أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدي مروان ورده - المستقبل في مخبز الغيب سوريا و العقد القادم















المزيد.....


المستقبل في مخبز الغيب سوريا و العقد القادم


عدي مروان ورده

الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 21:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المستقبل هو النتاج المباشر و اللصيق للعمليات و التفاعلات الحادثة في الحاضر, و بالتالي دقة تصور واقع ما مقترنة بمدى استيعاب آلية سير العمليات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و المعرفية في حاضره, بالإضافة إلى استقراء تفاعلاتها مع بعضها على حاضر هذا الواقع, و إذا نظرنا إلى الأحداث التي أنتجت الواقع السوري و تفحصنا العوامل المولدة لها و التغيرات التي طرأت عليها من أجل خلق تصور لمستقبل هذا الواقع, نرى أن العوامل المنتجة لكارثية الواقع السوري لم تعالج إنما تفاقمت على الرغم من دخول العمليات العسكرية الكبرى في الحرب السورية مرحلة السكون نتيجة التوافقات الإيرانية الروسية التركية القوى الفاعلة في الحرب السورية و التي لا نعلم مدى تماسكها و مدى ديمومتها في خلق توازن بين مصالح القوى الثلاث على الأخص مع إعادة تفجر عنيفة المعارك في ريف حماة الشمالي و محيط محافظة ادلب بين فصائل المعارضة و قوات النظام بمساندة جوية روسية لصالح النظام مع تحقيق تقدم طرفي لصالح الأخير .
التشوهات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و المعرفية في بنية الواقع السوري ما قبل آذار 2011 استشرت بشكل مكثف ضمن بنيته في السنوات اللاحقة مفرزة مشاكل أكثر فجاعةً و متطلبة أضعافاً من التكلفة من اجل البدء بتجاوزها, ملامح هذه التشوهات في البنية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية السورية أشار إليها الأستاذ محمد جمال الباروت برصد مفصل في كتابه " العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية جمود و الإصلاح"(1) بدءاً من التشوه المرئي الواضع للعيان ما قبل عام 2011 بين حواضر المدن الكبرى و أحيائها الطرفية المتاخمة للريف و المتداخلة معه و حتى ريفها نفسه, فكان لدينا مراكز مدن بأطراف مشوهة خدمياً و عمرانياً و مخلخلة اقتصادياً و اجتماعياً و من مظاهر التشوه أيضاً تحويل نمط الإنتاج الزراعي في الريف من نمط إنتاج أساسي إلى نمط إنتاج ثانوي نتيجة سياسة تمدين الريف أي تحويل القرى إلى مدن صغيرة و نتيجة أيضاً لرفع الدعم من المحروقات اللازمة في الإنتاج الزراعي و ارتفاع مدخلات الإنتاج, بالإضافة إلى عجز مائي خطير ترافق مع التوسع الصناعي, و الأحياء العشوائية على الأراضي الزراعية نتيجة الهجرة الداخلية على الأخص في أطراف المدن المليونية ( دمشق-حلب) فكان لدينا انهيار خطير لقسم كبير من الطبقة الوسطى الفلاحية. أما التشوهات في القطاعات الصناعية و الحرفية فتجسدت بإفلاس و تعطل آلاف المنشآت الصناعية الصغيرة و المتوسطة, وذلك لعدم قدرتها على منافسة البضائع القادمة من أسواق شرق آسيا و من السوق التركي و كل ما سبق كان نتيجة حتمية للسياسات التسلطية المتلبرلة التي تنبتها الحكومة السورية في ذلك الوقت, و التي أدت إلى انهيار قسم كبير من أبناء الطبقة الوسطى الفلاحية و الحرفية إلى مستوى خط الفقر و ما دونه وشكلت هذه الفئات المنهارة الخزان البشري للاحتجاجات التي تصاعدت منذ منتصف آذار عام 2011.
