أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - القدس عاصمة عربية سياسية وثقافية















المزيد.....


القدس عاصمة عربية سياسية وثقافية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 6175 - 2019 / 3 / 17 - 19:05
المحور: القضية الفلسطينية
    



القدس عاصمة عربية ثقافية وسياسية
ضمن فعاليات عيد الثقافة الفلسطيني بمناسبة ذكرى ميلاد الشلعر الراحل محمود درويش وبالتعاون بين مكتب الوزارة وجامعة الخليل القيت محاضرة في قاعة ياسر عرفات بالجامعة حول تاريخ القدس فيما يلي الجزء الأول من المحاضرة
شهد العقد الأخير من القرن الماضي حدثين متناقضين كل يشد القضية الفلسطينية باتجاهه، أحدهما يلغي الآخر،الأمر الذي يطرح السؤال: إلى أين تؤخذ فلسطين؟ لمن الغلبة؟ ادرج نتنياهو في برنامجه الانتخابي لأول مرة في التاريخ السياسي الإسرائيلي بندا نص صراحة على عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة، باعتبارها تحررت وعادت لأصحابها في حزيران 1967 . جير البرنامج لنتياهو وحزبه أغلبية في الكنيست خولته رئاسة الحكومة، حيث صنع لدولته اليهودية أطرافا اليكترونية ودينامية تجرف ما يعترضها، تهدم وتشيد بسواعدها. وفي نفس العام صدر كتاب المؤرخ كيث وايتلام ، "اختلاق إسرائيل القديمة شطب التاريخ الفلسطيني"، نسف قواعد الرواية الصهيونية بصدد فلسطين، ليست وطن آباء ولا الوطن التاريخي أو أرض الميعاد. قدم الأدلة النافية لقيام دولة يهودية قديمة بفلسطين،"التاريخ التوراتي والكشف عن الكنوز الأثرية في المنطقة قد استخدمتها القوى الغربية لمصلحتها في صراعها من أجل الهيمنة السياسية وإضفاء الشرعية على طموحاتها الاستعمارية... استملاك الماضي هو جزء من سياسة الحاضر. ويمكن تطبيق هذا المبدأ على جميع دول المعمورة[ وايتلام: 39].
اجمل وايتلام حصيلة الأبحاث الأثرية لفلسطين خارج إطار التوراة ، تلك الأبحاث التي احدثت شروخا عمقة في بنية العرض التوراتي لتاريخ فلسطين ، انتهت بزلزال توماس طومسون في كتابه الصادر عام 1992 بعنوان، "التاريخ المبكر لشعب إسرائيل من المصادر الآركيولوجية المدونة"، كشف طومسون تواطؤ علماء الآثار التوراتيين على التزييف. ظهر توماس طومسون في ميدان الآثار ليفسد الزفة المقامة بمناسبة توحيد القدس، وليؤكد " إن مجموع التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين يستند إلى قصص من العهد القديم تقوم على الخيال". بحث ميداني استجمع الحقائق مع شجاعة نادرة. فُصِل العالم المتميز من منصبه كأستاذ علم الآثار في جامعة ماركويث في ميلووكي. ولم يستطع نائب رئيس الجامعة إلا أن يشيد بالمكانة العلمية للبروفيسور ، وهو يبرر قرار طرده، إذ قال إنه " من أبرز علماء الآثار وفي طليعة المختصين بالتاريخ القديم لمنطقة الشرق الأوسط."، غير ان اعتماد الجامعة على "المساعدات المالية من الكنيسة الكاثوليكية" حال دون احترام حرية البحث العلمي الأكاديمي. إنه التمسك بنواميس العقيدة الدينية، كما أقر جوناثان تاب، خبير الآثار في المتحف البريطاني، " طومسون دقيق جدا في بحثه العلمي الكبير وشجاع في التعبير عما كان كثير منا يفكر فيه حدسا منذ زمن طويل ، وكانوا قد فضلوا كتمانه".
