أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية














المزيد.....

رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 6131 - 2019 / 1 / 31 - 19:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السيد الوزير المحترم تحية طيبة وبعد

ليس هدفي من هذه الرسالة المفتوحة أن أزيدكم همّا على همّ، ولا أن أثقل كاهلكم بأمور قد لا تعتبرون أنفسكم مسؤولين عنها مباشرة، خاصة وأنكم مشرفون على تدبير قطاع من أكثر قطاعات الدولة تدهورا، وأشدها تخلفا حتى أصبحنا نصنف دوليا وراء بلدان في حالة حرب. لكن هدفي أن ألفت انتباهكم إلى ظواهر غريبة وخطيرة، صارت تنخر مدرستنا وحياتنا التربوية بشكل يومي، وتجعل جودة منظومتنا التعليمية تقارب الصفر.

مناسبة هذه الرسالة قيام مواطنة مغربية وأم لطفلة بزيارتي مؤخرا قادمة من الدار البيضاء من أجل مطالبتي بالتعريف بمشكلتها، وإشاعة الوعي بها لدى المواطنين والمسؤولين على الخصوص، ولو كانت هذه السيدة وحدها من اشتكت لقلنا إنها حالة منفردة معزولة، ولما قررنا أن نزعجكم بطرحها على أنظاركم، لكنها للأسف أصبحت مشكلة مؤرقة لآباء وأمهات التلاميذ، سواء بالتعليم العمومي أو الخصوصي. إنها ظاهرة محزنة للغاية، وتتمثل في أن السيدة تتهم المدرسة بأنها جعلت ابنتها تكرهها، وتدخل معها في خصام يومي، صارت المدرسة باعثا على إذكاء الصراع الأسري وإشاعة الكراهية بين الأطفال وعائلاتهم.

يتعلق الأمر السيد الوزير بموضوع معقد وشائك، وهو سلوك المدرسين والمربين داخل القسم وأثناء الممارسة الفصلية، فرغم أننا قمنا بمراجعة مضامين المقررات وكتب التربية الدينية لأكثر من مرة، وكان آخرها المراجعة التي دعا إليها الملك محمد السادس في خطاب رسمي يوم 6 فبراير 2016، تشكلت بعده لجنة ملكية قامت بمراجعة هذه المضامين لتطهيرها من التطرف والغلو الذي لا يتلاءم مع الأهداف البيداغوجية للمدرسة الحديثة، إلا أنه مباشرة بعد هذه المراجعة ـ التي لقيت الكثير من المقاومة من قبل التيار الإيديولوجي الذي اخترق للأسف كل دواليب الإدارة التربوية والتفتيش والتأليف المدرسي ـ لمسنا اتجاها حثيثا لدى العديد من المدرسين والمدرسات نحو تصريف كل المضامين التي حُذفت من الكتب المدرسية، تصريفها شفويا عبر الإلحاح على ترسيخها في أذهان التلاميذ والتلميذات، وكان من أخطر نتائج هذا السلوك اللامسؤول، بروز ظواهر غريبة أهمها التصادم بين الأطفال وآبائهم وأمهاتهم. لقد قمنا بتعديل مضامين الكتب والمقررات الدراسية دون أن نعدل من وعي المدرسين أو نغير أدمغتهم، ونجعلهم مسؤولين عن فلذات أكبادنا الذين نبعث بهم إلى المدرسة ليجدوا فيها من يقوم بغسل أدمغتهم لكي يزرغ فيها بذور التطرف المشين والغلو اللاعقلاني، فمشكلة السيدة المذكورة أنها لا تجد نفسها في خطاب المدرسات والمدرسين الذين يصرون يوميا على ترسيخ أفكار غريبة في أذهان التلاميذ مثل أن المرأة التي لا تضع غطاء على رأسها لا ينبغي الأكل معها أو الشرب أو الحديث، وأن الأب الذي لا يصلي ولا يصوم لا ينبغي الشعور نحوه بأية مشاعر إيجابية لأنه "كافر"، هكذا يعطي المدرسون والمدرسات أنفسهم الحق في التأثير سلبا على حياة الأسر وقيمها عبر المدرسة، مستغلين استفرادهم بالأطفال، في الوقت الذي لا يدخل ذلك ضمن اختصاصهم ومهامهم التي من أجلها يمارسون مهنة التدريس.

