أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جلبير الأشقر - تحية لشبيبة السودان الثورية














المزيد.....

تحية لشبيبة السودان الثورية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 09:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



عدتُ في الأمس من زيارة بحثية إلى السودان كان الغرض منها استكشاف آليات الثورة التي اندلعت في بلاد النيلين منذ 19 كانون الأول/ديسمبر 2018 وذلك بغية التمكّن من تقدير مآلاتها بصورة أدقّ وأكثر صواباً مما تسمح به المراقبة من بعيد. وسوف أكتب لاحقاً ما وصلت إليه في زيارتي التي تعلّمت منها الكثير. أما الآن وفي هذا المقال، أكتفي بالإشارة إلى أهم ما أدركته خلال زيارتي، وكنتُ قد أغفلت أهميته بمراقبتي للثورة السودانية من بعيد بلا تواصل مباشر مع فاعلات وفاعلين داخل البلاد. وإن كان لي عذرٌ عن إغفالي هذا، فهو أن الإعلام العالمي نادراً ما يذهب إلى أعمق من سطح الأحداث وما يعوم على ذلك السطح من أقطاب سياسية، كما يركّز الإعلام الإقليمي والمحلّي على مجريات السياسة الفوقية أكثر مما يهتمّ برصد الديناميات القاعدية التي تكمن وراء التطورات الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك فقد وجد ما كنتُ قد أغفلته بعض الصدى في الإعلام السوداني والعربي، لكنّني لم ألتفت لأهميته.
هكذا تابعتُ من الخارج أحداث السودان وأنا أرى في «تجمّع المهنيين السودانيين» و«قوى إعلان الحرية والتغيير» قيادتي الحراك الشعبي العظيم الذي شهدته البلاد. وما أغفلتُ أهميته هو أن إطاراً آخر كان يتحرّك تحت سطح الصراع السياسي الذي تابعتُه من بعيد، وهو إطار صنع الزخم الثوري القاعدي وخوّل «تجمّع المهنيين» لعْب دور الناطق باسم الحراك الشعبي، مفوّضاً إياه سلطة القرار لكن تحت رقابته النقدية. هذا الإطار هو الشبكة الأفقية عظيمة الشأن التي تجمع بين الهيئات الشبابية التي تُطلق على نفسها اسم «لجان المقاومة»، وهي لجان تشكّلت في أحياء المدن كما في قُرى الأرياف وتولّت تنظيم الثورة الشعبية. وقد اهتمّت اللجان أيضاً بتنظيم الخدمات الأساسية من خلال هيئات فرعية سمّتها «لجان الخدمات» (استخدمُ هنا الأسماء المختصرة كما هي متداولة داخل السودان)، إذ حلّت هذه الأخيرة في وظيفة تنظيم الخدمات الاجتماعية وتوزيع السلع الأساسية محلّ «اللجان الشعبية» التي كانت أذرعاً محلّية لنظام عمر البشير المخلوع. وتقوم اللجان بين ما تقوم به بمراقبة المخابز ومحطات الوقود لمنع التهريب في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة القائمة، سواء كان دافع التهريب الجشع أو سعي الدولة العميقة وراء تعقيد الظروف لإفشال عملية التغيير. كما تترافق الرقابة التي تمارسها «لجان المقاومة» على مؤسسات المرحلة الانتقالية بمواصلة الضغط من خلال التظاهرات والتجمعات من أجل إكمال مسيرة التغيير ومحاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين وعن مجزرة فض الاعتصام والدفاع عن الذين انحازوا إلى الثورة في صفوف القوات المسلحة رافضين الانصياع لأوامر القتل.