أما بالنسبة للفئات التي استفادت من سياسات التحرير الاقتصاد و التي تمثلت بفئة الموظفين و العاملين بقطاعات الدولة المختلفة بالإضافة إلى العاملين في حقل التجارة و بعض رجالات الأعمال على الأخص مراكز المدن المليونية (دمشق- حلب) و التي ساند قسم منها النظام وتحفظ قسم آخر منها على المشاركة في الانتفاضة ضده آملاً في الحفاظ على استقرار مكتسباتها(2), و طبعاً هذه الأمل تكسر على صخرة استهلاك النظام لطاقات الدولة السورية في السياسات القمعية و في المواجهات العسكرية و استنزافه للقوى الشابة ضمن قواعده و في المناطق الواقعة تحت سيطرته في هذه المواجهات, يضاف إلى ذلك وضع قسم من موارد الدولة السورية تحت تصرف شركات إيرانية روسية من خلال عقود مجحفة, إضافة لوجود موارد نفطية و غازية خارج نطاق سيطرته في بعض مناطق الجزيرة و الشمال الشرقي, كل العوامل السابقة أدت إلى انهيار محتوم للفئات الاجتماعية التي انتعشت من تحرير الاقتصاد و أدخلتها في أزمة معيشية و خدماتية خانقة, و بالتالي نفدت جميع المكتسبات التي دفعتها على مساندة النظام أو على التحفظ على المشاركة بالانتفاضة ضده, ترافق هذا التفاقم بالانهيار المعيشي و الخدماتي مع انحسار فصائل المعارضة المقاتلة من مناطق عديدة على الجغرافيا السورية إلى منطقة ادلب, بالإضافة إلى آفول شبه كامل لتنظيم الدول في الأراضي العراقية و السورية باستثناء جيوب صغيرة, كل ذلك أدى إلى تركيز الانتباه ضمن الوعي الاجتماعي العام لقواعد النظام و الفئات التي تعتبر نوعاً ما حيادية إلى مسألة الانهيار المعيشي و التنموي, و قد عبر هذا الاستياء العام بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي , و قد ناشد فنانين سوريين من المحسوبين على فئة الموالين رأس النظام السوري باتخاذ إجراءات صارمة اتجاه رموز الفساد و القيام بإصلاحات اقتصادية عاجلة و ذلك ضمن استمرارية لنفس التعاطي السياسي المعكوس الذي يفصل رئاسة الجمهورية عن منظومة العمل الحكومي رغم تمفصل جميع السلطات فيها دستورياً, بالإضافة إلى تمفصل رأس النظام العضوي مع منظومة الفساد الأمنية و العائلية,و في فيديو انتشر في وقت سابق على مواقع التواصل الاجتماعي علق أحد المقربين من الدائرة الضيقة لمنظومة الحكم في سوريا المدعو وسيم الأسد على الانتقادات المتزايدة و الاحتقان المتراكم ضمن فئات موالية و محايدة على الوضع المعيشي و الخدماتي الخانق بأن كل هذا عبارة عن مؤامرة تستهدف تحريض الشعب ضد النظام اقتصادياً وذلك تعبيراً عن استمرار نفس الذهنية التي ترى أن آي ربط بين كارثية الواقع المُعاش و أداء عمل النظام السياسي هو عمالة لصالح قوى أجنبية.