ترجمت الدكتورة سحر الهنيدي كتاب وايتلام وصدر بالعربية عام 1999 في أحد اعداد سلسلة "عالم المعرفة" التي تصدر بالكويت ليستقر على أرفف المكتبات؛ لم يعْبُر حيز الثقافة الوطنية في فلسطين، ولا ألهم سياسة التحرر الوطني ؛ هذا بينما تطور بند نتنياهو الانتخابي الى عقيدة سياسية استولت على الجمهور اليهودي في إسرائيل وحفزت الى المزيد من جنوح الجمهور اليهودي نحو الفاشية وفتح الشهية على المزيد من الأراضي الفلسطينية. فاشية العنصرية صنعت قانون الدولة القومية يستأثر لدولة إسرائيل بكامل فلسطين.
فيما بع أقر بنفس النتيجة بروفسور زئيف هرتسوغ، عالم الآثار الإسرائيلي والأستاذ في دائرة الآثار وحضارة الشرق القديم في جامعة تل أبيب، والذي أسندت إليه الحكومة الإسرائيلية العديد من مشاريع التنقيب عن الآثار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نشر في تشرين أول عام 1999 مقالة في ملحق جريدة هآرتس اعترف بالحقيقة.
“إن سكان العالم سيُذهلون، وليس فقط مواطنو إسرائيل والشعب اليهودي، عند سماع الحقائق التي باتت معروفة لعلماء الآثار الذين يتولون الحفريات منذ مدة من الزمن. فبعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن "إسرائيل القديمة" في فلسطين، توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، فلم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يدل علي وجود اليهود في فلسطين، وحكايات الآباء التوراتية هي مجرد أساطير. لم نهبط من مصر، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لإمبراطورية داود وسليمان. إن المكتشفات الأثرية أظهرت بطلان ما تضمنته النصوص التوراتية حول وجود مملكة متحدة يهودية بين داوود وسليمان في فلسطين."
وأضاف هرتسوغ ما مفاده أنه يمكن الجزم بصورة قاطعة بأن القدس لم تكن إطلاقا عاصمة مملكة كبيرة كما تذكر المزاعم التوراتية.
وفي كتاب ألفه الباحثان اليهوديان عنوانه بدايات اسرائيل (ראשית ישראל)، نسف الباحثان وهما بروفسور يسرائيل فنكلشتاين من قسم علم الآثار بجامعة تل ابيب، ونيل سيلبرمان عالم آثار أمريكي يهودي، قصص التوراة الأساسية مثل الخروج من سيناء وعجائب موسى ورحلة احتلال يشوع بن نون لأرض الميعاد اذ تبين مثلا أنها آثار هكسوسية وليست يهودية، وكتبوا انه على الأغلب الملك سليمان وداوود هما اسطورتان، مؤكدين انه لا علاقة بين التوراة وارض إسرائيل.

التاريخ الفلسطيني القديم بلا زيوف

تضم الولايات المتحدة الضمائر الحية وانصار الحقيقة العلمية ، مثلما تضم الضمائر الملوثة ومناصري الزيوف وأطماع النهب الامبريالي. من الولايات المتحدة في عرض لكتاب شلومو ساند "اختراع الشعب اليهودي" سخِر الأكاديمي الأميركي باول أتوود، من أكذوبة نتنياهو بان اليهود هم بناة اورشليم : "أعلن بنيامين نتنياهو مؤخرا أن ‘الشعب اليهودي كانوا يشيدون القدس قبل ثلاثة آلاف سنة ويقومون الآن بالبناء ... فالقدس ليست مستوطنة’ . لم يكتف برد التزييف، إنما شكك في صلة اليهود بالقدس عبر معظم مراحل التاريخ: "اما التنقيبات الأثرية فتبين أن القدس بناها الوثنيون الذين قدسوا إلههم شاليم واطلقوا على مدينتهم الجديدة ’مكان شاليم‘ . وفي زمن الشروع بتشييد المدينة لم يكن يوجد بشر يمارسون طقوس اليهودية، ونادرا ما حكم اليهود المدينة حقا في أوقات تالية؛ وتعاقبت العهود وخضعت القدس لحكم المصريين والبابليين والأشوريين والفرس واليونان والرومان والعرب والبيزنطيين والكاثوليك الاوروبيين والأتراك والبريطانيين."
وذكر الباحث فاضل الربيعي( فلسطين المتخيلة) أن المؤرخ هيرودوس، الذي جال في المنطقة في القرن الخامس قبل الميلاد، وكتب ملاحظاته لم يسمع ، ومن ثم لم يسجل كلمات تشير إلى أي من "أورشليم" ،"يهوذا" ، "إسرائيل" "السامرة" أو هدم "الهيكل" ولا "السبي"؛ بينما تفيد الوثائق القديمة أن اسم فلسطين ورد ذكره في الكتابات اليونانية والرومانية القديمة.
حث كيت وايتلام على المزيد من الدراسات للتاريخ الفلسطيني القديم وعدم الاكتفاء بمعطيات التاريخ الحديث. والمعطيات الأولية للأبحاث في هذه المجال اكدت ان مدينة القدس بناها العرب اليبوسيون قبل ثلاثة آلاف عام ، وان المدينة استعصت على الغزاة العبرانيين على مدى قرون ثم تهادنت مع سبط بنيامين شريكا.
تصرّ مؤسسة الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق التسمية "مدينة داود"، مع أن التوراة ذكرتها باسمها الأصلي "يبوس" وذكرت أن سكانها من العرب الكنعانيين الذين بنوا فيما بعد مدنا استقلت بذاتها منها "أور سالم".
قدم المؤرخون العديد من الشواهد على الوجود العربي بفلسطين لقرون عديدة قبل ظهور المسيحية. تعرف الكنيسة في القدسً بكنيسة الروم الأرثوذكس، ويعتبرها المسيحيون الأرثوذكس الكنيسة المسيحية الأم، فهي الكنيسة الأولى في التاريخ والتي أسست في مدينة إيليا يوم العنصرة مع حلول الروح القدس على تلاميذ المسيح، وذلك بحسب القصة المذكورة في الكتاب المقدس (أعمال 2: 1- 41). ومن هذا الموقع انتشرت تعاليم المسيح إلى بقاع العالم. يقترن تاريخ الكنيسة بتاريخ العرب في فلسطين. إذ بعكس ما تتناقله التأرخة الاستشراقية ابتدأ الوجود العربي في فلسطين قبل الفتح العربي الإسلامي بآلاف السنين.
كما تشير الموجودات الأثرية إلى أن الناس قدموا أضحيات لآلهة أخرى غير يهوة. كانت القدس بلدة صغيرة ، هي أفقر وأصغر مما صورتها التوراة . لم تظهر قط كلمة يهودي ، وحيثما ظهرت كانت تعني سكان يهودا، المنطقة المحيطة بالقدس، لكن أي قدس، وفي أي فضاء جغرافي؟
وتغفل الدراسات الغربية وثيقة تعود لعام 853 ق.م تتضمن خبر قيام تحالف بين ملك يهودا ، إهاب، وملوك سوريا وفلسطين ضد ملك آشور. تفشي صيغة الوثيقة تباينا من حيث التموضع بين فلسطين وسوريا ومملكة يهودا. احتفظ الأشوريون بوثيقة عن المعركة التي جرت في كركر بسوريا، أجلت زحف الآشوريين، دون أن تهزمهم.
وتؤكد معطيات التاريخ قيام محاولة لإحياء مملكة الحميريين اليهود على يد البطل الأسطوري في الميثولوجيا العربية، ذي نواس- يوسف بن شراحيل بن نبع الحميري517، الذي تولى الملك خلال الفترة527 -517- م ، وفي رواية أخرى يوسف أسار بتار. أراد إحياء مملكة الأجداد باليمن، وكان شديد القسوة فحفر أخاديد تحت الأرض أشعل فيها النار، وقذف بمسيحيي نجران في لهيب النار . استنجد المسيحيون بملك بيزنطة ، الذي اوعز إلى ملك الحبشة بالتدخل لإنقاذ المسيحيين. وبالفعل جهز جيشا عبر به إلى اليمن ودارت معركة حامية الوطيس هزم فيها ذو نواس فوجه حصانه نحو البحر، حيث غرق الاثنان.
