أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ديوان - مذكرات كلب سائب















المزيد.....



مذكرات كلب سائب


علي ديوان

الحوار المتمدن-العدد: 5828 - 2018 / 3 / 27 - 23:44
المحور: الادب والفن
    


ظل بوبي، (هكذا أصبح اسمه لاحقا)، صابرا منتظرا قدومها طوال المساء تحت شجرة التين مقابل شرفتها، فرغم أنه يحس حرقة الجوع في أحشاءه٬ إذ لم يحالفه الحظ ذلك الْيَوْمَ بالحصول على أي فتات طعام أو بقايا عظام، إلا أنه كان في لهفة وشوق لرؤية

دانييلا.

لم يفهم ابدا. “بحكم كلبيته"، لماذا هو هنا وماذا يشده لها ولهذا المكان، برغم ما ألم به من جوع، إلا أنه قد عرف، وبحكم كلبيته أيضا، ومنذ وقت ليس بالقليل أنه مشدود إليها وأن هذا المكان تغمره وتشبعه طاقة كونية مختلفة جاذبة وطاغية، فيها إغراء وغموض. لها لزوجة أجواء الولادة ونكهة أحضان الأمومة، تتدفق حيث ما تكون دانييلا، تعبق الأجواء وتلتصق في الثياب والأثاث والبناء.



هو لا يعلم أبدا عن تكرار مأساتها وعن خيباتها مع الرجال، عن بكاءها وعن لياليها الحزينة الطوال. رغم ما تملك من جمال وجاذبية عالية، وما حصلت عليه من علم وجاه ومال. ولكنه يحس بفوران طاقتها، يرى ألقها وبهاءها وجلالة طلعتها حيثما أطلت من الشرفة، وكلما غادرت المنزل أو قدمت إليه.


كان الليل قد بلغ سره حين صحا على عويل بعيد وهو لازال تحت شجرة التين تلك، كان نداء استغاثة من أحد الأصحاب٬ نداء الواجب إذن. إذ إن لليل عند الكلاب السائبة ساحات معارك ومنازلات، يكون بعضها حول فتات طعام أو عظام جافة أو حول منطقة نفوذ، وربما لكسب ود أنثى جديدة. وفجأة انتفض من خموله وغفوته، وانطلق كالسهم بأقصى سرعته باتجاه الحدث، كان صديقه الصغير في ورطة، انتهت فور وصوله، حيث إن الخصوم تعرفوا عليه وانهزموا دون الكثير من التردد.

الوقت متأخر جدا الآن للبحث عن طعام، فقد التهمت جحافل الجياع كل ما في القمامة أو حولها. ظل متسكعا بعدها حينا، ومستلقيا في شبه غفوة حينا آخر، لحين اشتعال الشروق.

وبدأ يوما جديدا


حين سرت به أرجله إلى بيتها ثانية، لم يكن يعلم أنه سيعيش اللحظة التي ستغير في حياته كل شيء.

فعلى مرمى من بيتها المطل على الحديقة العامة، توقف فجأة مشنفا آذانه وموترا ذيله إلى الأعلى، ملوحا باهتزازات شديدة تعبر عن الاهتمام الأقصى. فقد وجد نفسه على بعد أمتار فقط منها وهي مقبلة عليه تحث الخطى تجاهه، مع حذر ظاهر ورغبة جلية في الاقتراب منه أكثر.


تسمر مكانه وجمد رغم رغبته الشديدة بالاقتراب أيضا، إلا أنه في فضول شديد مع بعض الارتياب حول ما تجري عليه الأمور.

إنه كلب عادي من كلاب الشوارع الهائمة، لونه أصفر مغبر، تشوبه بعض البقع السوداء هنا وهناك وحجمه لايزيد عن المعدل كثيرا… له قامة جميلة وشعر لامع وهيأة مميزة تنبأ عن عمره الذي لايزيد عن السنتين. كما أن طاقته فوارة ومتناغمة مع وتيرة نشاطه المتغيرة، فهو في غاية اللطف والدعة والخمول حين يكون مسترخيا، وعاصفا مراوغا مقاتلا مهاجما خطيرا في أوارالنزالات، سواء ما خَص التدريب واللعب منها، أو حين يجد الجد مع الخصوم. وكانت عيناه أشد مايميزه. فبالإضافة إلى أنها تعلن عن ذكاء عالي، فإن لونها مميز جدا أيضا

كانت تميل إلى اخضرار داكن ومتغير من الرمادي إلى زرقة عميقة حسب قوة الضوء وشدته

أثناء الليل والنهار. وكانت هي أكثر ما شد دانييلا إليه.....


"تعال ولاتخف"، همست به وهي تلوح له بسندويش الهامبرغر. هاهي تعطيه أكثر بكثير مما يحلم به أي كلب! أي حظ جميل هذا!! فهو يستطيع الآن أن يقترب منها أكثر، من جهة، وأيضاً يلتهم مايطفئ وجار جمرة الجوع التي تتحرك مثل كرة نار داخل أحشاءه، من جهة أخرى.



لم يكن كل حذره وتوحشه أو تردده الكلبي كافيا للتغلب على كل هذا الإغراء... ثلاث أو أربع خطوات.. لا يدري إن هو مشاها، ركضها، أو أنها قفزة واحدة وضعته بين يديها٬ والساندويش بين أسنانه. كانت لحظات لا تنسى لم يكن كل هذا الجذل ولحظات النعيم الغامرة تلك شيئا مما تعود عليه أو مر به.


فرغم وجوده في المدينة التي تنعم بغزارة الطعام ووفرة البناء، إلا أن الغذاء ومكان النوم ليس من السهل الحصول عليهما دائما، فهو والكلاب أمثاله في حالة كدح دائم للحصول على الطعام ولو قليله، كما أن الحصول على مكان للراحة وبعض النوم صعب جدا بدون أن ينغص عليهم بطرد أو رجم بالحجر كما يحصل بعض الأحيان.


كانت المدينة تتوسع لتحتل كل الأماكن الفارغة التي كانت الكلاب تحفر بها جحورها، وتسوي بالأرض كل الاشجار والشجيرات التي كانت تستظل الكلاب السائبة بها من قيظ الحر، أو تحتمي بها من زمهرير الشتاء. وكان يبدو على الناس الضخامة والسمنة والبلادة جراءإفراطهم بالطعام، ومع ذلك فهو وزملاؤه الكلاب في جوع دائم وعوز كبير لمكان يضمهم.

استمر بمضغ السندويتش بتلذذ كبير، وبتحسس يدها تجول على ظهره ورقبته بتلذذ أكبر، يالهذا الإحساس العجيب من اللذة والمتعة التي يمكن لِيَد البشر أن تغمر بها من يهمها!! كان في أشد المتعة والاندهاش كمن يتمنى أن تستمر تلك اللحظة إلى الأبد. لذا وبعد أن مضغ آخر ماتبقى من الهامبرغر ظل واقفا ومستسلما مغمضا عينيه في شبه إغماءة ومسترخيا تماما لذلك النعيم.



بوبي... بوبي.. كررت ذلك بما يشبه الهمس في أذنه، لقد مكثنا هنا ياحبيبي بما يكفي تعال معي... وبلمسة رقيقة تحت فكه الأسفل وإشارة أن يتبعها، راح هو بدون أية مقاومة وبكل تلقائية يتتبع خطاها وكمن جرب ذلك مئات المرات. وما هي إلا عدة مئات من الأمتار، إلا وهو معها على أعتاب محل كبير ملأت واجهته صورة ضخمة لكلب مترف مهيب الهيئة لم يرى من نوعه في كل البراري التي جالها… له رأس ضخم عريض ويبدو عليه الرضى والقنوع وجنبه كيس كبير من (طعام الكلاب الأفضل).

وقفت وكررت مداعبته على رقبته وصدره وهو يمد لسانه طويلا إيماءمنه بالامتنان والرضوخ. سندخل هنا لنشتري لك بعض اللوازم قالت له. وكمن فهم كل حرف نطقت به، ندت عنه أصوات متقطعة صغيرة تجيبها بفرحه وقناعته بكل شئ منها، لامست رأسه بكل لطف وولجت به متجرالكلاب الضخم ذاك، وما ان رَآه صاحب المتجر حتى اكفهر وجهه وانسحب إلى الوراء قليلا، كمن يريد أن يستل هراوة لضربه، مستغربا للوهلة الأولى من وجود ذلك الكلب السائب في متجره الراقي للكلاب المهذبة. ولكنه عاود وضعه إلى الأمام بلطف مصطنع، بعد أن رَأى ازدياد التصاقه بدانييلا وابتسامتها الرقيقة المرسلة تجاهه.


بعد حديث قصير لها مع صاحب المتجر توفرت له فرصة أخرى لنهم المزيد من الطعام من صحن كبير قدم له وفيه أشياء بألوان وأشكال غريبة، ليس لها أي علاقة يعرفها مع أكل الكلاب المعهود. ولكن طعمها جعله يغوص إلى عالم من اللذة والتنعم لم يعرفهما أبدا من قبل. وقبل أن يتاح له الوقت أن يلتهم الكفاية من تلك الأشياء الساحرة العجيبة، أحس بيد صاحب المتجر الثقيلة ويدها أيضا ترفعان رأسه إلى الأعلى قليلا، وبرفق وحذر شديدين تمت إحاطة رقبته بحزام جلدي غليظ تتوسطه حلقات حديدية موصولة بحبل ينتهي إلى مقبض دائري يسمح للحبل بالتمدد قليلا أو معاودة الالتفاف ليكون أقصر، وحسب مايسمح به الشخص الماسك بالمقبض!! إن لذلك ثقل مزعج ومضايقة كبيرة لمجرى تنفسه جعله يحس بالغرابة والانزعاج، والضيق أيضا. تناولت هي بعض حبات الطعام السحرية تلك قدمتها له برقة وحنو مع همهمة منغمة ماكان له بعدها أن يحس بأي ضيق أو استغراب. وحين أشارت له أن يخرجوا من المتجر تبعها مطيعا وذيله يهز بكل اتجاه تأكيدا لفرحته ورضاه.



رافقها إلى بيتها بكل اهتمام، وحين دلف إلى الصالون معها أشرف على السقوط، تعثرت به الخطى وأصدر مختلف أصوات الاستغاثة، ذلك أن أرضية الخشب الملساء تلك ليست شيئا قد جربه أو عرفه من قبل. كيف له أن يخطو وأن ينقل قوائمه على تلك الأسطح المصقولة الملساء؟؟ وكيف يستطيع الاندفاع إلى الأمام إذا ما انزلقت كل رجل له في الاتجاه المعاكس لأي اتجاه يحاول التحرك نحوه؟ وبجهد بليغ تمكن من تثبيت أضافره في الأرضيّة والوقوف جنب دمية كبيرة بلهاء تأخذ مكانها في المدخل، ودانييلا تنظر إليه بدهشة! انفرطت بالضحك بعدها بلحظات...

"آه يا صديقي - قالت له- سوف تتعلم الحركة هنا داخل البيت مثل كل الكلاب الأخرى، أنا أعرف أنك ذكي وستتمكن من ذلك بسرعة".

وكمن فهمها ولا يريد إحباطها ظل ساكنا هادئا ولكن أيضا متشبثا بكل حذر بوقفته.


هكذا إذن، فالحياة معه لها منحا آخر الآن. لقد صار له اسم وحلقة عنق، صديقة جميلة حميمة وغذاء لذيذ موفور مع حبل يشد إلى رقبته كلما خرج.

بيت كبير دافئ يقيه التشرد ومعاناة بردالطبيعة وحرها، عواصفها ورعودها التي كانت ترعبه أيما رعب، ولكن الحركة محدودة مبرمجة ومقيدة كثيرا..


إنه لا يفكر كثيرا بالمعوقات والقيود الآن، على الأقل. فقد استطاع التعايش معها، ووجود دانييلا ولطفلها فاق كل معاناة، فقد خبر الكثير من البشر سابقا يبادرونه بالنهر والطرد والشتم وبعض ما يقذف من الحجر الذي يدمي الرأس أو البدن أحيانا، ودون أي سبب.


لم يسبق له أن جرب هذا النوع من المشاعر الفياضة والحنان والحب والعناية والاهتمام. هو مصدوم وغير مستوعب تماما كل ذلك الفيض من النعم. وكانت دانييلا تعامله بأقصى درجات الحب والرقة والدعة والعذوبة. "فارسها الجديد" الذي يحمل نقاء المشاعر وصدقها ولايوجد على سطح الأرض من هو أكثر منه وفاء وولاء لها.


فبعد فشلها المتعدد مع الرجال، قررت الابتعاد عنهم تماما، فمع كل من سعى إليها ووقع في غرامها- وهم كثر. كانت تكشف بذكاءها الحاد جدا وبغريزتها وفطرتها أنهم يعدون أكثر مما يستطيعون فعله في الواقع. ويعاهدون أكثر من أن يلتزموا، رغم كل الطاعة والإخلاص الذي يقدمونه أو يظهرون عليه، وأنهم وإن أخلصوا لها في كل مايتصرفون، فإن أرواحهم كانت تجول في حقول أخرى أحيانا، وكانت عيونهم تسرح على غيرها وإن كان ذلك عن غير قصد. وخصوصا في لحظات المتع واللقاءات في الأماكن العامة، أو مع الأقارب والأصدقاء. وكانت الخمرة تفعل دورها، إذ إنهم يفقدون حذرهم وسيطرتهم العادية، فيصبحون أكثر رقة ورومانسية معها، وأيضاً مع من يحضر الجلسة من الإناث.



كانت قد تربت في عائلة تتقن الالتزام في كل شئِ، وإن يكن ظاهريا. وصاغت فهمها وقيمها للحياة من تلك البيئة المثالية. من التزام أمها وأبيها الصارم الظاهر اتجاه بعضهما وإن لم يكونوا سعداء، ولكنهم كانوا يمشون في "الطريق السليم". كانت قد فهمت أيضا من صديقاتها حين يمزحن ، أنه لابأس للمرأة أن تشطح عن الطريق أحيانا ولو بخيالها، فذلك لابد منه، وهو ماقد يعطي العلاقة مع الشريك الحقيقي بعض الحميمية أحيانا. ولكنها كانت تقرف وتشمئز في داخلها من تلك الاقوال والتصرفات، كما أنها أيضا كانت في بعض الأحيان تغضب من نفسها وتلومها بشدة، حين يشطح خيالها هي أيضا مع شخص آخر قد رأته في حفل أو زميل في العمل، غير الحبيب الذي تشاركه الحياة، ثم تكبت وتطمر كل تلك الأفكار والأحلام الصغيرة، لتبدأ بعدها حملة من تأنيب الضمير أو الشعور بالذنب والخزي من نفسها ومن وساوسها.



كانت قد تمنت في داخلها ومنذ فترة أن تتفرغ للحيوانات، وللكلاب تحديدا، لوفاءها والتزامها مع أصحابها، كما أنها تعودت عليها حين كانت صغيرة، ولكن عملها كمستشارة قانونية في الحكومة ومنصبها الكبير يتطلب الكثير من الجهد والوقت. وحين لمحت "بوبي" قريبا من شرفتها على غيرمرة، جذبها بغرابة اهتمامه٬ بها ورأت فيه طاقة كبيرة من العنفوان والقوة والجمال، وأحست أنه سيكون وفيا معها.

"إذن سوف يكون يوما ما صديقي الوحيد"..

كانت تهمس كلما رأته يطوش الفتات حول البيت

وهكذا وخلال فترة وجيزة جدا تمت تلك الصداقة القوية والجميلة بين بوبي ودانييلا. لقد كانا سعيدين جدا مع بعضهما.



وخصوصا حين كانوايخرجون للنزهة اليومية، فخلافا للأيام الأولى من المعاناة في التعود على الطوق والحبل وتقيد الحركة، أصبح بوبي شيئا فشيئا سعيدا بهماـ أحيانا، وكان يمشي ويتحسس الطوق والحبل معها بفخر، حين يلتقي بعض المارة في الشارع، فهو الآن كلب عوائل كريمة بمظهره النظيف وحبله الراقي وهذا يعني أنه غير متسكع أو جائع، وله سلة جميلة ينام بها وبيت راقي يطوف به، وله من يحميه ويدافع عنه. لقد كسب شيئا من كرامتها، وما أغدقت عليه من حمايتها.



كان نشطا وفضوليا جدا حول كل شئ، وكان يستغرب كثيرا من تلك النظرة المنطفئة في عيون كلاب العوائل الأخرى التي يلتقيها على الطريق، كانت تنم عن سأم وخمول، بلادة أو لامبالاة لايعرفها. لقد التقى الكثير منها أيضا حين أخذته دانييلا يوما إلى مكان غريب جدا ذو روائح حادة ونفاثة بشكل كبير٬ وأرضيته من المرمر الصقيل. صعب جدا على أي كلب أن يسير عليها، بها موظفون كثيرون ببدلات بيضاء يوزعون ابتسامات يابسة على القطط والكلاب المتواجدة، إنه لا ينسى صعوبة تماسكه دون الهجوم على تلك القطط السمينة الكسولة لتمزيقها إربا، ولا يفهم كيف يمكن لبعض الكلاب أن تقترب منها، لا بل أن تحاول لمسهاومداعبتها أيضا، كما أنه لاينسى تلك الكائنة الغليظة التي أخذته مع دانييلا في غرفة مجاورة لتغرز في جسمه بعض الإبر التي جعلته يند عن زئير أرعبها، وجعل دانييلا تقترب لعناقه بحميمية لاينساها. إذ أنه كان يحس بطاقة الأنوثة الطاغية فيها بغرابة وفضول. كان يتطلع لها أحيانا بحميمية انتبهت لها وقلقت قليلا منها.



كان لتبديلها الثياب امامة انبهار وفضول شديد٬يشنفه لها آذانه، ويسمر عليها عيونه، ويصدر الكثير من الأصوات التي تنبئ عن الاهتمام الشديد



وكانت قد لاحظت أيضا انه يهتم بشكل خاص أيضا، بصديقاتها حين تقيم بعض الحفلات الصغيرة يشمهن ويتحسس أفخاذهن وصدورهن براسه٬ ولا يمل الاستلقاء في احضانهن. وكن يتندرن حول "الفحل الجديد" الذي دخل الفيلا، وكان هو سعيد باللمس والمداعبة معهن وفخورا بالإطراء الذي يتلقاه منهن. ومع انقضاء فترة ‘العسل’ الاولى اصبح للوقت وخصوصا في غيابها الى العمل ثقل وضيق ظاهران عليه.



رغم أنها كانت تعطيه من وقتها أكثر وأكثر، وصارت تتجه إلى البيت مباشرة بعد الدوام، وتلزم نفسها معه أو برفقته في أيّام العطل أو ساعات الفراغ، إلا أن روحه كانت تتوق بشدةـ وخصوصا وقت غيابها، إلى أصحابه وأصدقاءه وخصوصا حين يسمع تردد عواءهم الجميل في الرجع البعيد. لقد انتبهت دانييلا لهذه المشكلة وراحت تغدق عليه باللعب الكلبية، حسب وجهة نظر البشر، والتي تستمتع بها كلاب العوائل كثيرا، إذ تتعود على اللعب بها مُذ كونها جراء صغيرة. لم يعر الكثير من الاهتمام لتلك اللعب، فهو ابن الطبيعة البار يعرف جيدا كيف يكون اللعب واللهو حتى وإن أدى الى إسالة بعض الدماء.



وبعد استشارة بعض الأصدقاء والمختصين اهتدت إلى أن بعض الحيوانات تجد متعة مع التلفزيون، فما كان منها إلا أن اشترت أحدثها وبالحجم الكبير ونصبته قبالة فراشه في الصالون الكبير. فكان الفضول والاهتمام الذي أثاره هذا الثقب المربع الكبيرالعجيب في الحائط؛ الألوان والأحداث والأصوات التي تدور فيه، كبير وفوق كل التوقعات. فعند تشغيله لأول مرة جفل وأرتعب من شدة الصوت وحدته، وحين تظهر أشكال السيارات أو البشر بأحجام تبدو أكبر مما تعود عليه، كان يفر بعيدا وينبح بتواصل محموم، وحين تخفض الصوت إلى أقله يركض ثانية باتجاه تلك الفتحة ويبدأ بالشم والدوران ومحاولة إدخال راْسه فيها، فيصطدم بزجاج الشاشة مما يجعله يصدر عواء مكبوتا. كان رد فعله مدهش ومسلي جدا أضحكها بشدة أوقعتها على الأريكة. كما أنها اهتدت أيضا إلى ملاحظة لهفته وفرحته لرؤية الأطفال وبرامجهم، مع ملله الكبير من أفلام الكرتون. فصارت تتفرج معه برامج الأطفال. وقد انتبهت بالصدفة أيضا إلى حماسه منقطع النظير لرؤية كرة القدم. إذ أن للكرة متعة تاريخ ولهفة عنده، فقد رأى على غير مرة تدريب الكلاب البوليسية، في مدرسة الكلاب المجاورة وكان يتحمس دائما لرؤية الكرة تتدحرج، وحين نجاح الكلب بعضها وبجلبها إلى المدرب، ينهال عليه المديح والإطراء٬ مع تقديم بعض الطعام لتلك الكلاب الشبعة أصلا، بينما يتضور هو وأصحابه من الجوع. إلا أنه كان يتعجب من تلك الطريقة التي يتعامل بها اللاعبون مع الكرة، فعند توجه الكرة إلى أحدهم يلامسها أو يضربها برجله ويدفعها بعيدا عنه، بدل أن يعضها ويركض بها الى احدى الزوايا ليشبعها عضا وتقطيعا. وحين كان اللاعبون يركضون كان يركض أحيانا بجوار التلفزيون ليجد نفسه بعيدا جدا عن مكان الحدث. كل ردود الفعل تلك والتصرفات جعلتها تحبه أكثر وتضحك وتستمتع بوقتها أكثر معه.



وفِي صباح يوم ربيعي جميل صادف أحد الأعياد، صحت هي مبكرة كعادتها وأطلت عليه وغمرته باللمس والكلمات الجميلة الناعمة وفتحت كل نوافذ الدار استقبالا للربيع ولهواءه المنعش العطر، وخصوصا في الصباح الباكر، ثم اتجهت لإعداد قهوتها وفطورها في المطبخ.

وها هو في غرفة المعيشة وحيدا أمام الشباك الكبير المفتوح. حر بدون طوق أو حبل، كان يعيش فضول التوق إلى الحرية إلى أقصاه، وقد غمره الصباح وهواءه المنعش العذب بكل طاقته، واقترب أكثر وأكثر من الفتحة المطلة على الحديقة ومن ثم إلى الفضاء الحر الرحب.



وقف هناك شاخصا بنظره إلى الفضاء٬ وهو يسمع في داخله نداء الأصوات التي تدعوه إلى الأصدقاء والأصحاب ويستمتع بسماع أصداء عوائهم الجميل، وتاركا الهواء يعب إلى رئتيه حاملا كل ذلك المسك والطيب الكلبي. كان الإغراء كبيرا، فبقفزة واحدة الى الخارج سيتمكن من لقاء أصحابه. كما أنه اشتاق لخصومه أيضا، إذ أنه وفِي عالم الكلاب الجميل لايوجد هنالك مكان للحقد والتحامل على أي كلب. فعند اختلاف المصالح وتعارضها يكون الخلاف والقتال حول تلك المصالح، وليس حول شخص من يمثلها، والحسابات تصفى أولا بأول ولا شئ يترك للمستقبل. ولهذا فبعد تلك المعارك يمكن جدا لعدو الأمس أن يكون صديقا جديدا، إذا كف عن مضايقته للآخر، كما يمكن لأي كلب صديق أن ينتقل إلى معسكر الخصوم، إن هو اختار ذلك. وبهذا فلا يدان أي كلب لكينونته بل لفعله وموقفه.



لقد اشتاق بشكل خاص إلى صديقته، تلك الكلبةالسوداءالجميلة، ذات النونة البيضاء بحجم قطعة نقود والتي تتمنى كل الكلاب الشابة الأخرى الاقتراب منها، وهو لازال يتذكر تلك الأحاسيس اللذيذة معها في آخر لقاء وقبل فترة ليست بالبعيدة. إذ أنه حين غمره عبق عطرها الأخاذ في فجر أحد الأيام وهو في استراحة قصيرة بعد نزال شرس مع إحدى الفرق النزقة على الجانب الآخر من المدينة، نهض بكل نشاط وهمة تجاه تواجدها، وحين رأته مجموعة الذكور الخمسة، التي كانت تتنافس فيما بينها، والتي أصابها ما أصابه من سحر الرغبة في الانغماس في ضيع عطرها الكلبي الأخاذ٬ والتزاوج معها، ما كان لهم إلا أن يفروا بعيدا خوفا من بطشه، غير قادرين على أكثر من التفرج عليه وعليها وهو يفرغ كل مالديه من نشوة وحنان كلبيين في أحشاءها. وهي تقاسمه كل تلك المشاعر والأجواء التي تغمرهما بسحر وتلذذ لامثيل لهما. لقد أطالت القبض على قضيبه في فرجها لفترة طويلة، أثارت مخاوفه أيضا. إذ أنه لايخشى من شراسة الكلاب الأخرى بقدر شراسة بعض البشر. فقد خبر أن الحيوانات على أنواعها لاتهاجم إلا إذا كانت جائعة أو تحس بالخطر والتهديد، وتكون مسالمة جدا بعدها، إلا أن البشر يقومون بصيد أو تعذيب الحيوانات للتسلية أحيانا وللتجميل أحيانا أخرى.



وقد شهد ذات مرة وفاة صاحب له أثناء مجامعته لكلبته. بالحجر الذي بدأ ينهال على رؤسهم من بعض الشباب وهم يستمتعون بمحنة ذينك الكلبين، إذ لم يكن بمقدورهما الانفصال عن بعضهما٬ حتى يتم للذكر بعد الرهز المستمر٬ أن ينتج الحيوانات المنوية ومن ثم قذفها. لقد عد نفسه محظوظا جدا واستمتع أيما متعة بذلك الجماع الأخير.



وثبة واحدة إذن تفصله عن تلك الأجواء وهو يقترب أكثر وأكثر من تلك القفزة مع تقافز كل تلك الذكريات والأحلام البعيدة في داخله. وحين أخرج أكثر من نصفه إلى الفضاء الحر الساحر، التفت إلى داخل المنزل وغمره من جديد دفء وسحر آخر. فصوتها وعذوبتها ولمس أصابعها له لازالوا يطوقون كل خلية فيه، كما أن إحساسه بوجوب الوفاء لها وحمايتها جياش في داخله أيضا، ووسط كل تلك التناقضات اختار أن يخلص لوفاءه الكلبي وأن يتراجع خطوة إلى الداخل ويبقي أحلامه في الحرية حيث هي. كانت تراوده رغبات كثيرة، منها أنه لويستطيع أن يذهب إلى أصدقاءه للعب طول الْيَوْمَ ثم العودة لها في المساء، أو أن تأتي كلبته الجميلة هنا في حديقة الدار ويقضيان الوقت في اللعب أو العض اللذيذ والمصارعة.



خرجت من المطبخ مع فنجان قهوتها منتشية مغنية، وإذا بها ترى بوبي أمام النافذة وعينيه تعبران عن آلام وأحلام وتطلعات. "حبيبي، صاحت بصوت عالي وركضت إليه، كان لايزال قريبا جدا من الوثوب إلى الهواء الحر، طوقته بقوة، ولأول مرة يحس بالضيق منها ومن حضنتها. غمرته بكل ماللأنثى من سحر وحنان طغى على كل مابداخله من رغبات أخرى. ثم سارعت لغلق الشباك قائلة لن يفتح هذا مجددا أبدا، ولن أسمح لغلطة سخيفة أن تضيعك مني. كان لذلك أثر بالغ.. فبقدر ما تلذذ هو بالفرحة والحب، بقدر ماحزن وغضب على غلقها للشباك.

فقد أراد أن يعيش برغبته حرا معها، وها هي تغمره غصبا، بكل ما أحبه فيها من حنان، فجعلت لحلمه بالحرية توق وشوق يعذبانه.



لقد كان يعد نفسه حرا فخورا قبل لحظات، فأصبح يحس أنه أسير كسير، وهو حيث هو لم يتغير مكانه أو مكانته.



وحين عم المساء تقاطرت صديقاتها ببدلاتهن الفاخرة وعطورهن الفواحة، وهن يجلبن معهن مالذ وطاب من الطعام والشراب. فقد اتفقن فيما بينهن على أن بيت دانييلا هو الأفضل للقاءات والحفلات الخاصة. وهن على استعداد لجلب كل ما يخص الطعام والشراب، كما الترتيب والتنظيف قبل المغادرة أيضا.



إنه الربيع وأجواءه الخلابة الساحرة، وقت التزاوج والتكاثر لكل ما وجد على أرض البسيطة، له وضع وسحر وطاقة من نوع خاص جدا. فكل ما في الكون يتأثر بالسحر والتناغم والحث الذي يغمر الأجواء، وهن، وإن كن يعرفن أن الأمسية نسوية لا رجل فيها، إلا ان معظم الأحاديث كانت تدور حول الرجال. وكل واحدة منهن قد تجملت وتأنقت وكأنها في ليلة زفاف.



فاتن ومغر ذلك السحر التي يجوب مع الأنثى حيث ماحلت، وخاصة إذا ما كانت على تواصل مع مكنون عواطفها ودفقان طاقتها. كما أن دانييلا هي الأخرى قد تأنقت وتألقت كملكة جمال متوجة للتو. لبست أرقى وأحلى مالديها من ثياب؛ الوردي الحريري ذو فتحة الصدر التي تصل إلى ما يقرب السرة، رمت حمالة الصدر جانبا ليتهادى ثدياها الناهدين ولتبرز تدور ووقوف حلمتاها النافرتان خلف الثوب الرقيق، وكأن كل خيط فيه يعانق ويتحسس تلك النهود بشبق ولهفة لاتكل.



وكان بوبي منبهرا مشدودا طوال الساعة التي تتزين فيها وتبدل في فتح وغلق العطور والكريمات والدهون الراقية. كان قد اتخذ وضع نصف جالس قبالتها وحرص على أن لايصدر أي صوت يعكر صفاء تلك اللحظات الساحرة، مركزا نظره وكل أحاسيسه تجاهها.



لقد كانت حفلة مميزة بالفعل، فقد انطلقن بكل جوارحهن بالفرح والرقص وسماع الموسيقى والنكات، بعيدا عن الرجال ونكدهم وعقدهم ونزقهم وفورانهم الذي يخرج عن السيطرة أحيانا، فيحول اللقاء أوالحفل إلى نكد وحزن.

كما تحدثن بصراحة كبيرة عن المغامرات الغرامية وعن المخالفات أيضا. وكانت بعضهن يتفاخرن بقدرتهن على كسب الرجال أو التحكم بهم.



وكان هو محتار بين مداعبةولعب تلك الإناث الساحرة معه وبين التلفزيون، وهن سعيدات بوجوده أيما سعادة. وأضاف هو بنشاطه وظرافته مسحة إضافية من الفرح والمرح على الأجواء. وحين هبت موجة من الصيحات والأصوات من التلفزيون، تركهن وركض مسرعا تجاهه بفضول كبير واستمر بالنباح أمامه، متسمرا وهازا ذيله بحماس منقطع النظير.



وحين مرت إحداهن أمام هذا المشهد، صرخت مع قهقهة عالية... يا إلهي كريستيانو... إن بوبي يشجع ريال مدريد!! وحين سمعت دانييلا وبقية الصديقات هذا، تسارعن أمام الشاشة الكبيرة٬ ليروا الاهتمام والفرحة الكبيرة على بوبي وهو يركز على وجه كريستيانو بعد تسجيله الهدف الذي حسم المباراة لصالح فريقه.



لقد كان لهيئة كريستيانو أثر بالغ عليه، فهو الشبه العجيب لبائع زهور غجري متجول في السوق القريب. وكانت بينه وبين ذلك البائع علاقة حميمة وقصةمن نوع خاص. فقد كان دائم العطف عليه بما يتيسر له من الطعام، فأحيانا بعض بقايا المعكرونة، وأحيانا أخرى كسرة خبز يابسة. وكان هو شكورا جدا بطريقته. بعدها تطورت العلاقة فيما بينهما، فقد اكتشف البائع الجوال ذكاءه الغيرعادي مما دعاه أن يعلمه حمل إحدى سلال الزهور معه في السوق، وكان هو فرحا جدا يطوف وسط اندهاش النساء والأطفال، ويترك السلة تسقط من فمه متى ما احس بالملل، ليعود في الْيَوْمَ التالي أو متى سنحت له الفرصة إلى عمله التطوعي ذاك. وكان صديقه البائع فرحا به في جميع الأحوال.



كان للبائع ذاك دور سري كبير في إدارة حركة سياسية تضع أهدافا أمامها في محاربة الفساد وترسيخ العدالة الاجتماعية، وتعزيز حقوق العمال. وقد استفاد من ذكاء بوبي في تعليمه إيصال البريد السري للجماعة أو الحزب الذي ينتمي إليه. فكان يزور الأماكن المهمة معه، ويأخذ من أصحابه المتواجدين هناك منديلا يشممه له، وحين تدعو الضرورة إلى اجتماع طارئ أو تحذير مهم، يصنع له سلة صغيرة من الورود تختبئ فيها الرسالة ويشممه منديل الشخص المعني، ليتم إيصال الباقة مع الرسالة بكل دقة، وليحصل هو على مكافأة من قليل من الطعام أو كثيره.



وفي أحد الأيام انتبه بوبي وهو في الحديقة العامة إلى جلجلة وتزاحم للناس في الساحة القريبة من السوق، وكان صاحبه قد صعد على قفص كبير للدجاج ليهتف ويلقي كلاما والنَّاس تردد وراءه بحماس. بعدها بقليل تجمع المئات من الشرطة بسياراتهم المصفحة وهراواتهم وانهالوا على الناس بالضرب. ووسط ذلك التجمهر والاضطراب اقترب هو لصق صديقه البائع وحين اقتربت الشرطة منه لاعتقاله باشر بمهاجمتهم بشراسة شديدة، مما دعى مجموعة منهم إلى التفرغ له والانهيال عليه بالضرب. ومن ثم أدخل مع صديقه إلى سيارة مصفحة ضيقة ومعهم جمع آخر من المتظاهرين٬ ومن ثم إلى زنزانة تضمهم جميعا.



لقد حرصت الشرطة على إبقاءه مع صديقه والآخرين لإذلالهم أولا، وليثبتوا للمحكمة لاحقا أن هذا القائد العمالي قد أعد ودرب ذلك الكلب المتوحش لمهاجمة رجال القانون. خصوصا وأنه أوقع العديد من الإصابات البالغة بين رجال الشرطة. فكان هو الدليل المادي الدامغ الذي يضمن لصاحبه الحكم لأطول فترة بالسجن.



وكانت تجربة السجن خاصة جدا له، فقد تمكن من التعرف على أناس مسالمين يعاملونه باحترام خاص، ويتندرون برغم آلامهم ومعاناتهن من التعذيب. فأصبحوا ينادونه السياسي المحنك أحيانا، أو القائد المناضل أحياناأخرى.. لأنه أبلى أكثر من أي منهم في مقاومة الشرطة ومهاجمتها. وحين حان موعد المحاكمة وتم إخلاءهم من الزنزانة إلى قاعة المحكمة. تمكن بخفة ورشاقة من التسلل بين أرجل الشرطة وإطلاق العنان لأرجله ان تعب من الشوارع والحدائق الى العراء ثانيةً.



وحين رأى كرستيانو الآن في ذلك الثقب المربع، والنَّاس يحيونه وفخورون به٬ رأى فيه صديقه الغائب وتمنى لو استطاع أن يعانقه وأن يعبر هو الآخر عن فرحته به. وكان مشهده ذاك لا ينسى وقد أثار موجة من الضحك الهستيري عند بعض الصديقات والاستغراب الكبير عند الأخريات.



"كيف عرفت أنه كريستيانو أيتها اللعينة؟ هل تفهمين في كرة القدم؟؟" تساءلت الصديقات. فأجابت والضحك المضرج بالخجل أنه اللاعب المفضل لدى طليقها. حيث أنه كان يحدثها كثيرا عنه وعن شهرته العالمية وألقابه الكثيرة وأشهرها قاتل الحراس. وحين ألحت الصديقات عن سبب تضرج وجهها بالخجل وهي تروي تلك المعلومات. عدلت من جلستها وأنهت ضحكها وأجابت بشئ من الجد، وبحة من الأسى والحزن احتلت مساحة صوتها شيئا فشيئا؛ حسنا أنتن الآن في جلسة صراحة وسوف لن أكون استثناء، لقد قلب هذا الوسيم الأسمر حياتي كلها، فقد وصلت العلاقة الحميمية مع زوجي السابق إلى نهايتها بعد أحد عشرة سنة من الزواج، العمل والإرهاق لتكوين أنفسنا وبعدها الأطفال وكل مايدور حول تعليمهم وتربيتهم، بردنا تجاه بَعضنا وتسلل الملل والرتابة إلى إيقاع حياتنا شيئا فشيئا. وحين اقترب موعد عيد ميلاده الأخير، سألته عن قائمة الهدايا التي يتمناها في هذا الْيَوْمَ لأعطيها للأهل والأصدقاء. وحين وضع عطر كريستيانو رونالدو في أعلاها وراح بمتعة ولمعان في عينيه يشرح لي عنه ـ وكان هو شاطرا في السرد والتشويق، سرحت أنا عنه وعن بيتي وعن المكان وراح خيالي يبني الصور ويصيغ عالم من القوة والنشاط والفحولة عن كرستيانو ذاك، وسارعت لأكون الأولى لشراء تلك الهدية لزوجي العزيز من أكبر محلات العطور في المدينة، وصرت اتابع صور وأخبار ذلك اللاعب الشهم الوسيم. وقمت بحفلة عيد ميلاد رائعة لزوجي. وحين رحل آخر الضيوف وغط الأطفال في سبات النوم، قررت أن أكمل هديتي لزوجي بليلة جنسية حميمية. وكان هو في أشد السعادة لذلك.



ولكن وحين غصنا في المداعبات والجنس وأقبلت على الحركة المفضلة لديه بمص قضيبه، اختفت صورة ووجود زوجي من أمامي وظهر مكانه كريستيانو!! استمريت بالمص بقوة وحميمية أكثر وبتفاصيل أخرى ممتعة له. وكان زوجي في قمة السعادة والامتنان، وأنا مستمتعة أشد متعة وأقصاها مع كريستيانو، وتلت تلك الليلة ليال حميمية أخرى تعجب فيها زوجي من قدراته وقدراتي في التجدد وإعادة النشاط. وكان كريستيانو حاضرا في كل تلك الليال، فما إن يخفت الضوء ونباشرالجماع حتى يكويني جسد كريستيانوـزوجي ببركان من الحمم اللذيذة وأنا بدوري أطرحه أحيانا وأولج قضيبه فيه وأمارس دور الفارسة التي تزيد من شراستها كلما سمعت صرخاته وتأوهاته. حتى وصلت المتعة في أحد الليالي إلى قمة فقدت فيها كل إحساس بالمكان والزمان وكان هو يسارع ويقوي الإيلاج في وحين وصلنا الذروة سوية صرخت بأعلى صوتي وبلذة هائمة كريستيانو...

كانت تلك اللحظة التي قضت على كل شئ، (وباشرت في البكاء المرير) شعرت بالخزي والعار يغطيني من رأسي إلى أخمص قدمي. وانا ارى ذهول وانهيار زوجي وحبيب عمري امامي. ولَم تنفع كل تبريراتي أمامه بأني كنت سعيدة بعطر كريستيانو الذي يضعه٬ ولَم يشفع لي إخلاصي المنقطع النظير له فقط طيلة فترة حبنا وزواجنا.



تغيرت نبرة صوتها بعد ذلك إلى خليط من النشيج والولولة... الوغد الخبيث أصبح يأتي بإحدى زميلاته إلى البيت وعلى فراشي ليمارس معها، يهمل الأطفال، ويتغيب عن العمل وغير عابئ باي شئ. كيف لي أن استطيع العيش مع خنزير مثله بعد ذلك.



تدافعت الصديقات نحوها بالضم والقبل وأخذتها إحداهن إلى الحمام لتساعدها في إفراغ بعض من ما في جوفها ليخفف ذلك من تأثير الخمرة عليها. أحس هو بالبلبلة التي أصابت الصديقات من جراءه، فترك التلفزيون وجلس قرابتهن يشاركهن الاهتمام والإصغاء.



وبحركة عفوية منه أعاد إلى الأجواء مرحها من جديد. فقد قلب نفسه واستلقى على ظهره مادا أذرعه وأرجله في كل اتجاه، مصدرا زفيرا بصوت مسموع صادر من أعماق صدره، مما جعل إحدى الصديقات- وهي مدربة يوغا تنبه الكل له وتشير؛ انظروا إلى هذا الوضع المريح، إنه جدير بالممارسة، وألقت نفسها على الأرض بجانبه، ليكرر التمرين معها هذا المرة، ولتتعالى الكركرات والتعليقات من الجميع. مع انبطاح الجميع جنبهما لينفذوا ذلك الوضع المريح المزيل لأي توتر والذي اقترحه بوبي. احتضنته الصديقة اليوغية مداعبة؛ ومدرب يوغا ايضا!!

كانت ليلة مثيرة وقد ”تمادى“ بوبي في الاقتراب ومغازلة الصديقات



بعد مغادرة الجميع ألقت دانييلا نفسها متعبة على الكنبة، واقترب هو منها وحين دعته أن يصعد ويشاركها الاضطجاع، قفز وبدون تردد وألقى نفسه بأحضانها مادا قوائمه بموازاتها، مستسلما لمداعبتها وملامستها له. كان يتنعم ويصدرأصواتا متناغمة صغيرة مع تجوال يدها الرقيقة على أنفه، شعيراته المجسية الموزعة حول فمه، أعلى راْسه، بين أذنيه، رقبته وصدره وبطنه وحين دست يدها بين فخذيه انتبهت إلى حرارة وتوتر قضيبه ونعومته. كان صلبا كالفولاذ، ناعما كالحرير، لزجا وراجفا كسمكة حديثة الاصطياد. حركت يدها إلى الأسفل بسرعة فلامست خصيتيه، وبدون أي سيطرة أو تفكير راحت تصعد وتنزل بذبذبة بندولية وهي تحس بحرارة تتصعد في جوفها وضغط كبير في ملتقى فخذيها. صارت ترجف هي الأخرى وأصبحت العضلات تحت جفنيها ترجف بشدة.

كان هو مصعوقا يتلوى في أحضانها، غطى رأسه بقائمتيه الأماميتين وأصدر أصواتا تقترب من مواء القطط اوغمغمات الأطفال حين يحاولون النطق لأول مرة.

توقفي... صرخ صوت في رأسها كأنه هزيم الرعد...كان ذلك صوت أمها يأتي من الماضي البعيد. هي تجلس شبه عارية في الوسط سعيدة مبتهجة بزيارة أصدقاءاَهلها مع ابنهم الصغير، وقد نالت من الاهتمام والمديح والهدايا نصيبها ذلك الْيَوْمَ، فقد انتبه جميع الأهل والاصدقاء إلى ذكاءها المتوقد، حيث تمكنت من النطق بعد إكمالها عمر السنة بقليل، وحيث أنها كانت تحفظ كل الأرقام وتعيد كل الحكايات التي يحكيها لها أبواها من كتب الأطفال.

كان عمرها لايزيد عن الثلاثة أعوام، وكان القيظ قاس تلك السنة. ومع الحر والرطوبة وانشغال الأهالي فيما بينهم، راحت تجول بإبهامها وسبابتها حول وداخل كسها الصغير، ومن ثم تمدها على زب ألكس ـ هكذا كان اسم الطفل الضيف، متفحصة ومقارنة. وحين لمحتها أمها وهي تقوم بحركتها تلك، حملقت فيها وصرخت بها موبخة بأعلى صوت، ثم سحلتها من يدها على الأرض وبكل قوة إلى جنب، مكيلة لها المزيد من التوبيخ والتهديد إن هي عاودت القيام بذلك. كانت إهانة شديدة أمام الجميع وصدمة كبيرة، مع أزمة مبكرة لعقلها الفضولي التواق إلى المعرفة. ماذا حدث، ولماذا؟؟



توقفي، توقفي عاود الصوت من جديد وبقوة أعلى، سحبت يدها من على بطنه واستقامت في جلستها على الأريكة، نهضت بسرعة وربتت على رقبته وداعبته قائلة: لاعليك ياصديقي العزيز، رغم أن الامر مكلف قليلا إلا أننا سننجزه قريبا…

تركته وهو في ضياع كامل وفِي الم وتأوه شديد.



دلفت إلى الحمام لتكتشف أنها مبللة تماما بين فخذيها، نظرت إلى نفسها، أحست بالخزي والعار دون معرفة لماذا.

فقد كانت تحاول أن تجهد عقلها دائما في أن تجد مسطرتها الخاصة في قياس الأمور وتمييزها إن كان ما تقوم به مناسبا أم لا، بعيدا عن أحكام الآخرين. وكانت تنتهي غالبا إلى استنتاجات بعيدة عن قناعات الآخرين وفهمهم وقيمهم، ولكن مشاعرها تعبر عن قناعاتهم وقيمهم٬ لا عن فهمها وقناعاتها الجديدة.



بعد بضعة أيّام عادت به إلى نفس المكان الأنيق ذو القطط السمينة والكلاب المملة، ودخلت به ثانية على نفس الموظفة الغليظة، وبمداعبة لطيفة من يدي دانييلا استجاب لها واستلقى على مايشبه السرير، صحا بعدها وهو في البيت، كان متعبا جدا لايقوى على النهوض. استسلم للنوم ثانية، وحين صحا كان الوقت صباحا وهي معه كعادتها كل عطلة نهاية الأسبوع. أحس بالكسل الشديد أيضا. ألقت عليه نظرة وديعة وهي مسترخية على الكرسي الهزاز أمامه. كل شئ على ما يرام يا صديقي قالت له، سنبقى صديقان إلى الأبد ولا شئ يفرق بيننا.





لم يحس بكلامها هذا المرة عكس كل المرات السابقة، رآها تشبه الدمية البليدة التي تنتصب بالممر مع شفتين متحركتين، كما أحس أن جذوة الحياة المشتعلة في داخله قد أُطفِئت وأن الألق الجميل الذي يظهر أمام عينه كلما رآها قد حلت محله سحابة داكنة كئيبة.

ثم وجهت الكلام له ثانية؛ بدأ الجو يبرد وسأجلب بعض الحطب للموقد لننعم بالدفء، خرجت تاركة الباب مفتوحا. حين حاول تحسس نفسه، باشر باللعق وحين وصل إلى مابين فخذيه رأى خيطا يابسا من الدماء لعقه بكل تمهل وبرود. قام بعدها باتجاه الباب وحين خرج وقبل وصوله للشارع ألقى نظرة أخيرة عليها وكأنه يعلن التزامه بكلبيته التي لاتسمح له أن يعيش معها أكثر من ذلك، وقد فقد كل حماسه وإحساسه تجاهها وفقد معه كل رغبة لحمايتها.



في طريقه إلى المجهول تذكر كل وجوه الكلاب البليدة تلك، وأحس بالفخر ثانية أنه لم يستمر ككلب عائلة

ولكنه بنفس الوقت كان قد تأنسن أكثر مما يجب. حيث لا مكان له وسط الكلاب السائبة بعد الآن.

لم يحتر أبدا في وجهته فالصحراء على مرمى حجر منهم، سيغوص في أعماقها ويغمر نفسه في أحضان أمه الأرض. فهي رؤوم ستحتضنه وبكل ما به من جراح.





رأى في طريقه خمسة من الجراء النشطة الجميلة، كانت تلعب وتتقافز، تكر وتفر فيما بينها بحيوية ونشاط. وحين رأته يقترب منها جفلت، وتساءلت آذانها عن هذا الغريب. لم تحرك ساكنا حين مر بقربها، واصلت اللعب في كل اتجاه وحين اقتربت من بيت دانييلا، هربت مذعورة في الاتجاه الآخر.



#علي_ديوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة....حياة
- حول تصريح السيد نوري المالكي حول اللاجئين
- ترجمة الخطاب الذي القي امام السفارة العراقية في كوبنهاكن يوم ...
- ازمة غزة والاعلام الالكتروني
- ضرب الرئيس الاميركي بيل كلنتون بالاحذية العراقية والدنماركية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ديوان - مذكرات كلب سائب