أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مشعل يسار - هل -الدولة المدنية- هي الحل؟















المزيد.....

هل -الدولة المدنية- هي الحل؟


مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)


الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 21:56
المحور: المجتمع المدني
    


على خلفية دحر وتفكيك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية واستقلال جمهورياته وإحرازها السيادة الكاملة وإعلانها طموحها إلى التطور العاصف بعد أن تحررت من "قيود الشيوعية" و"قمعها للأفراد والجماعات والشعوب" ومن ربقة البيروقراطية السوفياتية، وحتى بعد تخلص بعضها من "الأغراب" أي من الروس الذين أرسلتهم السلطة السوفياتية لترقية وتطوير شعوب الإمبراطورية الروسية الأخرى المتخلفة، بدأت مشكلة اختيار النظام الاقتصادي والاجتماعي الملائم لإنفاذ هذا الطموح. غير أن الرياح جرت بعكس ما اشتهت سفنهم.
بدأ الجميع يتحدث عن اقتصاد السوق كخشبة خلاص، ما يعني باللغة المعهودة النظام الرأسمالي المبني على الملكية الخاصة. لكن ما وصلوا إليه لا يمكن وصفه بأنه الرأسمالية بمعناها التقليدي. فهو كناية عن شبه رأسمالية، وثمة من يسميه "رأسمالية الدولة" أو "حكم المافيات" أو "الرأسمالية المتوحشة"، علماً أن الواجهة السياسية لهذا النظام تظهره كجمهورية برلمانية ذات نظام رئاسي. فلا الشعب صار حاكماً، ولا مستواه المعيشي تحسن، بل خسر كل ما كان له من تقديمات اجتماعية مجانية من السكن إلى الطبابة إلى التعليم إلى الاستجمام إبان العطلة إلى الحماية من البطالة ومن النصّابين إلخ.
رغم انهيار الاتحاد السوفياتي لا يزال في العالم اليوم نوعان من التتشكيلات الاقتصادية الاجتماعية - الرأسمالية والاشتراكية. وبعد انهياره رفضت جمهورياته وبلدان الكتلة الشرقية النظام الاشتراكي، ولم تعد تعتبره احتمالاً ممكناً، كما انتقلت هذه العدوى إلى الأحزاب الشيوعية القائمة. وراحت جميعها تالياً تبحث والعرق يتصبب من الجبين عن خلق شيء جديد غير فكرة الاشتراكية كشعار وهدف، ابتكار فكرة جديدة، والتكيف مع العالم الغربي عبر استنصاح دساتيره وقوانينه وصولا إلى استنساخها. فأعلنت الدولة الديمقراطية والعلمانية ودولة القانون والرعاية الاجتماعية هدفاً، وأعلنت عندنا أيضا الدولة المدنية المقاومة وغير الطائفية. لكن كل هذه الشعارات في طرح السلطات الجديدة بقيت صدى في واد. فلا أمن اجتماعياً، ولا ديمقراطية حقيقية على طريقة توماس جفرسون. وهنا رأت المعارضات المختلفة ومن بينها المعارضة الشيوعية النظامية أن من الممكن تصحيح الوضع وتعديل شعاراتها بالإشارة إلى نظرية المجتمع المدني والدولة المدنية. وذلك مع سرد سماتها الرئيسية ألا وهي الوحدة الوثيقة بين السلطة والشعب، حيث السلطة المنتخبة لا يمكنها اتخاذ القرارات من دون مناقشتها مناقشة عامة، وحيث تتأمن الشفافية في عمل المسؤولين على أعين الرأي العام، وحيث المساءلة الشعبية في جميع مجالات أنشطة المؤسسات الحكومية، وحيث تُضمن لكل مواطن حقوقه وحرياته، وتُدعم إمكانية تجسيد أفكار كل شخص مبدع، وحيث ضمان حرية الرأي عبر وسائل الإعلام وحرية التجمع، وممارسة الشعب حقوقه الاجتماعية بحرية. وفي الدولة المدنية أولوية هي مكافحة الفساد والبيروقراطية، والجريمة وغيرها من مظاهر الفجور والتحلل الأخلاقيين. وكل هذا سيخلق الظروف لضمان العدالة الاجتماعية والوحدة الحقيقية لأبناء الشعب.
غير أن الأمر الأهم يبقى في ظل هذه الدولة المدنية، وهو ضمان الحق المقدس في الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج مع الحد الأدنى من التدخل الحكومي في شؤون العلاقات الاقتصادية وعلاقات السوق، وفي هذا المجتمع "المخصخص" تظهر جليةً صورة الدولة المثالية.
لقد نشأت فكرة المجتمع المدني مع بزوغ فجر الرأسمالية، عندما كان يجري البحث عن شكل للدولة يكون أكثر تكيفا مع ضرورات تطوير العلاقات الرأسمالية. فراحت تُنشأ آلية تضمن هيمنة الطبقة البرجوازية. واعتبِر المجتمع المدني مثابة البديل الديمقراطي لديكتاتورية البرجوازية (من حيث الشكل طبعا وليس المضمون). وقد انتقد ماركس هذه الفكرة أيما انتقاد، لأن الاستغلال والتفاوت الاجتماعي العميق في ما بين الناس سيبقيان في دولة كهذه على حالهما بالكامل. ولم تنفذ فكرة المجتمع المدني بشكل كامل في أي مكان في العالم، حتى أنها بدأت تُنتسى وصارت دول "ديمقراطية" مثل سويسرا والدنمارك والسويد والنروج وغيرها تسمى بدول "المجتمع المدني".
الملكية الخاصة قسمت الناس إلى طبقات متعادية أشد التعادي، وعززت انقسام المجتمع في العمق بين أغنياء وفقراء. لكن الانفصال كان يحصل في الوقت نفسه على أسس قومية ودينية ترتبط بطريقة أو بأخرى بالملكية الخاصة، وهو ما يشكل عقبة كأداء في وجه وحدة الشعب في البلدان الرأسمالية. وباتت تنشأ وتترسخ تدريجيا في شتى أنحاء العالم فكرة الليبرالية التي كادت تعتبر آخر الغيث ومرتع الأبدية.
ولكن مع تعمق الأزمة العامة للرأسمالية يصبح جلياً خطل الليبرالية وفشلها. فهي تستنفد ذاتها لتضحي مثابة الثوب البالي سياسيا واقتصاديا، ولتشكل خطرا على الحياة عموما على كوكب الأرض، وهو ما نشهده خاصة في الآونة الأخيرة. في ظل هذه الظروف، تطفو إلى السطح مرة أخرى فكرة المجتمع المدني شبه المنسية كحل وسط بين الطبقات المتعادية. علما أن بعض السياسيين يرى فيها خطوة كبيرة تخطى نحو الاشتراكية عبر صيرورتها سلمياً، وبعد ذلك يمكن السير في مسالكها تدريجيا بما أن "الثورة لم تعد واردة والقدرة عليها قد استنفدت" بحسب ما تعتقد اليوم معظم الاحزاب الشيوعية سابقا والتصفوية حاليا، والتي هي أقرب إلى الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. هذا التكتيك يعني في جوهر الأمر الرغبة في تمديد حكم البرجوازية وفي خداع الناس حقيقةً.
يتسلح بعض الشيوعيين واليساريين والقوميين اليوم بفكرة "المجتمع المدني" أو "الدولة المدنية" بأمل العثور على وفاق وانسجام بين العمل ورأس المال، وتحقيق العدالة الاجتماعية. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه يرونها في الجمهورية البرلمانية والانتخابات النزيهة وخارج القيد الطائفي في البلدان المتعددة الطوائف والمذاهب. ولكننا نفهم كل خداع هذا التكتيك، بما أن اساس الاقتصاد يبقى الرأسمالية في هذه الحالة، وبما أن الأغنياء سيبقون على رأس السلطة كما كانوا من قبل.
إن برامج الأحزاب السياسية المتنافسة تحتوي اليوم على أشكال لتحسين الرأسمالية وتكييفها مع احتياجات الشعب العامل المتواضعة، وتسوّق كلها مجتمعة الفكرة "الجديدة القديمة" حول المجتمع المدني.
بيد أن النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي لن يكون فيه لا استغلال إنسان لإنسان ولا ملكية خاصة لوسائل الإنتاج، والذي سوف يتم القضاء في ظله على الطبقة الرأسمالية الطفيلية، وتوزيع الثروة الوطنية وفق مبدأ "من كل حسب قدرته، ولكل حسب عمله"، وحيث سيتم تدمير سلطة المال، وإقامة مجتمع العدالة الاجتماعية، يمكن أن تؤمنه فقط الاشتراكية والملكية العامة لوسائل الإنتاج عبر التأميم والتعاون الإنتاجي. لكن كلمة "اشتراكية" لم يعد يستسيغ استعمالها اليوم حتى من كانوا بالأمس دعاة لها وباتوا يخجلون من ذكرها. فهي برأيهم جُرِّبت وفشلت!!! ولا يمكن الغطس في النهر نفسه مرتين!!! ولذا نراهم يهرولون جيئة وذهابا بحثا عن أشكال دولة جديدة. ولكن فكرتهم حول "المجتمع المدني" ليست سوى إعادة نبش لما لم يجتذب أحدا في الماضي نظرا لخطله وهروبه من الفكر التحريري الحقيقي بعد ما شابه من هزيمة وتراجع مؤقتين. ولكنه كالعنقاء سوف ينهض من تحت الرماد.