ورد ذكر مأساة المسيحيين في نجران بالقرآن، سورة البروج(آية 4-8) . [ قتل أصحاب الأخدود ،النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد] . نقلت كتب التفسير والتاريخ مأساة المسيحيين على يد الملك اليهودي؛ قال الكلبي انهم نصارى نجران.
الإشارات عديدة على هجرة قبائل سامية من الجزيرة العربية أطلق عليها اسم قبائل عربية، ولا وجود، بالمقابل، لقبائل هاجرت من فلسطين إلى اليمن.

فقد ذكر سترابو، المؤرخ والجغرافي والفيلسوف اليوناني الذي عاش خلال فترة ظهور المسيح ( 63 أو 64 ق.م حتى 23 او 24 ميلا دية ) قام بجولة لدراسة افريقيا حتى منبع نهر النيل وذكر مشاهداته في موسوعته "التاريخ الجغرافي" التي لم تعرف إلا في القرن السادس عشر الميلادي. من ضمن مشاهداته ذكر أن العرب سكنوا الأجزاء الغربية من فلسطين قروناً قبل الميلاد. وذكر أيضا أن بادية شرقي الأردن نبطية عربية تمتد من الفرات حتى البحر الأحمر. .و.ينقل عنه أيضا ان جبل لبنان كانت تسكنه في القرن الأول للميلاد قبائل وعشائر عربية" ( نقلا عن ادمون رباط- المسيحيون في الشرق ، ص22).
وجون سبنسر ترمنغهام، المؤرخ البريطاني، ذكر في كتابه "المسيحية بين العرب في العصور السابقة للإسلام"، إنّ الجموع التي كانت تحتشد حول السيد المسيح وهو يبشر كانوا عرباً، وإنّ أول المهتدين خارج نطاق الرسل الأوائل كانوا عرباً كذلكً". ونقلت ريجينا الشريف في كتابها " الصهيونية غير اليهوديةـ ترجمة أحمد عبدالله عبد العزيز / عالم المعرفة عدد 96 ،1985 ." قبل الإصلاح اعتبرت فلسطين الوطن المقدس الذي أورثه المسيح لأبناء المسيحية ، ولم تكن القدس توصف بأنها صهيون اليهودية ، بل مدينة العهد الجديد المقدسة "
ويذكر الباحث يوسف زيدان في مؤلفه (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني-ص 85) "في القرن الخامس قبل الميلاد كانت القبائل العربية التي نزحت من قلب الجزيرة، ومن اليمن بعد انهيار السد العظيم، قد استقرت تماما ببلاد الشمال الخضراء ( الشام والعراق) وبجنوب هذه المنطقة الشاسعة المسماة بالهلال الخصيب. وقد بدأ الحضور العربي في هذه البلاد الواسعة ، حسبما ذكر المؤرخون ، منذ أواخر الألف الثالثة قبل الميلاد...." (المرجع -86) بل يؤكد المؤرخون أن اكاد ذاتها هي أصلا بلاد عقاد التي استوطنها النازحون من الجزيرة العربية في الألف الرابع قبل الميلاد، وان العرب الكنعانيين استوطنوا في الألف الثالثة قبل الميلاد سواحل الشام وأسماهم اليونانيون بالفينيقيين، امتزجوا بالآراميين والسريان الذين يرى البعض أنهم أصلا قبائل عربية نزحت من الجزيرة الى ارض الشمال الخضراء" .
في الحضن العربي نشات الكنيسة الأرثوذكسية في القدس وتثبتت دعائمها وتطور نفوذها.
لم يكن التمييز العرقي قائما في ذلك الحين، والوصول الى المناصب كان متاحا حسب الموهبة. يذكر زيدان في عرضه التاريخي، "وقد سمح نظام انتخاب الأباطرة من بين قادة الجند في زمن الرومان بوصول عدد من العرب الى منصب الامبراطور ، منهم فيليبوس العربي الذي حكم روما والعصر القديم -244 -249.ميلادية"(المرجع ص87). فمن الطبيعي اذن أن يتوصل العرب إلى منصب البطريرك في الكنيسة. في العام (451م) اعتبر أسقف أورشليم في مجمع خلقيدونية بطريركاً للمدينة شرعياً ذا صلاحيات بطريركية كاملة، وجاء ترتيب كرسي أورشليم بعد كرسي روما والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية.
