أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - فيلم - نأسف، لم نجدكم - صرخة بوجه النظام الرأسمالي وتحذير من جوره ومن جبروت الشركات!!.















المزيد.....


فيلم - نأسف، لم نجدكم - صرخة بوجه النظام الرأسمالي وتحذير من جوره ومن جبروت الشركات!!.


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 6517 - 2020 / 3 / 18 - 15:44
المحور: الادب والفن
    


ثمة مخرجون نراهن عليهم، فلا يخيب الرهان، ولا يخيّبون لنا ظنا، ومن هؤلاء المخرجين البريطاني "كين لوتش"، الذي رغم تجاوز عمره الثالثة والثمانين، لكنه لا يزال في أوج عطائه السينمائي ، ولا يزال ينجز أفلاما تنفذ إلى أعماق المجتمع ، وإلى عقل وقلب المشاهد فهو صاحب نظرة إنسانية واجتماعية ثاقبة ، وتحمل أفلامه تعاطفا كبيرا مع هؤلاء الذين يحاولون الاحتفاظ بإنسانيتهم ويحاولون مجرد العيش في عالم مادي لا يكترث ولا يبالي ، "كين لوتش" اليساري الإنساني الملتزم بقضايا الكادحين والكادحات في معظم أفلامه يرى مستقبلا يتوحش فيه النظام الرأسمالي أكثر فأكثر، ليلتهم المزيد ممن يقتات على جهودهم وحيواتهم ليزدهر أصحاب المال ، يعتبر لوتش من القلائل الذين يشغلهم حال الطبقة المتوسطة التي في طريقها للتلاشي تلك الطبقة التي كانت تحدث توازن في الحياة بين الأغنياء والفقراء ، والطبقة العاملة التي تحمل الإرث الثقافي وتحاول الحفاظ على مخزون القيم الاجتماعية ، في فيلمه (أنا، دانيال بليك) الذي انجزه في عام 2016 وحصل على السعفة الذهبية في مهرجان (كان) السينمائي ، وهي ثاني سعفة ذهبية يحصدها لوتش في تاريخه السينمائي الطويل ، في هذا الفيلم عكس " كين لوتش" مدى قسوة نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا وعلى من يستحقون حقا المعونة ، هذا الفيلم الإنساني في مداه وتأثيره كان صرخة حقيقية في وجه المجتمع الإنجليزي من قبل الفقراء والمحتاجين ونظامه التأميني الذي يعمل على إهانة كل من يلجأون إليه ثم يتركهم في النهاية ليلاقوا الموت باسم القوانين، واللوائح، والنظام ببرود لا إنسانية فيه بدلا من العمل على إنقاذهم وتقديم ما يستحقونه من حقوق قانونية لا علاقة لها بالتصدق عليهم أو مفهوم التسول . وعند استلام كين لوتش لسعفة كان الذهبية ألقى خطبة نارية انتقد فيها الوضع الاجتماعي في أوروبا قائلا فيها : "السينما تجعلنا نحيي الخيال، ولكنها تقدم لنا العالم الذي نعيش فيه.. هذا العالم يمر اليوم بمرحلة شديدة الخطورة.. فهو عالم تسيره الأفكار النابعة من أيديولوجية (الليبرالية الجديدة) التي ستؤدي بنا للكارثة.. فهي تسقط في البؤس والفقر الملايين من الأشخاص من اليونان وحتى البرتغال". وذكر دور السينما بالنسبة له ، قائلا " إن السينما لها تقاليد عريقة في الاعتراض والمعارضة ، وإنه يتمنى أن تستمر في أداء دورها هذا.. فنحن نقترب من مرحلة شديدة