أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد عبدالكريم - الأخلاق العواقبية بديلاً















المزيد.....

الأخلاق العواقبية بديلاً


وليد عبدالكريم
(waleed abdulkarem)


الحوار المتمدن-العدد: 6132 - 2019 / 2 / 1 - 17:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كثير من المصطلحات الشائعة في اللغات البشرية تحمل قدرا كبيرا من الغموض والإلتباس وما يزال الناس يتداولونها ويستخدمونها بلا أي إشكال ، فمصطلح الأخلاق أو الخير أو الشر ، هي مصطلحات شائعة في لغتنا المعاصرة ، وتحمل قدرا ضخما من العمومية وعدم الوضوح .


في هذه المقالة سأحاول تحليل مصطلح الأخلاق و الخير و الشر ، وسأحاول ما استطعت جاهدا أن أرفع الغموض والإلتباس ، ساعيا لتقديم تعريف بسيط و واقعي للأخلاق والخير و الشر وغيرها من المصطلحات .

فعندما يسمع الانسان العادي في بلداننا العربية كلمة الأخلاق سيتجه ذهنه مباشرة للدين وأوامره التشريعية والسلوكية وهذا ليس بمستغرب ولا مفاجىء ، فالعقل الجمعي العربي و المسلم مازال الدين هو المشكل والصانع الأول للتشريعات والسلوكيات .

فلو تأملنا في الأخلاق الدينية لو جدناها تحمل قدرا كبيرا من الاعتباطية والجمود والتعارض مع الواقع والحياة المتغيرة ، فالأديان تحتوي على تشريعات و أخلاقيات وسلوكيات مختلفة و متنوعة بعضها جيد وبعضها عادي و بعضها خطير ، فالصدقة و الزكاة ومساعدة الفقراء والمحتاجين لها عواقب جيدة وحسنة على المجتمع ، كذلك الأديان أمرت باطالة اللحية ، وكذلك عدم أكل اللحوم والاكتفاء بالنباتات ، وهذين التشريعين الأخلاقيين ليس لهما عواقب حسنة وليس لهما عواقب سيئة أيضا ، وهناك تشريعات وأخلاقيات عند الأديان خطيرة جدا مثل التضحية بالابن البكر قربانا لله حتى يحفظ ويبارك لهذه الأسرة بقية أطفالها ! وقد تستهجن هذا الفعل عزيزي القارئ وتقول بأنه خيالي و غير واقعي ، لكنني أنصحك بالبحث في الانترنت وضع هذه الجملة بأحد محركات البحث
child sacrifice

وستجد أن هذا الامر كان شائعا عند كثير من الأديان في اوروبا واسيا وافريقيا وامريكا ، وكذلك العبودية وامتلاك شخص لشخص اخر أو مجموعة من الاشخاص وبيعهم وشراءهم ، وكذلك العقوبات الجسدية على بعض الجرائم مثل شريعة حمورابي و التي تحكم على من يضبط سارقا لأحد البيوت بالقتل ، وكذلك ختان الاناث عند بعض الأديان ، وهذه الأفعال والتشريعات له عواقب خطيرة ومدمرة .

فكما رأينا أن التشريعات الدينية تبدو اما اعتباطية أو غير واقعية أو مضرة ومدمرة نفسيا وجسديا للفرد ، وليس لها معنى خارج الدين ، ولعل من المناسب هنا أن أذكر معضلة يوثيفرو حيث تبين المعضلة المأزق الذي سيقع به من يؤمن بالأخلاق الدينية حيث يتسائل يوثيفرو هل الأفعال الخيرة خير لأن الله أمرنا بها ، أم أن الأفعال الخيرة خيرة فلذلك أمرنا الله بها ، وحتى أوضح ما أقصده سأضرب مثلا ، هل انقاذ طفل من الغرق هي عمل طيب لأن ديني أمرني بهذا ، ولو لم يأمرني ديني فلن أنقذه ، أم أن انقاذ طفل من الغرق هو عمل طيب أصلا ، لذلك الله يؤيده ويأمرني به ؟ فاذا كانت اجابة المؤمن الأولى أي أن الخير هو ما أمر به الله ، فهذا سيجعل الأفعال مثل التضحية بالابن البكر أعمال خيرة ! وسيصبح مصطلح الخير والشر لا معنى له وبدون أي دلالة أو معنى، وأما ان كانت الاجابة هي الثانية أي ان الله أمرنا بها لانها خير أصلا ، إذن فلا معنى لأوامره لأننا نعرف الخير والشر مسبقا ، وهكذا فأستطيع أن أضرب لك مئات الأمثلة ولن تكفي مقالة قصيرة لسرد الأخلاق والتشريعات الدينية الغريبة ، لكنني أكتفي بأمثلة بسيطة ولا أحتاج إلى الإطالة فالحر تكفيه الإشارة واللبيب بالإشارة يفهم ، أعود لما بدأت به في أول المقالة ألا وهو ما المقصود بالأخلاق والخير والشر ، هل هي ألفاظ لا معنى لها ؟ والجواب إن كان المقصود بالأخلاق والخير والشر ماذكرته آنفا فجوابي نعم هذه مصطلحات فارغة ولا معنى لها !

