البحث في الظاهرة الدينية لا يهدف إلى بلوغ الحقائق الدينيّة كونها حقائق متعالية على التاريخ والواقع. لكننا نود افراد الجانب التمييزي بين كلا العليمين باعتبارهما يتدفقات من معين واحد بالضرورة.
قد أسس الوعي بالعلاقة الجدلية القائمة بين النصوص المقدّسة وواقعها تصوّرا جديدا قوامه أنّ البحث المقارن يعيد تفسير وجوه المطابقة بقدر ما يسعى إلى فهم الاختلاف وتبيّن دلالاته بين الفكر الديني والفكر السياسي.
فعلم الأديان المقارن بيّن أنّ "لكل مجتمع وثقافة خصوصياتها، وفي ذلك تقويض لفكرة المركزية الثقافية" فإذا بالتنوّع الثقافي وحقّ الاختلافيشكّل أسّ البحث في علم الأنثربولوجيا، ذلك أنّ الكونية لا تتجلّى في المماثلة، وإنّما في المغايرة الّتي لاتؤدّي إلى محو الهوية بقدر ما توطّد أركانها من خلال الانفتاح على الآخر.
في ظل هذه الرؤية أصبح من الممكن الحديث عن حوار بنّاء بين الأديان والثقافات والحضارات، يقوم على" الاعتراف بالآخر شريكا له ما لنا من الحقوق, وهو ما يحقّق فكرة التكافؤ السايسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الّذي يعني أنّ الآخر ذات ليست بأقلّ من ذاته هو".
وهذا ما يؤكد عليه ايضاً علم السايسة بنفس المنهج العلمي المقارن لعلم الأديان, في تبني الحقوقوتولي الواجبات كشكل من اشكال التكافؤ الاجتماعي بين الناس مهما تنوعت ثقافاتهم وتعددت مسمياتهم وتوجهاتهم, شريطة أحتلاام ذات الآخر واعتباره شريكاً قائماً على اسس موجبة من شراكة العقل والفعل.
وقد أنطوى على تحديد أسباب الائتلاف والاختلاف بين الأديان والثقافات وضع أسس جديدة للبحث المقارن، تقوم بالأساس على الوعي الجمعي، لا بل يقتضي المنهج المقارن أكثر من ذلك معرفة التوظيف الجديد الّـذي يـكـتـسـبه الحدث القائم بمفاهيمه الشمولية.
لذا فإننا نرى منهج السياسة المقارن قد أخرج علم الأديان المقارن من السياق الجدلي التاريخي الاحتوائي المؤسسّس على النزعة المعيارية القائم على مبدأي التطابق والتجانس، ومنحه دلالات جديدة تكون فيه المقارنة طريقة نقف من خلالها على خصوصيات الرؤى الدينيّة ضمن المشترك العام.
#عبد_العزيز_المسلط (هاشتاغ)
Abdulaziz_Meslat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