هذا وتشترك «لجان المقاومة» بسمة أساسية مع ظواهر شبابية شهدتها بلدان أخرى في المنطقة العربية خلال الموجتين الثوريتين اللتين عرفتهما حتى الآن بدءاً من «الربيع العربي» الأول في عام 2011. فلها، على سبيل المثال، بعض السمات المشتركة مع «التنسيقيات» التي عرفها الطور الأول من الثورة السورية عندما كانت ثورة شعبية يقودها الشباب بصورة رئيسية، بيد أن اللجان السودانية أرقى تنظيمياً وسياسياً من مرادفها السوري. كما تشترك «لجان المقاومة» مع بعض الظواهر الشبابية التي عرفتها السيرورة الثورية في بلدان إقليمية أخرى، مثل تونس والجزائر، بسمة ملفتة أخرى هي حساسية إزاء الأحزاب التقليدية، بل والصيغة الحزبية بوجه عام. ذلك أن «لجان المقاومة» تضمّ غالبية واسعة من غير المنتمين إلى أحزاب إلى جانب أقلية من المتحزّبين الذين لا يجاهرون بانتماءاتهم الحزبية ويحترمون استقلالية اللجان، ولا سيما بينهم الشيوعيات والشيوعيون ذوو الدور البارز في كل فعاليات الثورة السودانية. وتترافق هذه الحساسية بأخرى رافضة للهرَمية والمركزية بحيث تربط بين «لجان المقاومة» أشكالٌ من التنسيق الأفقي لا تتخطّى المهمة التنسيقية إلى مركزية القرار. هذه اللجان هي صيغة طريفة من التنظيم الذاتي المحلّي، آثرت ألّا تشكّل تنظيماً هرمياً توجّهه قيادة منبثقة عنه. وهو سبب تفويضها إلى «تجمّع المهنيين السودانيين» صلاحية النطق باسم الحراك الشعبي والقيام بدور محطّته الإعلامية، وقد تكفّل التجمع بمهارة بتنسيق الحراك الشعبي ونقلِ صدى شتّى مكوّناته من خلال موقعه على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
في سودان اليوم شرخٌ ملموس بين الجيل الجديد الذي شكّل الجسم الأساسي من الحراك الشعبي، والذي يتميّز بأهمية المشاركة النسائية النشطة في صفوفه، والأجيال السابقة المهيمنة على الحياة الحزبية والتي تتمسّك بتلك الهيمنة، غير فاسحة للمجال أمام الشبيبة وأمام النساء لتولّي القيادة. وقد اختبرتُ ذلك الشرخ من خلال تجربة شخصية حينما تمرّد العديد من الشابات والشباب الحزبيين، فضلاً عن غير الشباب وفضلاً عن الرأي العام خارج الدائرة الحزبية، تمرّدوا على قرار قيادة حزبية سلكت سلوكاً مؤسفاً، مستمدّاً من عصر بائد ومن أسلوب أرسته دولة بيروقراطية انتهى بها الأمر إلى الانهيار والخروج من التاريخ بعد أن انحصر الحكم فيها بين أيدي بضعة رجال هرمين.
فنظّم طلبة في كلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في جامعة الخرطوم ندوة سياسية حاشدة تحدّثتُ فيها عن «الربيع العربي»، وذلك إثر قرار القيادة الحزبية المقصودة إلغاء الندوة التي كانت قد دعتني إلى إحيائها في مركز حزبها في اليوم والساعة ذاتهما، وقد ألغتها بتعليل ردّد ما وصلها من أصداء الحملة التي تعرّضتُ لها قبل أسابيع من قِبَل بعض التكفيريين «الممانعين» الذين لا يمانعون قط من تأييد أنظمة تبطش بالانتفاضات الشعبية، على غرار النظام الإيراني الذي كانت له مساهمة ملحوظة في تدريب أجهزة نظام عمر البشير على فنون القمع والتعذيب.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أردوغان ومخاطر لعب الشطرنج مع بوتين
- هل فشلت اتفاقيات أوسلو أم نجحت؟
- أرادها نتنياهو “فرصة القرن” فهل ينتزعها الفلسطينيون؟
- دعهم إذاً يأكلون الكعك…
- تكامل الأدوار بين تركيا وروسيا
- لا أمريكا ولا إيران…
- 2019 وداعاً…
- دراسة الدولة والثورة في المنطقة العربيّة من منظورٍ ماركسي
- البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد
- حكم آل الأسد: رفعت نموذجاً
- تحية لشعب إيران الثائر والمعارضة الوطنية
- الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً
- الثورة على أصحاب المليارات
- «الممانعة» والطغيان الأجنبي
- العراق ولبنان والنموذج السوداني
- تحيا «المؤامرات»!
- حراك لبنان، الطائفية والسيرورة الثورية في المنطقة
- الثورة عنوان هذا الزمن… وستبقى
- هديّة ترامب وأردوغان لبوتين والأسد
- في مخاطر الاتكال على «عرّاب» غريب الأطوار


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جلبير الأشقر - تحية لشبيبة السودان الثورية