لكنني أعتقد وأظن أن هناك تعريفا أحسن وأكثر واقعية للأخلاق ويستطيع هذا التعريف أن يكون معيارا ومقياسا بشكل عام للخير و الشر في جميع الحالات والمسائل التي تواجه البشر في حياتهم المعاصرة وهذا المعيار أو المفهوم ليس جديدا أو من بنات أفكاري بل هو قديم جدا حيث أن أقدم من تحدث عنه بشكل علمي ومفصل هو الفليلسوف الصيني موزي Mozi الذي ولد في عام 470 قبل الميلاد ، لكن مع التطورات العلمية وتغير الظروف كان لا بد من تحديث بعض المفاهيم والمفردات حتى تتواكب مع عصرنا الحاضر فالتعريف الدقيق والحديث للاخلاق العواقبية هو التحليل والتقييم العلمي والواقعي والإحصائي لعواقب و تبعات فعل أو قول ما على الرفاه الفردي و المجتمعي .

ولتوضيح وشرح التعريف فكل فعل أو قول من شخص أو مجموعة من الأشخاص له عواقب على فرد واحد أو مجموعة و هذه العواقب قد تكون بسيطة أو كبيرة ، وسأحاول أن أضرب أمثلة لتوضيح مقصودي ، فلو مشى شخص ما حافي القدمي في الشارع وقت الظهيرة صيفا في مدينة معروفة بحرارتها الشديدة ، سيكون لهذا الفعل عواقب وهي احساسه بحرارة الشارع وسيسبب له ألما ، لكنه في نهاية الرحلة أو بعد أن يرتدي حذاء سيزول هذا الألم ، وستبقى بعض الحروق البسيطة في باطن قدميه والتي ستزول بعد بضعة أيام ، لكن لو شرب شخص ما كوبا من حمض الهيدروفلوريك فعواقب هذا الفعل كبيرة جدا وستؤدي حتما إلى الموت ، وكذلك لو كان رجل ما يسيء لطفله منذ صغره لفظيا ويسخر منه ويحتقره ويصفه بألفاظ قبيحة هذا الفعل له عواقب ، وغالبا ماتكون عواقب نفسية كبيرة على نمو الطفل الوجداني ، كذلك لو كان هناك طفل ما يعبث داخل أحد المطاعم الممتلئة بالناس ، هذا الفعل له عواقب على مجموعة من الناس ، وهي ازعاج الناس المحيطين ، كذلك لو كان هناك عامل في أحد محطات تنقية المياه في مدينة كبيرة وقام بتلويث المياه بملوثات كيميائية هذا العمل له عواقب كبيرة وضخمة على سكان المدينة بكاملها وقد يؤدي إلى وفاه مئات أو ألاف من سكان المدينة .

هذه الأمثلة هي محاولة مني لتبسيط وتحديد ما أقصده بالتحليل والتقييم العلمي والواقعي والإحصائي للعواقب ، فكما ذكرت فكل قول أو فعل له عواقب لكن التحليل والتقييم يحدد ماهي العواقب التي تستحق أن توصف بالبسيطة أو الخطيرة أو المؤقتة أو المستديمة أو الشاملة أو المحدودة ، لكن ماذا عن العواقب ؟ كيف نحدد بأن عواقب فعل أو قول ما ضارة أو مفيدة أو خير أو شر.

أستطيع أن أقول بأنه كلما كانت عواقب قول أو فعل ما تزيد مستوى وجودة الرفاه فهي خير ، وكلما كانت عواقب فعل أو قول تنقص أو تعدم الرفاه فهي شر .

لكن قد يبرز سؤال ألا وهو ما المقصود بالرفاه ؟ وما أقصده بالرفاه هي الحالة التي يكون فيها الفرد أو المجتمع قد وصل إلى مستوى ممتاز من الرفاه الصحي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي .

فالرفاه الصحي هي الحالة التي يكون فيها الفرد أو مجموعة الأفراد بصحة ممتازة و لايعانون من الأمراض أو العجز و الإعاقة ، والرفاه النفسي هي الحالة التي يكون فيها الفرد سعيدا ولا يعاني من القلق و التوتر أو الإكتئاب ، ويحظى بقدر كافي من التعليم والمعرفة والاستقلالية الفردية ، و وقت كافي من الفراغ لممارسة هوايته واهتمامته ، والرفاه الاجتماعي هي الحالة التي يشعر فيها الفرد بالارتباط العاطفي والوجداني مع أفراد أخرين كالأسرة والأصدقاء والزملاء ، وبالانتماء لمجتمعه الذي يعيش فيه ، وهذا المجتمع يجب أن يحقق قدرا كافيا من الأمن والاستقرار والتعاون والتواصل والتكافل بين افراده ، ويكون فيه نظام أو طريقة لحماية ومساعدة الأفراد أو المجموعات الضعيفة كالفقراء والمرضى والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة ، لأن المجتمع وتوازنه واستقراره وازدهاره مرتبط بتحقيق التوازن والتعاون بين مختلف مكوناته وأفراده ، فأي خلل أو استبداد أو قمع من قبل جزء من المجتمع لجزء أخر من مكونات المجتمع سينتج عنه في النهاية زوال الرفاه الاجتماعي عن جميع الأفراد ، أما الرفاه الاقتصادي هي الحالة التي يكون فيها الفرد أو الأسرة قادرة على تلبية احتياجاتهم الحالية والمستقبلية الأساسية كتوفير الطعام والملبس والسكن المناسب والرعاية الصحية والطاقة والنقل والاتصالات والتعليم ورعاية الأطفال وكافة الخدمات العامة والخاصة وكذلك أن تكون هناك قدرة على استيعاب الصدمات والأزمات المالية ، ويمكنهم استثمار كمية كافية من المال والحفاظ على دخل كاف مدى الحياة ، والرفاه البيئي هي أن تكون البيئة التي يعيش فيها الفرد نظيفة ومريحة وتتوفر فيها الخدمات العامة الأساسية مثل توفير مياه الشرب النظيفة والأطعمة الصحية والخالية من الملوثات ، وتوفر نظام للصرف الصحي ، ونظام لجمع وتدوير النفايات ، ونظام لتزويد المساكن والمنشأت بالطاقة والخدمات العمومية، والحفاظ على نقاوة الهواء من الغازات والانبعاثات الملوثة ، والحفاظ على البيئة المحيطة من الملوثات الصناعية والطبيعية ، وتنمية الحياة النباتية والحيوانية للبيئة وحمايتها من التمدد العمراني والاستهلاك والتدمير .

وبما أن علم الاجتماع يخبرنا بأن الانسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يستطيع أن يعيش وحيدا ، فلابد من أن يعيش حياته بما لا يتناقض مع مصلحة المجتمع أو الكوكب الذي يعيش فيه ، إذ لا يمكن أن يحاول الانسان أن يزيد من رفاهيته على حساب الأخرين لأن هذا الفعل الأناني سيسهم في النهاية بنقص أو زوال الرفاه عن الفرد والمجتمع كليهما ، وسأحاول أن أشبه مقصودي بأن لا يتعارض الرفاه الفردي مع المجتمعي بقوانين السير أو المرور التي تجعل من عملية التنقل داخل المدينة أو خارجها آمنة و سريعة و اقتصادية فلو أراد فرد ما أن يقدم رفاهيته الفردية على حساب الرفاهية المجتمعية من خلال قطع الاشارة الضوئية أو تجاوز السرعة القانونية ، قد ينجح بزيادة رفاهيته الفردية مؤقتا لكن بعد مدة زمنية ما سيكثر عدد الأفراد الذين يريدون زيادة رفاهيتهم الفردية على حساب المجتمع ، ومع تزايد هؤلاء الأنانيين سيتغير الحال في شوارع المدينة ولن يلتزم عدد كبير من الناس بقوانين السير ، عندها ستصبح عملية التنقل غير آمنة وغير سريعة وغير اقتصادية ،أو مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والتي تتقاقم بسبب زيادة الانبعاثات الملوثة ، فلو لم تلتزم دولة ما بالاتفاقيات الدولية لخفض الانبعاثات وفضلت مصلحتها ورفاهيتها الخاصة على حساب بقية العالم فستكون العواقب بعد بضع سنوات أو عقود وخيمة ومدمرة على الكوكب كله وهكذا ، فالأخلاق العواقبية توفر منهج متماسكا وقويا لبناء أفراد ومجتمعات أخلاقية من دون الحاجة للخوض في تنظيرات فلسفية وميتافيزيقية فارغة .


فالرفاه هو الهدف النهائي للسلوك البشري ومايميزه عن غيره من الفرضيات الأخلاقية أنه يعتمد على العلوم في ادعاءاته فالصحة الجسدية والنفسية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتوازن البيئي كلها مبنية على أسس علمية موضوعية بعكس الفرضيات الأخلاقية الأخرى التي تعتمد على حجج فلسفية وميتافيزيقية ، أما العواقبية فهي الوسيلة والأداة التي تجعلنا نتعامل مع الواقع ومشكلاته وتعقيداته للوصول الى الهدف النهائي .



#وليد_عبدالكريم (هاشتاغ)       waleed_abdulkarem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين في عصر العلم
- تأملات في أسس المعرفة


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد عبدالكريم - الأخلاق العواقبية بديلاً