أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الفنان والقرد















المزيد.....

الفنان والقرد


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 5865 - 2018 / 5 / 5 - 17:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كتاب "في الشعر" Περὶ ποιητικῆς - Perì poiêtikês يعتبر من أهم أعمال أرسطو، يعالج فيه مفاهيم الفن الشعري عموما وبشكل أكثر تحديدًا، فنون المأساة أو التراجيديا - والملاحم وفكرة "التقليد" التي هاجمها إفلاطون من قبلة بعنف وحدة. يعرفه أرسطو بقوله بأن هذا الكتاب " يعالج علم إنتاج الشيء المسمى بالعمل الفني"، ربما يكون قد كتبه حوالي 335 قبل الميلاد، وقد أثر هذا العمل تأتيرا كبيرا في تكوين الفكر الفني الأوروبي والغربي قرونا طويلة، وأثار الكثير من المناقشات والتعليقات والنقد، وما تزال مبادئه الأولية تدرس في المدارس والمعاهد المسرحية. ولد أرسطو Ἀριστοτέλης في عام 384 قبل الميلاد في Stagire ستاجرا وهي مستعمرة يونانية وميناء على ساحل تراقيا. و كان ابوه نيقوماخوس Nicomaque طبيب في بلاط الملك إمينتاس المقدوني Amyntas III de Macédoine ومن هنا جاء إرتباطه ببلاط مقدونيا، الذي أثر إلى حد كبير في حياته ومصيره الفكري والسياسي، فكان مربي الإسكندر الأكبر وأستاذه. دخل أكاديمية أفلاطون للدراسة فيها في السابعة عشر من عمره وبقي فيها عشرين عاما، ولم يتركها إلا بعد وفاة أفلاطون في حدود ٣٤٧ قبل الميلاد. كان من أعظم فلاسفة عصره وأكثرهم علما ومعرفة ويقدر ما أصدر من كتابات بـأكثر 400 مؤلف.عرف بالعلمية والواقعية، يعرف الفلسفة بأنها علم الجواهرessence الكلية لكل ما هو واقعي، على عكس أفلاطون الذي يحدد الفلسفة بأنها عالم الأفكار idea قاصداً بالفكرة الأساس اللاشرطي للظاهرة. وعاش أرسطو حتى سنة 322 قبل الميلاد.
نعرف أنه في الميتافيزيقيا، يميز أرسطو بين ثلاثة أنواع من العلوم: العلوم النظرية la science spéculative، وتشمل الفلسفة الأولية أو الميتافيزيقا والرياضيات والفيزياء. ثم العلوم العملية la science pratique، أو البراكسيس وتخص مجال الأخلاق والسياسة. وثالثا، العلوم الإنتاجية la science productive، وتتعلق بالنواحي التقنية وإنتاج كل ما هو خارج نطاق الإنسان، مثل الزراعة والصناعة والخطابة وكل ما يتعلق بالفنون. أما المنطق فهو لا يدخل مجال العلوم ولكنه الوسيلة التي بواسطتها يمكن ممارسة العلوم وإمكانية تطورها. ويدرس في العلوم الإنتاجية الجزء الشعري من منظور وصفي ومعياري، ويصنف أرسطو الإبداع الفني والإنتاج الحرفي كإنتاج شعري ποίησις - poesis وليس "عملي" πρᾶξις - praxis. وهذا يعني أن هدف وغاية هذه الفنون ليس "في ذاتها"، بخلاف الممارسة أو البراكسيس، التي لها غرضها في حد ذاتها ، كالممارسة الأخلاقية مثلا. أرسطو في كتابه هذا "في الشعر"، يعتبر الشعر والتصوير أو الرسم والنحت والموسيقى والرقص هي الفنون الرئيسية، رغم أنه لا يعالج في الكتاب بطريقة شاملة سوى التراجيديا والملاحم وقليلا من الموسيقى. في دراسته للتراجيديا يأخذ مفهوم المحاكاة mimèsis - μίμησις