وفي مجتمع نيقية المسكوني(325م)، التقى 318 اسقفا من أنحاء المسكونة ( حوض البحر المتوسط والهلال الخصيب)، وتقرر فيه ما سوف يعرف بقانون الإيمان، الذي تبنته الكنيسة الأرثوذكسية وادخلت عليه تعديلات شكلية طفيفة مع تبدل الأزمنة . لم تسمح قيم العصور القديمة بحرية الأفكار او التسامح مع الأفكار المغايرة؛ فاندلعت صراعات وحصلت تدافعات تخللها العنف بين المعتقدات بصدد طبيعة المسيح. وكانت الفيلسوفة وعالمة الرياضيات، هيباتيا، إحدى ضحايا العنف الديني." دخل العالم كله بعد اغتيال هيباتيا415م، في ظلام دامس لقرابة خمسة قرون، لا نجد خلالها اسما لامعا في أي ميدان علمي، حتى بدأ ظهور العلماء المسلمين في القرن الثالث الهجري( التاسع الميلادي)"(زيدان:207).
كل انحراف عن الطبيعة المتداخلة للمسيح اعتبر هرطقة تخرج داعيتها من الإيمان . المدانون بالهرطقة " كان اعتقادهم في أنفسهم أنهم مؤمنون أتقياء، يقولون الحق في ما ادى اليه نظرهم في النصوص الإنجيلية، وفقا لعقليتهم، التي كانت تصوغها من قبلهم بعدة قرون ،الثقافة العربية السائدة هناك(زيدان:117) .
يرجع الباحث زيدان الخلافات بشان تفسير طبيعة المسيح إلى الأصول الثقافية للشعوب التي اعتنقت المسيحية. "السمات الثقافية العامة المميزة لما يمكن ان يسمى العقلية العربية هي سمات ، مهما اختلفت حولها الأحكام والرؤى ،، تمتاز في نهاية الأمر بانها ثقافة عملية (براجماتية ) لا تنزع الى التفلسف النظري العميق ولا تقبل فكرة الامتزاج والتداخل بين الآلهة والبشر، وتعتقد بوجود كائنات وسيطة بين العالمين الإلهي والإنساني كالجن والعفاريت والكهان والأنبياء والملهمين"(87).
بينما "في مصر واليونان سادت منذ القدم ومن قبل المسيحية بقرون طوال من الزمان، ثقافة دينية تعترف بأنصاف الآلهة ، وبالبشر الذين تحدوا الأرباب أو اتحدوا معهم ، فخلدهم الناس شعرا ونثرا وأقاموا لهم المعابد لإظهار التقديس لهم"(87). وبنفوذها الاقتصادي حسمت كنيسة الاسكندرية قانون الإيمان الكنسي.
وتأكيدا للقاعدة فإن "الشواهد عديدة على كثافة الحضور العربي في النواحي التي ظهرت فيها اجتهادات لاهوتية ( هرطوقية). مثلا أساقفة أورشليم، كانوا كلهم منذ القرن الرابع الميلادي من العرب. وان الملكة العربية ماوية التي اتسع سلطانها حتى تعدى حدود الدولة البيزنطية في آسيا الوسطى, ووصلت جيوشها الى هناك، اشترطت ، كي تقبل الصلح مع الامبراطور البيزنطي ، أن تنصب على الشام أسقفا بعينه ، هو بطرس العربي. ناهيك عن دعم الملكة العربية الزباء لبولس السميساطي صاحب الاجتهاد الكنسي الهرطوقي
(زيدان/:108).