الصعوبة ، قد تؤدي لوصول اليمين المتطرف للحكم ، يجب علينا أن نعيد الأمل في النفوس"، يروي كين لوتش :" في مرة زار مع السيناريست بول لافرتي مركزاً في لندن لتوزيع الطعام على المحتاجين ، ما شكّل صدمة له هناك ان الناس الذين كانوا يأتون إلى المركز ناس لديهم وظائفهم ، كان هؤلاء عمّالاً فقراء . لا يفترشون الأرصفة للنوم ، ولكنهم لا يكسبون ما يكفي من المال لشراء الطعام! ، أحياناً ، كانوا يشترون الطعام لأولادهم ويحرمون أنفسهم منه ! ، ثم بحثنا في الموضوع فاكتشفنا ان ثلثي الوظائف في بريطانيا في السنين العشر الأخيرة هي توظيفات بدائية ، لا تضمن للعامل ان يحقق أي مدخول . قد يعمل اليوم ويصبح عاطلاً عن العمل غداً . كثر من هؤلاء يعانون الجوع . فقررنا ان نروي قصّتهم". هذه الحالة بدأت في عهد مارغريت تاتشر التي دمّرت دور النقابات وفتحت المجال للمشغّلين لقضم حقوق العمّال. العمل اليوم أصبح كالحنفية ، هم الذين يقررون فتحها أو اقفالها". – ( من لقاء مع المخرج كين لوتش المصدر جريدة النهار في – 13-12-2019 ( هوفيك حبشيان). في فيلمه الاخير«نأسف، لم نجدكم » يروي " كين لوتش " قصة حياة عامل ونضاله من اجل توفير لقمة العيش للأسرته ، فيلما مؤثرا موجعا اختار له أن تدور أحداثه في مدينة نيوكاسل ، التي دارت فيها أيضا أحداث فيلم (أنا، دانيال بليك) أيضاّ ، ويحكي قصة أسرة تسعى جاهدة أن تحيا بكرامة وسط خضم من الديون، ووسط سوق عمل لا يرحم ، ووسط وعود كاذبة بعقود عمل توفر الاستقلالية والحرية والمال الوفير . يقدم المخرج الإنجليزي الكبير "كين لوتش" اعتذارا جديدا لأبناء الطبقة الكادحة في بريطانيا في أحدث أفلامه "عفوا لم نجدكم" ، عنوان الفيلم مأخوذ من تلك الجملة المطبوعة على الورقة الخاصة بشركة توزيع الطرود البريدية التي يعمل بها البطل (ريكي ) ويقوم بلصقها على الباب في حالة عدم وجود العميل المراد تسليم الطرد له ، لكن المخرج كين لوتش أراد أن يحمل العنوان دلالة ترتبط بذلك بالواقع الاجتماعي والتهميش والاستعباد للفرد العامل ، وكأن " كين لوتش" يقول لنا إن النظام الرأسمالي يسحق الفرد العامل و يصبح مجرد ألة مكرسة فقط لخدمة" أصحاب المصالح" من أصحاب الاحتكارات . يرتكز فيلم "عفوا لم نجدكم"على أربع شخصيات رئيسية هم أسرة ريكي الذي يبدأ الفيلم بإجراءه مقابلة للتوظيف لرب الاسرة ريكي، وهو الذي امتهن العديد من المهن لكن جاءت الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أوروبا عام 2008 لتقلب الأمور رأسا على عقب ويجد نفسه عاطلا عن العمل . في المقابلة المهنية التي يخوضها "ريكي" يسأله رب العمل لماذا لم يتلق إعانة حكومية ؟ ، فيخبره أن كرامته لا تقبل الإعانة مادام قادرا على العمل ، ثم يطمئنه رب العمل على أنه يعمل معه وليس عنده . وأنه بإشتغاله في مجال تسليم الطرود فإنه يتحول من عامل إلى صاحب عمل .