من أفلاطون، ويبدو وكأنه يتبع المذهب الأفلاطوني بإعتباره أن الإنتاج الفني ناتج عن تقليد الطبيعة، ولكنه لا يدين في الواقع هذه الحقيقة. يشرح أفلاطون في الكتاب العاشر للجمهورية أن العمل الفني هو مجرد تقليد للتقليد، نسخة باهتة من نسخة أخرى. الفنان يقلد الشيء الذي ينتجه العامل الحرفي، السرير أو الطاولة وما شابه من صناعات بشرية، أو ما تنتجه الطبيعة ذاتها من أشجار وجبال وأنهار، وهذه الأشياء هي في حد ذاتها نسخ من جوهرها أو مثالها المتعالي - الفكرة أو النموذج. إن الفن بالنسبة لأفلاطون، كإنتاج للكائنات أو للأشياء المادية المتعينة، هو مجرد تقليد من الدرجة الثانية، نسخة من نسخة الفكرة. إن العمل الفني، الذي يتعلق بالتمثيل فقط ليس له قيمة أو أهمية تذكر، لأنه بعيد عن الحقيقة، ويقع في المرتبة الثالثة في سلم الموجودات. ويظهر الفنان المقلَّد نفسه كخطر على مشروع الجمهورية المثالية التي يريد إفلاطون تشييدها، لأنه ينشر الأوهام والأكاذيب، ويزيف الحقيقة، ويمكنه بذلك أن يقلب القيم الأخلاقية أو السياسية التي يعالجها إلى نقيضها. عند هذه النقطة يبتعد أرسطو عن أفلاطون، فهو لا يفكر في استبعاد الفنانين المقلدين ولا طردهم من المدينة، رغم قناعته بأن دور الفنان ليس كتابة الأشعار التي تقلد الطبيعة أو الأحداث، وإنما التعبير عن الواقع وتقديم الأحداث، ليس بالضرورة كما حدثت فعلا، ولكن كما يمكن أن تحدث، فالشاعر يختلف عن المؤرخ اليومي للأحداث. لهذا السبب الشاعر أقرب إلى الفلسفة من كاتب التقاريرhistorien-chroniqueur لأنه يهتم بالعموميات وليس بالوقائع والتفاصيل الخاصة. ففي التراجيديا، أحداث القصة ككل ومعناها العام، يمكن إعتباره أكثر أهمية من تفاصيل شخصيات الأبطال أو حالاتهم النفسية.
يقدم أرسطو فكرة "التقليد" في ضوء جديد تمامًا، وينقيها من مثالية إفلاطون. بالنسبة له، الإنسان بطبيعته، لا يحب التقليد فقط، ولكنه من خلال التقليد يبدأ الإنسان تعلمه للحياة. وهناك سببان لهذا، في البداية لأن العمل الذي يقدمه الشاعر أو الفنان كتقليد لما هو كائن، عادة ما يكون أجمل من النمودج الأصلي ومن الواقع، وهذا مصدر للذة والمتعة للمشاهد أو للمستمع. ويأخذ أرسطو لوحة ما تصور جثة ميت مثالا على ذلك. في الواقع لا نستطيع تأمل هذا المشهد، لأن الموت والجثت تبعت في الإنسان نوعا من النفور والغثيان، ولكنه يمكننا أن نتأمل هذه اللوحة بهدوء، بل ونشعر بنوع من المتعة في ملاحظة دقة الفنان وبراعته في وضع الخطوط والألوان والظلال وواقعية المشهد. اللوحة ممتعة في نهاية الأمر لأنها ترينا ما لا يمكن مشاهدته مباشرة بدون ألم أو قرف أو خوف، كالجثث البشرية أو الوحوش البرية، أو الحروب والإغتيالات. أما السبب الثاني، فهو أنه من خلال عمل الشعراء والفنانين، يمكن للإنسان الوصول إلى شكل معين من أشكال المعرفة. ذلك أن الفنان والشاعر يستطيع أن يقدم، ليس الأشياء في ذاتها، ولكنه يشير بطريقة ما إلى "جوهر" هذه الأشياء وماهيتها الحقيقية. وهكذا فإن المتعة الجمالية plaisir esthétique تظهر لأول مرة في تاريخ الفلسفة وتاريخ الفن، وتصبح عاملا