أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن البياتي - ...تنويعات للصوت و البيانو















المزيد.....

...تنويعات للصوت و البيانو


حسن البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 1507 - 2006 / 4 / 1 - 02:09
المحور: الادب والفن
    


ـ مأساة هزلية أحادية البطل (مونودراما) ـ

ـ ستوديو لتسجيل الصوت. بيانو. ميكروفون يتدلى من أعلى. الجدار الخلفي بكامله من الزجاج فقط.

يدخل الستوديو رجل في مقتبل العمر. يجلس إلى البيانو ، يلقي نظرة من خلال الزجاج. تومض فجأة كتابة ضوئية : "الميكروفون مفتوح". يبدأ عازفاً ، بتأن ٍ ، لحناً موسيقياً من الجاز الهاديء الذي يبعث على الإستغراق في التأمل. ثم يقطع اللحن و هو في بدايته. ـ

الرجل:
عزيزي سيريوجا !.. أبعث إليك بهذه الرسالة الصوتية ، يحدوني أمل خفي بأنك سوف تتسلـّمها عبر اسطوانة الجاز ، وتضعها على الغرامافون. و بهذه الطريقة ستستمع إلى كل ما حاول ، دون جدوى ، أن يقوله لك والدك " فاذرك " على امتداد الأيام الأخيرة... إنني أعرف مقدار نفورك من المواعظ الأخلاقية و الأحاديث الإرشادية ، لذا فسوف أبذل جهدي لئلا يستغرق منك هذا الإجراء كثيراً من الوقت ، و أن يكون مقبولاً و شائقـاً إلى أقصى ما يمكن. (يعزف بهدوء.) هذه تنويعات لموسيقارك المفضل أوسكار بيترسون.. عرفت ، طبعاً؟ لا تعتقد أنني فقدت صوابي أو انني لا عمل لي في يوم عطلتي. لا ، فكل ما في الأمر هو أن هذه الإسطوانة هي الوسيلة الوحيدة لإقامة العلاقة معك و تدبير الإتصال بك... أنا أذهب إلى عملي حينما تكون أنت ما تزال نائماً ، أنت تأتي إلى البيت عندما أكون أنا قد نمت... أو ما زلت ُ نائماً... و بالمناسبة ، أرجوك أن تفتح النور ، عند عودتك ليلاً ، بجرأة و شجاعة ، و لا تحاول أن تجتاز غرفتنا ـ أنا و امك ـ و أنت تتلمس متخبطاً طريقك في الظلام... فخير للمرء أن يرى مرة واحدة ، من أن يسمع مئة مرة!! و لا حاجة بك إلى تنظيف أسنانك لفترة طويلة في حجرة الإستحمام ، لأنني في كل الأحوال ، لا أخمن انك تدخن... (يعزف ُ.) سيريوجا ، أنت الآن في الصف الرابع الثانوي ، و من البديهي ّ تماماً أن نكون ـ أنا و امك ـ قـلـِـقين ِ على مستقبلك... ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟! آخر مرة أفصحت َ فيها عن رغبتك في خصوص هذا الأمر عندما كان عمرك أربعة أعوام... "أريد أن أصبح بائع آيس كريم!" و الآن عمرك ست عشرة سنة... أما زلت تريد ـ كما في السابق ـ أن تصبح بائع آيس كريم ، أم أنك قد اخترت شيئاً آخر أكثر متعة؟... شاطرني الرأي! ربما أستطيع أن أوحي إليك بشيء ما. إن فيك العديد من صفات العظماء... على سبيل المثال ، انك الآن تلعب الورق مثل نيكراسوف ، تحب شرب القهوة مثل اينشتاين ، تطلق تسريحة شعرك مثل صوفيا كوفاليفسكايا...
لقد آن الأوان لأن يـُـفــَـضـَّـل أحد ما... انك مثلث متساوس الأضلاع: عندك في مادة الأدب خمس درجات من عشر ، في مادة الفيزياء خمس ، في الرياضيات خمس... قدر الأمر ، يا سيريوجا ، ان لديك عشرة واحدة فقط ، و هذه أخذتها اليوم صباحاً من جيب سترتي!... (ينهمك في العزف.)... أنا لا أتهمك في شيء... أعرف انك ستعيدها عندما تكبر. (يعزف.) دييف بروبيك. "بوسونوفا"...
قبل عدة أيام دخلت أحد المخازن لشراء كمية من المشمش... فأنت تحب الفطائر بالمشمش... لكنّ المسألة ليست هذا الشأن. هناك رأيت لوسيا. سألتــُها ، لماذا لم تعد تزورنا؟.. قالت ـ "لا وقت عندي لذلك"... و قد فهمت من طريقة كلامها أنْ ـ "لا حاجة بي إلى ذلك"... قبل لوسيا حدثت قصة مثل هذه بالذات مع تامارا... و الآن تزورنا ناتاشا. ليس لدي أي إعتراض ضدها ، إنها صبية حسنة... و على العموم ، خمس عشرة سنة ـ قصة حب ، رومانس ، استكشاف... إنني أدرك كل شيء... "أنتوشكا ، أنتوشكا ، هيا بنا نقتـلع الكارتوشكا!..(2)" ـ (ينفجر فجأة.) و لكن عليك أن تكف إذن عن تخويف والدتك بأنك قررت أن تتزوج بعد الإنتهاء من امتحان مادة الجبر مباشرة!... أنا أدري أنك ستجيبني قائلاً... الإحصائيات... القرن العشرون... الزيجات المبكرة... في افريقيا يتزوجون في سن الخامسة عشرة. أجل ، و لكنهم هناك يعيشون حتى سن الأربعين ، لا وقت لديهم... أنا نفسي قد تزوجت في سن التاسعة عشرة. و لحسن الحظ ، قد اتضح فيما بعد أنني أحب والدتك حباً حقيقياً... تيلونيوس مونك "سوناتا"... (يعزف.)