ونظرا لأن ريكي (شريك) وليس (سائقا أجيرا) كما تقول الشركة ، كان يتعين عليه إما أن يشتري شاحنته الصغيرة الخاصة ، بمقدم يصل إلى ألف جنيه لا يمتلكها ولا تمتلكها زوجته أوأن يستأجر شاحنة من الشركة مقابل 65 جنيها في اليوم . خياران كلاهما مرّ وتبعاتهما كبيرة ، ولكن ريكي وزوجته آبي (ديبي هانيوود) لا يجدان مخرجا سوى أن تبيع هي سيارتها التي تعتمد عليها في الذهاب لعملها حتى يتمكن من دفع مقدم ثمن الشاحنة ، وعلى الرغم من أن الشركة تعفي نفسها من أي التزام إزاء العامل ، إلا أنها تكبله بكل الالتزامات والقيود التي تفرضها عليه. تفرض الشركة عليه غرامة مالية فادحة إن لم يتمكن من توصل الطرد لأصحابه في الوقت الذي حددوه ، وإن احتاج إلى يوم عطلة لا يمكنه ذلك إلا إذا وفر سائقا بديلا ، حتى أنه لا يمكنه الحصول على استراحة في يومه حتى يفي بكل حصته المقررة من التوصيلات ، في يومه الأول في العمل يتعلم ريكي أن جهاز تتبع موقع الطرود الذي تعطيه له الشركة أهم لديها منه ، فهو يمكن استبداله ، أما الجهاز فقد استثمرت الشركة فيه مالا لا تود تبديده . كما يتعلم ريكي أن الزجاجة البلاستيكة التي أعطاها له زميل في غاية الاهمية ، فهو لا استراحة له وسط السعي اللاهث لتوصيل كل الطرود في حصته ، ولا سبيل لقضاء حاجته إلا في تلك الزجاجة. يقبل "ريكي" العمل على الرغم من قسوة الاشتراطات في هذا المجال من توقيتات تسليم يجب الالتزام بها وغرامات كبيرة في حالة التقاعس أو التأخير ، والغرامة اليومية التي تصل إلى 100 جنيه إسترليني في حالة الاعتذار عن العمل دون توفير سائق بديل ، وكذلك مراقبته إلكترونيا عبر جهاز تسليم الطرود الذي يسجل تحركاته وأوقات التسليم وزمن الرحلة وخط سيرها والذي يخبره رئيس العمل أن عليه أن يبقي هذا الجهاز سعيد إذا ما أراد أن يكون هو نفسه سعيدا دلالة على أهمية الجهاز القصوى وتحفيزا لريكي على الالتزام ، يوافق ريكي على شروط العمل التي في ظاهرها يعمل بحريته لكن في طياتها يخضع لشروط الاستبداد الرأسمالي وفق ضوابط محددة حيث يجني القليل ويعمل كثيرا ويحرم من الامتيازات وعلى النقيض يدفع غرامات كثيرة مقابل أي خطأ ، ويباشر "ريكي " العمل في شركة الشحن بسيارته الخاصة التي يقوم بشرائها مقابل بيع سيارة زوجته التي كانت تستخدمها للتنقل أثناء عملها . تعمل الزوجة "آبي" في رعاية المرضى وكبار السن عن طريق إحدى الشركات التي تحدد لها الأشخاص الذين يحتاجون، تعمل لمدة 14 ساعة يوميا ، وهي تحب عملها لأنها تشعر بسعادة كبيرة عندما تقوم برعاية كبار السن ، لكنها في نفس الوقت تتعب فيه كثيرا وأصبح الأمر أكثر صعوبة بدون سيارة ، وبالطبع تجني القليل ، وبالتوازي نجد ربة العمل في وكالة الرعاية التي تعمل بها “آبي” ترفض أن تحتسب لها ساعات عمل إضافية في منزل سيدة مسنّة تعاني من تردّي حالتها الصحية وإهمال أهلها لها لنكتشف قوانين العمل التي تستعبد الموظفين وتبخسهم أجرهم ، فلا بديل مادي لساعات العمل الإضافية أو مقابل لمخاطر العمل