إن الفترة القادمة و بدايات العقد القادم تنبئ بمزيد من الخلل في العلاقة بين النظام و قواعده بما ينبئ بدوره بمزيد من الاضطرابات و التناقضات ضمن هذه القواعد و التي ستؤدي إلى حالة اقتتال وإلى مزيد من الفوضى ضمن البنى الاجتماعية المشكلة لهذه القواعد, أما بالنسبة للمعارضة السورية و شخصياتها فهي أساساً غير منتجة لقواعدها نتيجة التماهي التام للسلطة السورية مع الجهاز السياسي و بالتالي عدم السماح لهذه الشخصيات بتشكيل تنظيمات و كيانات سياسية تساعدها على بناء قواعد داخل تركيبة المجتمع السوري مما اضطرها للتحرك خارج إطار الدولة و المجتمع مما جعل تأثيرها إلى حد كبير معدوم في البنية الموضوعية للواقع الجيوسياسي و الثقافي و الاجتماعي السوري, إن اختلاف المنشأ الأهلي و أسباب تكون الوعي السياسي لشخصيات المعارضة مع اختلاف ترتيب الأولويات في بناء الدولة و شكلها و علاقاتها مع الداخل و الخارج حال دون تشكل مشروع سياسي كامل في تفاصيله ممكن دفعه إلى حيز الوعي الجمعي للمجتمع السوري من أجل بناء قواعد اجتماعية داعمة له أو طرحه إقليماً و دولياً من أجل البدء بمحاولة خلق سياقات لتفعليه و تطبيقه, مع تشكل المجلس الوطني الذي هو أكبر تجمع لشخصيات المعارضة بعد إعلان دمشق تم محاولة إلصاق هذا التجمع على الفئات المنتفضة ضد النظام وتم نفس الأمر مع توسعة هذا التجمع تحت مسمى الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة, محاولة تركيب المعارضة السياسية على القوى الثائرة انتهى إلى الانفصام و التلاشي لأنه تركيب فرضته ضرورة المرحلة ولم يأتي من تكون خطاب و وعي مشترك بين القواعد و كيانات المعارضة و لأن القوى الثائرة على الأرض مرتبطة بالوعي المحلي المحكوم بنتائج المواجهات على الأرض و دمويتها و موازين القوى التي تفرضها, أما المعارضة السياسية فيتحكم في خطابها الرؤى و الحسابات الشخصية و تعصف بها التفاهمات الإقليمية و الدولية, و على ضوء هذا انتقلت المعارضة من محاولة التجمع و التفاهم و تعميق تشابكها مع الحس السياسي العام للقوى المنتفضة إلى تعميق التشرذم في نظرتها إلى أولويات و شكل العمل السياسي و إلى توزيع أسباب و أدوار الفشل و تسجيل النقاط بين القوى و الشخصيات المتمثلة فيها. و بالمحصلة الشعب السوري يدخل العقد القادم بلا سياسية تدير أو تسعى إلى إدارة موارد و طاقات الدولة و علاقاتها الخارجية لخدمة مصالحه, فلا معنى لوجود أي شخصية سياسية ما لم تمثل هواجس و مصالح وعي جمعي لفئة اجتماعية ما تدفع به إلى حيز السياسي, و كنتيجة لغياب سياسة سورية فإن الجهاز السياسي في بدايات منتصف العقد القادم بعد إزاحة محتملة للأسد سيتشكل على أسس التعامل مع التفاهمات الإقليمية و الدولية و تجاذباتها و ستكون أولوية إدارة موارد الدولة و طاقاتها لصالح القوى الإقليمية و الدولية النافذة فيه, و طبعاً سيستلم هذا الجهاز السياسي الدولة السورية بنمط و إنتاج زراعي و صناعي مدمر يحتاج إلى إعادة تأهيل, بالإضافة إلى بنية تحتية مدمرة بالكامل تقريباً مع مستويات عالية جداً من البطالة ضمن الفئات الشابة التي استنزفتها الحرب و غيبتها عن سوق العمل, علاوةً على عشرات الآلاف من الأطفال المشردين و المنقطعين عن التعليم, و سيحكم هذا الجهاز السياسي كتل اجتماعية منفصمة عن بعضها حد التنافر, ولا يمثلها و إنما ركب عليها بالتوافق الإقليمي و الدولي, و سيتحمل عبء ديون و عقود ألزم النظام الدولة السورية بها لصالح شركات روسية و إيرانية و التي لا توجد لحد الآن بيانات مفصلة و دقيقة عن حجمها و طبيعتها القانونية, و هكذا سيأفل عهد البعث في العقد القادم بأخذه الوضع الجيوسياسي و الاجتماعي و الاقتصادي السوري إلى دمار و تهالك.
