أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحسين بوزيل - حوار مع الاقتصادي ميلتون فريدمان على ضوء الاجتماع الدوري للبنك المركزي المغربي (مارس 2019)















المزيد.....


حوار مع الاقتصادي ميلتون فريدمان على ضوء الاجتماع الدوري للبنك المركزي المغربي (مارس 2019)


الحسين بوزيل

الحوار المتمدن-العدد: 6179 - 2019 / 3 / 21 - 09:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




انعقد الاجتماع الدوري للبنك المركزي المغربي في يوم 19 مارس 2019 بمقر البنك بالرباط وقد تم خلال هذا الاجتماع اتخاذ قرارات تهم المغاربة جميعا وذلك بعد تحليل المعطيات الاقتصادية محليا و دوليا. بعد الاجتماع نظم السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب ندوة صحفية استعرض خلالها القرارات المتخذة على ضوء المعطيات المتوفرة للبنك.
قبل عرض اهم ما جاء في عرض السيد الجوهري نقترح في هذه الورقة البحثية تناول موضوع السياسة النقدية المغربية وفق النقط التالية: في المبحث الثاني سنستعرض اهم المؤشرات الاقتصادية المميزة للاقتصاد المغربي. اما المبحث الثالث فسنخصصه لإجراء حوار مع المفكر الاقتصادي الامريكي المُنَوْبَلْ ميلتون فريدمان لاستطلاع آرائه حول الوضعية الاقتصادية بالمغرب وعلاقتها ببعض نظرياته في السياسات المالية و النقدية.
• المبحث الاول: اهم ما جاء في تقرير والي بنك المغرب
كما جرت العادة في السنوات الاخيرة، عقد عبد اللطيف الجوهري والي بنك المغرب ندوة صحفية سلط الضوء خلالها على مجموعة من النقط نوردها كما يلي:
- قرار البنك المركزي المغربي عدم تغيير معدل الفائدة المعمول به حاليا وهو في حدود 2.25 في المئة.
- على مستوى الظرفية الاقتصادية العالمية، سجل بنك المغرب تدهور المناخ الاقتصادي العام بأوروبا كشريك اقتصادي اساسي بالنسبة للمغرب، نفس المعطى بالنسبة للاقتصاد الامريكي الذي يعاني من ضعف نسب النمو رغم ما اسماه المتحدث بلجوء الرئيس الامريكي ترامب الى سياسة دعم الانفاق الحكومي من خلال الميزانية العامة. كما سجل تراجع معدل النمو في الصين واستقراره في الهند.
- على مستوى الظرفية الاقتصادية الوطنية، لاحظ والي بنك المغرب ان معدل النمو الاقتصادي ضل ضعيفا و اكد ارتباط هذا النمو بالقطاع الفلاحي الذي يعرف هذه السنة عجزا مقارنة مع السنة الفارطة حيث يتوقع محصول من الحبوب لا يتجاوز 60 مليون قنطار اي اقل من السنة الماضية بما يزيد عن 20 مليون قنطار.
- على مستوى الاداء المالي للاقتصاد الوطني، سجل المتحدث ان معدل التضخم عرف ارتفاعا ملحوظا في السنة الماضية بلغت نسبته 1.9 في المئة مقابل 0.7 في سنة 2017. و يرجع ذلك حسب تحليله الى تأثير تغير اثمان المواد الغذائية على مؤشر حساب معدل التضخم.
- استقرار نسبي بالرغم من بعض التراجعات للقروض الممنوحة للفاعلين الاقتصاديين وذلك بفعل استقرار معدلات الفائدة المطبقة من طرف الأبناك.
- استقرار المعدل الحقيقي لصرف العملة الوطنية مقابل الاورو و الدولار وتسجيل بداية جيدة للنظام الجديد لصرف العملات المعتمد في السنة الماضية حيث لم يوجه للبنك المركزي اي طلب تدخل مما يفيد ان سوق العملات على الطريق الصحيح.
- اتخاذ البنك المركزي لمجموعة من الاجراءات التحفيزية للمقاولة الصغرى من اجل انعاش التشغيل و خلق الثروات.
- انتقاد بعض وكالات تقييم اداء قطاع الأبناك و اتهامها بعدم الموضوعية.
تلكم اهم النقاط التي تحدث عنها والي بنك المغرب الذي تبين خلال عرضه لتقرير اجتماع مجلس البنك اعتماده على سياسة الحذر و اتخاذ جميع الاحتياطات لتفادي اي تداعيات سلبية للسياسة النقدية. لقد استعمل عدة مرات طيلة عرضه كلمات من قبيل "(تدريجيا، بدون تسرع، الاحتياط...)" مما يبرز كما اشير في و رقات بحثية سابقة الى ان والي بنك المغرب الحالي يمكن تصنيف سياسته المالية ضمن نموذج K. ROGOFF لتحليل سلوك محافظي الأبناك المركزية.
• المبحث الثاني: بعض المؤشرات الاقتصادية بالمغرب
ان الاقتصاد المغربي و بالرغم من بعض القفزات النوعية التي سجلها خلال العقدين الاخيرين يبقى اقتصادا هشا يرتكز بالاساس على القطاع الفلاحي المرتبط هو الاخر بالعوامل المناخية و بما تجود به السماء من امطار (انظر في هذا الباب منصوري ابراهيم 2009 و الحسين بوزيل 2019). تبرز معظم الدراسات المتخصصة ان نمو الانتاج الداخلي الخام بالمغرب مرتبط اشد الارتباط بكميات الامطار المسجلة في السنة الماضية و في السنة الجارية. وقد ابانت الدراستين الامبريقيتين المشار اليهما سابقا ان مرونة مردود محصول القمح تتجاوز الوحدة بكثير حيث ان ارتفاع المحصول بمئة في المئة (100%) يؤدي الى ارتفاع معدل النمو ب 1.82 نقطة مئوية وذلك حسب تقديراتنا خلال الفترة الممتدة بين 1960 و2017 (بوزيل الحسين 2019).
الاقتصاد المغربي يغلب عليه الطابع الغير المهيكل المتميز بأنشطة اقتصادية ضعيفة المردودية و غير منتجة للقيمة المضافة بنسب قد تسمح ببروز طبقة اجتماعية واسعة بإمكانها تطوير منتوجاتها في اتجاه الاندماج في القطاع المهيكل. ورغم هذه الهشاشة فان التقديرات تتحدث عن كون القطاع الغير المهيكل يساهم بأكثر من عشرون في المئة من الناتج الداخلي الخام بدون احتساب مساهمة الفلاحة اي ما يمثل اكثر من 15 مليار يورو. اما اذا اخذنا بعين الاعتبار القطاع الفلاحي الغير المهيكل فان النسبة قد ترتفع الى اكثر من اربعين في المئة من الناتج الداخلي الخام. فقط من خلال هذه النسب يمكن ان نستنتج الدور المحوري الذي يلعبه هذا القطاع في التشغيل بالمغرب فبحسب دراسة اعدتها كنفدرالية الشركات المغربية فان هذا القطاع يشغل 2.4 مليون عامل دون احتساب العاملين بالقطاع الفلاحي.
يتميز الاقتصاد المغربي كذلك بنسبة مرتفعة من البطالة التي تتجاوز 10 في المئة كمعدل عام، يعاني منها بالخصوص الشباب المتخرجين من المعاهد و الجامعات و مؤسسات التكوين حيث تبلغ النسبة في اوساط هذه الفئة اكثر من 40 في المئة. كما نشير الى ان هذه الاحصائيات يبقى مدى صدقيتها ضعيفا لان معظم المشتغلين في القطاع الغير المهيكل لا يتلقون اجرا يمكنهم بالفعل من تلبية حاجياتهم بل ان الامر في بعض الاحيان لا يعدو ان يكون رغبة الفرد في تفادي لقب "بطالي" ذا حمولة اجتماعية سلبية خصوصا في الاوساط الشعبية الاكثر فقرا. كما ان اهم معوقات سوق الشغل بالمغرب مرتبط بعوامل ثقافية تتجلى في استمرار غلبة منطق القبيلة او لنكن اكثر تحظرا منطق العشيرة و العائلة. كما تلعب الصورة النمطية التي كونت عن القطاع العام كمشغل دورا سلبيا اذ يعتبر هذا القطاع مجالا لا يتطلب بذل مجهودات كبيرة او التوفر على كفاءة خاصة وكل ملتحق به يضمن دخلا قارا وغير مطالب بمردودية تبرر هذا الدخل. رسخت هذه الصورة بفعل ممارسات عديدة كالمحسوبية و الزابونية أو ما يطلق عليه المغاربة "باك صاحبي او عندو جداه في العرس" فاصبح الكل يرغب في العمل في القطاع العام عوض التوجه نحو القطاع الخاص كمحرك اساسي لعجلة التنمية. كما ساهمت هذه الممارسات في القطاع العام في خلق شبكات متقاطعة تهدف الى التحكم في اهم المناصب و محاربة كل رغبة من الدولة او من الافراد في جعل مبدأ الكفاءة هو المحدد في تقييم اداء العاملين في هذا القطاع. يستميت المتشبعون بهذه الثقافة وهم منتشرون في جل القطاعات في الحفاظ على مكامن غير شفافة لتكريس منطق القبيلة و الزمالة و العلاقات النفعية في تقييم العمل في المرفق العام تحت يافطات من الشعارات الرنانة التي تصطدم بواقع مر تغلب عليه الشخصانية ويدفع ثمنه كل من يخالف التوجه المرسوم حتى لو كان على حساب المصلحة العامة.
ان المغرب يعاني كذلك من تراجع معدلات الاستثمار الخارجي المباشر، كما ان اغلب القطاعات المستهدفة بهذا الاستثمار هي قطاعات لا تشكوا من اي اختلالات بل هي قطاعات منتجة لقيم مضافة مرتفعة. لم ينجح الفاعل العمومي في توجيه هذه الاستثمارات على قلتها نحو قطاعات جديدة بل بقي الامر على مستوى قطاعي السيارات و الطيران و هي مجالات لا يمكن للمغرب ان تكون له فيه الريادة. ان مجموعة من الدول بدأت تحدوا حدو المغرب في جلب مثل هذه الاستثمارات ( مصر، الجزائر، روندا...)، في المدى المتوسط ستجد الانتاج موجه في الاغلب الى السوق الداخلية الذي يبقى محدودا في قدرته على امتصاص جل الانتاج.
بالمقابل، يعرف المغرب استقرارا على مستوى معدلات التضخم الذي اصبح لا يتجاوز 2 في المئة مما يجعله قريبا من المعدلات المسجلة بكل من أوربا و امريكا. هذ التحكم في معدل التضخم لم يواكبه مع ذلك معدلات نمو معقولة مما يطرح علامة استفهام كبرى حول علاقة الاستثمار بالتضخم و بمعدلات الفائدة بالمغرب. بعبارة أخرى يمكن الافتراض بان محددات الاستثمار بالمغرب ليست ذا طابع مالي وربما لها علاقة بعوامل اخرى من قبيل التساقطات المطرية كما اشرنا الى ذلك سابقا و كذا الرأسمال البشري المرتبط بقطاع التكوين دون نسيان العوامل السياسية التي قد يكون لها اثر كذلك على معدلات الاستثمار.
تلكم بعض المؤشرات التي تطبع الوضعية الاقتصادية العامة بالمغرب خلال العقدين الاخيرين رغم ان الدولة حاولت من خلال سياسات عمو مية استهدفت الاستثمار في البنيات التحتية و الاجتماعية خلق دينامية اقتصادية تدفع بعجلة التنمية نحو الامام. لقد مكنت الأوراش الكبرى المفتوحة في بداية الالفية الجديدة من استمالة القطاع الخاص كما ساهمت انشطة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في خلق ديناميات محلية في مجال التشغيل الذاتي، لكن في السنوات الاخيرة لوحظ ان هذه الاستثمارات الضخمة الممولة من المال العام لم تمكن المغرب من القيام بتلك القفزة النوعية التي كانت ستمكنه من تجاوز ما يسمى عند الاقتصادين بحالة عنق الزجاجة "َA bottlenecks". هذه الوضعية جعلت معدلات النمو الاقتصادية المتوقعة للسنوات الثلاثة المقبلة لا تتعدى 4 في المئة في اقتصاد يحتاج على الاقل الى معدل سنوي لا يقل عن 6 في المئة خلال مرحلة ممتدة على عدة سنوات حتى تنخفض معدلات البطالة التي و ان استمرت على حالها فإنها قد تهدد في اي وقت السلم الاجتماعي الذي يعتبر احد اهم محددات الاستثمار على المديين المتوسط و البعيد.

• المبحث الثالث: وجهة نظر فريدمان في الوضعية الاقتصادية بالمغرب
بداية اسمحوا لي سيدي ان اخبر الجميع انه بعدما تعذر علي فهم الوضعية الحالية للاقتصاد المغربي كما جاء وصفها على لسان محافظ بنكها المركزي المحافظ وفق الفهم الروكوفي لهذه الكلمة قررت ان استدعيك من مرقدك الابدي لاطرح عليك بعض الاسئلة عل اجوبتك تساعدني على فهم مأزق اقتصاد بلادي. على الرحب والسعة، تفضل بطرح اسئلتك. شكرا على تواضعكم واتمنى ان لا يكون مقامكم بعالمكم الجديد قد افقدكم قفشاتكم المعهودة، فلنبدأ.
- ما هو تقييمكم العام للوضعية الاقتصادية العالمية؟
ان العالم يعرف تباطأ في معدلات النمو منذ ان شهد الازمة المالية الخطيرة لسنة 2008، هذه الازمة التي تم احتوائها بفعل تدخل الابناك المركزية بضخ ملايير الدولارات لتفادي افلاس الابناك الخاصة تبعتها رجات اهتزازية مازال مفعولها ساريا لان اساس معالجة المشكل لم تكن سليمة. إن ضخ الاموال لانقاد مشاريع اقتصادية خاصة (الابناك) ليس له مايبرره اقتصاديا الا خوف الحكومات من انهيار انظمتها السياسية، و إلا لماذا لم تتدخل هذه الحكومات لانقاد المشاريع الصغيرة من الافلاس حتى عندما يكون عددها بالألاف؟ انظر الى بلدك المغرب مثلا، لقد بلغ عدد الشركات الصغيرة التي افلست خلال سنة 2017 ما يزيد عن 8000 شركة صغيرة مما يعني فقدان على الاقل ما يفوق 20 الف شخص لعمله الا يستحق ذلك ان يتدخل احد؟
- يبدو لي انكم التقيتم بكارل ماركس في موطنكم الجديد، لقد اصبحتم تتحدثون عن تدخل الدولة في الاقتصاد، اليس هذا تحولا جذريا في فكركم؟
صحيح، لقد التقيت ماركس لكن لم نتحدث عن الاقتصاد قط و جدته مشغولا في توبيخ كل اصحاب الانظمة الشمولية الذين استغلوا فكره لاضطهاد المسحوقين و اصحاب الفكر النير، اما موقفي من تدخل الدولة فلم يتغير ابدا فقط احدثك عن مبدأ الكيل بمكيالين بين المشاريع الكبيرة لذوي النفوذ و المشاريع الصغيرة للمعدومين. موقفي من تدخل الدولة في الاقتصاد خصوصا عبر قنوات السياسة المالية و النقدية لم يتغير، الم اقل لكم ان اعتمادكم على الدولة سيعزز دورها و يجعلكم عاجلا او اجلا تحت رحمة قوانين تصوتون عليها وستسلط عليكم مستقبلا لتحرمكم من حرية المبادرة جوهر الروح الانسانية. لاحظ ما يجري في العالم حاليا، اليست جل الدول بما فيها الولايات المتحدة تتجه نحو تكريس تشريعات في ظاهرها تهدف الى حماية الافراد لكن في جوهرها ستحد من حريتهم.
لنعد الى الازمة المالية العالمية، ولنقل انه من الصعب تجاوز تبعاتها لان تلك الاموال التي ضخت في الاسواق المالية لا بد ممن يتحملها ويؤدي فاتورتها، و الافراد هم من سيتحملون ذلك على المدى المتوسط. دعني اخبرك انه جرت الامور كما توقعتها و استفادت الأبناك المركزية من الازمة الاقتصادية المدمرة لسنة 1929 و تعاملت بحنكة مع ازمة 2008 ولم ترتكب خطأ تقليص كمية النقود المتداولة بل رفعت من هذه الكمية.