المحتمل حدوثها أو بدلا للإصابات والحوادث ، تلك الحياة القاسية نقلها " كين لوتش" ببراعة والتي في النهاية تنعكس على الاسرة ، فالأسرة لا تجتمع أسبوعيا إلا في يوم واحد فقط بمجرد الدخول للمنزل يبدأون الاستعداد للنوم وأحيانا ينامون أثناء مشاهدة التلفاز للدخول في يوم جديد من العمل الشاق ، الابن " سبستيان "يتأثر بحياة والديه بشكل مباشر فهو في سن المراهقة يبحث عن التمرد على كل شيء حتى على أسلوب حياة والديه ويحتقر مهنة والده ، يرفض الذهاب إلى المدرسة حتى يفصل ، ويتورط في سرقة متجر كبير، يحاول التعبير عن غضبه الداخلي وثورته الدائمة بالمشاكل ، اختار الرسم على الجدران( الكرافيتي) كنوع من التعبير عما بداخله من خلال تساؤلات حول معنى الحياة وجدوى العمل ، يحاول بشتى الطرق ألا يكون مثل والده يعيش داخل الدائرة المفرغة لكنه لا يملك إلا الرسم الذي يعتمد من خلاله على تقديم صرخاته ، عكس شقيقته ليزا فهي مسالمة تهتم بعودة التقارب الأسري لكنها تعاني من الوحدة نتيجة غياب الأبوين المستمر ونتيجة شرخ الأسرة أصبحت تعاني من الاضطرابات وتحلم بكوابيس أثناء نومها فهي الأكثر تصالحا مع الوضع لكن هذا لأنها مازلت صغيرة . أسرة تكافح من أجل حياة عادية، تنتهك نفسيا وجسديا ، تبدلت معها الأحوال تحولت من أسرة محبة مترابطة إلى أسرة تفتقد التواصل فالأب والأم في مفرمة العمل من أجل قوته اليومي وتسديد الديون ، الأب غير متواجد في المنزل ولا يستطيع بسبب غرامات العمل أن يذهب إلى مدرسة ابنه لحل مشاكله والأم تكتفي بالتواصل مع أبناءها عن طريق الرسائل الصوتية للمحمول في المواصلات أو أثناء التنقل من عمل إلى عمل آخر ، فخلال أحداث الفيلم لم تجتمع الأسرة وهم سعداء إلا مرة واحدة حتى عندما طلبت الأم لعمل مفاجئ واقترح الابن الذهاب معها بسيارة الوالد وهم يستمعون ويرددون الأغاني .
اختار كين لوتش عملي الأب والأم بعناية ليغلف معهما الصورة القاسية التي يرغب في إبرازها ، ريكي يعمل في توصيل الطرود دائم التنقل بسيارته لا يمنحه الفرصة حتى لاكتشاف موهبته أو الاحتكاك ببشر قد يساعدوه في تغيير فمقابلة العملاء تكون سريعة تقتصرعلى الاستلام والتسليم ، فلا مجال بتجربة شيء جديد أو الحصول على مغامرة تغيير حياته . والمرة الوحيدة التي دخل في جدال مع عميل كان أحد مشجعي فريق نيوكاسل الذي سخر من ريكي لأنه يرتدي زي فريق مانشستر يونايتد ويدخل الثنائي في مجادلة كروية اختيارها مقصود أيضا من لوتش ، ريكي والعميل يعيشان على أمجاد الماضي ، ذكريات لاعب كرة القدم " إريك كانتونا " مع فريق الشياطين الحمر ، وفترة المدرب التاريخي (كيفن كيغان) مع فريق نيوكاسل . هذا النوع من العمل الذي يتحكم في البشر يفقدهم إنسانيهم ويحرمهم من أبسط أنواع الرفاهية ويستنزفهم والوضع أصبح أكثر قبحا مع التقدم التكنولوجي من خلال جهاز التتبع الذي يعمل به ريكي الذي يرمز له لوتش بأنه لا يتحكم في عمله فقط بل في مسار حياته بشكل عام ، قسوة الرأسمالية دمرت التواصل الأسري حتى