بطاريات الترانزيستر الصغيرة ستكون جاهزة يوم الإثنين... حذاء التزلج على الجليد ، ذاك النمساوي الصنع ، قررنا ـ أنا و أمك ـ أن نشتريه لك. لكنّ الخمسين روبلاً التي تريد أن تشتري بها بنطلون الجـينز ، لن أعطيكها حتى لو كنت أملكها فعلاً!... أنا متفق معك: إنه على الموضة... عمليّ... و هو بنطلون كاوبوي حقيقي ، لكنْ صدقني انّ أي كاوبوي يحترم نفسه لسوف يكف حالاً عن شراء بنطلون جينز إذا علم أنّ ثمنه يساوي خمسين روبلاً!... إنه سيقـتل الشخص المضارب في السوق السوداء رمياً بالرصاص!.. أنا أيضاً ارتدي بنطلون جينز ، رخيص الثمن... أرتديه لأنه قد ضاق عليك بعد أن نـَمـَـوْتَ... سيريوجا ، إنك تعتبر نفسك إنساناً راشداً. وازنْ إذن احتياجاتك مع إمكانياتنا... لن أعيد عليك القول عن الحقائق الأولية في أن جيلكم يعيش ظروفاً أفضل من تلك التي عاشها جيلنا ، مع أن هذا هم الحاصل تماماً... و إننا في سنكم... ذاك ـ هذا... خامساً ـ عاشراً... كنا نحشر في مبان ٍ خشبية مؤقتة ، و أنتم الآن... ذاك ـ هذا... خامساً ـ عاشراً... تسكنون في شقق مستقلة. كل هذا طبيعي ، في نهاية الأمر... إننا إذ كنا نحشر و نتكدس في المباني الخشبية المؤقتة ، فذلك لكي تعيشوا أنتم في شقق مستقلة ، فيها غرف استحمام ، شرفات ، و مطاهٍ مربعة بالبلاط المصقول... لكي تألف أنت ، منذ الولادة ، أسباب الراحة هذه و تعتبرها اعتيادية ، لكي تستطيع ، حين تدخل التواليت ، أن تهمل رفع غطاء القعود ، لأن والدتك هي التي ستنظف و تمسح ، في كل الأحوال... إرول غارنر "الدمية الفرنسية"... (يعزف.).
طبعاً ، أنا لست إميل غيليلس... أنا مدرس في مدرسة الموسيقى بمنطقتنا ، و إن كانوا ، في طفولتي ، يشيرون إليّ بأنني سأصبح موسيقياً عظيماً... ربما لم تكفني الموهبة ، ربما هكذا جرى المصير ، بل ربما يقع الذنب على هذا الاصبع الذي كسرتــُـه أثناء قيامي بتصليح عربتك ، يوم كنت أنت طفلاً صغيراً... و مع ذلك ، فأنا لا أعتبر نفسي سيءَ الحظ. إن لدي عملاً جيداً ، زوجة رائعة ، إبناً سليماً معافى. ثم إن أمامي آفاقاً ثرية جداً... أجل ، أمامي مستقبلك! إفهمْ ، يا ولدي ، إن الإنسان ، كما هو معلوم ، يعيش الحياة مرة واحدة فقط ، و لا يحالفه التوفيق فيها إلا نادراً جداً... إذا لم توفق في حياتك ، يا سيريوجا ، فلن أكون في خير أبداً ، حتى و إن لم أعدْ على قيد الحياة... ذلك هو ، في الحقيقة ، كل ما كان يجب أن تصغي إليه ، إنْ لم تكن ، طبعاً قد نزعت الاسطوانة منذ وقت طويل... و إلا ، فلمن كان حديثي هذا كله؟!... رحمانينوف. "نوكتيورن(3)"... رجاءاً ، لا تنثر الرماد على أرضية الشقة... (يعزف النوكتيورن ، ينهض ـ ينصرف...)
=============

هوامش المترجم

(1) عن كتاب: "مهازل صغيرة من الدار الكبيرة" للكاتبين السوفيتيين أركادي أركانوف و غريغوري غورين.
موسكو ـ دار الفن، 1973، ص41 ـ 44.

(2) كارتوشكا: كلمة روسية دارجة، فصيحها: كارتوفيل، أي بطاطس.

(3) نوكتيورن (من الكلمة الفرنسية نوكتيرنnocturne. معناها الحرفي: الليلي) ـ لحن موسيقي ذو طابع حالم، كأنما هو يستدعى مع سكون الليل و هدوءه. يـُـعزف على البيانو عادةً.

نقلها من اللغة الروسية : حسن البياتي



#حسن_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمس زهرات من جنائن شتى شعر
- رياح أكتوبر - شعر
- جنود الإحتلال ـ شعر


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن البياتي - ...تنويعات للصوت و البيانو