في الزمن المسيحي الأول كانت منطقة الانتشار الثقافي للعرب الجزيرة والهلال الخصيب تستعمل اللغة العربية للتعامل اليومي ثقافة شفاهية لا لغة تدوين. والثقافة العربية شفاهية كانت وما زالت.ظهرت أفكار القساوسة العرب وحفظت سجالاتهم باللغتين اللتين استخدمتا للتدوين،، وهما السريانية واليونانية. حتى أن اللاتينية التي انتشرت قبل الإسلام بقرنين في الحوض الغربي للمتوسط لم تكتب بها في تلك الفترة أي مذاهب هرطوقية كبرى تتعلق بطبيعة المسيح . "لم تتطور بعد أساليب كتابة اللغة العربية ولم يتم التعبير بها عن الأفكار الكنسية التي طرحها مفكرون هم في الأغلب من أصول عربية. غير أن أسماءهم الكنسية التي اتخذوها مع رسامتهم رهبانا وسيامتهم قساوسة وأساقفة ، قد حجبت أسماءهم الأولى ومنابتهم الثقافية العربية والعقلية التي كانوا يفكرون بها" (زيدان:199).
واعتلى نسطور كرسي الأسقفية بالعاصمة الامبراطورية سنة 428 م (121). ونظرا لصلته بالامبراطور عمم على الناس مكتوبا يحظر فيه تسمية مريم العذراء بلفظة (تيوتوكوس) أي والدة الإله. قال ان عقلي لا يقبل أن الرب كان طفلا ينظفون له خروجه ؛ المسيح نبي غير إله . وذلك لان الإنسان الذي هو مريم لا يمكن ان يلد الإله. تخلى عنه الامبراطور ودعم كنيسة الاسكندرية لأسباب اقتصادية. انتهي نسطور منفيا في احميم بصعيد مصر ومات مغمورا. أما النسطورية فقد انتشرت نهجا علميا في المجتمعات القديمة وفي العصر الوسيط "امتدت النسطورية حتى حدود الصين وبقيت هناك لعدة قرون.عاش الآباء النساطرة كما عاش شعب كنيستهم مسالمين هادئين مشتغلين بأنواع العلوم، لم يعرف عنهم انهم قادوا حروبا دينية أو تورطوا في منازعات سياسية، إنما المعروف عنهم مشاركتهم في الحضارة العربية- الإسلامية، خاصة في طورها المبكر الذي تمت فيه عملية نقل التراث القديم اليوناني والسرياني.
يقول المؤرخ الدكتور جواد علي ان الإخباريين من العرب والمسلمين لم يتناولوا المناهل السريانية. راجعتُ مخطوطات السريان وتوصلتُ الى ان هناك مخطوطا نسطوريا تمت ترجمته الى العربية. وقتل العثمانيون المترجم لأن المخطوط تضمن رسالة من الرسول محمد يبدي عطفه على المسيحيين.
لم تدخل المسيحية الرسمية الجزيرة العربية؛ فقد آمن الكِنديون بالطبيعة الواحدة للمسيح، حسب معتقد النساطرة، منذ القرن الأول الميلادي. دخلت المسيحية منطقة نجران ( مملكة كندة ). فقد اعتنقت قبيلة كندة المسيحية، وسيطرت على وسط الجزيرة العربية واعتنقت المسيحية بطون غطفان ومرة. الخطيب قَس بن ساعدة الأيادي قبيلته إياد كانت مسيحية، وكان الحارث بن كعب من أشراف العرب؛ ولما فرضت عليهم الجزية رفعها عنهم عمر بن الخطاب. كان امرؤ القيس وعشيرته من النساطرة ، وعلاقة بيزنطة بكندة سياسية.
لم يحدث الفتح الإسلامي تغييرا على الواقع الديمغرافي بفلسطين. المسلمون القادمون من الجزيرة لم تستهوهم الفلاحة ومضوا مع الفتوحات. بقي الطابع الديمغرافي على حاله وتحول اليهود الى المسيحية ثم الإسلام. وبعكس الدعايات الصهيونية لم تحدث هجرة جماعية لليهود من فلسطين مع الفتح الإسلامي. وهذا ما أثبته شلومو ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي".
اشتهر من النساطرة قبل انتشار الإسلام هيبا الترجمان ، بروبا ، أبو القشفري، سلوانس، حنا الجاثليق، شمعون الراهب المعروف بطيبويه(الطبيب)، واشتهر في العهد الإسلامي كثير من العلماء النساطرة النابهين، منهم حنين بن اسحق وابنه اسحق وابن اخته حبيش بن الأعثم،وجبرائيل بن بختيشوع وأسرته الشهيرة الحافلة بنوابع الطباء والمترجمين. فالهرطوقية ارتبطت بالنشاط العلمي .