عندما حاول ريكي اصطحاب ابنته معه في العمل ليعوضها عن غيابه الدائم ولتساعده في خدمات التوصيل ورغم حالة السعادة "المؤقتة" التي انتابت الثنائي إلا أن صاحب العمل كان له رأي آخر وانذر ريكي بعدم تكرار المحاولة . أما الزوجة "آبي" فاختار لوتش أن تعمل في رعاية المسنين الذين أغفلوا أيضا صحيح لم تغفلهم الدولة فهي توفر لهم كل عناصر التأمين والحياة لكن منسيون غير موجدين على خريطة عوائلهم أيضا تحت وطأة ظروف العمل القاسي الذي جعل الأبناء لا يملكون الوقت لرؤية آبائهم وتركهم لأشخاص آخرين ، تعمل الزوجة "ابي" بعقد كممرضة تشرف على رعاية المسنين الذين يعانون من فقدان الذاكرة والزهايمر، وقد اضطرت لبيع سيارتها لكي يدفع زوجها العربون الأساسي المطلوب لشراء الشاحنة الصغيرة ، فأصبحت آبي بالتالي مضطرة لاستخدام وسائل النقل العام في الوصول لمرضاها الذين يمكن أن يستغيثوا بها في أوقات متأخرة من الليل لسبب أو لآخر، ولكن آبي لا تعمل فقط من أجل المال الذي تحصل عليه بمشقة بل بدافع إنساني، فشعورها بالمريضات اللاتي ترعاهن شعور تضامن وحنو ورغبة حقيقية في الاستماع إليهن وتقديم المساعدة لهن ، وكلما تبدى وجهها الإنساني الجميل المليء بالصدق والحب ، كلما تمسك بها زبائنها ، زوجته "آبي" امرأة حنونة محبة ولكنها هي ألاخرى تعاني من ظروف عمل قاسية ومجهدة وفي مهنة شاقة تتطلب إنسانية بالغة ألا وهي العناية بالمسنين . يجد ريكي نفسه محاصرا من جميع الجهات . بين شركة تفرض عليه عقوبات مالية إن تأخر ولو دقائق معدودات عن موعد التوصيل ، أو إن استراح لبضع دقائق، وبين عملاء يجب أن يرضي رغبتهم في الثرثرة وإلا شكوه لإدارة الشركة ، ومشاكل أبنه المراهق ، لذا يجد ريكي نفسه في حالة من الإعياء الجسدي والنفسي الشديد ، ولكن المتضرر الحقيقي هو أسرته التي قرر من أجلها العمل في هذه الظروف المجحفة والقاسية . الأسرة هي محور الفيلم وجوهره، أسرة ريكي وأمله في توفير حياة أفضل لطفليه وزوجته هما دافعه للعمل في توصيل الطرود . ولكن الضغط المتواصل والتوتر الدائم اللذين تتسبب فيهما ظروف العمل شديدة القسوة، تهددان أسرة ريكي وتعرضان اتزانها للخطر وتنذران بتفككها وانفراط عقدها. ويواجه الابن الغاضب المتمرد الذي يشعر بتغير علاقته بوالديه اللذين لا يراهما كثيرا كما كان الأمر من قبل ، مشكلات كثيرة في المدرسة ويصبح مهددا بالطرد ، وهو يعبر عن غضبه من خلال رسوم الغرافيكس التي يرسمها على الجدران مع بعض زملائه ، ولا يتورع حتى عن بيع معطفه الشتوي لشراء علب الطلاء ، بينما تعاني شقيقته من الشعور بالوحدة وتنعكس عليها المشكلات الذي تنجم عن توتر العلاقة بين ريكي وآبي بسبب الضغوط والمشكلات التي يواجهها ابنهما العنيد الذي يلقي اللوم دائما على والده بسبب انصرافه عن البيت. تتداعى أحداث كثيرة ، ويقع ريكي في مشكلات كثيرة سواء بسبب ما يواجهه ابنه في المدرسة أو مع الزبائن الذين يوصل إليهم الطرود ، أو مع رئيسه في العمل (غافين)، ذلك المتجبر السادي الذي لا