- هل هذا يعني ان تدخل البنك المركزي ايجابي؟
ربما هذا التدخل مكن من تفادي الانهيار الشامل للنظام المالي ولكن لا استطيع ان اقيم كلفة ذلك والمدة التي ستبقى ارتجاجات تلك الازمة مستمرة، وربما الوضع الحالي يستفيد فقط من كون السياسة النقدية يمكن لها ان تلعب دورا على المدى القصير في تحريك عجلة النمو و لكن على المدى الطويل ستؤدي تلك التدخلات حتما الى ارتفاع معدل التضخم مما سينعكس من جديد على الدورة الاقتصادية.
- ماذا عن وضعية المغرب؟
دعني اقول أولا انني احب بلدكم لان المسؤولين على السياسة النقدية بالمغرب يطبقون افكاري خصوصا ما يتعلق منها بضبط معدل نمو العرض النقدي، لكن بالمقابل الحكومة لديكم يتحكم في عقليتها النظرة الكنزية للاقتصاد. صدقني، لقد التقيت كينز ووجدته متحسرا لان الحكومات تستغل فكره لوضع وتنفيذ سياسات تؤذي في نهاية المطاف الى تفقير الفقراء و انتشار الفساد المالي تحت يافطة تحقيق استثمارات عمومية. لا يوجد اي قطاع منتج لا يمكن للخواص ان يستثمروا فيه. الدولة لها حسابات سياسية و اجتماعية لا يمكن ادراجها ضمن اي نموذج رياضي يهدف الى دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع. هذه الحسابات تفسد هذه المشاريع بالرغم من النيات الحسنة لواضعيها.
- لكن ماذا عن الطرق و المنشآت الكبرى؟
لا تستغل حديثي لتحاول ان تأخذني الى مستوى اخر من النقاش ، اني اتحدث معك حول سياسات انفاق عمومية يتم نهجها من طرف الحكومة او الدولة مع الاعتقاد ان ذلك سيساهم في حل الازمة الاقتصادية التي تواجهها. اعرف انك تستدرجني الى الحالة المغربية و تدخل الدولة من اجل انجاز بنيات تحتية اساسية قادرة على جلب الاستثمارات و الدفع بعجلة التنمية، و أقول لك انه من حيث المبدأ لا يمكن رفض مثل هذه التدخلات و لكن دعني أطرح عليك سؤالا محددا: هل كل الاستثمارات التي قامت بها الحكومات المغربية المتعاقبة، قامت بها بناء على معايير الجدوى ووفق مبدأ النجاعة والفعالية أم للأمر علاقة باعتبارات انتخابية و سياسية تتجاوز البعد الاقتصادي؟ لديك امثلة عديدة في برامج و مشاريع صرفت فيها اموال عمومية يغلب عليها الطابع السياسي رغم وجود فوائد اقتصادية ايجابية لها لكن هذه الفوائد لا تبرر هذا الانفاق لان هذه الاموال كان يمكن للقطاع الخاص استثمارها في مجالات اكثر انتاجيه تساهم فعلا في الرفع من مستوى الرأسمال البشري و المادي.
- هل تريد سيدي ان تقول ان المغرب قد يكون يعاني من ضعف الرأسمال؟
سؤالك هذا مهم، واذا ما أخدت بعين الاعتبار نمودج النمو الذي اعتمده الاقتصادي روبرت سولو ودالة الانتاج التي ادخل فيها الرأسمال البشري كأهم محددات الانتاج فربما الاستثمار في المغرب بلغ حاليا مستوى الاستقرار (Steady state) كما بين ذلك سولو، وان الخروج من عنق الزجاجة و تجاوز هذه الحالة يتطلب رأسمال بشري مبدع وقادر على بلورة افكار جديدة تدفع الاقتصاد الى مزيد من مراكمة الرأسمال وبالتالي ارتفاع الانتاج وتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب.
- الا ترى استاذي الكبير ان هذا الامر يتطلب وقتا والامور مستعجلة؟
صحيح، و لكن لا ارى لكم مخرجا اخرا، رغم اني مطلع على المشاكل التي يتخبط فيها نظامكم التعليمي الغارق في الايديولوجية في وقت تتجه فيه معظم الدول الى تكوين اجيال قادرة على رفع التحدي العلمي و مواكبة الطفرات التكنولوجية.