وفي القدس كان معظم الرهبان والأساقفة عرباً، وكان آخرهم البطريرك عطا لله المعروف باسم دوروتاوس الثاني(1505-1534). ونصب قديسا الأسقف يوحنا الدمشقي ، الذي عاش راهبا في فلسطين واعتزل الخليفة الأموي و أسس دير القديس سابا في القرن السابع و لا يزال إلى اليوم، وهو صاحب اقتراح الأيقونة التي تبنتها الكنيسة عام 787 م ونشرتها قيمة روحية معنوية في الكنائس والبيوت. أخذ الرهبان اليونان يتوافدون على القدس بكثرة أيام الدولة العثمانية. بدأت سيطرة رجال الدين اليونان على رئاسة بطريركية القدس في عهد السلطان العثماني سليم الأول. اعتقد السلطان أنه سيتخذ من الكنيسة في القدس عتلة يحرك بها الكنيسة باليونان كي تحافظ على التبعية للحكم العثماني ، وكانت جزءاً من الدولة في ذلك الحين. مركز البطريركية الأرثوذكسية كان في القسطنطينية، وبطاركتها من اليونان، ورويداً رويداً شكّلوا أغلبية الرهبان والأساقفة في القدس وتولوا مقاليد الحكم والسيطرة على البطريركية عام 1534، بدعم وتخطيط من جمعية فرسان القبر المقدس، وهي تتتبع الكنيسة الغربية وعملت على استئناف الحروب الصليبية والاستيلاء على القدس.
في عصر النهضة غدت أوضاع كنيسة الروم الأرثوذكس إحدى القضايا المؤرقة؛ فقد هادنت الكنيسة الأرثوذكسية تعصب العثمانيين واضطهادهم لثقافات الشعوب الخاضعة، ولم تقدم على اختراق ستار ظلامية العصور الخوالي التي رزحت شعوب السلطنة في إسارها المحكم.
من جانب مقابل أقدمت شقيقتها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على إجراءات تنوير ثقافي كان لها أثر بارز على النهضة الثقافية لمناطق من فلسطين وبلاد الشام. تعتبر هذه الكنيسة جزءاً من الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، أكبرها بطريركية موسكو، إذ يبلغ عدد أتباعها 150 مليونا (39%) يقيمون في روسيا، يعيش بالمجمل 76.9 بالمائة من المسيحيين الأرثوذكس في أوروبا الشرقية، حيث يشكلون الغالبية هناك.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مظلة اللاسامية لم تعد تؤمن الحماية لإسرائيل
- محترفو التحريض على الكراهية العنصرية - الحلقة الأخيرة
- محترفو التحريض على الكراهية العنصري-2
- من يحرض على الكراهية العنصرية. -1
- التخلف العربي أعراضه ومصادره
- حزيران انعطافة نحو صفقة القرن- الحلقة الأخيرة
- هل تعي الفصائل الفلسطينية ما يدبر على المكشوف؟_4
- هل تعي الفصائل الفلسطينية ما يدبر على المكشوف؟-3
- هل تعي الفصائل الفلسطينية ما يدبر على المكشوف؟-2
- هل تعي الفصائل الفلسطينية ماذا يدبر على المكشوف؟-1
- جرس إنذار
- لن تامن إسرائيل من جانب الفلسطينيين ولن تهادنهم
- ألقهر يحطم الروح والترياق في الفن
- بخطايانا لا بقوة إسرائيل
- اغتيال صحفي .. الملابسات والدلالات
- نعيق الإرهاب مقدمة لحروب تنجز اهدافا مضمرة
- الليبرالية الجديدة نظام وهياكل وإيديولوجيا
- الأقصى صدع رأس السيد سامي الديب
- بوب وودوارد :الشرق الأوسط في مكائد المخابرات المركزية
- كيف تكافح إسرائيل التضامن مع قلسطين


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - القدس عاصمة عربية سياسية وثقافية