#مشعل_يسار (هاشتاغ)       M.yammine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضد الحرب! ضد تأجيج هستيريا الحرب! ضد الامبريالية والإمبريالي ...
- رسالة إلى شعوب بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا
- -الآن نعود إلى نقطة الصفر في كل ما حققه جيشنا في سوريا-
- في مقابلة مع أناتولي واسرمان: ستالين بريء الذمة من القمع-
- روسيا ليست لا العراق ولا ليبيا، ولا سورية ولا أوكرانيا
- كارثة كيميروفو: الرأسمالية تقتل
- -الذكرى السنوية ال100 لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى: المثل ...
- في ذكرى فيكتور أنبيلوف Viktor Anpilov*
- لنعلن سنة 2018 -سنة ماركس-!
- -سيريزا- روسيا تدعم رأس المال!
- استقلالنا الموهوم
- في المرة القادمة سوف تتم الأمور بصورة أفضل!
- الثورة المضادة لن تمر! - نحو الذكرى المئوية لثورة أكتوبر
- فلاديمير بوشين* والمصادر الحقيقية لللاسامية
- ليس مستقبلنا الرأسماليةَ، بل عالمٌ جديد يخرج من أحشاء ثورة ا ...
- كذبة -الاستسلام-!!!
- روسيا بين الدول الخمس الاوائل الأسوإ بالنسبة للمتقاعدين
- في -الستالينية- غير الماركسية
- ستالين لا يزال الأول!!!
- بين الرغبة والرهبة


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مشعل يسار - هل -الدولة المدنية- هي الحل؟