و إذا كان لابد من خلق مشروطية و حتمية لسير الواقع السوري نحو مستقبل أفضل من قبل القائمين على الجهاز السياسي الذي سيرث هذا الوضع المتهالك, فيجب في البداية رصد جميع هذه التشوهات في قطاعات الدولة و في البنية الاجتماعية التي أدت إلى هذا النكوص الكارثي في الواقع السوري, و بعد هذا الرصد المفصل يجب انتهاج سياسات النهوض التنموي التراكمي و عدم احتكار ثمار نمو محتملة في قطاع من القطاعات و توزيعها على قطاعات الدولة الأخرى و ذلك في حال فرضت الضرورة أسبقية تركيز سياسات التنمية على قطاع قبل قطاع آخر, و يجب على الجهاز السياسي ألا يهمل هواجس مشكلة لوعي ذو ثقل ضمن فئة اجتماعية معينة تريد أن تعبر عن هذه الهواجس ضمن الحيز السياسي و يجب أن يقترن السماح للفئات الاجتماعية بالتعبير عن هواجسها العامة بالتفاوض على الجوانب التي تريد أن تعبر عنها في حال كانت ستصطدم مع تراكم عمليات تمثيل للفئات الاجتماعية الأخرى التي تريد أن تعبر غن نفسها أيضاً ضمن المجال السياسي أيضاً أو إذا كانت ستعيق تشكل تجمعات جديدة ضمن المجتمع اتفقت على صيغ و هواجس و وعي جمعي جديد من أجل دفعه إلى الفضاء السياسي, و بالتالي فإن السلطة إذا أنكرت و منعت التعبير عن وعي له حضور بارز ضمن فئة اجتماعية كبيرة, فإن هذا المنع سيؤسس لبداية تراكم تشوه في دينامكية تمثيل الجهاز السياسي لسير حركات الوعي للفئات الاجتماعية التي تريد أن تعبر عن هواجسها من خلاله و سيدفعها أيضاً إلى إيجاد مسار مشوه تصرف رؤيتها للواقع من خلاله, و إن هذا الوعي الجمعي المشوه إذا لم يتم استيعابه في الفضاء السياسي مع إعادة تشذيبه مع تمثيل الطبقات و التشكيلات الاجتماعية ككل فإنه سيراكم مسارات من الوعي المشوه و التي كلما طالت مدة حجبه عن الفضاء السياسي وتم قمع كل المحاولات للوصول إليه فإنه سيصيب بنى وعي لفئات اجتماعية أكثر إلى أن يصل إلى تشكيل شبكة كاملة من المسارات المشوهة من الوعي لكل الكتل الاجتماعية البارزة و التي تختزل تقيمها للواقع من خلال هذه المسارات و إذا أخذنا مثال رفض حزب البعث التعبير عن الحالة الإسلامية المدينية المحافظة الممثلة بالإخوان المسلمين و التي كانت قبل استيلائه على السلطة في حالة آخذ و رد بين قمعها تارةً و السماح لها بالتمثيل البرلماني تارةً أخرى, و التي بالإضافة إلى حظرها سياسياً (3) اعتبرت قيادات البعث أن قواعد الإخوان في المجتمع حالة رجعية يجب القضاء عليها وقد ترتب على هذه الذهنية من عمليات قمع موغلة في الدموية, و هذا المنع الدموي لوصول تيار إسلامي إلى السلطة في عهد البعث أدى إلى تصاعد السلفية الشعبوية كالنار في الهشيم بعد بدء الثورة السورية بفترة وجيزة حتى في مناطق ريفية كانت غير محسوبة على أنها قواعد للإخوان لا وبل حتى في أرياف كانت تعتبر كقواعد داعمة للبعث, و الذي ترافق مع تصاعد الكيدية العصبية لدى معظم الكتل الرئيسية للشعب السوري, التي لازال لها الحضور الأبرز إلى حد هذه اللحظة, مما يعني أن الشعب السوري يدخل العقد القادم بدون حد أدنى من الرشد الاجتماعي الجمعي لتنظيم العلاقة بين كتله الرئيسية.