يرحم مهما كانت الظروف ، شعور بالضيق نجده في منزل “ريكي” و”آبي”، والذي بدأ يشهد تكرار الشجارات وتعالي الأصوات بين أفراده ، وهو الشيء الجديد في علاقات هذه الأسرة المتناغمة والتي ترفض عقاب أبنائها بالضرب تجنبا لتكرار تاريخ الأبوين الشخصي ، ورغم تمالك “ريكي” لأعصابه في كل مواجهة مع ابنه إلا أنه يفقدها أخيرا حين يتم فصله من المدرسة لتغيبه المتكرر ، وتنشب مشاداة بينهما تنتهي بصفعه ليخرج “سيباستيان” من المنزل غاضبا، وليسأل “ريكي” نفسه أي ذنب اقترفه في ظل معاناته اليومية لتأمين احتياجات أسرته؟ . بالنهاية يتعرض “ريكي” لسرقة طرود الهواتف النقالة التي كانت بحوزته ويقوم بضربه ثلاثة أفراد ، ويصبون عليه بوله الذي كان في زجاجة في سيارته . وليتخضب بالدماء والبول في مظهر مذل لا يليق برب أسرة مكافح ، ويشوه وجهه من الكدمات وتقفل إحدى العينين فبدلا من أن يعتبرها إصابة عمل ويحصل على أجازة حتى يستعيد عافيته يجد نفسه مثقل بغرامات جديدة ، وفي المشفى الحكومي حين ينتظر مع “آبي” نتائج الأشعة للكسور التي أصابت يديه وأضلعه يتلقى اتصالا هاتفيا من رب عمله ، يخبره أن التأمين غطى شحنة الهواتف المسروقة ، لكن عليه أن يتحمل الـ 100 جنيه إسترليني تكلفة اليوم الذي لم يكتمل فيه العمل لنهايته ، فضلا عن كُلفة جهاز التتبع الإلكتروني الذي دمره اللصوص والبالغ كُلفته ألف جنيه إسترليني يمكن تقسيطها على دفعات . هنا تنفجر “آبي” الزوجة وتتناول الهاتف من يد زوجها لاعنةً صاحب العمل وتخبره أن زوجها مصاب بكسور واحتمال تلف بالرئة وهو يخبره بضرورة دفعه جنيهاته الألف مطلقة من فمها السباب واللعنات في لحظة انهيار سببها القهر لتستفيق وتتراجع وتعتذر لباقي المرضى فيضطرا للانسحاب والعودة للمنزل ، في المساء يقابل “ريكي” ابنه في المنزل ونجده كسابق عهده بوداعته المعتادة ويسأله إن كان في حاجة لأي شيء. يخبره أنه بخير وأنه سعيد بعودته للمنزل . وهنا يظهر التضامن الأسري كما ينبغي ويعود الابن العاق إلى أبيه ويقف إلى جواره ، وتحاول الزوجة أن تفعل كل ما يمكنها لإنقاذ الأسرة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه ، إلا أن آلية الاندفاع الجهنمية في الدوران داخل دائرة العمل والخضوع لعبودية الآلة من أجل توفير القسط الذي يكفي لسد الرمق، في الصباح يُسمع هدير الشاحنة أثناء الحركة فيخرج “سيباستيان” ليجد أباه في الشاحنة وحين يسأله عن وجهته يخبره “ريكي” أنه في طريقه للمشفى للحصول على نتائج الأشعة ، فيعلم كذبه وأنه في طريقه للعمل كي لا يتعرض لمزيد من الغرامات. تحاصره أسرته زوجته وأولاده محاولين اخراجه من الشاحنة فيناورهم ويرجع للخلف منطلقا لوجهته ، يتركنا الفيلم وقد نجح البطل في الإفلات من زوجته وابنته الصغيرة وابنه المراهق الذين حاصروا شاحنة الطرود التي يعمل عليها ، تاركا إياهم ومنطلقا في طريقه. ريكي المحطم جسديا يصر على قيادة سيارته وهو غير قادر ليتجه إلى العمل ولم تفلح محاولات الزوجة والابن للعدول عن القرار.