- اتقصد مشاكل التعاقد؟
انت تعرف ان ما يهمني هو النتيجة على المدى الطويل، التعاقد او التوظيف مسائل مالية تقنية يجب حلها والتركيز على تكوين الافراد وفق منهج علمي تكون اللغة فيه مجرد وسيلة وليست هدفا في حد ذاتها. لا اريد ان ابدو متشائما و لكن اعتقد انكم لن تستطيعوا حل هذا الاشكال مدام كل الذين يناقشون هذا الموضوع ابناؤهم غير معنين به مباشرة.
- لنعد من جديد الى مجالك المفضل، هل لدينا سياسة نقدية ناجعة؟
سأكون جاحدا ان قلت لك لا. البنك المركزي المغربي تلميذ نجيب لأفكاري. تصور ان ينضاف الى مشاكلكم البنيوية والثقافية المعقدة خطر التضخم المرتفع ماذا انتم فاعلون اذ ذاك؟
- هل انت اذا راض على السيد الجوهري؟
كل الرضى، يقوم بما هو مطلوب منه فقط، نباهته كبيرة استطاع الى حدود الساعة كبح جماح الحكومة التي يسيطر عليها طيف كينز وهي مستمرة في تبديد الاموال العمومية في برامج دعم مآلها الفشل و ستقول فريدمان قال ذلك.
- لكنها برامج موجهة للفقراء؟
لماذا تصر على ان تستفزني بسؤالك هذا؟ بدوري سأستفزك واسألك من افقرهم؟
- لن اجيبك استاذ ولكن هل تريد ان تقول ان السارق النبيل (Robber baron) مجرد خرافة تاريخية وان الحكومة عندما تأخذ منك الضرائب فهي تسرقك بالفعل؟
ممتاز، لا يوجد ما هو احسن من الوعي بان السارق النبيل مجرد خرافة.
- ارى انه تبدو عليك بعض مظاهر التعب، و لكن دعني اطرح عليك هذا السؤال الاخير حول نصائحك للسلطات النقدية المغربية؟
تعلم اني لا احب اعطاء النصائح و لكن بما انكم تطبقون افكاري، فسأقول استمروا في نهجكم و لا تكترثوا للضغوط التي قد تمارس عليكم وتذكروا ان التضخم ان ارتفع في بلد مثل المغرب فانه سيأتي على الاخضر و اليابس. واعلموا ان مشكل النمو في المغرب قليل الارتباط بالعوامل المالية، لكنه مرتبط بشكل مرضي بالعوامل المناخية ولا يمكن لكم في نظري المتواضع معالجة هذا الارتباط المرضي الا عن طريق الاستثمار في التعليم لتكوين رأسمال بشري منتج ومؤهل.
اشكرك استاذي الكبير على هذه التوضيحات التي مكنتني من فهم حالة الفرح التي كان عليها السيد الجوهري يوم امس خلال ندوته الصحفية، فقد حقق هدف السياسة النقدية الفريدمانية المتمثل في ضبط معدل نمو العرض النقدي لتفادي آفات التضخم الذي عصف بدوال ومازال يعصف بأخرى.



#الحسين_بوزيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أضرار البنية التحتية وأزمة الغذاء.. أرقام صادمة من غزة
- بلينكن يكشف نسبة صادمة حول معاناة سكان غزة من انعدام الأمن ا ...
- الخارجية الفلسطينية: إسرائيل بدأت تدمير رفح ولم تنتظر إذنا م ...
- تقرير: الجيش الإسرائيلي يشكل فريقا خاصا لتحديد مواقع الأنفاق ...
- باشينيان يحذر من حرب قد تبدأ في غضون أسبوع
- ماسك يسخر من بوينغ!
- تعليقات من مصر على فوز بوتين
- 5 أشخاص و5 مفاتيح .. أين اختفى كنز أفغانستان الأسطوري؟
- أمام حشد في أوروبا.. سيدة أوكرانية تفسر لماذا كان بوتين على ...
- صناع مسلسل مصري يعتذرون بعد اتهامهم بالسخرية من آلام الفلسطي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحسين بوزيل - حوار مع الاقتصادي ميلتون فريدمان على ضوء الاجتماع الدوري للبنك المركزي المغربي (مارس 2019)