مهما في تقييم جمالية العمل الفني. هذه اللذة والمتعة الحسية ناتجة عن الأحاسيس والعواطف التي يثيرها العمل في نفس الجمهور المشاهد، والتي تلمس وتثير المشاعر، والتي تجد فيها منفذًا ومتنفسا ". المسألة ، ليس فقط تقليد فعل ما ككل، ولكن أيضًا تصوير أحداث ومشاهد قادرة على إثارة الرعب والشفقة، وتولد هذه العواطف خاصة، وبطريقة أكثر إثارة عندما تتتابع الأحداث بطريقة غير متوقعة. وأرسطو بطبيعة الحال يشير إلى وجود مسافة فاصلة ضرورية ومن المستحيل تجاوزها بين عمل الفنان وبين الموديل الواقعي الذي ألهمه عمله الفني. فالعمل الفني يشبه الشيء المقلد، ولكنه ليس "هو" ويختلف عنه بالضرورة، لأن الإنتاج الفني ناتج عن عمل الفنان والطريقة التي يشكل بها ما يقلده ويصوغ بها نموذجه. والعمل الفني يكون جميلا بالضرورة لأنه بناء وتكوين وتشكيل أبدعه الفنان إستلهاما من أي نمودج مهما كان نوعه، ولو لم يكن جميلا في الأساس. وفيما يتعلق بالمعرفة ، فإن أرسطو يعارض بشكل جذري أفلاطون، الذي يحضنا على فصل أنفسنا عن المظاهر المحسوسة والتحول أو الإنتقال من الواقع الملموس إلى المثالي. أما بخصوص التراجيديا فيعرفها أرسطو بأنها "تقليد عمل نبيل ، ينجز من بدايته إلى نهايته، وله امتداده إلى حد معين، بلغة مشوقة، وبإضافة العديد من المقبلات الجمالية مثل الإيقاع واللحن والأغنية. إنه تقليد يرتكز على شخصيات تقوم بأفعال معينة على المسرح، وليس عن طريق السرد كما هو الحال في الملاحم، ومن خلال خلق أحاسيس كالشفقة والخوف، يقوم العمل بتطهير نفسية المشاهد من هذا النوع العواطف. الأمر يتعلق بتقديم أحداث قصة لها مقدمة وتطور ونهاية، ويجب أن يكون تصرف الشخصيات معقولًا ومبررا ومن المستحسن أن تمثل أحدى الشخصيات على الأقل، شخصا أو شخصية لها وجود تاريخي حقيقي، وذلك لكي يتمكن المشاهد من التعرف على نفسه في شخصيات المسرحية وأبطالها. وفي مرحلة "الذروة الدرامية"، وهي أهم لحظات المسرحية، يجب أن نجعل المتفرج يشعر بالشفقة أو الخوف على هذا البطل المأساوي الذي يعاني من مصير لا يستحقه فرضته عليه الآلهة أو الأقدار، أي أن يكون هناك تعاطف مع هذا الشخص الذي يعاني من سوء الحظ الذي هو نتيجة الأخطاء التي ارتكبها والخوف من القدر الذي يمكن أن ينزل عليه مصائب أخرى غير متوقعة، وهذا الخوف والتعاطف مع البطل التراجيدي هو ما يسمى بظاهرة الكاثارسيس.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول مايو وثورة الفقراء
- إيروس والحب الإفلاطوني
- سرير الله وسرير النجار
- الله والفنان
- أسرار العمل الفني
- أسطورة الرمز في القرآن
- القرآن بين الإيمان والإسلام
- كزينوفان والله الواحد
- بداية اللوغوس
- اللغة المقدسة
- الله بين الشعر والفلسفة
- معنى الدلالة ودلالة المعنى
- العقل اللولبي
- رسالة إلى المواطن الليبي
- الإغتصاب والعنف تجاه النساء
- موت النبي
- فيثاغوراس والآلهة الصماء
- تهافت الأدلة على وجود الله
- ليبيا: أحذروا من العسكر ومن العقيد حفتر
- ليبيا وديموقراطية الذئاب‬


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الفنان والقرد