ينجز لوتش فيلما ينفذ للقلوب والعقول، ويقدم فيلما إنسانيا وآنيا للغاية. هو صرخة لوتش في وجه النظام الرأسمالي وتحذيره من جوره ومن جبروت الشركات . أفضل أداء في الفيلم ، كان للممثلة "ديبي هينوود"، التي تلعب دور الزوجة والام (أبي) الممزقة بين سعادة عائلتها ، وسلامة مرضاها - غالباً ما يتم تجاهلها أو نسيانها من قبل أسرهم - وتقول إنها "راعية" ، ويمنح " كين لوتش" مساحة من الوقت مع آبي حتى نفهم ما يعنيه ذلك: كيف تتعامل معهم بمزيج من الحنان والحزم ، وكيف تضحى بنفسها من أجل الآخرين . وحين تعبر أخيرًا عن إحباطاتها ومخاوفها تجاه نهاية العائلة ، تجعل المشاهد جزءا من العائلة ويتأثر كيف أصبحت ظروف الأسرة الرهيبة . لذا فإن دور آبي وهي صانعة السلام الأسرية دور لاينسى وسوف يتذكرها المشاهد حتى ولو بعد فترة من الزمن. وقام بدور رب الاسرة العامل ريكي الممثل (كريس هيتشن) وكان مقتدرا ومقنعا في دوره .
فيلم يستحق المشاهدة حقاّ.



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (عدوى) - فيلم صدر قبل 9 سنوات لكنه يحاكي ما يعيشه العالم مع ...
- نساء تشرين علامة مشرقة في تاريخ العراق
- حرب التيارات الكهربائية بين توماس أدسون و نيكولا تيسلا في في ...
- فيلم ( 6 ايام)، يعيد الى الذاكرة حادثة اقتحام السفارة الايرا ...
- شجاعة المرأة الكردية وبطولتها في محاربة داعش ينقلها الفيلم ا ...
- المسلسل البريطاني - بغداد سنترال - يعيد الى الاذهان مأساة ال ...
- وداعا لينين الرملي ، الكاتب الذي سخرت اعماله الفنية من الواق ...
- الفيلم السينمائي الايراني -هس!.. البنات لا يصرخن- يطرح قضيةً ...
- الفيلم الالماني (بالون) دراما تجسد لحقبة زمنية من الحرب البا ...
- اليخاندرو خودوروسكي يستلهم سيرته الذاتية ويبني عليها عوالمه ...
- ألثنائي لوريل وهاردي يعود الى الاضواء بعد ستة عقود في فيلم ( ...
- -الحرب التي لا تراها - تحدي لدور وسائل الاعلام في الصراع في ...
- فيلم ( الباباوان) The Two Popes صراع بين التقاليد والتطور، و ...
- فيلم -حارس المرمى- حكاية حامي الهدف الالماني النازي الذي صار ...
- فيلم ( الغراب الابيض) حكاية راقص البالية السوفياتي رودولف نو ...
- دور المرأة العراقية في الحراك الشعبي والانتفاضة العراقية
- حضورالفنان التشكيلي (محمود عبود فهمي) في الحراك الشعبي و في ...
- -رجم ثريا- فيلم يفضح الرياء الديني في التعدي على حقوق المرأة ...
- -أسرار رسمية - فيلم يلقي الضوء على سذاجة العالم أمام أصحاب ا ...
- هل كان الشيخ متولي الشعراوي -كارثة قومية- دجنتها السلطة؟؟


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - فيلم - نأسف، لم نجدكم - صرخة بوجه النظام الرأسمالي وتحذير من جوره ومن جبروت الشركات!!.