و في المقابل إذا أخذنا الثورة الإيرانية كنموذج مضاد للحالة السورية لوصول وعي شعبي مقموع إلى الحيز السياسي و تساهل المنظمات اليسارية و الحركات الطلابية مع استيلاء هذا الوعي الشعبي الإسلامي على الحيز السياسي و الذي أدى لاحقاً إلى سحق جميع التوجهات اليسارية و الليبرالية و القومية في المجتمع الإيراني و الذي أدى استمرار تعطيل آليات التمثيل في الجهاز السياسي و لكن بشكل أكثر حدة وصرامة من خلال توسيع حيز القمع ليكون أكثر شمولاً في عهد الجمهورية الإسلامية مما كان في عهد الشاه.
و بالتالي فإن النموذجان السوري و الإيراني بالإضافة إلى النموذج العراقي في ظل البعث و ما بعده يثبتون جميعاً بأن عدم السماح بوصول صوت لأحد الكتل الرئيسية في المجتمع إلى الحيز السياسي سيؤسس كما أسلفت لتراكم مسارات لوعي عصبوي جمعي مشوه و التي على طول المدة تشكل شبكة متكاملة تُصرّف من خلالها الرؤيا للذات الجمعية و للفرد و للجماعات الأخرى أو الآخر بشكل عام و إن الضغط الاقتصادي و الاجتماعي و القمع السياسي يجعل هذا المسارات أكثر ضيقاً و اختزلاً للرؤية العصبوية سواء أ كان بنظرة الجماعة لنفسها أو لأفرادها أو للجماعات الأخرى أو لحركة الواقع بشكل عام إلى حد قد تصبح هذه الرؤية منفصلة بشكل تام عن قراءة الواقع و عن العوامل المحركة له و هذا يفسر نشوء أدبيات شعبوية في المحيط الجيوسياسي لهذه الأنظمة تبرر الاستباحات الكبرى سواء التي قامت بها الأنظمة أو قوى محلية و التي هندست وصقلت الأنظمة رؤيتها العصبوية الجمعية المشوهة وهذا يوضح سرعة انهيار الرشد الاجتماعي و السياسي عند وقوع الأزمات الاجتماعية و السياسية لصالح بروز الشبكة العصبوية التي رعتها الأنظمة و جذّرتها في المجتمع لتصبح هذه الشبكة هي الناظم الوحيد بين الكتل الرئيسية في المجتمع و بين المجتمعات و أفرادها.
أما جتياح وعي شعبي للحيز السياسي كما في الحالة الإيرانية من دون التفاوض على حدود تفويضه المؤسسي فإنه سيراكم مسارات من الوعي الجمعي المشوه و لكنه سيفرضها بشكل رأسي على المجتمع أي على البنية الفوقية الاجتماعية وذلك على العكس من أنظمة البعث في سوريا و العراق و التي نمت هذه الشبكة من المسارات الجمعية للوعي المشوه في البنية التحتية للمجتمع, وبالتالي إذا كان النظام السياسي في سوريا يريد أن يبييء لرشد اجتماعي و سياسي يخلق مناعة ضد هذه الاستباحات و يجعلها جزء من ماض قاتم عليه أن يفتح الفضاء السياسي لجميع التيارات الاجتماعية التي تريد أن تعبر عن نفسها في فضائه من دون السماح لها بأن تعطل وصول تيارات أخرى إلى هذا الفضاء أو أن تتوغل عليه و تغلق أبوابه و ألا يعطى لها تفويض بالمساس بالحريات المدنية و الدستورية للأفراد الذي يعيشون في فضائها الاجتماعي.
في الختام أريد أن أشير بشكل موجز إلى معايير التعاطي مع المستقبل في الثقافة السورية الشعبية من خلال أخذ أمثلة و مقولات من الوعي الشعبي العام و التي من الممكن أن تعطي سمات عامة لهذه المعايير ك " أن الرزق على الله " أو " اصرف ما في الجيب يأتيك مافي الغيب" أو " أن المولد جديد تأتي معه رزقته", هذه المقولات تمثل تعاطي الوعي الشعبي السوري العام مع المستقبل و الذي هو تعاطي قدري و غيبي بمعنى أن حدث ما قد يحصل في المستقبل دون وجود وقائع أو أسباب تنتجه فكيف يمكن لدخل الفرد (الرزق) أن يؤمن متطلبات صاحبه أو أن يزيد دون اقتصاد يفضي إلى تنمية مستدامة تؤدي إلى رفع الأرصدة في الخزينة العامة للدولة و التي يجب أن تترافق ضمان انعكاس هذه الزيادة على جميع الأفراد مع اختلاف القطاعات التي يعملون بها و إذا أخذنا تصور الفئة المنحازة للنظام لمستقبل الاقتصاد السوري بعد سيطرة قوات النظام السوري على معبر نصيب الحدودي مع الأردن, هذا التصور الذي كان مشحون بتفاؤل انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية و بداية عودة الاقتصاد السوري إلى حالته قبل عام 2011, و طبعاً هذه التفاؤل تلاشى أمام استمرار انهيار الليرة السورية و تعمق الأزمات الخدماتية على جميع الأصعدة بشكل عام و بشكل خاص في مجال موارد الطاقة و المحروقات وذلك نتيجة حتمية لاقتصاد منهار يعاني من تشوهات جوهرية في قطاعات الصناعة و الزراعة و لديه بيئة غير مستقرة و نابذة للاستثمارات بل تضيق عليها و تحاربها, و من الاستحالة طبعاً أن يتعافى الاقتصاد السوري لمجرد تأمين طريق حدودي يصل سوري بدولة مثل الأردن و التي تعتبر المساعدات جزء أساسي من الاقتصاد الريعي لديها, و إن هذا التعاطي يتكرر مع كل تقدم يحققه النظام و لكن باندفاع أقل و تشكيك أكبر.
و إذا خذنا مثال آخر كالدعوات إلى إقامة دولة كردية أو إسلامية كحالة تطبيقها ينتج للمسلمين أو للأكراد مستقبل أكثر ضماناً لازدهارهم و التي هي في معظمها خالية من مناقشة تفاصيل كيفية إدارة ثروات الدولة من أجل خلق تنمية شاملة و مستدامة بالإضافة إلى عدم التطرق إلى الاستثمار في العلاقات الإقليمية و الدولية و كيفية ضمان الحريات المدنية و السياسية و الاجتماعية و الفردية و مدى انفتاح هذه الدول في حال إقامتها على المحيط الجيوسياسي المحيط بها, و على الرغم من أن هذه الدعوات تبقى في الإطار الإيديولوجي الدوغمائي المحض, إلا أن عدم مناقشة كل التفاصيل السابقة بعملية و جدية و أفق أوسع فإنها لا تحمل في طياتها حد أدنى لأي مشروطية على الإطلاق لإنتاج مستقبل أفضل للأفراد الذين تشملهم, وهذا ينطبق أيضاً على تفاعل الكتل الرئيسية للشعب السوري مع الأحداث و في تعاطيها مع المستقبل بشكل عام و الذي لا يحتوي بدوره على أي مشروطية بأخذ الواقع السوري إلى مستقبل أفضل.
**************

المراجع و الهوامش:
1- العقد الأخير في تاريخ سورية " جدلية الجمود و الإصلاح" ص 312-313-314
2- العقد الأخير في تاريخ سورية " جدلية الجمود و الإصلاح" خزان الفئات الوسطى ص 368

3- "شارك الإخوان في حكومة خالد العظم لتحظر مكاتبهم في عهد الشيشكلي ثم عادوا للمشاركة في عهد الآتاسي عام 1954 انظر " https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D9%81%D9%8A_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7"



#عدي_مروان_ورده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطقوس مقابل الدولة
- عنف بلا شكل - بحث في مسألة العقوبات من الحوار الإسلامي العلم ...
- هرم الإرهاب
- الاصطفاف الضائع


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدي مروان ورده - المستقبل في مخبز الغيب سوريا و العقد القادم