لقد لاحظت السيدة المذكورة بأن طفلتها تجد أيضا صعوبة في تعلم اللغة الفرنسية، وعندما استقصت الأمر اكتشفت بأن مُدرسة اللغة الفرنسية تخاطب التلاميذ بالعربية الفصحى، فطلبت مقابلتها مستفسرة عن سرّ هذا التوجه المعاكس لبيداغوجيا اللغات، فكانت دهشتها عظيمة عندما واجهتها المدرسة بالقول إن اللغة الفرنسية لن تنفع ابنتها في شيء لأنها لن تنقذها في الآخرة !؟.

لن أطيل عليكم فأحدثكم عن المدرسين الذين يكلمون الطفلات الصغيرات عن زواج عائشة في تسع سنوات، ولا عن الذين يقضون وقت الدرس في ترهيب التلاميذ ووصف أنواع العذاب، ومقدار قبح "الكفار"، ولا عن الذين يجدون متعتهم الفائقة في سرد أخبار الغزوات والقتال والمقاتلة التي ترمز لـ"عزة الأمة ورفعتها"، إنها حرب يومية على الحياة وعلى قيم الجمال والخير تتم باسم الدين، الذي من المطلوب أن يكون رمزا للخير في أذهان الأطفال.

هذه الوقائع التي صارت يومية في مدارسنا السيد الوزير، تفسر لنا كيف أصبحنا في بضعة عقود شعبا لا يستوعب أبسط القيم الإنسانية العليا، كالنظافة واحترام الآخر وتقدير الكرامة الإنسانية، والتحلي بالنزاهة والأمانة وبالقدرة على النقد والمبادرة، وتفسر لنا كيف أصبحنا شعبا يعتبر الغش ذكاء والرشوة فوزا والتمييز تفوقا والكراهية إيمانا واستقامة، لقد جعلنا من المدرسة مصنعا للرعايا المجيّشين والمحنطين في خدمة أجندات متناحرة، عوض أن نجعل منها مشتلا لبناء المواطنين الأحرار والمنتجين.

أعلم السيد الوزير بأنكم لستم من صنع هذه الوضعية الرديئة، وأنكم لا ترضون لأبنائكم أن يقعوا فريسة هذه النوعية من المدرسين، ولكنني أيضا موقن بأنكم ستتفقون معي على أن ما لا نرضاه لأنفسنا ولأبنائنا ينبغي أن لا نرضاه للناس كافة، ولستم وحدكم من يتحمل مسؤولية تكوين هؤلاء الأساتذة الذين هم في وضعية أشبه بالأمية، ولكنكم بصفتكم وزيرا للتربية الوطنية، مسؤولون اليوم عن واقع كلفتم بتدبيره حاليا، وأنا أكاتبكم لأطرح عليكم سؤالين اثنين:

الأول هو السؤال عن برنامجكم لتكوين مدرسين أكفاء، يتصفون قبل كل شيء بالحس التربوي، وبالضمير المهني، ويعتبرون مهمتهم أقدس مهمة، طالما لم تنهض شعوب قط بدون نظام تربوي فعال وجيد.

الثاني هو عن الطريقة التي ترون بها إمكانية مراقبة المدرسين الذين يخونون مهمتهم التربوية، ويجعلون من القسم مسرحا لتصفية حساباتهم مع مظاهر التحديث في الدولة والمجتمع، ومع مكتسبات الإنسانية، دون أن ينتبهوا إلى مقدار الخسائر الفادحة التي يحدثونها في أذهان الصغار.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها المغاربة، احموا أعيادكم وأفراحكم من ثقافة الموت والكراه ...
- باختصار شديد: سيستمر الإرهاب ما دامت أسبابه قائمة
- الحريات العامة بين الدستور والقوانين والممارسة السلطوية
- الفنان إحيا بوقدير: سحر الصوت والكلمة والإيقاع
- -الجهاد الكروي-
- منع ندوة الحريات الفردية لا ينهي النقاش في المجتمع
- كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-
- العقلية الإجرامية في رمضان
- عندما يكون الإنسان هو الرأسمال الأول
- تكريم المرأة على الطريقة الإخوانية (3)
- -تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (2)
- -تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (1)
- صفعة تونسية للمغرب
- أسئلة إلى -أهل الاختصاص-
- نعم -صحيح البخاري- ليس صحيحا
- النقاش في الإرث ليس إرادويا
- عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-
- حقوق المرأة و-استقرار الأسرة-
- الحركة الأمازيغية وإسرائيل : أسئلة وتدقيقات
- التعامل الديني القاسي مع الأطفال يتعارض مع البيداغوجيا العصر ...


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية